كما أن أبرز رموز باريس وأشهر شوارعها هو شارع شانزليزيه، وبالنسبة لإسطنبول فشارع استقلال هو الشارع الذي يلمع في هذه المدينة، وتُعرف نيويورك بشارع وول ستريت، ففي طهران شارع ولي عصر هو الذي يدلّ على العاصمة الإيرانية ويظهر تاريخها الحديث.
ما من سائح أجنبي أو حتى مسافر من أنحاء إيران يحط الرحال في طهران إلا ويكون ولي عصر بوصلته السياحية؛ شارع ذاع صيته بعبارة "أطول شارع في الشرق الأوسط" حيث يمتد لمسافة 18 كلم، والذي كان في بداية تدشينه خاصاً بمرور الملوك والساسة فحسب.
خلال مرور عقود على تشجير الشارع الذي كان اسمه "بَهْلوي" وتبدل إلى "ولي عصر" (لقب الإمام الثاني عشر) بعد الثورة الإسلامية، ماتت آلاف الأشجار لأسباب معظمها التنمية المدنية في الشارع وحواليه، ولم تبق إلا نحو 6 آلاف شجرة
وعلى هذه المسافة الطويلة يتجلى كل ما للإيرانيين من فنون حضرية وحياة اجتماعية؛ بنايات شاهقة، قصور الملوك، متاحف، بيوت المشاهير، متاجر عصرية، المسرح الوطني، دور السينما، أسواق منوعة البضائع، منازل فاخرة وأخرى متواضعة، أحياء راقية وفقيرة وطبقات اجتماعية متعددة، وأبرز كل ذلك هو أن تتجلى أمامنا سلسلة جبال ألبُرْز في الجهة الشمالية من الشارع عندما نتسكع تحت ظلال الأشجار من على طرفي الشارع.
نقوش ورسوم وفنون منوعة
جذوع أشجار قديمة على امتداد طرفي الشارع تتبلور من جديد عبر اسضافتها للفن الإيراني، تستوقف العابرين للحظات، فأشجار ولي عصر لم تنته فتنتها حتى بعد موتها.
نقوش من السجاد اليدوي الإيراني الشهير يخرج ليزين جذوع الأشجار التي ودعت أوراقها للتوّ، لتخلق مناظر طبيعية، أما الأزرق والأحمر والأصفر من الألوان فقد أبدعت بريشة فنانها الجذوع الأكثر ارتفاعاً لتكون علامة بارزة في رصيف ولي عصر.
وعلى الطرف الآخر من الشارع، تأتي إبداعات النحاتين على جذوع الأشجار التي لم تودّ أن يكون مصيرها التشظي إلى قطع، ثم وقود النار، بعدما كانت ظلاً للمارة من حرارة الشمس اللاذعة في الصيف، فنحت الفنانون عليها رسوماً تضاهي تلك التي في المتاحف.
أما بقية الأشجار فاستقبلت الفن بكل أنواعه من الملصقات واللافتات والكتابة والغرافيتي والزخرفة وغيرها، وكل ذلك في سبيل أن يكون التسكع في شارع ولي عصر والمشي على رصيفه الممتد من ساحة محطة القطار في الجنوب إلى دوار تَجْريش والحي المسمى بهذا الاسم، وهو أحد أرقى مناطق طهران، جميلاً وممتعاً وسط زحام النقل وضجيجه.
ومازالت الجذوع الضخمة هذه، والشاهدة على التاريخ وأحداثه الصاخبة من حكم شاهات إيران إلى اليوم، تنتشر في الشارع بين أشجار حديثة الولادة لا يتجاوز عمرها السنوات القليلة، فتنتظر لتتزين مرة أخرىن ولكن ليس عبر أوراقها هذه المرة بل على أيدي نجوم الفن الشباب، لتكون حاضرة وناظرة وسط عاصمة الإيرانيين.
