شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!
حركة البعث الإسلامي... القصة المجهولة لأول تنظيم إسلامي في تونس

حركة البعث الإسلامي... القصة المجهولة لأول تنظيم إسلامي في تونس

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة

الأربعاء 1 يونيو 202212:24 م

تستقر حركة النهضة الإخوانية في الوعي الجمعي التونسي، وحتى في الدراسات التاريخية والسياسية، على أنها أول تنظيم إسلامي نشأ في تونس المعاصرة، ثم جاءت بعدها بقية التنظيمات السلفية بأنواعها المختلفة وحزب التحرير وجماعة التبليغ... لكن هذه "المُسلّمَة" التاريخية تفقد اطمئنانها عند التعرّف على أن هنالك تنظيماً إسلامياً سياسياً ظهر أواخر أربعينيات القرن الماضي، قبل عشرين عاماً من تأسيس الجماعة الإسلامية، الاسم القديم لحركة النهضة في عام 1969.

عام 1979، وصل إلى بريد مجلة "المعرفة" الناطقة باسم الجماعة الإسلامية (النهضة) مقال بتوقيع رجل يدعى الشيخ أحمد الأزرق، نشره محرر المجلة تحت عنوان بارز: "بحثاً عن الحلقة المفقودة: حركة البعث الإسلامي بالمغرب الإسلامي".

كان المقال هدية من السماء لحركة النهضة، ذلك أنها كانت دائماً ما تبحث عن نفي التهم التي كان خصومها يرمونها بها من كونها جماعة وافدة من الخارج بأفكار إخوانية منفصلة عن الواقع الاجتماعي والديني التونسي.

ورغم أن الإسلاميين في تونس دأبوا منذ تأسيس أول خلاياهم، نهاية الستينيات، على تقديم أفكارهم بوصفها امتداداً للحركة الإصلاحية الدينية التونسية ولجامعة الزيتونة، إلا أن ذلك لم يكن يلقى صدى كبيراً لدى النخبة التونسية العلمانية. لذلك شكّل مقال الشيخ الأزرق "الحلقة المفقودة" التي كان راشد الغنوشي ورفاقه يبحثون عنها منذ سنوات، إذ كشف فيه صاحبه عن وجود تنظيم إسلامي مجهول تأسس عام 1947 وكان هو جزء منه.

البداية... جماعة محتسبة

نشأت الجماعة بدايةً من خلال لقاء طوعي بين عدد من شباب تونس العاصمة من ذوي الخلفيات الدينية، دون أن تحمل اسماً معيناً. وكانت همومها دعوية متجهةً نحو ما يسميه الشيخ الأزرق بـ"إلقاء المواعظ ورفع بعض الشكاوي أو الاحتجاجات على الأعمال المشينة المخالفة لتعاليم الإسلام''، على نحو نشاط جماعات الحسبة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

من ذلك، قاد التنظيم الوليد حملةً، في نهاية عام 1947، احتجاجاً على انتهاك حرمة مقبرة الزلاج، أكبر مقابر العاصمة، بعد أن اكتشف أفراده وجود شبكة دعارة تنشط في المكان وأحواضاً لزراعة مخدر التكروري (القنّب الهندي)، والذي كان يلقى رواجاً كبيراً في تونس في ذلك الوقت ويدرّ أرباحاً طائلة على الحكومة الاستعمارية التي احتكرت بيعه وزراعته.

ووصلت الحملة إلى صحف العاصمة حينذاك، فنشرت جريدة "الأسبوع" إحدى رسائل أحد أعضاء الجماعة وفيها أن: "هناك شرذمة من الأنذال المفسدين الذين لا عمل لهم إلا السكر و"تكييف التكروري" لم يكتفوا بأعمالهم الدنيئة فانتهكوا حرمة مقبرة الزلاج وجعلوها مسرحاً لتمثيل أدوارهم المخزية ولم يكتفوا بكل ذلك فجاؤوا إلى مقبرة المقدس المبرور سيدنا ومولانا محمد المنصف باشا باي تغمده الله برحمته وأسكنه فراديس جنانه وزرعوا قربها أشجار التكروري السامة ثم جاؤوا إلى مقهى السبت الكائن في نفس ذلك المكان وجعلوه محلاً لإقامتم، كل هذا وإدارة مراقبة الزلاج في غفلة أو متغافلة وإدارة الأمن كذلك ومشيخة المدينة أيضاً. هذا وإني لأرجو من حميتكم وإخلاصكم لهذا الوطن أن تنشروا كلمة في جريدتكم تثيرون الرأي العام عن أعمال هؤلاء الأنذال وتطالبوا بكل إلحاح من الحكومة عقاب هؤلاء الناس بأقصى العقوبات حتى يكونوا عبرة لغيرهم. وقد قمت مع ثلة من الأصدقاء بتقليع ما وصلت إليه أيدينا من ذلك النبات الموبوء."

