إذا كنتم/نّ في علاقة عاطفية طويلة بما فيه الكفاية، فمن المحتمل أن تبرز بعض الصراعات بينكم/نّ وبين الشريك/ة، وقد تتساءلون/ن باستمرار: لماذا نتشاجر طوال الوقت ونتجادل دائماً حول نفس التفاصيل الصغيرة؟
لا تعني الخلافات المستمرة أنكم/نّ وقعتم/نّ في حب الشخص الخطأ، أو أنه محكوم على علاقتكما بالفشل، فالصراع هو جزء طبيعي وصحّي في أي علاقة إنسانية طويلة الأمد، بخاصة تلك التي تنطوي على أكثر الأجزاء حميمية في حياتنا.
ونظراً لكون كل تجربة من تجاربنا الفريدة هي نتيجة مجموعة متميزة من المحفّزات وأنماط التفكير والاستجابات العاطفية، ففي بعض الحالات، يمكن أن تؤدي هذه الاختلافات إلى شجار وخلافات مستمرة في العلاقة العاطفية.
لماذا نتشاجر مع الحبيب/ة طوال الوقت؟
حتى بالنسبة لأسعد الأزواج الذين يعيشون حالة الحب والغرام، فإن الخلافات الزوجية هي جزء لا مفرّ منه في العلاقة.
بشكل خاص، تتمحور المواضيع التي تشعل الصراع بين الثنائي، حول المسائل التالية: المال، الجنس، الأطفال والعلاقة الحميمية، هذا وقد أضاف وباء كورونا جرعة إضافية من التوتر، وذلك بسبب الآثار النفسية والاجتماعية التي أرهقت كاهل الأفراد وجعلتهم يختبرون أسوأ المراحل في حياتهم على الإطلاق.
إذا كنتم/نّ في علاقة عاطفية طويلة بما فيه الكفاية، فمن المحتمل أن تبرز بعض الصراعات بينكم/نّ وبين الشريك/ة، وقد تتساءلون/ن باستمرار: لماذا نتشاجر طوال الوقت ونتجادل دائماً حول نفس التفاصيل الصغيرة؟
وبالرغم من أنه عندما ننخرط في علاقة عاطفية، فإننا نغوص في أعمق أسرار شريكنا، وقد نتقبل برحابة صدر بعض عاداته السيئة وطباعه التي قد تكون حادّة في بعض الأحيان، غير أن ذلك لا يلغي حقيقة أننا والحبيب/ة عبارة عن شخصين مختلفين، ما يعني بأننا نعيش ونختبر الحياة بشكل مختلف، وقد نفسر أحياناً المواقف بطرق لا تتفق دائماً مع الآخر.
في الواقع، يحاول معظم الأزواج الابتعاد عن الصراعات قدر الإمكان، وهذه سمة بشرية، ولكن طالما أننا كبشر نكره الشجار مع الشخص الذي نحبه، فلماذا تحدث الخلافات بين الثنائي بشكل مستمر؟
ركزت الباحثة غاييل فانهي وزملاؤها على دور الاحتياجات غير المشبعة في إثارة الخلافات في العلاقات بين الجنسين.
وقد تبيّن لفريق البحث أن الأزواج تجادلوا بشكل كبير عندما لم يتم تلبية الاحتياجات التالية:
الارتباط: لدينا حاجة أساسية للاتصال الآمن بالأشخاص المهمين في حياتنا، وهي حاجة تبدأ من علاقتنا بالأهل وبمقدمي الرعاية، ومن ثم تنسحب على تجاربنا في العلاقات اللاحقة. إن تلبية احتياجات الارتباط هي من أفضل الطرق لبناء شراكة مُرضية وطويلة الأمد، بحيث أن العلاقات التي تشعرنا بالأمان تكون أكثر إرضاءً، أكثر حميمية وأقل عرضة للفشل.
القبول: تنجح العلاقة عندما يشعر المرء بأنه مقبول من قبل الطرف الآخر، غير أن ذلك لا يعني الموافقة المطلقة على كل شيء، فقد نرفض بشدّة بعض الخيارات التي يتخذها شريكنا ومع ذلك نقبله كما هو، واللافت أن قبول الشريك/ة لنا هو أمر مهم جداً، لكون هذا الأخير واكبنا في أسوأ حالاتنا، أي عندما كنّا من دون قناع أو "فلتر"، وعليه فإن تقبّله لعيوبنا يعزّز ثقتنا بأنفسنا.
الشعور بالعاطفة: لن يشعر معظمنا بالرضا لمجرد أن نعرف بأن الشريك/ة يتقبلنا كما نحن ويحتضن عيوبنا، بل نريد أن نلمس أيضاً مدى الحب الذي يكنّه لنا، بمعنى آخر، نحن بحاجة إلى الشعور بالعاطفة والحب، وهي أمور تساعدنا على تطوير المزيد من المشاعر الإيجابية تجاه أنفسنا، الأمر الذي من شأنه تحسين علاقتنا مع الطرف الآخر.