90 سنة من الظلال
شجرة الدلب، ذات الحجم الكبير، والتي يصل معدل ارتفاعها إلى 15 متراً توفر بأوراقها ظلالاً للمارة تحت أشعة الشمس، وبتنقيتها الهواء تمنح جواً نقياً يشجع على المزيد من التسكع في ولي عصر. وبما أن معدل بقاء الشجرة مرتفع فيمتلئ الشارع بأشجار بعمر يناهز الـ90 عاماً. أما الأشجار القديمة التي ماتت بأسباب عديدة، فقد بقي جزء منها لتتجول إلى معالم فنية تسر الناظرين.
تنقل مواقع إيران الصحفية، أن في فترة حكم رضا شاه (ملك إيران بين أعوام 1925 -1941) الذي أمر أن يدشن شارعاً يربط قصره الشتوي في الجنوب بقصره الصيفي بشمال طهران، تم زرع نحو 24 ألف شجرة خلال أقل من عقد، وقد باتت أشجار الدلب هوية الشارع منذ ذلك الحين إلى اليوم، وقد سجلتها إيران ضمن قائمة التراث الوطني.
تخطيط نحو التسجيل في منظمة اليونسكو
خلال مرور عقود على تشجير الشارع الذي كان اسمه "بَهْلوي" وتبدل إلى "ولي عصر" (لقب الإمام الثاني عشر) بعد الثورة الإسلامية، ماتت آلاف الأشجار لأسباب معظمها التنمية المدنية في الشارع وحواليه، ولم تبق إلا نحو 6 آلاف شجرة.
"بلدية طهران تسعى لتسجيل الشارع ضمن قائمة اليونسكو كتراث عالمي، عملت على تشجير الشارع من جديد لتصل أعداد الأشجار اليوم إلى نحو 14 ألف شجرة"، وفق ما يقول مدير متحف شارع ولي عصر، وحيد قاسمي.
وفي سبيل ذلك دشن "مركز ولي عصر للتراث المدني" الذي يهتم هذا المركز التابع لبلدية العاصمة بكل جوانب الشارع التراثية، كما يعتبر موقعاً لجذب المهتمين والهواة من مؤرخين وباحثين وفنانين يعملون سنوياً على تدشين حفلات وورش وبرامج تسلط الضوء على أهمية هذا التراث الذي كان رمز الدولة الحديثة الإيرانية.
تتابع بلدية طهران عن كثب ملف تسجيل شارع ولي عصر ضمن القائمة العالمية للمعالم السياحية حيث يتم ترميم وصيانة الشارع وفق المعايير الدولية للتراث
ويصرح مدير المركز أن 40 بالمئة من مناظر شارع ولي عصر خاصة الأشجار، تضررت بسبب عمليات الحفر والتنقيب للمترو والإسفلت وزحمة السيارات والحافلات والبنايات الشاهقة، وأصبح بإمکان السيّاح التمتع بـ60 بالمئة من المعالم والمناظر المتبقية التاريخية من الشارع.
7 آلاف دولار غرامة كل شجرة
ويتم زرع حوالى 3 آلاف شجرة دلب سنوياً منذ حوالى أربع سنوات لتعويض ما تم قطعه من أشجار، كما يعتني عمال البلدية المدربون تحت إشراف خبراء التشجير بالأشجار الجديدة إلى جانب القديمة منها والتي حصلت كل واحدة منها على بطاقة هوية يوثق عمرها وطريقة الاعتناء بها.
وقانون البرلمان الإيراني يمنع منعاً باتاً قطع الأشجار، حيث تصل عقوبتها إلى الحبس أقصاها 3 سنوات ودفع غرامة مالية نحو 200 مليون تومان ما يعادل (6.6 آلاف دولار).
وتتابع بلدية طهران عن كثب ملف تسجيل شارع ولي عصر ضمن القائمة العالمية للمعالم السياحية حيث يتم ترميم وصيانة الشارع وفق المعايير الدولية للتراث، كما يضم الشارع ممرات فنية ومقاهي كتب ومعارض صور وأحداثاً ثقافية وفنية واجتماعية أسبوعية وشهرية في سبيل الاحتفاظ بهوية ولي عصر كمعلم سياحي مدني، حيث يمرّ منه الملايين على مدار الساعة.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...