المسافة بين إعلان السودان عن استئناف البنك الدولي لبرامج دعم اقتصادي مقدَّم إلى الفقراء، ومن ثم نفيه هذه الأخبار، استغرق سويعات، مرت فيها تفاعلات كثيرة وكبيرة تحت جسور منصات التواصل الاجتماعي... فما القصة؟
بدأت الحكاية بإعلان وزارة الخارجية السودانية، نقلاً عن سفارتها في واشنطن، خبراً يفيد باستئناف البنك الدولي لبرنامج دعم الأسر الفقيرة المعروف بـ"ثمرات"، بجانب برنامج للتلقيح ضد فيروس كورونا المستجد.
وتكمن أهمية الخبر، في أن البنك الدولي، وعدداً من الدول المانحة ومؤسسات التمويل الدولية، أعلنت توقفها عن تمويل السودان، بعد استيلاء العسكر على السلطة في 25 تشرين الأول/ أكتوبر 2021.
وكانت الدول المانحة، قد تعهدت بتقديم تمويل مالي للسودان، يجري توجيهه نحو دعم الفقراء، بواقع خمسة دولارات للفرد بصورة شهرية، لمجابهة الظروف الاقتصادية القاسية التي تمر بها بلادهم.
وأنهى انقلاب قائد الجيش، عبد الفتاح البرهان، سلسلة التحسن الاقتصادي التي بدأتها حكومة المدنيين، وقطعت الطريق أمام مليارات الدولارات التي كانت في طريقها إلى الخزينة العامة، وهددت استمرار برنامج إلغاء الديون الخارجية على السودان.
وبعد ساعات من نشر الخبر، لم يصدر البنك الدولي أي تأكيدات عما أوردته الوكالة الرسمية (وكالة السودان للأنباء)، ومن ثم ازدادت الشكوك بعدما قالت مراسلة رويترز، نفيسة الطاهر، إنها لم تجد أي مصدر في البنك الدولي أو واشنطن ليؤكد لها صحة الخبر.
بعد ذلك انتهت القصة برمتها، بخروج وزير الخارجية المكلف، السفير علي الصادق، ليقول إن الخبر غير دقيق، وسفارة السودان في واشنطن اعتمدت في نقلها على مصادر غير لصيقة بالملف.
تسلسل الأحداث
في المسافة بين صدور الخبر ونفيه، وصولاً إلى ما بعد ذلك، جرت مياه كثيرة تحت جسور السودانيين.
"معظم شرائح الشعب السوداني تعاني من الفقر المدقع، وأي دعم يتلقونه في هذه الظروف سيمثل مساهمةً في رفع العبء عنهم، فيما ستكون عواقب التضييق عليهم وخيمةً، وستنتهي بانفلات أمني، بدأت عوالمه بالظهور"
بدايةً، تراوحت ردات الفعل بين مرحب بقرار استئناف البرنامج لسبيين: رفع كاهل المعاناة عن السودانيين الواقعين تحت إسار التضخم والغلاء، وبين من يراه انتصاراً يدلل على شرعية السلطة القائمة.
وفي الجانب المعارض لانقلاب الجيش، كان الترحيب بالخبر الأول من بوابة الاشتراط الذي أوردته سفارة السودان في واشنطن عن تمرير الدعم من خلال طرف ثالث، هو برنامج الغذاء العالمي، ما يعني عدم الاعتراف بالسلطة الحاكمة.
ومن ثم، جاء حديث وزير الخارجية، ليعدّه المعارضون دليلاً جديداً على ممارسة السلطات السودانية للكذب في محاولة لتجميل صورة الانقلاب.
علمنة الاقتصاد
في شأن حكاية "ثمرات"، طالبت أستاذة علم الاقتصاد، راضية متولي، بتقديم مصالح السودانيين على الأجندات السياسية.
وقالت لرصيف22، إنه يجب التفريق بين معارضة السلطات ومعارضة الوطن.
"من الواضح أن بحث السلطة عن السند الدولي، يضطرها إلى التسرع في نشر بيانات المنح والقروض القادمة من الخارج، من دون تثبت"
وفسرت حديثها قائلةً: "معظم شرائح الشعب السوداني تعاني من الفقر المدقع، وأي دعم يتلقونه في هذه الظروف سيمثل مساهمةً في رفع العبء عنهم، فيما ستكون عواقب التضييق عليهم وخيمةً، وستنتهي بانفلات أمني، بدأت عوالمه بالظهور".
وتعاني العاصمة السودانية الخرطوم، من انتشار كبير لعصابات السطو والنهب المسلحين في ظل تقاعس شبه تام للقوات الأمنية، حد صدور انتقادات لها من قبل قادة بارزين في الانقلاب.
استمرار الضغط
في المقابل، ينادي سيد أحمد علي، وهو ناشط في صفوف لجان المقاومة التي تنظم الاحتجاجات ضد العسكر، المجتمع الدولي لعدم النكوص عن تعهداته بدعم القوى المدنية.
وقال إن أي دعم موجه إلى السودانيين، سيذهب إلى جيوب قادة النظام، وسيجري استخدامه في زيادة القمع الممارَس ضد المحتجين.
وسقط قرابة مئة قتيل في الاحتجاجات المنددة باستيلاء الجيش على السلطة، قبل أيام من تولّي المدنيين رئاسة مجلس السيادة السوداني.
وتحدث سيد أحمد، عن أهمية توقف المجتمع الدولي عن تقديم صيغ تسويات سياسية، تجعل العسكر جزءاً من معادلة السلطة.
رأي إعلامي
يقول أستاذ الإعلام، عمار نور الدين، إن الأداء الإعلامي للسلطة القائمة يحتاج إلى مراجعات كبيرة.
وقال لرصيف22: "من الواضح أن بحث السلطة عن السند الدولي، يضطرها إلى التسرع في نشر بيانات المنح والقروض القادمة من الخارج، من دون تثبت".
وانتقد نور الدين، نفي عدد من الوزارات والجهات الرسمية كالشرطة، أخباراً صادرةً عنها أحياناً، وهو أمر ذو آثار على مصداقية السلطة أمام شعبها وأمام الشعوب الأخرى.
إلى متى؟
قبل أيام، أصدرت سفارة السعودية لدى الخرطوم، بياناً أنكرت فيه صلتها بشخصين نشرت الوكالة الرسمية أخباراً عن لقائهما بمسؤولين بارزين في سلطة الانقلاب، تلا ذلك تكذيب من رئاسة الشرطة، لشرطة ولاية الخرطوم بشأن مسؤوليتها عن دهس محتجين في محيط القصر الرئاسي، ثم جاءت الثالثة من قبل البنك الدولي، ما يطرح تساؤلاً عن متى تنتهي هذه الربكة وهذا الأداء الحكومي الباهت؟
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...