يمر قطار الغلاء في إيران بقيادة حكومة المحافظين بسرعة دون توقف، على مدى 48 يوماً من بداية العام الإيراني الجديد حتى الآن. وقد توقع الشعب الإيراني أنه سيواجه عاماً تنهار فيه قدرته الشرائية، وترتفع الضريبة القاسية على جيبه المرهق، لكنه لم يمر يوماً إلا وفوجئ بزيادات في الأسعار.
ومع حلول عيد الفطر، جاءت المفاجأة بزيادة أسعار المعكرونة بنسبة 200 بالمئة. فبعد غلاء في قطاع السكن والسيارات وارتفاع حكومي لأسعار شبكة الإنترنت، كانت زيادة سعر المعكرونة أشبه بالعاصفة التي حيرت الجميع، خاصة وأن الأمر جاء بمصادقة من جمعية حماية المستهلك والمنتج في البلاد!
8 آلاف بضاعة إيرانية في دوامة الغلاء
ليس السباغيتي والمعكرونة فحسب، بل يبدو أن الحكومة الإيرانية قادمة على زيادة أسعار نحو 8 آلاف من البضائع بنسبة 40 بالمئة، تزامناً مع بدء ثاني أشهر العام الإيراني (أبريل/مايو)، ولكن يبدو أن الأسعار لم تتوقف عند حدودها الحكومية، بل ذهبت بطريقها الحر دون رقابة، كما حال المعكرونة.
ومع أزمة المعكرونة التي أوعز أصحاب المصانع ارتفاع أسعارها نتيجة توقف دعم أسعار القمح الحكومية، برزت أنباء عن زيادة أسعار الخبز العصري والكعك بنسبة تزيد عن 30 بالمئة، بينما تبدو الأسعار متواصلة في الارتفاع في ظل عدم تزويد المخابز العصرية بالدقيّق المدعوم حكومياً.
رغيف الخبز یطلب القفز دون إذن الحكومة
يتجه الزيت والمعكرونة والخبز العصري على رفوف المتاجر الإيرانية نحو نقصان حاد أو أسعار خيالية بلا أي رقابة صارمة، مما جعل المواطنين يستشعرون أن ما يحدث في الأسواق فاق توقعاتهم المسبقة، وعليهم الاستعداد للغوص في المزيد من عمق الأزمة الذي لا يعرف أحد حدودها.
مع حلول عيد الفطر، جاءت المفاجأة بزيادة أسعار المعكرونة بنسبة 200 بالمئة. فبعد غلاء في قطاع السكن والسيارات وارتفاع حكومي لأسعار شبكة الإنترنت، كانت زيادة سعر المعكرونة أشبه بالعاصفة التي حيرت الجميع
رغيف الخبز هو الآخر استعد لرفع ثمن شرائه علی قرار غلاء القمح في البلاد. ووفق تصريح رئيس اتحاد المخابز في العاصمة طهران، بيجن نوروزي مقدم، إن "إنتاج الخبز لا يعتمد على القمح فحسب، فهناك مصاريف عديدة أخرى تشهد زيادة وارتفاعاً منذ سنوات، كالكهرباء ورواتب العمال، ومصاريف استيجار المحلات، ومتطلبات المنتوج في حد ذاته كالملح والماء والخميرة وغيرها".
أنصار الحكومة يشعلون منصات التواصل بالنقد اللاذع
أما السلطات الإيرانية فعلى عادتها في الأعوام الماضية، نفذت سياستها، ثم أتت تشرح خطتها للشعب، حيث لم تستفد من تجربة عام 2019 عندما رفعت الحكومة سعر البنزين دون توجيه المواطنين قبلها، فنزل الشعب بغضبه رافضاً تلك الإجراءات، أو انتفاضة البيض عام 2016 الذي ضربت المدن خلالها احتجاجات شعبية ضد قرار ارتفاع أسعار البيض والنقصان الحاد في المتاجر.