الاستقلالية: نحن بحاجة إلى الشعور بأننا نملك السيطرة على تصرفاتنا وعلى كيفية تسيير حياتنا الخاصة. وقد تبيّن أن الأفراد شعروا بعدم الرضا عن علاقاتهم عندما لاحظوا أن هناك سيطرة مفرطة عليهم من قبل الشريك/ة. بالإضافة إلى ذلك، اتضح وجود المزيد من أنماط الاتصال غير الصحية عندما يفتقر الشركاء (خاصة الرجال) للشعور بالاستقلالية.
كيف يمكن أن يولد ذلك صراعاً أكبر بين الأزواج؟
يفترض مؤلفو الدراسة أن عدم تلبية الاحتياجات في العلاقة قد يؤدي إلى بروز مشاعر سلبية تعزز بدورها الصراعات والخلافات.
على سبيل المثال، فإن التعرّض لانتقادات شديدة من قبل شريكنا يعرقل تلبية حاجتنا للقبول، ما قد يثير مشاعر الخزي والحزن في داخلنا.
واللافت أنه في معظم الأحيان لا يتم التعبير عن هذه الاستجابات العاطفية الأولية بشكل مباشر، فتتحول إلى مشاعر ثانوية، مثل الغضب والسخط، ويمكن أن تؤدي هذه المشاعر بعد ذلك إلى تواصل سلبي بين الشريكين، ما يشعل الصراع، لا سيما عندما يشعر كل شخص بأنه الطرف المتضرّر الذي يتم تجاهل احتياجاته.
الخلافات الزوجية تدلّ على نضج العلاقة وعلى مدى رغبة كلا الشريكين في مشاركة وجهة نظرهما بصدق وشفافية
وعلى غرار الكثير من الأهل الذين يتجنبون الحديث عن المسائل الجنسية مع أطفالهم، يتجنب بعض الشركاء مناقشة علاقتهم العاطفية، والسبب يعود إلى القلق الذي ينتابهم عند التحدث عن بعض النقاط التي تزعجهم في الشريك/ة.
ففي إحدى الدراسات، اعتبر موضوع مناقشة العلاقة من أكثر المسائل "تابو" بالنسبة لشخص واحد من كل ثلاثة أشخاص، ومن بين أهم المسائل التي يجب تجنبها بالنسبة لسبعة من كل عشرة أشخاص.
واتضح أنه بالنسبة للأزواج الذين يتجنبون الخلافات على اعتبار أنها مؤشر على فشل الرابط العاطفي، فإن علاقتهم بالشريك/ة لم تكن على أفضل ما يرام، بالإضافة إلى تأثير ذلك بشكل سلبي على صحتهم النفسية.
عندما تابع باحثون من جامعة ميشيغان وجامعة ولاية بنسلفانيا أكثر من 1500 شخص بالغ لمدة تزيد عن أسبوع، وجدوا أنه بينما شعر الأفراد بتحسن في اليوم الذي تجنبوا فيه النقاش، فإنهم عانوا في اليوم التالي من مشاكل في صحتهم النفسية وزادت معدلات الكورتيزول لديهم، ما قد يؤدي إلى زيادة الوزن وتقلب المزاج وصعوبة النوم.
بمعنى آخر، يجني الثنائي الذي يتجنّب الصراع والتحدث في نقاط الخلاف، مكاسب قصيرة المدى إنما يختبر ألماً طويل الأمد.
الجانب المضيء من الخلافات
على الرغم من أنه من غير الممتع خوض غمار النقاشات المحتدمة، فقد يكون الصراع أحياناً عنصراً أساسياً في تقوية العلاقة بيننا وبين الشريك/ة.
يعتبر "شهر العسل" المتمثل في تشابك الأيدي والتقبيل والعناق الحار وما إلى ذلك، مرحلة مثالية يرغب الجميع في أن تستمر إلى ما لا نهاية، ولكن في الحقيقة لا بدّ من أن تكون هناك نقاشات حادة من وقت إلى آخر، أما المهم فهو مدى نجاح الأزواج في التغلب على جميع الخلافات وإيجاد أرضية مشتركة بينهما وتسيير الأمور بسلاسة.
فالخلافات الزوجية تدلّ على نضج العلاقة وعلى مدى رغبة كلا الشريكين في مشاركة وجهة نظرهما بصدق وشفافية، بمعنى آخر، فإن مثل هذه المحادثات النابعة من القلب تعتبر مرآة تعكس شخصية المرء ومن هو عليه حقاً.
هذا وكشفت مجموعة من الأبحاث أن الأزواج الذين يتجادلون باستمرار، هم أكثر عرضة للبقاء معاً من الأزواج الذين يتجنبون مواجهة المشاكل.
في حديثها مع موقع رصيف22، اعتبرت الأخصائية في علم النفس وردة بو ضاهر أن المشاكل الزوجية مهمة، والهدف يجب ألا يكون متمثلاً في السعي من أجل القضاء بشكل نهائي على الخلافات، إنما البحث في كيفية استغلال التضارب في وجهات النظر من أجل تكوين فكرة أوضح عن بعضنا البعض.
وشددت ضاهر على ضرورة الوقوف على جوهر الخلافات: "يجب معرفة السبب الكامن وراء الخلاف، هل هو نتيجة مسائل مبدئية وقيم لا يمكن التنازل عنها؟"، منوّهة بأنه في حال لاحظ المرء أن هناك اختلافات جوهرية كثيرة بينه وبين الطرف الآخر، فعندها يجب إعادة النظر في العلاقة.
وأوضحت وردة أنه من المهم أيضاً معرفة كيف تتم معالجة الأمور ومواجهة المشاكل بعقلانية وهدوء: "هل بوسع كل طرف في العلاقة أن يبدي رأيه بكل وضوح ويوصل فكرته أم أن الآخر لا يسمح له بذلك، فيقوم مثلاً بإسكاته وضربه ونعته بكلمات جارحة؟".
وأضافت: "إن بروز الخلافات الزوجية ليس أمراً خاطئاً، لأنه في الواقع دائماً تكون هناك اختلافات، وليس هناك من علاقة خالية من نقاط الاختلاف"، هذا وختمت حديثها بالقول: "مهم الشجار يصير، بس الأهم كيف نتعامل معه".
يعتبر "شهر العسل" المتمثل في تشابك الأيدي والتقبيل والعناق الحار وما إلى ذلك، مرحلة مثالية يرغب الجميع في أن تستمر إلى ما لا نهاية، ولكن في الحقيقة لا بدّ من أن تكون هناك نقاشات حادة من وقت إلى آخر، أما المهم فهو مدى نجاح الأزواج في التغلب على جميع الخلافات وإيجاد أرضية مشتركة بينهما وتسيير الأمور بسلاسة
في هذا الصدد، أظهرت دراسة نشرت في Family Process، أن الطريقة التي يتجادل بها الأزواج السعداء هي التي تحدث فرقاً.
راقب الباحثون في جامعة تينيسي في نوكسفيل 121 ثنائياً انقسموا إلى مجموعتين: أفراد تزوجوا منذ 9 سنوات وأخرون منذ 42 عاماً، وجميعهم صنّفوا زواجهم بالسعيد.
تألفت العيّنة بشكل أساسي من أزواج متعلمين، 57 من المشتركين في منتصف وأواخر الثلاثينيات من العمر، و64 منهم في أوائل السبعينيات.
كشف المشتركون/ات أن القضايا الشائكة التي كانوا يتنازعون بشأنها تتمحور حول العلاقة الحميمة، الترفيه، الأسرة، التواصل والمال، وكذلك الصحّة بالنسبة للأزواج الأكبر سناً، هذا وقد صنّف الأزواج في كلتا العينتين الغيرة والدين والأسرة على أنها من المسائل الأقل إثارة للجدل بينهما.
راقب الباحثون كيف يقوم كل ثنائي بمناقشة المشاكل الزوجية، ولاحظوا أن الأزواج السعداء اتخذوا نهجاً موجهاً نحو إيجاد حلّ للنزاع من خلال المواضيع التي اختاروا مناقشتها.
فقد ركز هؤلاء على مناقشة القضايا التي يمكن العثور على حلول لها، بمعنى آخر، لقد كان التركيز أولاً على مشاكل أكثر قابلية للحلّ، كطريقة فعالة لبناء شعور بالأمان في العلاقة.
بحسب المؤلفة الرئيسية للدراسة، الدكتورة آمي راور، قد يكون هذا القرار الاستراتيجي أحد مفاتيح نجاح العلاقة الزوجية: "التركيز على المشاكل الدائمة التي يصعب حلّها قد يقوض ثقة الشركاء في العلاقة"، مشيرة إلى أن حلّ المشاكل البسيطة "قد يمنحهم الثقة للمضي قدماً في معالجة القضايا الأكثر صعوبة".
قد يبدو الصراع وكأنه آخر شيء نريد القيام به مع الشخص الذي نحبه، لكن عندما نتناقش معه بشكل صحيح وبنّاء، فإن ذلك من شأنه أن يقوي علاقتنا على المدى الطويل، أما عندما نتجنب المواجهة، فإننا نفقد الفرصة للمساعدة في تحسين علاقتنا. بدون نقاش لا نحرز تقدماً في العلاقة.
قد يسأل البعض عن عدد المرات "المقبولة" للخلافات، وعن كيفية تجاوز المشاكل العاطفية بشكل فعال، والواقع إن التعرف على سبب الصراع وطرق إدارته يساعد الثنائي على إعادة اكتشاف السعادة في علاقتهما العاطفية، فالخلافات توطد العلاقة الرومانسية بين الحبيبين وحتى ولو كان ذلك على حساب بعض لحظات التوتر بينهما.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينرائع
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعربما نشهد خلال السنوات القادمة بدء منافسة بين تلك المؤسسات التعليمية الاهلية للوصول الى المراتب...
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحرفيا هذا المقال قال كل اللي في قلبي
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعبكيت كثيرا وانا اقرأ المقال وبالذات ان هذا تماما ماحصل معي واطفالي بعد الانفصال , بكيت كانه...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ اسبوعينحبيت اللغة.