شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!
هل نربّي بناتنا وأبناءنا أم نربّي أنفسنا؟

هل نربّي بناتنا وأبناءنا أم نربّي أنفسنا؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

الخميس 26 مايو 202202:42 م


أنهت ابنتي مرحلة الطفولة المبكرة، وأقفلنا معاً باب البكاء المتواصل لأسباب مجهولة، فقد تجاوزتْ مرحلة البكاء من أجل النوم، أو بسبب الجوع، أو المغص، وصار لبكائها أسباباً توضحها لي بجمل طويلة، ما يعني أنني دخلت في مرحلة جديدة من مراحل الأمومة؛ فاليوم ثمة لغة بيننا، ولدينا قاموس لغوي طورناه بسرعة.

مؤخراً، أدركت أن وقت التربية -إن صح التعبير- قد حان، علماً أنني لا أعرف ما هي التربية أصلاً، فقد تشدقت طويلاً في فترة حملي بأن تربية البنات تكون بالحب فحسب، وظننت أن الحب هو ما سيجعلني أقدّم فتاةً قويةً وواثقةً من نفسها تواجه المجتمع، وتختبر تجربتها في الحياة، لكن الحب الذي أحاول أن أمنحه لابنتي لن يعلمها اللباقة، بحسب خبراء التربية والسلوك، ولا ينجح في غالبية المرات في تخفيف موجات الغضب التي تنتابها بحسب ملاحظتي، كما أن الحب لا يطور مهاراتٍ متقدمةً تساعدها حين تخرج من البيت، وتلتقي بأطفال جدد بحسب التجربة الفعلية. وصلت مؤخراً إلى قناعة تامة بأن عليّ أن أتدرب على التربية، وأنا أحاور نفسي أولاً، ثم زوجي في ما نريد أن نربّي ابنتنا عليه، وبعدها كيف سنطوّع ما وصلنا إليه ليكون سهلاً ومستساغاً لطفلة صغيرة قاربت الثلاث سنوات.

مؤخراً، أدركت أن وقت التربية -إن صح التعبير- قد حان، علماً أنني لا أعرف ما هي التربية أصلاً، فقد تشدقت طويلاً في فترة حملي بأن تربية البنات تكون بالحب فحسب، وظننت أن الحب هو ما سيجعلني أقدّم فتاةً قويةً وواثقةً من نفسها تواجه المجتمع، وتختبر تجربتها في الحياة

تقول الآراء العلمية إن الثلاث سنوات الأولى في حياة الطفل/ ة هي الأهم، إذ تنعكس نتائجها على شخصيته/ ا حين يكبر، فالمهارات التي يكتسبها من التجريب تترسخ في ذهنه بسرعة بالغة، كما أن قدرته على التقليد والحفظ تكون في أعلى مستوياتها، والأهم من هذا كله أن الأبوين هما النموذج الأول والأهم الذي يتبعه الطفل من ناحية المشاعر والسلوكيات، وبما أنني أراقب ابنتي كثيراً، وجدت أنها حساسة. لا يوجد تعريف محدد للحساسية، لكن بعض الآراء الطبية تقول إن أصحابها يمتلكون جهازاً عصبياً أكثر استجابةً لأي محفزات نفسية أو عاطفية أو جسدية، وقد تلمّست حساسية ابنتي في الدرجة الأولى تجاه الصوت، فمثلاً كان يرعبها أن تسمع صوتاً فجأةً، مثل صوت الباب، أو صوت رنين الهاتف، أو صوت حركة عند الشباك، ثم تطورت حساسيتها نحو الأصوات فأصبحت تميّز نبرة صوتي في حدثيي معها؛ هل تنطوي على حب ورحابة صدر؟ أم أنني أريد أن أجيبها لتكفّ عن السؤال؟ وباتت تميّز نبرة العصبية والتوتر، وتالياً تصدر عنها ردود أفعال تنمّ عن كونها منزعجةً، وغير معجبة بما بدر مني.

مؤخراً واجهت وزوجي انتقادات من أصدقائنا حول طبيعة ابنتنا، فالبعض يصفها بالحساسة (وكأنه عيب)، وبأنها تطلب الاهتمام بمبالغة، والبعض يصفها بـ"عيّوطة"، وينوهون بأهمية الانتباه إلى طريقة تربيتنا كي لا يصبح البكاء، والحاجة إلى الاهتمام، والحساسية، سمات في شخصية هذه الطفلة. أحد لم يسألني أو يسأل والدها في ما إذا كان أي منا "عيّوطاً"، أو حساساً، أو "أتنشن سيكر"، وهو صغير، وربما لم يزل حتى الآن...