وارتفعت هذه المرة أيضاً أصوات المنتقدين لهذه السياسة الخاطئة، وتعالت إنذارات الخبراء والمعنيين من امتداد ابتعاد صفوف الشعب عن نظام الثورة الإسلامية، خاصة بين صفوف أنصارها، وتأجيج أزمة الاحتجاجات التي طالت البلاد منذ فترة حول الرواتب بين أصناف المجتمع. أما الفارق هنا فهو أن هذه الأصوات الناقدة لم تأت من المعارضة الداخلية أو الخارجية، بل من داخل صفوف الحكومة وإعلامها الرسمي، فالمعكرونة فاجأت الکل.
وقد نشرت اليوم صحيفة "جمهوري إسلامي" الأصولية مقالاً يخاطب رئيس الجمهورية الإيرانية إبراهيم رئيسي، يطالبه بالانسحاب طالما أنه فشل في تدبّر أمور البلد. وجاء في هذا المقال: الآن وبعد أن اتضح أنه لا يمكنك حل المشاكل ، تنحى بشجاعة واترك العمل لأصحاب المهارة لإنقاذ الشعب والبلد من هذه الدوامة الخطيرة".
حجب الإنترنت تحسباً لاحتجاجات شعبية جديدة
تم في بعض المدن الإيرانية حجب شبكة الإنترنت تحسباً لأي احتجاجات شعبية ضد الغلاء الذي أثقل كاهل المواطنين، حيث توالت في الأيام الأخيرة بيانات منددةٌ بالوضع المعيشي ومطالبةٌ الشعبَ بالنزول للشوارع والتنديد بخطط الحكومة الاقتصادية التي لم تصب في صالح المواطنين.
ولم يسلم التيار المحافظ المسيطر على مفاصل الدولة، وحكومة إبراهيم رئيسي التي تتمتع بأعلى نسب الدعم من مكتب المرشد الأعلى إلى صفوف العسكر وديوان القضاء وقبة البرلمان، من نقد محبيها وحلفائها حول ضرورة تبيين أي سياسة حكومية وإقناع الشعب والإنصات إلی آرائه قبل بدء الخطط الاقتصادية التي تستهدف جيوب المواطنين مباشرة.
وبعثت قوات "بسيج الطلاب" رسالة إلى الرئيس الإيراني، حذرت فيها من عواقب اجتماعية واحتجاجات على خلفية الزيادة المفاجئة في أسعار المواد الغذائية، وأكدت إن "المجتمع ليس مستعدًا لمثل هذه الزيادة المفاجئة في الأسعار والرأي العام لم يتلق استجابة مقنعة تفسر هذه الزيادة".
وقال عضو مجلس تشخيص مصلحة النظام، مجيد أنصاري: "إذا لم يتم تحديد سبب ارتفاع الأسعار بدقة فسينتقل بشكل متسلسل إلى قطاعات أخرى وسیسحق ظهر المواطنين وخاصة الشرائح الضعيفة من المجتمع تحت عبء هذا الغلاء".
السلطات تنفذ السياسات ثم تبرر للشعب
بعد توسعة رقعة الانتقادات في مواقع التواصل الاجتماعي من تصرفات الحكومة في الأسواق وزيادة أسعار البضائع الأساسية للمواطنين دون شرح مسبق أو تهيئة الأجواء العامة، بادرت الحكومة بخطاباتها الموجهة للشعب عن أسباب غلاء الدقيق.
وتهريب نحو 250 ألف طن من القمح في العام الماضي وتصدير 250 ألف طن من منتجات القمح، إلى جانب رمي 20 بالمئة من إنتاج الخبز سنوياً، والذي يزيد ما مقداره 10 ملايين طن؛ وغيرها كنقص في إنتاج القمح والحرب الروسية الأوكرانية، هي أسباب رفع أسعار القمح في البلاد، حسب إحصائيات الإعلام الحكومي.
تنفيذ تجريبي لخطة رغيف الخبز
واعلنت وزارة الاقتصاد بدورها عن خطتها في استمرار الدعم الحكومي من رغيف الخبز حتى نهاية العام، مؤكدةً أن الطريقة ستتحول من اختصاص قمح بأسعار حكومية لمصانع الدقيق إلى تزويد المخابز مباشرة بالدقيق المدعم حكومياً، وفق إحصاء كمية بيع رغيف الخبز إلكترونياً، مما يعني أن رغيف الخبز سوف يشهد أسعاراً جديدة لكن السلطة ستدفع الفارق لأصحاب المخابز حتی نهاية العام الإيراني (20 آذار/مارس 2023).
ها هي حكومة المحافظين تجرب حظوظها في اختبار الاقتصاد دون الاتكاء على السياسة والأسواق التجارية الحرة، أحد أبرز شعاراتها الانتخابية التي رفعته في وجه خصومها. فهل تنجح بتمرير مشاريعها أم ستواجه تجربة احتجاجات 2019 و2016؟
ولتنفيذ هذه الخطة اتخذت الحكومة من محافظة زنجان في شمال غربي البلاد، موقعاً لبدئها تجريبياً عبر إلزام المخابز التقليدية ببيع الخبز وفق أجهزة نقاط البيع المصرفي حصرياً، كي تتمكن وزارتا الزراعة والصناعة من الإشراف على كمية الدقيق المطلوب لكل مخبز.
توزيع بطاقة الخبز
ومن شأنها أن تساعد هذه الخطة بالحد من تهريب القمح إلى خارج البلاد وإسراف الدقيق من قبل المخابز أو المواطنين. وكما أعلنت وزارة الاقتصاد لا تشمل الخطة المخابز العصرية وإعداد خبز الباغيت والكعك والبسكويت والمعكرونة، مما يعني رفع الدعم الحكومي من دقيق هذه المصانع والمخابز، فارتفاع أسعار هذه البضائع بات أمراً محتوماً علی الشعب.
وفور نجاح التجربة في محافظة زنجان سوف تعمّم هذه الخطة في أرجاء البلاد، كما عجت مواقع التواصل الاجتماعي بأنباء عن اصدار "بطاقة الخبز" للمواطنين دون مزيد من التفاصيل حكومياً.
إيران بين فشل العودة للاتفاق النووي والتراجع من الاکتفاء الذاتي لإنتاج القمح
وفي ظل عدم الاتفاق للعودة إلى الاتفاق النووي، واستمرار مئات من العقوبات الأمريكية على طهران، وزيادة التضخم، وتقلیص الناتج المحلي الإجمالي، وانشغال إيران ببرنامجها الصاروخي، ودعم حلفائها في المنطقة، وتراجع مؤشرات النمو الاقتصادي، سيكون القادم علی المواطنين الإيرانيين أصعب بكثير مما عليه الآن.
وعن القمح فكانت قد أعلنت إيران في السنوات الماضية عن الوصول إلی الاکتفاء الذاتي وإنتاج مایزید عن 14 مليون طن من القمح، لكن سوء الإدارة وشراء القمح من المزارعين بأسعار زهيدة، إضافة إلی الجفاف واستهلاك القمح في قطاعات صناعية أخری، قلص الإنتاج إلی نحو 5 ملايين طن سنوياً، مما أجبر وزارة الزراعة علی استيراد 6 ملايين طن من القمح الروسي وغیره، وفق رئيس جمعية الصناعات الغذائية الإيرانية، محمد رضا مرتضوي.
وبعد فشلها في الاختبار السياسي المتمثل بالعودة للاتفاق النووي خلال 8 أشهر من بداية مهامها، ها هي حكومة المحافظين تجرب حظوظها في اختبار الاقتصاد دون الاتكاء على السياسة والأسواق التجارية الحرة، أحد أبرز شعاراتها الانتخابية التي رفعته في وجه خصومها. فهل تنجح بتمرير مشاريعها أم ستواجه تجربة احتجاجات 2019 و2016؟
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يوممتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ يومينفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ يومينعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ يومينtester.whitebeard@gmail.com
مستخدم مجهول -
منذ يومينعبث عبث
مقال عبث من صحفي المفروض في جريدة او موقع المفروض محايد يعني مش مكان لعرض الآراء...
مستخدم مجهول -
منذ 6 أيامرائع