بعد وفاة الرئيس الإماراتي خليفة بن زايد، لم يكن تفكير المتابعين للشأن الخليجي، في هوية خليفته. كان بديهياً أن ولي العهد محمد بن زايد، الذي يدير البلاد فعلياً منذ مرض أخيه في 2014، هو الحاكم القادم. لكن الأنظار كانت ولا تزال تترقب من سيعقب الرئيس الجديد في ولاية عهد إمارة أبو ظبي، وسيكون الحاكم القادم.
لا شك أن تأخر تسمية ولي عهد أبو ظبي يشير إلى أن الأمر ليس محسوباً، كتولّي محمد بن زايد رئاسة البلاد. ومع ذلك، ليس من المتوقع أن يظل هذا المنصب شاغراً حتى وقت طويل، لأنه مؤشر على الاستقرار في هذا الإمارة الغنية بالنفط، والتي لها الفضل في رفاهة الإمارات الست الأخرى.
صحيح أن محمد بن زايد البالغ من العمر 61 عاماً، لا يزال في وضع صحي يبدو جيداً للغاية، ولا تظهر عليه أي مظاهر تعب أو مرض، ما يعني أن الرجل قد يستمر في الحكم فترةً قد تصل إلى عقدين على الأقل، لكن احتمال حدوث أي انتكاسة أمر وارد على غرار أخيه الراحل في 2015.
تأخر تسمية ولي عهد أبو ظبي يشير إلى أن الأمر ليس محسوباً، كتولّي محمد بن زايد رئاسة البلاد. ومع ذلك، ليس من المتوقع أن يظل هذا المنصب شاغراً حتى وقت طويل
الترشيحات والمعوقات
تدور الترشيحات لمنصب ولي عهد أبو ظبي بين نجل الرئيس الحالي خالد بن محمد بن زايد، وخمسة أشقاء أقوياء لمحمد بن زايد، معروفين باسم "بني فاطمة الستة"، في إشارة إلى والدتهم، وهم طحنون ومنصور وعبد الله الذي يشغل منصب وزير الخارجية، وهزاع وحمدان.
وكان الراحل الشيخ زايد، قد قال قبل عقدين من الزمن، إن الخلافة يجب أن تمر من خلال أبنائه، لكن الكثيرين يتوقعون أن يختار الرئيس الحالي نجله الأكبر، الشيخ خالد.
يشير الأكاديمي الأمريكي ثيودور كاراسيك، المستشار الأول في مؤسسة دراسات دول الخليج في واشنطن، إلى أن كل المؤشرات تدل على صعود خالد إلى منصب ولي العهد. ويقول لرصيف22: "القضية تتعلّق حقاً بما إذا كان أبناء فاطمة يرون أن الوقت الحالي هو الوقت المناسب للانتقال إلى الجيل القادم من قادة أبو ظبي، وهو جيل أحفاد زايد".
ويضيف: "يبدو أن طحنون يعبّر عن بعض القلق، ولكن من المرجح أن يتم حلّ المشكلات ويتخذ محمد بن زايد القرار النهائي بالفعل. طحنون خبير أمني، بينما خالد محافظ ورجل عائلة".
في 19 أيار/ مايو الحالي، قال الكاتب سيمون كير، في صحيفة الفايننشال تايمز البريطانية، إن صغر سن محمد بن زايد، سيجعل أبناءه خياراً أكثر ترجيحاً من إخوته. ونقل عن كريستوفر ديفيدسون، الزميل المشارك في "جمعية هنري جاكسون"، وهي مؤسسة تفكير في السياسة الخارجية والأمن القومي عبر المحيط الأطلسي، ومقرها في المملكة المتحدة، أن محمد بن زايد يتمتع بحرية التصرف "غداً أو العام المقبل"، لكنه قد يقوم "بتهدئة الغبار"، مما يوفر بعض الوقت لابنه.
وبرأيه، يمكن لمحمد بن زايد، أن يأخذ "ورقةً من كتاب قواعد والده"، ويرشح أحد أشقائه ولياً للعهد، وابنه نائباً لولي العهد. وعيّن الشيخ زايد نجله الراحل خليفة ولياً للعهد بعد سنوات قليلة من تبوّئه رئاسة الإمارات في عام 1966، وقبل وفاته عيّن محمد بن زايد نائباً لولي العهد.
كل المؤشرات تدل على صعود خالد، نجل محمد بن زايد، إلى منصب ولي العهد، فهل يُجمع كُل "أبناء فاطمة" على أن الوقت حان للانتقال إلى الجيل القادم من قادة أبو ظبي، وهو جيل أحفاد زايد، في الوقت الذي يُعتقد فيه أن طحنون يعتبر أنه الأنسب لولاية العهد
من جانبه، يقول الدكتور عبد الرحمن الطريفي، المحلل السياسي والاقتصادي الإماراتي، إن "منصب ولي عهد أبو ظبي ذو أهمية كبيرة ولا يتوقع أن يظل شاغراً طويلاً، فهو يُعدّ الحاكم القادم، ويلعب دوراً حاسماً في مساعدة رئيس الدولة وفهم الاقتصاد، والمنصب يجهزه بالخبرة اللازمة لقيادة البلاد".
ويذكر الطريفي لرصيف22، أن "هذا المنصب ساعد الشيخ محمد بن زايد في أن يؤسّس لمقاليد حكمه منذ عام 2012، ويصنع طفرةً اقتصاديةً في البلاد ويقرّبه من الشعب الإماراتي ويجعل تولّيه أمراً سهلاً، ويساعد على الانتقال السلس للسلطة".
وبرأيه، فإنه "لا يوجد تنافس أو صراع على هذا المنصب. هذا الكلام فقط على وسائل التواصل الاجتماعي، وسيأتي من يختاره الشيخ محمد بن زايد، في وقت قريب، وسيكون ولي العهد القادم شخصاً مقرباً من الشعب".
طحنون بن زايد
وُلد طحنون في 4 كانون الأول/ ديسمبر 1969، وهو واحد أبناء الشيخ زايد الستة من زوجته الثالثة فاطمة، وهو معروف بممارسة الرياضة، وخاصةً الفنون القتالية، وركوب الدراجات، والجري والشطرنج.
يشرف طحنون بن زايد على كل شيء. إنه الرجل الموثوق به وغير المرئي. والغموض الذي يحيط به جزء من هذا. إنه هادئ وهو دائماً في كل مكان كما يصفه من يعرفه
بدأ حياته في الاقتصاد، وذلك في عام 1992، حينما أسّس "بنك الخليج الأول"، الذي اندمج لاحقاً مع "بنك أبو ظبي الوطني"، ليشكلا "بنك أبو ظبي الأول"، أحد أهم بنوك الإمارات، وهو تحت سيطرته إلى الآن. انتقل طحنون إلى العمل السياسي بعدما تم تعيينه في عام 2013، نائباً لمستشار الأمن القومي، ثم مستشاراً للأمن القومي عام 2016، ليجمع بذلك بين السياسة والاقتصاد، وهما عصب أي دولة.
في تقرير نشرته صحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية، في كانون الثاني/ يناير 2021، للكاتبين أندرو إنغلاند من بريطانيا وسيمون كير من دبي، نقلا عن مصادر غربية أن طحنون هو "الأخطر في منطقة الشرق الأوسط".
كذلك، نقلا عن كيرستن فونتينروز، وهي المديرة السابقة لشؤون الخليج في مجلس الأمن القومي في إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، قولها: "يشرف على كل شيء. إنه الرجل الموثوق به وغير المرئي. والغموض الذي يحيط به جزء من هذا. إنه هادئ وهو دائماً في كل مكان. يكون في الولايات المتحدة، ثم تعرف أنه سيكون في طهران، لكنه لن يخبرك".
يرأس طحنون شركات اقتصاديةً ضخمةً عدة في الإمارات، على سبيل المثال لا الحصر، مجموعة "G42"، وهي كيان اقتصادي ضخم في أبو ظبي تم تأسيسه عام 2018، متخصص في "الذكاء الاصطناعي والحوسبة السحابية".
يرأس أيضاً شركة العالمية القابضة "IHC"، التي استحوذت في ما بعد على شركة "TrustInternational Group"، وهي شركة دفاعية ضخمة. كانت "G42"، التي يُقال إنها وُلدت من رحم الدور الأمني لطحنون، أوّل شركة إماراتية تفتح مكتباً في إسرائيل بعد التطبيع.
وقالت الباحثة الإيطالية سينزيا بيانكو، زميلة المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، في تقرير الصحيفة البريطانية خلال الشهر الجاري، إن طحنون ظهر في طليعة بعض السياسات الإماراتية محلياً، وخاصةً في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
وكان طحنون أول من زار إيران في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، في رسالة تهدئة مع طهران، كما حطّ في أنقرة للقاء الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، بعد توتر دام لسنوات مع الإمارات. وأشارت تقارير عدة إلى أن طحنون كان مهندس التدخل الإماراتي في الحرب اليمنية، والانسحاب منها أيضاً في عام 2020. كذلك تمت الإشارة إلى أنه لعب دوراً مهماً في محاولة الجنرال المتقاعد خليفة حفتر، السيطرة على العاصمة الليبية طرابلس في 2019.
وبرز اسم طحنون بن زايد، الذي درس في أمريكا، في الاتفاقات الأمنية التي وُقّعت مع الولايات المتحدة، ومنها اتفاق "التعاون الدفاعي" في العام الماضي. وتشير الباحثة الإيطالية إلى أن طحنون بن زايد، يُنظر إليه على المستوى الإقليمي على أنه أقل أيديولوجيا وأقلّ تشدّداً من محمد بن زايد، وهو مدفوع إلى حد كبير بالأمن والسياسة الواقعية.
خالد بن محمد
بدأ خالد، البالغ من العمر 40 عاماً، والذي تلقى تعليماً عسكرياً على غرار أبيه في أكاديمية ساندهيرست البريطانية، حياته المهنية الرسمية في مجال الخدمات الأمنية، بتوليه رئاسة جهاز أمن الدولة في عام 2016.
خالد، البالغ من العمر 40 عاماً، تلقى تعليماً عسكرياً على غرار أبيه في أكاديمية ساندهيرست البريطانية، وفي عام 2019، أصبح رئيساً لمكتب أبو ظبي التنفيذي، وهو السلطة الأعلى في الإمارة
وفي عام 2019، أصبح رئيساً لمكتب أبو ظبي التنفيذي، وهو السلطة الأعلى في الإمارة. ثم عُيّن خالد عضواً في المجلس التنفيذي لإمارة أبو ظبي بموجب مرسوم أميري في العام نفسه، كذلك عيّنه والده حينما كان رئيساً للّجنة التنفيذية، نائباً لرئيس لجنة أبو ظبي للشؤون الإستراتيجية، وعضواً في مجلس إدارة أبو ظبي الوطنية للبترول "أدنوك".
وفي العام ذاته، صدر مرسوم آخر بتعيين أخيه الشيخ ذياب بن محمد بن زايد آل نهيان، رئيساً لديوان والده ولي العهد، خلفاً لعمه حامد بن زايد. وقالت الباحثة الايطالية إن اختيار نجل الرئيس سيكون بمثابة تحوّل مهم نحو المركزية المفرطة للسلطة في أيدي أفراد الأسرة الداخلية لمحمد بن زايد.
ووفقاً لصحيفة فايننشال تايمز، فإن خالد بن زايد يهدد بقاء طحنون، ونقلت عن مستشار غربي السؤال التالي: "هل ظهور جيل جديد من القادة يعني أن مسؤوليات طحنون يمكن أن تتضاءل؟".
ويشتهر خالد على مواقع التواصل الاجتماعي بشكل لافت، من خلال صفحات تحمل اسم "محبي الشيخ خالد"، وكان أيضاً من الشخصيات البارزة في تشييع جثمان الرئيس الراحل، حين ظهر وهو يستقل السيارة التي تحمل الجثمان.
الأخوة الآخرون
من بين المرشحين لهذا المنصب أيضاً، منصور، نائب رئيس الوزراء، ومالك نادي مانشستر سيتي لكرة القدم، وهو معروف بمصالحه التجارية الواسعة، لكنه ارتبط بفضائح مالية. وبرز اسمه في الأسابيع الأخيرة بعدما نقلت وسائل الإعلام أنه يلعب دوراً في المساعدة في إدارة العلاقات مع الأثرياء الروس الذين يتطلّعون إلى نقل أموالهم إلى الإمارات العربية المتحدة.
اللافت أيضاً أن هزّاع، الذي انضم إلى جهاز أمن الدولة عام 1983، وتولّى رئاسته حتى عام 2006، يُعدّ أيضاً من المرشحين الأقوياء، وكان يشغل المنصب الذي يتولّاه حالياً طحنون، وفقاً لمرسوم صدر في عام 2016، وكان في 2010 نائباً لرئيس المجلس التنفيذي لإمارة أبو ظبي.
إلّا أن تقارير عدة صدرت عام 2016، وتحدثت عن أن محمد بن زايد حدّ من صلاحيات هزّاع، بعد أن صعد نجمه بشكل كبير واستطاع أن يخلق لنفسه مكانةً مميزةً، إلا أن هذا الصعود تراجع وبدأ يتلاشى بعد تجريده من منصبه الأمني.
ويأتي الأخ الخامس عبد الله بن زايد، في مرتبة متأخرة بين المرشحين. وقد عُيّن وزيراً للإعلام والثقافة عام 1997، ثم انتقل إلى وزارة الخارجية عام 2006، وكان ممثل الإمارات في التوقيع على اتفاقية التطبيع مع إسرائيل، وهو الذي زار دمشق للقاء الرئيس السوري بشار الأسد، في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي.
أخيراً، حمدان بن زايد ممثل الحاكم في منطقة الظفرة في أبو ظبي، والذي كان يشغل منصب نائب رئيس الوزراء. وبالرغم من أن اسمه لم يَرِد ضمن الأسماء المرشحة بقوّة لشغل هذا المنصب، إلا أنه يظل أحد أبناء فاطمة.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
Tester WhiteBeard -
منذ 22 ساعةtester.whitebeard@gmail.com
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 4 أيامجميل جدا وتوقيت رائع لمقالك والتشبث بمقاومة الست
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ أسبوعمقال مدغدغ للانسانية التي فينا. جميل.
Ahmed Adel -
منذ أسبوعمقال رائع كالعادة
بسمه الشامي -
منذ اسبوعينعزيزتي
لم تكن عائلة ونيس مثاليه وكانوا يرتكبون الأخطاء ولكن يقدمون لنا طريقه لحلها في كل حلقه...
نسرين الحميدي -
منذ اسبوعينلا اعتقد ان القانون وحقوق المرأة هو الحل لحماية المرأة من التعنيف بقدر الدعم النفسي للنساء للدفاع...