مؤخراً واجهت وزوجي انتقادات من أصدقائنا حول طبيعة ابنتنا، فالبعض يصفها بالحساسة (وكأنه عيب)، وبأنها تطلب الاهتمام بمبالغة، والبعض يصفها بـ"عيّوطة"، وينوهون بأهمية الانتباه إلى طريقة تربيتنا كي لا يصبح البكاء، والحاجة إلى الاهتمام، والحساسية، سمات في شخصية هذه الطفلة

في رحلة التربية التي لا أعرفها جيداً، فكرت في توجيه الأسئلة إلى نفسي: ما الذي أذكره من طفولتي؟ ما هي القيم والأخلاق التي اكتسبتها من تلك المرحلة؟ لعلّي أجد رأس الخيط الذي سيدلّني على أسس التربية التي سأتّبعها مع ابنتي، لكن لا إجابات واضحةً لدي بعد، فما أذكره من طفولتي الواعية هو أنني كنت أتلقى بعض الانتقادات التي حفرت عميقاً في داخلي. أما الثلاث سنوات الأولى، فلا أذكر شيئاً منها، إلا أنني متأكدة من أن ما جرى فيها انعكس عليّ بصوره السلبية والإيجابية.

في رحلة التربية التي لا أعرفها جيداً، فكرت في توجيه الأسئلة إلى نفسي: ما الذي أذكره من طفولتي؟ ما هي القيم والأخلاق التي اكتسبتها من تلك المرحلة؟

توجد على شبكة الإنترنت كمية مهولة من المواد المرئية والمكتوبة حول موضوع التربية، ومناهج التربية الحديثة، وأغلبها تتناول أهمية الثلاث سنوات الأولى، ويعطوننا كآباء وأمهات نصائح وإرشادات للتعامل مع أبنائنا، لمساعدتنا طبعاً في صنع أطفال أفضل للمجتمع، متناسيين تماماً أن الحديث في الأمر مختلف عن خوض التجربة، فكيف لي أن أوقف نوبة البكاء عند ابنتي حين تودع صديقتها بعد ساعات من اللعب، وأنا ما زلت أبكي على صديقتي في كل مرة تسافر فيها وتغيب عني؟ ثم كيف عليّ أن أتحايل من خلال التربية على ابنتي لأخفف من حساسيتها تجاه أي شخص يوجه إليها ملاحظةً، أو يطلب منها أن تخفض صوتها أو أن تصمت، وأنا حتى اللحظة أتحسس من أي شخص يوجه إليّ حديثاً لا ينطوي على محبة ورفق؟ وكيف سأخفف من حاجة ابنتي إلى الاهتمام ولفت الأنظار إليها، وأنا ووالدها نحب الاهتمام والأضواء؟ في الواقع لا يمكن إنكار فضل هذه المواد علينا كأمهات وآباء، إلا أن ما ينقصها هو الانتباه إلى الطبيعة البشرية التي تنسى، وتتعب، وتتكاسل، وتنهار، فقد نجحتُ مرات عديدةً في اتّباع أساليب حوار، وإدارة، وتعليم مع طفلتي بسبب هذه الفيديوهات، إلا أنني لا أستحضر هذه المهارات في أوقات لاحقة أكون فيها على طبيعتي!

من منا لا يبكي؟ ومن منا لا يتحسس ولو من أمر واحد فقط؟ ومن منا لا يحب الانتباه؟ إذاً فلتذهب تقييمات المجتمع إلى الجحيم، ليس لدينا سوى الحب يا ماما

التفكير في هذه المادة ومحاولات كتابتها كانا ظاهرياً من أجل ابنتي، لكن في حقيقتهما انطويا على محاولة استماع ومصاحبة للطفلة في داخلي، فاليوم صار واجباً عليّ أن أحفر عميقاً في الأسباب التي جعلتني شخصيةً حساسةً و"عيوطةً"، بالرغم من أنني أدّعي الثقة بالنفس، كما أنني حظيت بحب كبير طوال حياتي، وفي المجمل لا يمكن للإجابات أن تغير واقع الحال اليوم، لكنها ستفكّ ألغازاً كثيرةً حول ابنتي وحول طباعي التي تصالحت معها بعد تجارب حياتية وعملية وعاطفية.

أتساءل: ألا يستوجب أن أشعر بأريحية في الحديث والانفعال والتصرف مع طفلتي، وتالياً ينعكس هذا عليها، وتكون حرةً ومرتاحةً أكثر بالتعبير عن نفسها، ثم تشكل شخصيتها بالطريقة التي تريدها، ثم تخلق دوائر وتتخلص من دوائر كما تريد، وبعدها تنضج وتنظر إلى تجربتها بتجرد ومن دون تذنيب، وهنا أكون قد ربّيتها بالحب فحسب؟ فمن منا لا يبكي؟ ومن منا لا يتحسس ولو من أمر واحد فقط؟ ومن منا لا يحب الانتباه؟ إذاً فلتذهب تقييمات المجتمع إلى الجحيم، ليس لدينا سوى الحب يا ماما.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard
Popup Image