رفعت هذه الحملات" الأخلاقية" من أسهم الجماعة في فضاء العاصمة العام وجعلت نشاطها يتوسع إلى الضواحي البعيدة. واصفاً ذلك الناشط، يقول الشيخ الأزرق: "خرجنا من العاصمة إلى ضواحيها ندعو الناس إلى الرجوع إلى جادة الصواب والإقلاع والتوبة... نلقي الدروس في المساجد إثر صلاة الجمعة... لقد كان على كل داعية أن يتعهد بزيارة ثلاثة مساجد على الأقل كل يوم جمعة يقع اختيارها متقاربة الموقع ومتفاوتة الأوقات لإقامة الصلاة بل وكنّا أحياناً نلقي المواعظ في الأسواق وأمام التجمعات وبالمقاهي."

عودة المرشد

تزامن صعود الجماعة مع قرار عودة محيي الدين القليبي، أحد قادة الحزب الحر الدستوري القديم، من القاهرة، والذي كان يدير مكتب "جبهة الدفاع عن شمال إفريقيا" وهي تنظيم جبهوي يضم قيادات من حركات التحرر المغاربية. ففي ربيع العام 1949 وصل القليبي، الذي يُعرف بتوجهاته الدينية إلى تونس ليلتف حوله شباب التنظيم الجديد ويجعلوا منه مرشداً لهم وقائداً، بعد أن جعلت رحلة القاهرة منه أقرب إلى جماعة الإخوان المسلمين فكراً وتنظيماً.

ارتبط القليبي في مصر بمؤسس جماعة الإخوان المسلمين حسن البنا، على نحو عميق يُعتقد معه أنه كان مبايعاً للجماعة. رغم عدم وجود دلائل موثقة على ذلك، إلا أن مؤشرات كثيرة تصب في صالح هذا الاعتقاد، من ذلك أنه وضع صورة حسن البنا "تبركاً" في آخر كتابه "مأساة عرش"، وهو كتاب نشره دفاعاً عن أمير تونس محمد المنصف باي الذي خلعته فرنسا عن الحكم في أعقاب الحرب العالمية الثانية.

كذلك، خصه القيادي الإخواني السعودي عبد الله العقيل بترجمة خاصة ضمن كتابه "من أعلام الدعوة والحركة الإسلامية المعاصرة" الذي يتتبع سير وحياة قيادات الإخوان في العالم، ووصفه على نحو لافت بأنه "الدرة الثمينة في جبين الحركة الإسلامية".

وخصصت له جماعة الإخوان المصرية ترجمةً على منصتها الإلكترونية "إخوان ويكي". وخلال طوافه المشرقي بعد الحرب العالمية الثانية، ارتبط القليبي بعلاقة خاصة مع جماعة الإخوان المسلمين في سوريا، لا سيما مع الشيخ علي الطنطاوي وعبد الرحمن الباني وعصام العطار، الذي سيصبح لاحقاً مراقباً عاماً للجماعة في الشام.

نشأت الجماعة بدايةً من خلال لقاء طوعي بين عدد من شباب تونس العاصمة من ذوي الخلفيات الدينية، دون أن تحمل اسماً معيناً، وكانت همومها دعوية متجهةً نحو "إلقاء المواعظ ورفع بعض الشكاوي أو الاحتجاجات على الأعمال المشينة المخالفة لتعاليم الإسلام''

وسيعود القليبي إلى دمشق بعد المحطة التونسية القصيرة ويموت فيها، داخل غرفة صغيرة في مستشفى المجتهد في حي الميدان في تشرين الثاني/ نوفمبر 1954. وكتب العطار في نعيه له مقالاً طويلاً في جريدة الشهاب الإخوانية، وحمل مراقب الجماعة مصطفى السباعي نعشه إلى المقبرة، لكن ذلك النعش سيعود إلى تونس في العام نفسه الذي ظهرت فيه الجماعة الإسلامية (النهضة)، عام 1969.

عندما عاد القليبي عام 1949 إلى تونس قاصداً بناء جماعة إسلامية على شاكلة الإخوان المسلمين، وجد في شباب "جماعة الحسبة" فرصة مناسبة لتحقيق حلمه، بعد أن وصل نشاطه ضمن الحزب الدستوري القديم إلى حالة من الضمور، خاصة بعد وفاة مؤسس الحزب الشيخ عبد العزيز الثعالبي وتوسع شعبية ونشاط الحزب الدستوري الجديد بقيادة الحبيب بورقيبة وسيطرته على قيادة الحركة الوطنية.

عبد العزيز الثعالبي

يروي الشيخ الأزرق في ذكرياته عن تأسيس الجماعة ولقاء رفاقه بمحيي الدين القليبي: "عاد الشيخ محيي الدين القليبي من الشرق وتم الاتصال به نظراً لما علمنا عنه من أنه غيّر اتجاهه السياسي وأنه عاد يحمل معه دعوة الإخوان المسلمين... وكان عهداً موثقاً... وتعززت الحركة وأصبحنا نتجول في داخل البلاد يؤيدنا ويمهد لدعوتنا بعض الرجال الذين لهم ثقة بالشيخ محيي الدين وتوسع العمل وتأسست الفروع والشعب وسميت حركتنا ‘البعث الإسلامي بالمغرب الإسلامي’ وكان أمينها العام محيي الدين القليبي وكاتبها العام (سكرتيرها العام) من بين الشباب ثم تسعة أعضاء آخرين وقع اختيارهم بالانتخاب والشورى في اجتماع عقدناه بدار المرحوم بالمرسى وأول فرع تأسس بمدينة صفاقس ثم بالساحل والجنوب".

الشيخ أحمد الأزرق

ويشير المؤرخ التونسي، الكراي القسنطيني، في دراسته حول "العلاقات بين الحزب الحر الدستوري القديم وجامعة عموم العملة التونسيين (أول منظمة نقابية في تونس، تأسست عام 1924)" إلى أن هذا التنظيم الجديد كان يحمل اسم "لجنة الدفاع عن المغرب الإسلامي" وتأسس مطلع عام 1951 ليكون فرعاً من فروع مؤتمر كراتشي الإسلامي، ويهدف إلى العمل على تجميع "جهود مجاهدي شمال إفريقيا"، وكان رئيسه الشرفي شيخ الإسلام الحنفي في تونس محمد عباس.

لكن الشيخ أحمد الأزرق يذهب في مقالته إلى اعتبار أن حركة البعث الإسلامي الوليدة لم تكن فقط "النواة الأولى للعمل الإسلامي الشامل -دين ودولة ومصحف وسيف وعبادة وجهاد- وإنما كذلك امتداداً للدعوة إلى توحيد الأمة الإسلامية وقيام الدولة المسلمة وتطبيق شرع الله في أرضه"، كما يسوق نقاطاً من نظامها الداخلي تدور حول الخصال الشخصية التي يجب أن تتوفر في كل فرد من أفرادها: "لن يضطلع بهذه الأمانة العظمى، أمانة حظوظ الأمم إلا مَن تجسم فيهم الإخلاص الديني بالمعنى المتقدم، أعني الوطنية الدينية البحتة ومن هناك يكون لا معنى عندنا للاعتزاز بكثرة الأفراد المتطوعين للقيام بهذه الأمانة بل من الواجب الديني والإخلاص له ألا يضطلع بها إلا مَن خبرنا سريرته أولاً وعرفنا غايته ثانياً وتعرفنا على مقدار حماسه وغيرته على دينه ثالثاً، فاستخلصنا من كل ذلك أنه جندي من جنود محمد صلى الله عليه وسلم بالمعنى الكامل في حياته الخاصة والعامة. ولذلك وجب أن تكون لمنظمتنا ثلاثة أفواج: شباب متمرن، شباب عامل، شباب محمدي". وهذا الترتيب التفاضلي في العضوية ليس بعيداً عن نظام الانتساب للجماعات الإسلامية الإخوانية.

ويكشف النظام الداخلي للجماعة مراتب العضوية وطريقة الارتقاء فيها وطريقة قبول الأعضاء وكيف يتدرجون بين هذه الرتب الثلاث وكيف يعملون على المهمة التي عليهم القيام بها في نطاق المنظمة وكيف ينضبط أفراد كل فوج حتى يصلوا إلى الدرجة التي تليها وصولاً إلى درجة القيادة التي من بين أفرادها المسؤولون الإداريون وعمداء الفوجين الآخرين ممن تتوفر فيهم حسب النظام: "شروط الألمعية والذكاء والقدرة التامة على الدعاية وتمثيل مبادئ المنظمة خير تمثيل ومنهم كذلك الوعاظ العامون، وهؤلاء هم وجه المنظمة ومهمتهم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في جميع الأحوال وفي كل الأزمنة والأماكن في جميع الأوساط والمجتمعات فيغشون لذلك الجوامع والمقاهي ودور الملاهي والأسواق في القرى والشوارع ولذلك يشترط في هؤلاء الوعاظ أن يكونوا من ألين الإخوة عريكة حاضري الحجة، متسلحين لكل ميدان من ميادين القول مع استحضار نصوص الكتاب والسنّة".

فشل سريع

لم تلبث الحركة عاماً واحداً حتى دبّت داخلها الخلافات. فبعد جولة ميدانية داخل جهات البلاد قام بها مرشد الجماعة محيي الدين القليبي، بدأت المشاكل تظهر في صفوف التنظيم، ولم يحتمل القليبي أن يشق أعضاء من الحركة عصا الطاعة فآثر الرحيل مرة أخرى نحو الشرق طاوياً صفحة تونس إلى الأبد. لكنه حاول قبل ذلك إعادة بناء حلمه في ليبيا والمغرب والجزائر، دون أن يحقق شيئاً يذكر.

الشيخ محيي الدين القليبي

ويعيد الشيخ الأزرق أسباب فشلهم إلى أن أكثر القائمين على هذه الحركة كانوا من الشباب ذوي التكوين الديني ولكن بضاعتهم في الحكمة قليلة وحماسهم لا حد له، مشيراً إلى تفشي الغرور والارتجال بين صفوفهم واصفاً ذلك بالقول: "اتسم العمل داخل المجموعة بالارتجال فلم نخطط لتحركاتنا ولم تحدد المراحل والأهداف... وكان يطغى على الكثيرين نوع من الغرور والإعجاب بالنفس وكثيراً ما يغلب على الدعاة الحماس الذي لا يدعمه العقل الرصين ولا تنيره المعرفة الواعية بما يدور في العالم. كان البعض لا يستطيع أن يخفي زهوه وهو يرى طاعة الناس له ويستمع إلى مديحهم وهذه عوامل جد مؤثرة في النتائج وكثيراً ما يتلاشى معها العمل ويتبخر... كنا نعتمد على أناس قد تهيأوا تلقائياً بسبب تكوينهم العائلي أو الاجتماعي والثقافي بحيث لم تكن السبل واضحة على نسق واحد وبنسب متحدة لدى الجميع وسلوك طريق الدعوة العامة كثيراً ما يتفرق مفعوله مع الجموع ويتبدد ويضيع ".

"لم تكن حركة البعث الإسلامي الوليدة فقط ‘النواة الأولى للعمل الإسلامي الشامل -دين ودولة ومصحف وسيف وعبادة وجهاد- وإنما كذلك امتداداً للدعوة إلى توحيد الأمة الإسلامية وقيام الدولة المسلمة وتطبيق شرع الله في أرضه’"

كما عانت الحركة من ضيق الأحوال المادية، وكان ذلك أحد أسباب نهايتها، كما أدت السرية المفرطة التي اتبعها الأعضاء إلى تفكك التنظيم، إذ حرص القليبي على بناء جماعة شديدة الشبه بجماعة الإخوان المسلمين وقد عايش أزمة حلّ الجماعة المصرية عام 1948، لذلك كان شديد الحرص على منهج السرية.

