في لبنان، اشتعلت العملة الوطنية قبل بروز شمس الصيف الحارقة. فقبل ثلاثة أعوام تقريباً، بدأت التغيّرات تُصيب حياة اللبنانيين، وعاداتهم، ويومياتهم وهواياتهم حتى، إذ باتت رياضة السباحة صيفاً، لمن يهواها على سبيل المثال، تحتاج إلى مبالغ مالية كبيرة، فالمنتجعات السياحية والمسابح الخاصة رفعت أسعارها لتتناسب في نظر أصحابها مع أسعار السوق في لبنان.
كان لانهيار الليرة الأثر الكبير في رسم الحياة الجديدة لغالبية الشعب اللبناني. ومع انطلاق فصل الصيف، قررنا القيام بجولة على أسعار المسابح لهذا الموسم، علماً أن الموسم الماضي كانت الأسعار فيه قد شهدت ارتفاعاً بنحو 50 في المئة عن الموسم الذي سبقه، فكيف هي الأسعار هذا الصيف؟
المسابح الخاصة
يمكن تقسيم المسابح في لبنان إلى نوعين: المسابح الخاصة والمسابح العامة، بالرغم من قلّة الثانية. في الشق الأول، يُمكن تقسيم المسابح الخاصة إلى نوعين أيضاً، الأوّل يضم المسابح التي قرّر أصحابها تسعير الدخول إليها بالليرة اللبنانية، مثل مسبح "الجنة" في منطقة الدامور جنوب بيروت، حيث قررت الإدارة اعتماد تسعيرة للكبار وأخرى للصغار، هي 220 ألف ليرة لبنانية للكبار في أيام بحر الأسبوع، و270 ألف ليرة في يومي نهايته، أي بزيادة 50 ألف ليرة، بينما للأطفال 90 ألف ليرة خلال أيام الأسبوع كلها.
هناك من قرر التسعير بالدولار الأمريكي، مثل منتجع "كيمبينسكي"، على شاطىء الرملة البيضاء، إذ حددت إدارته تذكرة الدخول في أيام بحر الأسبوع بـ25 دولاراً و30 دولاراً في نهاية الأسبوع
المسبح المخصص للسيدات فقط، "ذا بالمز لايديز ريزورت"، الذي يقع في منطقة خلدة، مدخل بيروت الجنوبي، قررت إدارته اعتماد تسعيرة موحدة لأيام الأسبوع كلها: 250 ألف ليرة للكبار، و130 ألف ليرة للأطفال.
مسبح روكا مارينا، في منطقة حامات في شمال لبنان، أصبحت تسعيرة الدخول إليه للكبار ما بين 250 ألف ليرة لبنانية و280 ألف ليرة، إذ يمكن أن تتراوح التسعيرة بين حدود الرقمين، بينما هي 125 ألف ليرة للأطفال.
كذلك أصبحت الأسعار في فندق ومنتجع الموفنبيك في العاصمة بيروت، على الشكل التالي: 500 ألف ليرة لبنانية للكبار في أيام منتصف الأسبوع، مقابل 250 ألف ليرة للأطفال، و700 ألف ليرة لبنانية للكبار في يومَي نهاية الأسبوع، مقابل 350 ألف ليرة للأطفال.
في فندق ومسبح السان جورج في العاصمة بيروت، أيضاً ارتفعت الأسعار عن العام الماضي، إذ سجلت 300 ألف للكبار في أيام بحر الأسبوع، و200 ألف ليرة للأطفال، مقابل 500 ألف ليرة للكبار في يومي نهاية الأسبوع، و350 ألف ليرة للأطفال.
في المناطق التي تقع خارج العاصمة، لا تُعدّ الأسعار أرخص، ففي جبيل مثلاً، حيث مسبح إدّه ساندز على سبيل المثال، أصبحت الأسعار على الشكل التالي: 400 ألف ليرة للكبار في بحر الأسبوع، و500 ألف ليرة لبنانية في نهايته.
بينما في منطقة جونية، يمكن عدّ أسعار "غايا على البحر"، جيدةً، إذ تسجّل 200 ألف ليرة للكبار و100 ألف ليرة للصغار، مقابل 250 ألف ليرة للكبار و150 ألف ليرة للصغار في نهاية الأسبوع.
في المقابل، هناك من قرر التسعير بالدولار الأمريكي، مثل منتجع "كيمبينسكي"، على شاطىء الرملة البيضاء في العاصمة بيروت، إذ حددت إدارته تذكرة الدخول في أيام بحر الأسبوع بـ25 دولاراً، أي ما يعادل 750 ألف ليرة لبنانية في حال كان سعر صرف الدولار مقابل الليرة 30 ألفاً، و30 دولاراً في نهاية الأسبوع، ومثله فعل منتجع "اللانكاستر"، إذ حدد سعر التذكرة بالسعر نفسه المعتمد في "كيمبينسكي".
ثروة من أجل سباحة
تقول نورا، وهي ربة منزل وأم لطفلتين، إنها وعائلتها لن يقصدوا المسابح الخاصة هذا الموسم، لأن الأسعار مهما كانت قليلةً تبقى خياليةً بالنسبة إلى عائلتها المكونة من أربعة أفراد، إذ لا يمكنها التعامل بسهولة مع دفع مليون ليرة لبنانية مقابل الدخول إلى المسابح فقط.
يصل راتب زينب حمزة الشهري إلى نحو خمسة ملايين ليرة لبنانية، وهي موظفة في إحدى الجامعات، يكفيها لسد بعض حاجاتها الأساسية، لكنه حتماً لن يكفيها لتمارس هوايتها الصيفية، أي السباحة. تقول لرصيف22: "توجهت إلى المسبح الخاص بالسيدات الأحد الماضي في منطقة خلدة قرب بيروت، فدفعت 240 ألف ليرة لبنانية للدخول، وهو مبلغ عليّ أن أتحمله كون المسابح الأرخص تكون أقل ترتيباً، وفي الوقت نفسه لا يمكنني تكرار التجربة سوى مرتين في الشهر، مع الامتناع عن شراء الطعام في الداخل، لأن الأسعار خيالية".
توجهت زينب حمزة إلى مسبح خاص بالسيدات الأحد الماضي، فدفعت 240 ألف ليرة لبنانية للدخول، ولم تتجرأ على شراء الطعام في داخله بسبب الأسعار الخيالية، تستطيع فعل هذا الأمر مرتين في الشهر فقط، فراتبها يبلغ 5 مليون ليرة
أما محمد، فقد وجد ملاذه هذا العام في مسبح النادي العسكري في بيروت، فهو من الأشخاص المسموح لهم بالدخول إلى المسبح المعروف باسم "نادي الضباط"، كونه صحافياً. "100 ألف ليرة تذكرة الدخول، والمأكولات ثمنها جيد، ويمكن لعائلة من شخصين أو ثلاثة أشخاص أن تمضي نهارها بملبغ مقبول يصل إلى نحو 450 ألف ليرة"، يقول محمد لرصيف22، مشيراً إلى أن الأسعار في النادي العسكري ممتازة مقارنةً بالمسابح الأخرى، فالدخول إلى مسبح قريب من النادي العسكري يكلّف 350 ألف ليرة لبنانية.
لا تسمح الغالبية العظمى من إدارات المسابح بإدخال أي نوع من أنواع المأكولات أو المشروبات من الخارج، لإلزام الروّاد بالشراء من داخلها، وهنا بحسب ما استطلع رصيف22، فإن تسعير الطعام والشراب سيكون بسعر الدولار الأمريكي في السوق السوداء، وتالياً فإن تمضية عائلة من أربعة أفراد نهاراً على البحر في المسابح الخاصة، سيكلفها على الأقل 100 دولار أميركي، أو ما يعادله وفق سعر صرف يبلغ 30 ألف ليرة لبنانية، أي ثلاثة ملايين ليرة، أي 4.4 أضعاف الحدّ الأدنى للأجور في لبنان، هذا من دون احتساب كلفة النقل في حال كان مشوار العائلة بعيداً عن المنزل.
لا ينفي الأمين العام لاتحاد النقابات السياحية، جان بيروتي، أن أسعار الدخول إلى بعض المنتجعات مرتفعة، إلا أنه يفضّل الإضاءة على الأسعار المقبولة، ويقول لرصيف22: "خلافاً لكل ما يُقال حول الأسعار، هي أرخص مما كانت عليه إذا ما أجرينا مقارنةً مع الأسعار سابقاً، إذ بات من الممكن الدخول إلى المسبح بـ7 و8 و10 دولارات، ويمكن الحصول على النرجيلة مقابل ثلاث دولارات، بينما كانت في السابق عشرة دولارات".
يشدد بيروتي على أن المشكلة ليست في أسعار المنتجعات السياحية، بل في دخل اللبناني، وعلى الدولة معالجة مشكلة الدخل، كاشفاً أن التكاليف التشغيلية بأكملها بالدولار، وتكفي مسألة تأمين الكهرباء المكلفة للغاية، مشيراً إلى أنه كما هناك أسعار مرتفعة هناك أسعار منخفضة، وأغلب المسابح تترواح تسعيرتها بين 50 و400 ألف ليرة، وفي مسبحه، "بيلازور"، في جونية، يمكن لشخصين أن يدخلا ويتناولا طعام الغداء ويمضيا النهار بـ500 ألف ليرة لبنانية فقط.
الشواطئ العامّة الملوثة
عندما نتحدّث عن "الشواطئ العامّة" في لبنان، لا يمكن أن نغفل ذكر "التعديات" والسرقات التي طالت ولا تزال أملاك اللبنانيين، فالكثير من المنتجعات السياحية القائمة على الشاطىء اللبناني حالياً غير شرعية، تسلب من اللبناني حقه في الدخول إلى الشاطئ بحرية ومن دون دفع أي رسوم.
البحر المجاني في لبنان يمثل الشاطىء الذي لا تحتاج إلى دفع المال من أجل الدخول إليه، وهذه الشواطئ موجودة في أكثر من منطقة على طول الخط الساحلي، لكنها في أمكنة كثيرة غير صالحة للسباحة بسبب التلوث بالمياه الآسنة التي تصب في البحر.
بحسب تقرير المجلس الوطني للبحوث، هناك سبعة مواقع ملوثة بشكل كبير لا تصلح للسباحة، منها الشاطىء الشعبي في طرابلس، والشاطىء الصخري في بيروت قرب المنارة، وشاطىء الرملة البيضاء
لم يُصدر المجلس الوطني للبحوث العلمية في لبنان نشرةً هذا العام، للدلالة على الأماكن الملوثة، إنما يمكن الاعتماد على نشرة العام الماضي، لأن التلوث لا يزال نفسه، ولم يُرفع، لكن في البداية سنضيء على الشواطىء العامة الأساسية النظيفة المجانية وشبه المجانية الصالحة للسباحة.
البداية من شاطىء مدينة صور جنوب لبنان، أو ما يُعرف بشاطىء المحمية الطبيعية، حيث تنتشر الخيم السياحية، إلى جانب المساحة الفارغة المفتوحة أمام من يرغب من اللبنانيين في تمضية الوقت على البحر، وهنا لا بد من الإشارة إلى أن هذا الشاطىء هو الأفضل في لبنان، ومن أفضل شواطئ الشرق الأوسط، بحسب تصنيف ناشيونال جيوغرافيك.
شاطىء وايت بيتش، في البترون شمال لبنان، ويُعدّ أيضاً من أجمل الشواطىء في لبنان، وهو شبه مجاني إذ إن الدخول إليه يستوجب دفع 50 ألف ليرة مقابل الحصول على الكرسي المخصص للبحر وشمسية. في جبيل هناك شاطىء البحصة الشعبي المجاني، وفي شمال لبنان هناك الشاطىء الأزرق في منطقة الهري القريبة من طرابلس.
مقابل مدينة طرابلس هناك جزيرة النخيل، وهي من الأماكن المميزة للسباحة في لبنان، وهي مجانية بالكامل، ولا تحتاج سوى إلى كلفة وسيلة النقل من اليابسة إليها.
بحسب تقرير المجلس الوطني للبحوث، هناك سبعة مواقع ملوثة بشكل كبير لا تصلح للسباحة، منها الشاطىء الشعبي في طرابلس، والشاطىء الصخري في بيروت قرب المنارة، وشاطىء الرملة البيضاء الذي يشهد زحمةً خلال فصل الصيف كونه المتنفس المجاني الوحيد لأهل بيروت، ولكل النازحين السوريين في المدينة.
كما أن هناك ستة مواقع يمكن تصنيف السباحة فيها من "حذرة إلى حرجة غير مأمونة"، منها الشاطىء الشعبي في عمشيت، والمسبح الشعبي في جونية، والمسبح الشعبي في صيدا، والشاطئ الشعبي في الصرفند. ويمكن القول إن كل هذه المواقع تستقبل آلاف اللبنانيين خلال فصل الصيف.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
نُور السيبانِيّ -
منذ 8 ساعاتالله!
عبد الغني المتوكل -
منذ يوموالله لم أعد أفهم شيء في هذه الحياة
مستخدم مجهول -
منذ يومرائع
مستخدم مجهول -
منذ 5 أيامكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ أسبوعتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت