"كيف يمكن لأي شخص أن يخاف من المال عندما يريد معظم الأفراد جني المزيد منه؟". إنه سؤال منطقي، خاصة عندما تحقق الكتب من نوع "كيف جنيت الكثير من المال في وقت قصير" أرباحاً طائلة، وحين يتحدث رواد الأعمال بشكل دائم عن كيفية تحقيق المزيد من المبيعات والمزيد من الأرباح والمزيد من الأموال، وكيف ننمو ونوسع نطاق عملنا ونتنعم بالحرية المالية.
لا شك أن المال يطال كل جانب من جوانب حياتنا: الاقتصاد والفواتير وسوق الأسهم والإنفاق والديون والمدخرات والاستثمار، ولكن يمكن أن تسبب الأموال التوتر والإرهاق، بحيث يشعر غالبية الأفراد بعدم الراحة أثناء مناقشة صعوباتهم المالية، سواء كان ذلك مع أسرهم أو مع أصدقائهم، ولعلّ هذا هو السبب الذي يجعل الناس غير مدركين لحالة نفسية نادرة، تُعرف باسم Chrometophobia وهو مصطلح نشأ من الكلمة اليونانية chrimata والتي تعني المال، و phobos التي تعني رهاب، أي رهاب المال.
رهاب المال
على غرار الدين والجنس والسياسة، فإن المال هو من المواضيع التي تدور حولها الكثير من التابوهات والأفكار المغلوطة، إذ إنه غالباً ما يُقال إن الأغنياء أشرار، والفقراء كسالى، وغيرها من القوالب النمطية، ولكن في النهاية المال لا علاقة له بالخير والشر، وما نفعله بالمال هو الذي يخلق المعنى.
ومع هذا، من السهل الوقوع في علاقة مضطربة مع المال، بغض النظر عن مقدار ما لدينا منه.
"هذه الحالة النفسية تم اكتشافها حديثاً، ولم يندرج هذا النوع من الفوبيا في الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات العقلية (DSM)"، هذا ما قالته المعالجة النفسية غنوة يونس، في حديثها لرصيف22، منوهة بأن Chrematophobia هو عبارة عن "خوف كبير من إنفاق المال، ومن خلاله يختبر المرء نوبات من القلق والتوتر والإرهاق عندما يجد نفسه مضطراً لإنفاق المال، ولو كان ذلك لحاجاته الأساسية، كالأكل والشرب واللباس".
"كيف يمكن لأي شخص أن يخاف من المال عندما يريد معظم الأفراد جني المزيد منه؟". إنه سؤال منطقي، خاصة عندما تحقق الكتب من نوع "كيف جنيت الكثير من المال في وقت قصير" أرباحاً طائلة
واعتبرت يونس أن الأفراد الذين لديهم رهاب المال يعيشون في حالة من العزلة، خشية مواجهة الآخرين والاضطرار مثلاً لتسديد الديون المترتبة عليهم.
وبالنسبة للأسباب التي تقف وراء رهاب المال، قالت غنوة إن الأشخاص الذين واجهوا صعوبات مالية شديدة في الماضي قد يصابون برهاب المال، لأنهم ربما مروا بصدمة نفسية بسبب موقف ما ويخشون حدوثه مرة أخرى، مشددة على أنه يمكن أن تلعب العوامل الوراثية أيضاً دوراً في تطور الرهاب: "قد يكون الناس عرضة للإصابة بمرض الرهاب إذا كان هناك شخص ما في الأسرة مصاباً به، بالإضافة إلى أن الفرد الذي لديه شخصية تتسم بالقلق الدائم والتوتر قد يكون عرضة للإصابة برهاب المال"، على حدّ قولها.
واعتبرت يونس أنه في حين أن الرهاب في العادة يكون عبارة عن خوف شديد من شيء ما، كالخوف مثلاً من الأماكن المغلقة أو من المرتفعات، فإن رهاب المال ينبع من حب المال والاكتناز وليس من باب الكراهية تجاه الأموال.
أعراض وتأثير رهاب المال على حياة الفرد
يمكن أن يظهر رهاب المال بطرق مختلفة، اعتماداً على الفرد: في حين أن شخصاً ما قد يحسب أمواله بشكل متكرر من أجل الطمأنينة، فقد يخشى شخص آخر لمسها أو إدارتها أو التحدث عنها أو حتى التفكير بها.
يؤثر رهاب المال على حياة الأفراد من خلال عدة طرق، أبرزها:
-قد يحرم الشخص نفسه من الضروريات التي يمكنه تحملها.
-قد يتجنب الخروج أو أخذ إجازة أو ممارسة الأنشطة التي يستمتع بها، حتى لو كانت تناسب ميزانيته.
-قد يصاب بمشاكل صحية إذا رفض الإنفاق على الرعاية الصحية، أو اختار شراء الوجبات السريعة لأنها أرخص من الطعام الصحي.
-قد لا يكون لديه حياة اجتماعية أو علاقة رومانسية لأن كل ذلك يكلّف المال.
-قد يواجه مشاكل قانونية بسبب عدم دفع الفواتير.
أسباب كرومتوفوبيا
يمكن للمعالج/ة أو الطبيب/ة النفسي/ة تشخيص رهاب المال من خلال إجراء مقابلة مع المريض/ة، وعندها يحدد ما إذا كانت أعراض وسلوكيات المريض تفي بالمعايير التشخيصية المدرجة للرهاب في الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات العقلية (DSM)، وهو دليل نشرته الجمعية الأميركية للطب النفسي.
تشمل معايير تشخيص الرهاب المدرجة في الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات النفسية ما يلي:
-يعاني الشخص المعني من خوف مفرط من موقف ما.
-يكون الشخص غير قادر على التعامل مع الموقف المخيف، ويعاني بشكل دائم من القلق أو نوبة هلع عند مواجهته للموقف.
-يدرك الشخص أن رد فعله مفرط ولكنه غير قادر على فعل أي شيء حيال ذلك.
-يتجنب الشخص الموقف قدر الإمكان، أو يتحمله بقلق.
-يتداخل خوف الشخص وقلقه وضيقه وتجنبه بشكل كبير مع قدرته على ممارسة حياته اليومية، ما يؤثر على عمله ودراساته وعلاقاته وأدائه العام.
-خوف الشخص يستمر لأكثر من ستة أشهر.
-لا تنتج أعراض وسلوك الشخص عن حالة صحية نفسية أخرى.
طريق نحو الشفاء
يمكن علاج رهاب المال من خلال العلاج النفسي.
-العلاج السلوكي المعرفي: إن معظم علاجات الرهاب تعتمد على العلاج المعرفي السلوكي. هذا النوع من العلاج يمكن أن يساعد الناس على التعرف على الأفكار غير المنطقية والسلوكيات الإشكالية التي يسببها الرهاب، ويمكن أن يساعدهم على تطوير أنماط التفكير والسلوك الصحي لمواجهة الرهاب.
-علاج التعرض: هو شكل من أشكال العلاج السلوكي المعرفي تم تطويره خصيصاً لمساعدة الأشخاص على مواجهة مخاوفهم في بيئة آمنة.
يتضمن هذا النوع من العلاج تعريض الأشخاص تدريجياً للموقف المخيف ومساعدتهم على تطوير مهارات التأقلم التي يحتاجون إليها للتعامل معها.
-مهارات إدارة القلق: إن التأمل واليقظة هي مهارات إدارة القلق التي يمكن أن تساعد الناس على إدارة القلق الناجم عن رهابهم.
خطوات إضافية
إذا كنت من الأشخاص المصابين برهاب المال، فقد يكون هناك سبب وجيه وراء مراقبة أموالك بعناية، ومع ذلك، حاول أن تظهر لنفسك بعض التعاطف وأنت تتعامل مع هذا الخوف.
تذكر أن رفض إنفاق الأموال في بعض الأحيان قد يكلفك المزيد من المال على المدى الطويل. من المهم أن تعتني بمنزلك وصحتك واحتياجاتك اليومية ورفاهيتك الاجتماعية والعاطفية.
هناك بعض الخطوات الإضافية التي يمكن أن تساعد المرء في التعامل مع رهاب المال:
الاعتراف بالخوف: للتغلب على المخاوف، علينا أولاً أن نعترف بها.
هل سمعتم/نّ عن عقلية الندرة؟ عقلية الندرة هي الاعتقاد بأننا نفتقر إلى شيء ما، مثل المال أو الوقت أو الطعام. نخشى ألا يكون هناك ما يكفي أبداً من المال مثلاً، وبالتالي فإن هذا الاعتقاد يؤدي إلى أفكار وأفعال مدفوعة لا شعورياً من مكان نقص. الهدف هو استبدال هذا الاعتقاد المقيّد باعتقاد تمكيني.
لكن للقيام بذلك، علينا أن ندرك خوفنا. من خلال الاعتراف بالمشكلة، يمكننا أن نسير على طريق الشفاء، وبدلاً من مقاومة التغيير، يجب تحديد سبب الخوف من المال: من خلال فهم سبب شعورنا بهذه الطريقة، يمكننا اتخاذ إجراءات لتغيير عوامل الضغط أو التخلص منها.
هل ينبع الخوف من المال من الضغط المجتمعي أو التوقعات العائلية أو الافتراضات الشخصية؟
بمجرد تحديد السبب، يجب أن نسامح، نطلق سراح الخوف ونمضي قدماً. نحن فقط من نستطيع تغيير معتقداتنا السابقة أو سلوكنا السلبي.
على غرار الدين والجنس والسياسة، فإن المال هو من المواضيع التي تدور حولها الكثير من التابوهات والأفكار المغلوطة، إذ إنه غالباً ما يُقال إن الأغنياء أشرار، والفقراء كسالى، ولكن في النهاية المال لا علاقة له بالخير والشر، وما نفعله بالمال هو الذي يخلق المعنى
التحدث عن المال بأريحية: تستمر المحرمات المجتمعية المرتبطة بالمحادثات حول المال حتى يومنا هذا. يعتبر التحدث عن مقدار ما تكسبه أو المبلغ الذي تنفقه أمراً وقحاً، ونتيجة لذلك، يغسل الكثير من الناس أيديهم من الأمور المالية تماماً.
وعليه، يجب فعل العكس: الحديث عن المال، المخاوف، الأهداف، الصعوبات التي تواجهنا، يمكن أن تساعد هذه الخطوة على تقليل المشاعر السلبية التي نحملها تجاه المال. قد نتفاجأ عندما نعلم أن العديد من الأشخاص يشاركوننا نفس المخاوف المالية.
عند استكشاف علاقتنا بالمال، يجب أن نتذكر أن نكون لطفاء مع أنفسنا.
نحن نميل إلى الحكم على أنفسنا بقسوة أكثر من الآخرين. لكن الحديث السلبي عن النفس يمكن أن يزيد من الاستجابة المخيفة للمال. لا يجب أن نمارس ضغوطاً غير ضرورية. الجميع يرتكب أخطاء... نحن بشر فقط. بدلاً من ذلك، يجب إظهار بعض التعاطف. من المهم أن نعتني بأنفسنا مالياً، ولكن أيضاً عاطفياً وجسدياً.
باختصار، إن رهاب المال هو خوف غير منطقي، يجعل من الصعب إنفاق الأموال أو دفع الفواتير، رغم القدرة المالية على تحمّل النفقات. من المهم أن يبحث الشخص المعني عن علاج لهذه الحالة لأنها يمكن أن تؤثر على صحته وعلاقاته ورفاهيته العامة وحياته اليومية.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...