شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ضمّ/ ي صوتك إلينا!
حروب الظل بين إسرائيل وإيران... كيف تُدار معارك العملاء خلف خطوط

حروب الظل بين إسرائيل وإيران... كيف تُدار معارك العملاء خلف خطوط "العدو"؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة

الاثنين 6 يونيو 202202:18 م

في الساعة الرابعة عصراً، وعلى مقربة من مقرّ البرلمان الإيراني، وفي شارع محي الدين الإسلام، أكثر المناطق أماناً في العاصمة طهران، وحيث يقطن مسؤولون كبار من الحرس الثوري، تم اغتيال العقيد في الحرس الثوري، حسن صياد خدائي.

اغتيل العقيد خدائي، يوم الأحد 22 أيار/ مايو، في سيارته وأمام بيته، بخمس رصاصات أطلقها رجلان مجهولان كانا يستقلان دراجةً نارية. تعليقاً على العملية، قالت الخارجية الإيرانية إن "اغتيال خدائي عملية إرهابية وجريمة تتحمّل مسؤوليتها عناصر مرتبطة بالاستكبار العالمي"، مضيفةً أن عملية الاغتيال لن تمنع طهران من تحقيق أهدافها.

ووصفت وكالة تسنيم الإيرانية للأنباء، خدائي، بـ"أحد المدافعين عن الأضرحة"، وهي العبارة التي تستخدمها وسائل الإعلام الإيرانية للإشارة إلى الأفراد الذين أدوا مهمات في سوريا والعراق، حيث تعلن طهران عن وجود عناصر من قواتها المسلحة تحت مسمى مستشارين.

وبحسب وكالة "أسوشيتيد برس"، فإن المدعي العام في طهران وصل إلى مسرح العملية خلال ساعات قليلة، مما يعكس المكانة التي كان يتبوّأها خدائي في صفوف الحرس الثوري، ويعزز هذا الافتراض حضور قائد فيلق القدس، إسماعيل قاآني، تشييع الجنازة.

وأوردت صحيفة "نيويورك تايمز"، أن إسرائيل أبلغت المسؤولين الأمريكيين وقوفها وراء عملية الاغتيال، في محاولة لتحذير طهران من استمرار عمل وحدة سرية مزعومة ساعد الهدف في قيادتها، فيما ذكرت الإذاعة الإسرائيلية أن خدائي متورط في عمليات إرهابية ضد أهداف إسرائيلية في تركيا وقبرص وكولومبيا وكينيا.

اغتيل العقيد خدائي، يوم الأحد 22 أيار/ مايو، في سيارته وأمام بيته، بخمس رصاصات أطلقها رجلان مجهولان كانا يستقلان دراجةً نارية، في شارع يقطنه كبار ضباط الحرس الثوري

كما كشفت إيران، صباح 3 حزيران/ يونيو الحالي، عن مقتل العقيد في الحرس الثوري الإيراني، على إسماعيل زاده، في ظروف مريبة، بسقوطه من على سطح منزله، ما يفسح المجال للربط بين الحدثين وبين التفجير الذي استهدف منشأة بارشين، الخاصة بالصناعات العسكرية الإيرانية، في 27 أيار/ مايو الماضي.

قواعد اللعبة

ترى الباحثة والمحللة في الشؤون الإسرائيلية، سارة شريف، أن "اغتيال خدائي ليس العملية الأولى، ولن يكون الأخيرة من بين العمليات التي يُشار في تنفيذها إلى إسرائيل، ما يعني عدم تغيير قواعد اللعبة بين الجانبين، بالرغم من اتخاذ الصراع شكلاً تصاعدياً بينهما، من خلال استهداف إسرائيل للشخصيات المرتبطة بالمشروع النووي على الأراضي الإيرانية".

وتضيف في حديثها إلى رصيف22، أن "الأمر إن دلّ على شيء، فإنه يدلّ على الشبكة الواسعة للعملاء الإسرائيليين في الداخل الإيراني، ويعزز هذا الرأي، إعلان الجانب الإيراني القبض على عملاء للموساد، أدلوا بمعلومات عن مكان تواجد العميد قاسم سليماني، مما أدى إلى تصفيته على يد المخابرات الأمريكية بمساعدة الموساد الإسرائيلي".

واغتيل قائد فيلق القدس، العميد قاسم سليماني، ونائب رئيس الحشد الشعبي العراقي، أبو مهدي المهندس، مطلع العام 2020، في عملية ساوى البنتاغون في تقييم تداعياتها بينها وبين الحرب النووية، "شديدة السرية والتعقيد"، واطلعت ثلاثة فرق من مشغلي قوة "دلتا" الأمريكية خلالها على مواقع سرية ومخفية في مطار بغداد الدولي، تمهيداً للقيام بها، وفقاً لتقرير نشره موقع ياهو نيوز، ونقل فيه المعلومات عن لسان أحد المسؤولين الأمريكيين في إدارة الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب.

حروب الظل

اغتيال خدائي هو الاغتيال الثاني بعد محسن فخري زاده، وتنسبهما إيران إلى إسرائيل، ما يدعو إلى الافتراض أن هناك سياسةً إسرائيليةً جديدةً تقضي بعدم السماح للإيرانيين بمحاربة إسرائيل بعيداً عن حدودهم، عن طريق وكلائهم الموجودين في الدول المحيطة بإسرائيل. مما يؤدي إلى إلحاق الأذى والخسائر بالأخيرة، من دون دفع الثمن من قبل طهران. لذا تفترض السياسة الجديدة نقل الحرب إلى الأراضي الإيرانية، بأهداف تتعدى تعطيل البرنامج النووي الإيراني وعرقلته.

إن صحّت التقارير الواردة عن مسؤولية إسرائيل عن عملية اغتيال خدائي، فهي جزء من حرب الظل بين إيران وإسرائيل، بحسب مدير برنامج الأمن والدفاع في مركز صنع السياسات، اللواء الركن ماجد القيسي.

ويقول القيسي، لرصيف22: "تستهدف إسرائيل الرموز المرتبطة بالبرنامج النووي والصاروخي الإيراني، بالإضافة إلى شخصيات تتولّى أدواراً مساعدة للسياسة الخارجية الإيرانية، مع شخصيات تنتمي إلى تنظيمات موالية لها، ضمن سياسة إسرائيلية تقوم على التعرّض لمراكز الثقل الإيرانية، وهذه الشخصيات جزء من هذه المراكز".

اغتيال خدائي هو الاغتيال الثاني بعد محسن فخري زاده وتنسبهما إيران إلى إسرائيل، فيما ترد طهران (حسب زعمها) بعمليات اغتيال كالتي استهدفت الجنرال شارون أسمان في نتانيا، في  ظل قناعة متبادلة بأن المواجهة المباشرة غير واردة 

في تشرين الثاني/ نوفمبر عام 2020، اغتيل كبير علماء الذرة الإيرانيين محسن فخري زاده، في مقاطعة دماوند، بالقرب من العاصمة طهران. وتعدّ وكالات استخبارات غربية فخري زاده، المسؤول عن برنامج سرّي للأسلحة النووية في إيران. وتفيد تقارير بأن دبلوماسيين وصفوه بـ"أبو القنبلة النووية الإيرانية".

ونقلت "نيويورك تايمز"، عن شخصين منتسبين إلى الحرس الثوري الإيراني، أن خدائي لعب دوراً رئيسياً في نقل تكنولوجيا الطائرات من دون طيار والصواريخ إلى الميليشيات المدعومة إيرانياً في سوريا ولبنان.

تشير شريف إلى أن توصيف العلاقة بين إيران وإسرائيل بالعدائية، توصيف خطأ، وهو ما رصدته في كتابي "المشروع الأسود بين إيران وإسرائيل"، في ظل عدم تمتعها بشروط العداء بين دولتين، وأن الدولتين تستخدمان الصراع بينهما لمواجهة أزمات داخلية تخصهما، مع حصر الصراع في الساحتين السيبرانية والاستخباراتية وسواهما من حروب الظل، من دون المواجهة الحقيقية أو المباشرة.

وتضيف: "الصراع بينهما موجود ضمن إطار الصراع على النفوذ وتقسيم الشرق الأوسط، واتفاقيات السلام/ التطبيع الأخيرة مع إسرائيل جعلت الدول العربية/ السنّية مع إسرائيل، في مواجهة إيران وحلفائها في المنطقة، بحسب الشكل/ التقسيم الحالي للمنطقة".

وكان وزير الخارجية الإسرائيلي، يائير لابيد، قد قال في تعليقه على مقتل خدائي، لإذاعة الجيش الإسرائيلي: "أنا لا أجيب عن هذا السؤال، لكن إيران تقوم بأعمال إرهابية وتهدد المواطنين الإسرائيليين حول العالم".

الانكشاف الأمني

يضع اللواء القيسي، اغتيال خدائي وما سبقه من عمليات في الداخل الإيراني، كاغتيال فخري زاده وسرقة الأرشيف النووي الإيراني، في سياق "انكشاف أمني فاضح مردّه انشغال إيران بالقضايا الخارجية، من العراق إلى سوريا ولبنان واليمن وأفغانستان، على حساب الداخل الإيراني، مما جعله مكشوفاً ومخترقاً، وهو ما استفادت منه إسرائيل في مراكمة أوراق القوة، ضمن حرب الظل المستعرة بين الدولتين".

ويرجح استمرار هذه العمليات الإسرائيلية لفترة غير قصيرة، من دون أن تتطوّر إلى مواجهة مباشرة بينهما، بسبب الحسابات الداخلية لكلا البلدين، مع الحسابات الأمريكية المؤثرة فيهما، بالإضافة إلى الحرب الأوكرانية وتأثيراتها، فهذه الأسباب كلها تقلل من احتمال المواجهة المفتوحة بينهما.

منذ عام 2010، تعرّض ما لا يقل عن ستة علماء وأكاديميين إيرانيين لمحاولة اغتيال أو لاغتيال، في سلسلة هجمات يُعتقد أنها تستهدف إضعاف البرنامج النووي الإيراني

وبالتزامن مع عملية اغتيال خدائي، قال الحرس الثوري الإيراني إنه فكك خليةً على صلة بإسرائيل وجهاز الموساد، وألقى القبض على عناصرها، وإن ما سماه "جهاز استخبارات في الكيان الصهيوني"، قام بتوجيه هذه الخلية للقيام بأعمال خطف وتخريب.

من جهتها، تستبعد شريف حصول مواجهة مباشرة بين إيران وإسرائيل، كما تستبعد مواجهةً مفتوحةً بين إسرائيل وحزب الله أيضاً، في ظل الظروف الحالية، كون حزب الله ذراعاً إيرانيةً ولا يخرج عن إرادتها، وضمن رؤية الدولتين، لأن المواجهة المباشرة تضر بمصالحهما.

وتطوّر القيادة الأمنية في تل أبيب سياسةً تقوم على أن اغتيال رأس المنظومة سيسبب شللاً للمنظومة، بالرغم من اعتراض البعض على هذه السياسة بالقول إن القائد التالي قد يكون أقسى وأخطر من القائد السابق. وعليه، فإن اغتيال قيادات على درجة عالية من الكفاءة له تأثيره الحتمي ولو لفترة معينة، وستتمكن طهران بعدها من تعويض خسارتها، بحسب شريف.

وتضيف: "إسرائيل تتحرك على ثلاثة اتجاهات؛ الأول دبلوماسي، من خلال تعطيل الاتفاق النووي الإيراني أو تغيير بنوده أو حشد دول العالم ضده، والثاني حرب الاستخبارات ومنها الاغتيالات، والثالث الشكل العسكري، أو ما تسمّيه بالحرب بين الحروب، من خلال عمليات عسكرية ضد المواقع الإيرانية الموجودة في سوريا ولبنان واليمن".

تطويق طهران

ومنذ عام 2010، تعرّض ما لا يقل عن ستة علماء وأكاديميين إيرانيين لمحاولة اغتيال أو لاغتيال، في سلسلة هجمات يُعتقد أنها تستهدف إضعاف البرنامج النووي الإيراني، الذي يقول الغرب إن له أهدافاً عسكريةً، في حين تصرّ إيران على طابعه السلمي. ومع أن ضباط الحرس الثوري الإيراني يتعرضون بانتظام للاستهداف في المنطقة، لا سيما في سوريا والعراق، إلا أن الاغتيالات في إيران نفسها، نادرة.

بحسب القيسي، تحاول تل أبيب تطويق طهران عبر خطوط سياسية ودبلوماسية وأمنية، من خلال الضغط عليها من خلال عمليات أمنية وغير أمنية، نتيجة الرفض الإسرائيلي لأي اتفاق بين إيران ومجموعة 5+1، إذ تصرّ تل أبيب على أن المشروع النووي الإيراني يجب تفكيكه، وهو ما يستدعي منها عمليات سيبرانيةً وأمنيةً وعسكرية.

ويشير إلى أن "الإعلام الإيراني تحدث على لسان مسؤولين إيرانيين، عن الرد على عملية اغتيال خدائي، والمتتبع للصراع الإيراني الإسرائيلي سيرجح رداً إيرانياً محكوماً بالفرص والإمكانات الإيرانية، وقد يكون قصف مواقع إسرائيلية أو ضرب مصالحها حول العالم، لكن أين ومتى؟ لا أحد يعلم".

تحاول تل أبيب تطويق طهران من خلال عمليات أمنية وغير أمنية، نتيجة الرفض الإسرائيلي لأي اتفاق بين إيران ومجموعة 5+1 

وقد رفعت إسرائيل مستوى التأهب الأمني في سفاراتها وقنصلياتها في جميع أنحاء العالم، خوفاً من هجوم إيراني انتقامي، بحسب ما ورد في بعض المواقع الإعلامية، وكشف القيادي السابق في الحرس الثوري ومستشار رئاسة البرلمان الإيراني، منصور حقيقت بور، أن بلاده أعدت بنك أهداف من المصالح الأمريكية والإسرائيلية للرد علی أي "مغامرة"، مقترحاً عدم دفن قتلاهم قبل الانتقام لهم من القتلة، ومتوقعاً رداً قريباً و"بحجم الجريمة"، وأن سهم الانتقام قد خرج من القوس بالفعل.

وترى شريف أن اغتيال شخصيات دبلوماسية إسرائيلية هو النطاق المرجح للرد الإيراني، لا سيما في ظل التحذيرات الإسرائيلية التي وردت مؤخراً للدبلوماسيين الإسرائيليين في تركيا، بالإضافة إلى رفع درجة الطوارئ في جميع البعثات الدبلوماسية الإسرائيلية حول العالم.

إلا أنها في المقابل، لا تؤكد قيام إيران بعمليات اغتيال لشخصيات إسرائيلية في فلسطين، بحسب ما ورد في تقرير لموقع الجزيرة، إذ لم ترَ ما يشير إلى ذلك في الإعلام الإسرائيلي، بالرغم من أن حروب الظل تفترض التعتيم الإعلامي، بالإضافة إلى أن الإعلان عنها يُحتّم الرد الواضح لحفظ ماء الوجه. لكنها عمليات لا يمكن البت بحصولها من عدمه.

وبحسب موقع الجزيرة، ونقلاً عن مصدر إيراني غير رسمي مقرب من فيلق القدس، فإن الحرس الثوري والأمن الإيراني سبق أن ردا أكثر من مرة باستهداف عدد من القيادات الإسرائيلية داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة وخارجها، منها اغتيال قائد لواء الناحال، الجنرال شارون أسمان، في كانون الثاني/ يناير 2021، في إحدى القواعد العسكرية في مدينة نتانيا وسط فلسطين المحتلة.

تعتبر شريف أن اغتيال شخصيات دبلوماسية إسرائيلية هو النطاق المرجح للرد الإيراني, لا سيما في ظل التحذيرات الإسرائيلية التي وردت مؤخراً للدبلوماسيين الإسرائيليين في تركيا, بالإضافة إلى رفع درجة الطوارئ في جميع البعثات الدبلوماسية الإسرائيلية حول العالم.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard