قد يمكن الجزم بالقول إن كل ما يحدث في جمهورية إيران الإسلامية بات يمضي قدماً نحو توسيع رقعة الخلافات بين الشعب والسلطة؛ فلا الدولة تبحث عن حل لضمّ شعبها تحت خيمة الوطن، معارضاً كان أم مؤيداً، ولا المواطنون يقدرون على تقبل أفعال النظام المحافظ.
وآخر حدث من هذا النوع، هو الخلاف القائم حول بث أغنية أيديولوجية مخصصة للأطفال تتحدث عن الإمام المهدي وتحمل عنوان "سَلام فَرمانده"، وتعني "تحية أيها القائد"، والتي شغلت الرأي العام بين مؤيد ومعارض.
في الثامن عشر من آذار/مارس الماضي، اليوم الذي صادف ذكرى مولد الإمام المهدي، الغائب عن الأنظار والمنتظَر وفق الرواية الشيعية، بث التلفزيون الإيراني أنشودة شارك فيها 313 طفلاً، وهو العدد الذي يرمز إلى أصحاب المهدي عند ظهوره وإقامة دولته الإسلامية في أرجاء العالم.
وتشير الأغنية، التي روجت لها مؤسسة الإذاعة والتلفزيون الحكومية بكثافة عبر قنواتها المتعددة منذ إصدارها إلى اليوم، إلى مضامين تبتهل بتعجيلِ فَرَج المهدي وتتغزل به، وتبدي كلماتها استعداد هؤلاء الأطفال ليكونوا جنوداً لنصرة دولته.
العراق وسوريا ولبنان على خطى طهران
الجانب الآخر من الأنشودة التي تمتعت بألحان جميلة وكلمات رنانة على طريقة "البوب"، يصدح هؤلاء الأطفال بأسماء المرشد علي خامنئي والجنرال قاسم سليماني وعناصر الاستخبارات التي تطلق عليهم إيران عنوان "جنود إمام الزمان المجهولين"، كرموز دولة الإمام المهدي، يعاهدونه بالحفاظ عن دولة الجمهورية الإسلامية.
ضخّ رجال الدولة أموالاً طائلة، وسخروا مؤسساتهم الإعلامية لتدشين بروباغندا إعلانية ضخمة لهذا النشيد الأيديولوجي الخاص بالأطفال، حيث لم تقتصر خططهم على الشعب الإيراني فحسب، بل امتد النشر والبث والتوزيع على الدول العربية الخاضعة للنفوذ الإيراني
وبات عنوان "سلام فَرمانده" يتردد على ألسنة الصغير والكبير من مؤيدي النظام، وبما أن من ألقاب المرشد خامنئي هو "فَرمانده كل قوى" (قائد القوّات)، فقد أصبح العنوان يشير إلى الرجل مباشرة. أما الشعب، وحتى معارضو هذا النشيد الأيديولوجي فباتوا يرددون "سلام فرمانده" أيضاً على سبيل المزاح أو استهزاءً بتصرفات السلطات.
وضخّ رجال الدولة أموالاً طائلة، وسخروا مؤسساتهم الإعلامية لتدشين بروباغندا إعلانية ضخمة لهذا النشيد الأيديولوجي الخاص بالأطفال، حيث لم تقتصر خططهم على الشعب الإيراني فحسب، بل امتد النشر والبث والتوزيع على الدول العربية الخاضعة للنفوذ الإيراني، كالعراق ولبنان وسوريا. كما تناول هذا النشيد مراكز شيعية أخرى في دول آسيوية وأفريقية، وقد حصلت الأنشودة على ملايين المشاهدات عبر منصات التواصل الاجتماعي.
وأبعد من ذلك، خرجت تغريدات من ناشطين عرب شيعة توبخ أنظمتهم وأسلوب التربية فيها وتطالب بالاستفادة من دروس إيران التي تدرب أطفالها على حبّ الإمام المهدي وانتظار فرجه.
وفي منشور لمحمد العبادي من العراق على الفيسبوك، ذكر فيه: "إنني أدعو المؤسسات الثقافية والمعنيين من الإعلاميين بشؤون ثقافة المقاومة أن يعملوا على ترجمة هذا النشيد أو العمل على إنتاج الأناشيد التي يتفاعل معها أطفالنا وأولادنا".
سخرية واسعة وانتقادات لاذعة
وعلى غرار التحية العسكرية التي يؤديها الأطفال في الفيديو كليب، نشر عشرات الإيرانيين مقاطع مصورة يؤدون فيها تحية عسكرية للمرشد الإيراني بسخرية، ويطالبونه بحل الأزمات المعيشية والحرمان، رداً على إعلام الدولة الذي سلط الضوء على هذه الأنشودة بدلاً من مشاكل المواطنين.
حكومة التيار المحافظ بدورها تواصل حفلاتها الشعبية بمشاركة بقية الأطفال مع ذويهم في أنحاء إيران لأداء الأنشودة الجماعي. وأقامت السلطات أمس الخميس أضخم تجمع بمشاركة 100 ألف شخص من رجال ونساء وأطفال، في ملعب آزادي، تحت عنوان "اجتماع سَلام فَرمانده".
الوقت والمكان في إقامة هذا الملتقى الأسري كان لافتاً بالنسبة للشعب الإيراني، فبينما تمانع السلطات دخول الإيرانيات إلى مدرجات ملاعب كرة القدم، جلست الفتيات والنساء برفقة أطفالهن على مدرجات ملعب طهران، ما أثار غضب جماهير الرياضة من مفارقة الدولة حول هذا الأمر، إذ يُمنع في إيران دخول النساء إلى الملعب ومشاهدة مباريات كرة القدم إلى جانب الرجال.
مفارقات النظام وغضب الفتيات
الصحفية سارا معصومي، وفي إشارة إلى مفارقات السلطات في السماح وعدم السماح بدخول الفتيات إلى الملاعب الرياضية، نشرت صوراً لمنع دخول النساء إلى ملعب مدينة مشهد عند مباريات منتخب إيران ولبنان في الشهر الماضي، وغردت: "تناسوا، ولكن الشعب لا ينسى".
الأكاديمي المحسوب على معسكر المحافظين، بشير حسيني، خلال مشاركته في التلفزيون الإيراني، اعتبر الاجتماع الجماهيري في العاصمة طهران بأنه يوم من أيام الله
أما في مدينة عبادان جنوب غربي إيران، التي مازالت تبحث عن جثث أبنائها تحت الركام، إثر إنهيار بناية من 10 طوابق قبل خمسة أيام، والتي راح ضحيتها حتى الآن 22 مواطناً وأصيب ما يزيد عن 32 فرداً، خرجت حشود كبيرة تندد بالاجتماع الذي أقيم في العاصمة طهران بعد ساعات قليلة على إقامته، وقد رفعت شعار "آبادان خونريزيه، تهران عروسیه"، ما يعني "عبادان تنزف دماً وطهران تقيم عُرساً".
استغلال الأطفال في أناشيد أيديولوجية على يد النظام الإيراني أثار ملاحظات الناشطين الحقوقيين والمدنيين حول إشراك وتجنيد الأطفال الذين لا تتجاوز أعمارهم سن الرشد في معتقدات الدولة وسياستها.
ظاهرة استغلال الأطفال
الباحث الإيراني في حقوق الأطفال حامد فَرمَند ينتقد سياسة الجمهورية الإسلامية في استغلال الأطفال في سبيل ترويج أهدافها خلال العقود الأربعة من عمر ثورة إيران، ويشير إلى أن بعض عبارات نشيد "سلام فرمانده" توحي بجهود ممنهجة من قبل الدولة في تربية جنود من الأطفال يحملون السلاح.
مؤيدو النشيد، ورداً على الانتقادات اللاذعة التي طالتهم، غردوا على صفحاتهم بتأييدهم لهذه الظاهرة، وتدريب الجيل الجديد على معتقدات الآباء. وقد بيّن الناشط السياسي علي عليزاده: "أطفال الشرق الأوسط عاشوا تحت رحمة الحروب العسكرية والاقتصادية عبر عقود من الزمن، عندما تكون قنابل وعقوبات أمريكا لا تعرف فئة عمرية، كيف للمقاومة أن تخضع لفئات عمرية أمام ذلك؟".
أما الأكاديمي المحسوب على معسكر المحافظين، بشير حسيني، وخلال مشاركته في التلفزيون الإيراني، فاعتبر الاجتماع الجماهيري في العاصمة طهران بأنه يوم من أيام الله، وأن هذا النشيد هو هوية الجيل الجديد في إيران، وأكد أن "على المعارضين أن يعرفوا أن مثل هذه الأحداث سوف تزداد، ونحن لا نخشى استعراض ذلك".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...