ويقول الشيخ الأزرق في هذا السياق: "أشير إلى ما امتاز به عمل الجماعة من شدة التحفظ وكتمان السر حتى أنهم كانوا يتجهون إلى اعتماد الأحرف الأولى لأسماء الإخوة المنتمين للحركة وخصوصاً الأعضاء العاملين الذين بلغوا مرحلة الانتقاء النهائي... وهذا في اعتقادي كان أيضاً سبباً من أسباب الفشل يشير إلى نوع من الجبن والخوف الذي يسيطر على نفوس بعض الشباب المتحمس فضلاً عن سواهم... إذ التستر وشدة الحرص وكتمان أمور بدون مبرر وبلا موجب قد يدل على الضعف والخور أو الازدواج في السبل والغاية -قصدنا ذلك أم لم نقصد".

مصائر الشيخ الأزرق

عاد محيي الدين القليبي إلى الشرق متنقلاً بين القاهرة والقدس ودمشق، وانفضّ جمع "حركة البعث الإسلامي"، ودخلت تونس في طور من الكفاح المسلح بدايةً من عام 1952، فأطلق العد التنازلي للحقبة الاستعمارية التي انتهت في 1956.

لكن الشيخ أحمد الأزرق، ذا التوجهات الإسلامية، حجز منذ اليوم الأول مقعده في صفوف المعارضة الجذرية لنظام الرئيس الحبيب بورقيبة، لينضم لاحقاً إلى المعارضة اليوسفية بقيادة صالح بن يوسف، ثم لاذ بصمت مديد حتى ظهور الجماعة الإسلامية (النهضة) التي كان مسانداً لها وداعماً.

وخلال فترة الانفتاح السياسي التي قادها الوزير الأول محمد مزالي، في أعقاب عملية قفصة، عام 1980، تمكن الأزرق من الحصول على جواز سفر والرحيل إلى السعودية، ليشغل منصباً في رابطة العالم الإسلامي في مدينة مكة، مكلفاً بملف "الجهاد الأفغاني" الذي كان سوقه حينذاك مزدهراً، بدعم أمريكي وخليجي ومصري وحضور طاغٍ لمختلف الجماعات الإسلامية.

اشتغل الشيخ الأزرق في تلك الفترة منسقاً لعمليات نقل بعض الشباب التونسيين نحو جبهات القتال الأفغانية، لكنه كان يحاول إقناع الأغلبية منهم بالبقاء في تونس والقتال ضد النظام البورقيبي الذي "يحكم بغير ما أنزل الله"، وقد نجح في إقناع مجموعة من الشباب في تأسيس تنظيم حمل اسم "ألوية الجهاد الإسلامي في تونس"، وقاده ملازم في الجيش اسمه الكيلاني الشواشي وأحد أعضاء حركة الاتجاه الإسلامي (النهضة) سابقاً واسمه الحبيب الضاوي.

ونجح التنظيم الوليد في تنفيذ عمليات استهدفت مؤسسات عامة في العام 1986، وهاجم مركزاً للبريد ومركزاً للشرطة، لكن السلطات ما لبثت أن سيطرت على الوضع وفككت المجموعة، وبحلول صيف العام نفسه مثل الشواشي والضاوي أمام المحكمة العسكرية التي أوقعت بهما حكم الإعدام في تموز/ يوليو 1986 ولم تمضِ أشهر قليلة حتى قامت السعودية بتسليم الشيخ الأزرق.

وبعد ربع قرن من ذلك، عادت سيرة الشيخ الأزرق إلى الضوء، عندما طالبت عائلته، بعد ثورة 2011، بالكشف عن مصيره. وظهرت تقارير أعلامية تفيد بأن الرجل ما زال حياً وحبيساً داخل أحد مستشفيات تونس العاصمة. والقضية ما زالت لدى الدائرة الجنائية المختصّة بالنظر في قضايا العدالة الانتقالية.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard