وسط أزمات عالمية اقتصادية وسياسية، وضغوط داخلية كبيرة شعبية وسياسية على حزب العدالة والتنمية الحاكم، تقترب الانتخابات الرئاسية والبرلمانية "الحاسمة" في تركيا، في صيف العام المقبل 2023.
منذ أكثر من عام، ومع تراجع الاقتصاد التركي، استخدمت المعارضة ملف اللاجئين السوريين للضغط على الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، قبل الانتخابات المقبلة، كجزء من تحركاتها قبيل الانتخابات.
وجد حزب العدالة والتنمية نفسه مضطراً وسط كل تعقيدات المشهد الحالي، إلى اتباع "خطاب متوازن" تجاه اللاجئين السوريين، إذ صدرت تصريحات عدة من مسؤولين حكوميين أتراك خلال الفترة الماضية على اختلاف مستوياتهم للحديث عن اللاجئين، تُوِّجت بإعلان أردوغان مشروع "العودة الطوعية"، الذي يشمل إعادة مليون سوري إلى "مناطق آمنة" في الشمال السوري.
أساس الخطاب
مع تراجع الاقتصاد التركي، استخدمت المعارضة ملف اللاجئين السوريين للضغط على الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، قبل الانتخابات المقبلة، كجزء من تحركاتها قبيل الانتخابات
يبدو أن هناك محاولةً من الحكومة التركية، لسحب ملف اللاجئين من أيدي المعارضة التركية، قبل عام تقريباً من الانتخابات في محاولة لضمان أصوات ناخبيه من جهة، والتأثير على أصوات الناخبين المترددين من جهة أخرى، وإضعاف خطاب المعارضة، والتي بالرغم من محاولتها التوحد، لم تقدّم أو تتحدث عن أي برنامج اقتصادي وسياسي واضح، باستثناء حديث رئيس حزب الشعب الجمهوري، كمال كليشدار أوغلو، عن نيته إدخال الاقتصاد التركي ضمن أقوى عشر اقتصادات في العالم.
وتفتح هذه التحركات الحكومية التركية الباب أمام السؤال حول هل تغيرت لهجة العدالة والتنمية تجاه اللاجئين السوريين؟ وكيف يؤثر هذا الخطاب على الانتخابات المقبلة في صيف 2023؟
يقول المحلل السياسي التركي مصطفى كمال أرديمول، لرصيف22: "لا يوجد أي تغيير في سياسات الدولة تجاه اللاجئين، لكن إدارة أردوغان التي تساعد المهاجرين، لا تقبلهم أيضاً كلاجئين وتطلق عليهم وصف الضيوف، وهذا ضد قوانين الهجرة، إذ إن هذا الوصف يمنعهم من الاستفادة من قوانين اللجوء".
ويشير أرديمول إلى أن المشكلة الآن هي انتشار العداء للاجئين في البلاد من قبل العنصريين والفاشيين في الآونة الأخيرة، وهو ما أجبر الحكومة على تغيير مواقفها ليتحدث أردوغان عن إعادة اللاجئين، بالرغم من أنه تراجع لاحقاً، وأعلن أنه سيحافظ على السياسة القديمة.
العودة الطوعية
وأعلن أردوغان عن مشروع "العودة الطوعية" لمليون سوري في تركيا، ثم أوضح في تصريحات لاحقة أن "هذا المشروع لا يعني أن الحكومة التركية لا تتعامل مع السوريين وفق مبدأ المهاجرين والأنصار"، وهو مبدأ أُعلن عنه منذ الدفعات الأولى التي وصلت من اللاجئين السوريين إلى تركيا.
كذلك أكد عدد من المسؤولين الأتراك الأمر نفسه، إذ دافع وزير الداخلية التركي، سليمان صويلو، خلال الأسبوع الماضي، عن اللاجئين السوريين وكذلك أوضح بعض تفاصيل المشروع، في لقاء تلفزيوني بثته قناة "TCRT" التركية.
يحاول حزب العدالة والتنمية أن يسحب ملف اللاجئين السوريين من يد المعارضة من خلال إنتاج خطاب متوازن يحافظ على ناخبيه وهو الهمّ الأكبر اليوم بالنسبة إليه، فيما المشكلة الأساس أنه استخدم اللاجئين كورقة سياسية مع أوروبا وها هي تنقلب عليه اليوم
ينتقد أرديمول سياسة الحكومة التركية الحالية تجاه اللاجئين، فـ"حكومة العدالة والتنمية (الحزب الحاكم) لم يكن لديها أي سياسة تجاه اللاجئين، فلم تمنحهم صفة اللاجئ ولم تسمح لهم بالهجرة إلى دول أخرى، وتستخدمهم كورقة ضغط ضد أوروبا للحصول على الأموال".
من جهته، يرى الباحث المتخصص في شؤون الشرق الأوسط، إسلام أوزكان، أنه "وعلى الرغم من أن حكومة العدالة والتنمية فتحت أبوابها للسوريين منذ البداية، وكان هذا الموقف موضع تقدير من قبل اللاجئين، إلا أنه كان لأسباب براغماتية وسياسة، وذلك لاستخدام قضية اللاجئين كأداة".
يضيف: "مع مرور الوقت، رأينا أنه ما كان يُنظر إليه على أنه موقف إنساني في البداية، لا يبدو كذلك على الإطلاق، بل استخدم قضية اللاجئين كورقة ضد الاتحاد الأوروبي في عملية التفاوض معه، ولا يعرف الرأي العام التركي ما هي القضية التي يتفاوضون حولها، وهي مشكلة الاتحاد الأوروبي نفسها".
أعلن أردوغان عن مشروع "العودة الطوعية" لمليون سوري في تركيا، ثم أوضح أن "المشروع لا يعني أن الحكومة لا تتعامل مع السوريين وفق مبدأ المهاجرين والأنصار"
الاستغلال الانتخابي
وفق آخر إحصائية أعلن عنها وزير الداخلية التركي، يعيش في تركيا ثلاثة ملايين و762 ألف سوري، فيما أوضح المتحدث باسم وزارة الداخلية التركية، إسماعيل تشاتاكلي، أن 200 ألف و950 سورياً حصلوا على الجنسية التركية، منهم 47 ألفاً من القومية التركمانية.
يقول المحلل السياسي التركي، فوزي ذاكر أوغلو، لرصيف22، إن "الحكومة التركية فتحت أبوابها للقادمين من سوريا ولم تسمّهم لاجئين بل ضيوفاً وأعطت من طلب منهم بطاقة الحماية المؤقتة"، مشيراً إلى أن "المعارضة التركية لعبت في الانتخابات الرئاسية والتشريعية والمحلية الأخيرة على الوتر القومي ضد الضيوف السوريين وكسبت بعض الأصوات وراق لها هذا الأمر وبدأت منذ العام الماضي باللعب على الوتر نفسه".
ويربط فوزي أوغلو، خطاب المعارضة بالأزمة الاقتصادية العالمية الحالية، الناتجة عن تداعيات "فيروس كورونا وأزمة سلاسل التوريد من جهة، والغزو الروسي لأوكرانيا من جهة أخرى"، ويرى أنها "استغلت هذه الأزمة لإقناع الناخب التركي بأن أحد أهم أسباب هذه الأزمة هم الضيوف السوريون، بينما تحاول الحكومة نفي أي آثار سلبية على الاقتصاد التركي وطمأنة الناخبين بأنها في حال وُجدت فعلاً فإنها بمساعدة السوريين على الرجوع إلى سوريا فإن هذه الآثار ستخف وتنقص مع الوقت".
في المقابل، يرى إسلام أوزكان، أنه "لا يمكن تجاهل العامل الاقتصادي لمسألة اللاجئين، إذ رأت الحكومة ودائرتها المقربة أن اللاجئين عمال يملؤون النقص في العمالة الماهرة وغير الماهرة في تركيا، لكن وجهة النظر هذه فقدت صوابها هذه الأيام إبّان الأزمة الاقتصادية الحادة التي تمرّ بها تركيا، ويبدو أن الحكومة التركية فقدت قدرتها على تحديث موقفها وفق المستجدات الأخيرة، والموقف الذي لا يحتوي على مبدأ فمن الطبيعي أن نرى فيه تذبذباً".
الخطاب المتوازن
يُدرك حزب العدالة والتنمية، والرئيس التركي، أن الانتخابات المقبلة صعبة للغاية، وأن العامل الاقتصادي سيلعب دوراً كبيراً في تحديد اتجاه أصوات الناخبين، خاصةً الشريحة التي يطلق عليها اصطلاحاً بالمترددة.
يُدرك حزب العدالة والتنمية، والرئيس التركي، أن الانتخابات المقبلة صعبة للغاية، وأن العامل الاقتصادي سيلعب دوراً كبيراً في تحديد اتجاه أصوات الناخبين
وترى شريحة من المجتمع التركي، أن اللاجئين السوريين يلعبون دوراً بارزاً في تراجع الاقتصاد التركي، وهو ما أجبر حكومة العدالة والتنمية على تقديم ما يمكن وصفه "بالخطاب المتوازن" لطمأنة اللاجئين والناخبين على حد سواء.
يعتقد إسلام أوزكان، أن "شريحةً من الجمهور التركي، بما في ذلك حزب العدالة والتنمية لم تعد مرتاحةً لقضية اللاجئين، وهي نقطة إجماع نادرة بين ناخبي الحكومة والمعارضة"، مشيراً إلى أن "الحكومة ستحاول تلبية مطالب المجتمع التركي بشأن اللاجئين قدر الإمكان، إذا قامت بإعادة مليون شخص طوعاً إلى مناطق معينة في سوريا، فلا بأس في ذلك. لكن خطر الحرب لم ينتهِ بعد، ومثل هذا التصرف سوف يؤدي إلى ردود فعل للعديد من الجمعيات الحقوقية الدولية والمؤسسات العالمية مثل الأمم المتحدة، وهذا سيصيب الحكومة بالصداع".
ويتضمن مشروع "العودة الطوعية"، إعادة مليون سوري إلى شمال سوريا، بدعم من منظمات مدنية تركية ودولية، وذلك في 13 منطقةً، منها "أعزاز وجرابلس والباب وتل أبيض ورأس العين"، على أن يُنجز بناء 100 ألف منزل قبل نهاية العام الحالي 2022، مع إنشاء مناطق تجارية، كمواقع صناعية صغيرة ومحال تجارية ومدارس ومستشفيات ودورات مهنية، وذلك على ثماني مراحل، على أن يبدأ من المدن التركية المكتظة باللاجئين (إسطنبول وغازي عنتاب وقونية وأضنا).
يقول المحلل مصطفى كمال أرديمول، لرصيف22: "لا يوجد شيء اسمه العودة الطوعية، ولا يمكن إجبار أي مهاجر على العودة حتى طوعاً، فاللجوء حق ويجب أن تعترف تركيا بحق المهاجرين في الدولة وكذلك التقدم بطلب اللجوء إلى دول أخرى".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...