تشهد العلاقات التونسية الجزائرية فتوراً واضحاً أكّده التصريح الأخير للرئيس الجزائري عبد المجيد تبّون، على هامش زيارته إيطاليا. وقال تبون إن الجزائر وإيطاليا متفقتان حول مسائل عدة من بينها "الأزمة التونسية"، و"ضرورة عودتها إلى الطريق الديمقراطي"، وهو تصريح أثار تساؤلات جمّة وجدلاً واسعاً في الأوساط التونسية بخصوص العلاقات التونسية الجزائرية.
دعم مطلق لمسار 25 تموز/ يوليو
دعمت الجزائر مسار 25 تموز/ يوليو 2021، وأعلن الرئيس تبون حينها ثقته التامة بالرئيس التونسي، واصفاً إياه بـ"النزيه"، وأبدى استعداده لمساعدة تونس مؤكّداً حينها أن بلاده لا تتدخل في الشأن الداخلي التونسي، ومحذّراً من أي تدخل أجنبي في شؤونها. كما أكد استعداد بلاده للدفاع عنها، قائلاً: "لن أقبل بالضغط على تونس. لا دخل لكم في تونس. لها دستورها ورئيسها ويمكنها تدبير أمورها بنفسها. الجزائر لن تتدخل في شؤون تونس الداخلية لأنها دولة مستقلّة ويمكنها تسيير أمورها جيداً".
تبادل البلدان زيارات رسميةً على أعلى المستويات، تم خلالها التأكيد على متانة العلاقات بين تونس والجزائر، ومنها زيارة رئيسة الحكومة نجلاء بودن، الجزائر في نهاية تشرين الثاني/ نوفمبر من العام الماضي، وزيارة الرئيس الجزائري تونس ليومين بدءاً من 15 كانون الثاني/ ديسمبر 2021، وهي زيارة أعلنت تونس قبلها بيوم عن تسلمها قرضاً جزائرياً بقيمة 300 مليون دولار.
ملف الصحراء الغربية على الطاولة ضمناً
يرى مراقبون أن الجزائر تبحث عن تأييد تونسي صريح ومساندة واضحة لها في ما يُعرف بقضية الصحراء الغربية، في حين تصر تونس على التزام الحياد في القضايا الخارجية وتقف وفق تقاليدها الديبلوماسية على مسافة واحدة من أطراف النزاع.
ويبدو أن ما يؤيد هذا الرأي، أن الرئيسين قد تفاديا خلال الندوة الصحافية التي عقداها على هامش زيارة تبون لتونس، الخوض بوضوح في ملف الصحراء الغربية والأزمة الجزائرية المغربية، واكتفى تبون بالإشارة إلى "التدخل في الدول"، وهو ما تتهم به الجزائر الجارة المغربية، في حين اكتفى سعيّد بالإشارة إلى "الروح المغاربية" عند شعوب المنطقة. وهذا ما دفع بعضهم إلى عدّ موقف تونس المتحفظ عاملاً من عوامل فتور العلاقات التونسية الجزائرية، وتفسيراً لتصريح الرئيس تبون الأخير في إيطاليا.
أغضبت تصريحات الرئيس الجزائري عن تونس بعض الدوائر فيها والتي عدّتها تدخلاً في شأنها. لكن هل هذا دليل على تحول في مواقف الرئيس عبد المجيد تبون اتجاه نظيره قيس سعيّد؟
وما زالت الجزائر تفرض إغلاق الحدود البرية مع تونس، بالرغم من أصوات كثيرة تطالب بفتحها بعد أن زال الداعي لهذا القرار المتمثل في أزمة كورونا، وذلك أن فتح الحدود يمثّل متنفساً حقيقياً ينعش السياحة التونسية ويدفع الاقتصاد ويحسن الحياة الاجتماعية ويرتقي مادياً بحياة آلاف العائلات التي تقيم على الحدود الجزائرية التونسية، ويرفع منسوب العملة الصعبة في البلاد التي بأمسّ الحاجة إليها في الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تعيشها، خصوصاً بعد تخلي شركائها وأصدقائها عنها وتعثر مفاوضاتها مع صندوق النقد الدولي الذي يفرض عليها شروطاً مجحفةً، مثل رفع الدعم عن جميع المواد وتخفيض كتلة الأجور، وهو ما جعل حكومة نجلاء بودن، في مأزق بين الخارج ومطالبه المجحفة، والداخل وانتظاراته العالية من أول حكومة لمرحلة ما بعد 25 تموز/ يوليو.
انشغال بصعوبة الوضع في تونس
يدعم ذلك كله فرضية تغير موقف الجزائر من تونس، غير أنّ مراقبين ومحللين يرون أن تصريح الرئيس تبون قد أعطي أكبر من حجمه، وتم تأويله أكثر من اللازم عادّين أن تصريحه لا يتنافى مع العلاقات القوية التي تجمع البلدين.
تقول الصحافية الجزائرية، حدة حزام، لرصيف22: "أعتقد أنه لا توجد قراءة أخرى لتصريحات الرئيس عبد المجيد تبون حول تونس والتي أدلى بها خلال زيارته لإيطاليا، فالجزائر قالت منذ بداية الأزمة التونسية، بعد تجميد قيس سعيّد عمل البرلمان التونسي إنها لن تتدخل في الشأن الداخلي التونسي، وهذا ما ورد في تصريحات وزير الخارجية رمطان لعمامرة، التي أدلى بها خلال زيارته لتونس، أياماً بعد قرار قيس سعيّد، وأعتقد أن هدف الرئيس التونسي، كما الشعب التونسي كله، هو العودة إلى الطريق الديمقراطي والخروج من المرحلة الانتقالية التي قاربت السنة، من خلال انتخاب برلمان جديد لقيادة الإصلاحات الدستورية التي يقوم بها الرئيس سعيّد".
ونفت مديرة جريدة "الفجر"، أن تكون تصريحات الرئيس تبون "تغييراً في موقف الجزائر من دعم الشقيقة تونس، بقدر ما هو تعبير عن انشغال الجزائر في الظرف الصعب الذي تمر به جارتنا الشرقية، ودعم الجزائر لتونس دائم، ولن يتغير مهما كانت ظروف تونس الداخلية".
تصريح غريب عن السياق
أما الباحث والمحلل السياسي التونسي عبيد الخليفي، فيرى أن العلاقات التونسية الجزائرية أعمق من أن تُختصر في مسألة الجوار، مشيراً في ذلك إلى حضور الملف الليبي وملف الصحراء الغربية في هذه العلاقات.
ويقول في تصريح لرصيف22: "إن العلاقات التونسية الجزائرية هي أكثر تعقيداً مما يعتقد كثيرون، فليس الجوار وحده هو الذي يتحكم في طبيعة العلاقات، والوضع الإقليمي هو الحافز على الحذر في العلاقة بين البلدين، وليس أقله ما يجري في ليبيا، أو الموقف من ملف الصحراء الغربية، ودأبت المواقف الجزائرية على الحياد السياسي ورفض التدخل الخارجي في تونس، كما أن الجزائر حاولت وقف محاولات التدخل في الشأن التونسي".
المصير واحد بين تونس والجزائر، وهو مصير المصالح المتبادلة
يرى الخليفي أنّ "التصريح الأخير للرئيس الجزائري جاء غريباً عن السياق العام، لكونه يعترف بأن تونس في أزمة سياسية واقتصادية، والأزمة السياسية تتطلب المساعدة للخروج من الحالة الاستثنائية إلى حالة الاستقرار. أما الأزمة الاقتصادية فتحتاج إلى مساعدة عاجلة حتى لا يحصل الانفجار الاجتماعي وتعمّ الفوضى الشاملة، لأن الجزائر ترى في تونس عمقها الإستراتيجي في الاستقرار أو الاضطراب".
نفي ديبلوماسي للجدل
تبعاً للجدل الدائر في تونس حول تصريح الرئيس تبون، وعدّه رغبةً في "معاقبة" قيس سعيّد، أو على الأقل تغيّراً في الموقف الجزائري من مسار الـ25 من تموز/ يوليو، أجرى وزير الشؤون الخارجية التونسي عثمان الجرندي، لقاءً مع نظيره الجزائري رمطان لعمامرة، على هامش مشاركتهما في القمة الإفريقية الاستثنائية في مالابو في غينيا الاستوائية يومَي 27 و28 أيار/ مايو 2022، وحرص الجانب التونسي على نشر بلاغ متعلق بهذا اللقاء على الصفحة الرسمية للوزارة على فيسبوك، جاء فيه أن الوزيرين تبادلا وجهات النظر بشأن البنود المطروحة على جدول أعمال القمة ومدى استجابتها "لما يواجه القارة الإفريقية من تحديات، لا سيما في ما يتعلق بالاستجابة للأزمات الإنسانية ومكافحة الإرهاب والتطرف العنيف".
ذكر البيان الذي عدّه مراقبون محاولةً لتجاوز اللغظ الذي أثير مؤخراً عن موقف الجزائر مما يحصل في تونس، أنّ الوزيرين قد جددا "التأكيد على متانة العلاقات الثنائية بين البلدين معربَين عن ارتياحهما إلى مستوى التنسيق والتشاور بينهما، إذ منحت العلاقات الأخوية التي تجمع قائدي البلدين والتواصل المستمر بينهما للتعاون الثنائي، بعداً إستراتيجياً".
يرى مراقبون أن الجزائر تبحث عن تأييد تونسي صريح ومساندة واضحة منها في ما يُعرف بقضية الصحراء الغربية، في حين تصر تونس على التزام الحياد في القضايا الخارجية
ونقل البلاغ عن الوزير الجزائري تأكيده "أن الرئيسين عبد المجيد تبون وقيس سعيّد تحدوهما إرادة مشتركة للارتقاء بالعلاقات إلى أفضل المراتب في جميع المجالات، وأن الجزائر ستظل دائماً سنداً لتونس كما كانت تونس، وما تزال، سنداً للجزائر بناءً على ما يجمعهما من ماضٍ وحاضر ومستقبل ومصير مشترك".
من فحوى البلاغ وصياغته، يمكن تبيّن الرغبة الملحة في توضيح الموقف الجزائري والتأكيد على التوافق التام بين البلدين، إذ ينفي البلاغ ضمنياً أي احتمال لتغير الموقف الجزائري من تونس، كما تم خلال اللقاء التحاور حول الاستحقاقات الثنائية المقبلة ومن ذلك انعقاد اللجنة العليا المشتركة والمشاركة في مختلف المواعيد الإقليمية والدولية المتعددة الأطراف.
وأكد الوزير الجرندي على ارتياحه التام إلى تطابق الرؤى حول القضايا المطروحة على الساحتين الإقليمية والدولية في هذه الظروف السياسية والاقتصادية والأمنية التي تضاعفت فيها التحديات وتعقدت، مما يستوجب العمل معاً على مجابهتها بكل ثبات".
رهان المصالح المشتركة
ترى حدة حزام، أنّ "آفاق العلاقات الجزائرية التونسية في تحسن دائم بالرغم من بعض الأصوات المعادية للجزائر من داخل تونس، فهي علاقات تاريخية وإستراتيجية وأمنية، فهناك تنسيق أمني مشترك لمحاربة الارهاب وهناك دعم مالي ومشاريع اقتصادية لمساعدة تونس على مواجهة أزمتها الاقتصادية. ولا ننسى أن تونس تستفيد من خط الغاز الرابط بين الجزائر وإيطاليا عبر الأراضي التونسية، وهذا الخط ستزداد أهميته في المستقبل، إذ ستتحول إيطاليا إلى الموزع الرئيسي للغاز الجزائري في أوروبا".
أشارت حزام إلى أهمية التنسيق التونسي الجزائري لمكافحة الإرهاب مؤكّدةً على "التنسيق الدائم بين المؤسسات الأمنية الجزائرية والتونسية وتبادل خبرات ومعلومات أمنية بين الطرفين"، موضحةً بخصوص الأزمة في ليبيا أن هناك "تنسيقاً في الموقف من الأزمة الليبية ومن الهجرة غير الشرعية. فتونس التي عانت من الإرهاب القادم من ليبيا تتمتع حدودها الغربية بالأمن بفضل الجزائر التي دعمت في السنوات الأخيرة تواجدها الأمني على طول الحدود مع المناطق التي تعرف تحركات إرهابيةً مثل ليبيا".
من جهته، يرى الخليفي أن "أفق العلاقات التونسية الجزائرية هو أفق المشترك الضروري في الجغرافيا والحدود والتعاون الاقتصادي والترتيبات الأمنية في مكافحة الإرهاب. وهو أفق يحسبه كلا البلدين للحفاظ على المصالح والأمن، وعليه تكون التصريحات السياسية ذات حساسية مفرطة بينهما".
ويضيف أنه "مهما توترت العلاقات التونسية الجزائرية أو تجافى البلدان، فلن ينعكس ذلك على مستوى التعاون بينهما، فالجزائر بوابتها الغربية مع المغرب مغلقة، وتونس تتعامل بحذر مع بوابتها الشرقية ليبيا، وتالياً المصير واحد بينهما، وهو مصير المصالح المتبادلة".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 9 ساعاتجميل جدا وتوقيت رائع لمقالك والتشبث بمقاومة الست
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 3 أياممقال مدغدغ للانسانية التي فينا. جميل.
Ahmed Adel -
منذ 6 أياممقال رائع كالعادة
بسمه الشامي -
منذ أسبوععزيزتي
لم تكن عائلة ونيس مثاليه وكانوا يرتكبون الأخطاء ولكن يقدمون لنا طريقه لحلها في كل حلقه...
نسرين الحميدي -
منذ اسبوعينلا اعتقد ان القانون وحقوق المرأة هو الحل لحماية المرأة من التعنيف بقدر الدعم النفسي للنساء للدفاع...
مستخدم مجهول -
منذ اسبوعيناخيرا مقال مهم يمس هموم حقيقيه للإنسان العربي ، شكرا جزيلا للكاتبه.