شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!

"الجواز لا يحمينا حين نتلعثم"... هكذا يعيش السوريون المجنّسون في تركيا!

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة

الجمعة 28 يناير 202203:42 م

يشكّل السوريون الهاربون من جحيم الحرب، بعد اندلاع الثورة السورية، وبدء القتل والتهجير الجماعي اللذين تعرضوا لهما على أيدي النظام وحلفائه، القسم الأكبر من اللاجئين الموجودين في دول الجوار السوري، أو ما يمكن تسميتها بدول الطوق.

يعيش العدد الأكبر منهم في تركيا، إذ يبلغ تعدادهم حسب الأرقام الرسمية المعلنة، ما يقارب من 3.7 مليون لاجئ، يندرج معظمهم تحت إطار قانون الحماية المؤقتة، ويتركز وجودهم في ولايات تركية عدة، مثل إسطنبول، وغازي عنتاب، وهاتاي، ومدن أخرى. يصل عدد الحاصلين على الجنسية التركية منهم إلى 174 ألفاً، وفق وزارة الداخلية التركية، وهو رقم منخفض جدّاً مقارنةً بحجم وجود السوريين في تركيا، إذا ما قورِنَ بدول أخرى قامت باستقبال لاجئين سوريين كالسويد، التي أقدمت على منح جنسيتها إلى ما يقارب ربع العدد المُستقبَل على أراضيها، أي ما يفوق 25 في المئة منهم. 

يتعرض السوريون لحملات تشويه منظمة، وخطاب عنصري يتعمد تزوير الحقائق، واللعب على ألم الناس. وكثرت في الآونة الأخيرة الحملات الممولة والممنهجة التي تُقاد وتُوجَّه من قبل إعلاميين وقادة في الأحزاب المعارضة، بهدف مكاسب حزبية وسياسية خاصة بهم، على حساب الأمن المجتمعي، إذ تترك تلك التصريحات والحملات التي تزداد حدتها مع اقتراب كل موسم انتخابي، أثراً كبيراً على شريحة واسعة من الشعب التركي الذي يعاني من تبعات التضخم وتدهور قيمة الليرة التركية مقابل الدولار الأمريكي، ويتسبب على الصعيد الشعبي بتوتر واعتداءات تطال السوريين، من تحطيمٍ للممتلكات والمحال التجارية، إلى التربص بهم وقتلهم بأبشع الطرق، حرقاً وطعناً فوق فراش النوم، كما في جريمة قتل الشاب نايف النايف، في ظل غياب دور الحكومة ومؤسساتها، بشكل فعّال، في ردع هذه الحملات والجرائم المتتابعة.

كثرت في الآونة الأخيرة الحملات المموّلة والممنهجة التي تُقاد وتُوجَّه من قبل إعلاميين وقادة في الأحزاب المعارضة، بهدف مكاسب حزبية وسياسية خاصة بهم، على حساب الأمن المجتمعي

وكان النايف قد تعرّض للطعن في المنزل الذي يقطنه في إسطنبول مع مجموعة من الشبان، في 11 كانون الثاني/ يناير الحالي، بعد أن اقتحمت المنزل مجموعة من الشبان الأتراك متنكرين في زي الشرطة، وقاموا بكسر الكاميرات، وسرقة الهواتف، وبعض ممتلكات الشبّان.

هل يسلم المجنّسون؟

يقول ب.أ، وهو طالب في إحدى الجامعات في إسطنبول، وحاصل على الجنسية التركية: "العنصريون وروّاد خطاب الكراهية لا يطالعون بطاقات الهوية، ولا يطلبون أوراقاً ثبوتيةً قبل صب وابل الكره والحقد الذي تضج به دواخلهم على الآخر المختلف عنهم. الحصول على الجنسية التركية لا يغّير نظرة المجتمع إليك، ولا يحميك من حملات العنصريين وخطاب الكراهية الموجّه، حين تنكشف وتتلعثم في أثناء الحديث بالتركية".

يُضيف: "لم يكن حصولي على الجنسية باب خلاصٍ من وصمة اللاجئ التي تلاحقني منذ خرجت مع عائلتي من سوريا، فما زلت الغريب في جميع مجالات الحياة الاجتماعية، وفي كل تواصل مع الآخرين هنا. الفارق الوحيد الذي يشعر به المجنَّس (السوري)، هو في الدوائر الحكومية، وفي بعض الحقوق الأساسية التي ينالها المواطنون، من حق الإقامة وحرية التنقل والقدرة على استخراج جواز سفر".

وفي حادثة أثارت الجدل الشهر الفائت، قام مؤسس "حزب ظفر"، المعروف بعدائه للاجئين، أوميت أوزداغ، باقتحام متجر مجوهرات يديره مواطن تركي من أصل سوري، في مدينة إزمير، طالباً منه إبراز الأوراق الثبوتية، وسجلّ الضرائب، في أثناء وجود من يقومون بتصويره من دون إذن منه، وقد نُشر الفيديو على صفحاته الشخصية في مواقع التواصل الاجتماعي في سياق هجومي ضد التاجر، الذي يشكل خطراً على تركيا والمجتمع التركي حسب أوزداغ، في نداء تحريضي كما يراه حقوقيون، ضد اللاجئين والمواطنين من أصول أجنبية، من دون أي اعتبار لكون الشخص الذي قام بالتحقيق معه وتصويره على أنه مصدر للخطر، مواطناً مثله يدفع الضرائب، وله حق الانتخاب.

مواطنون قلقون

يشتكي السوريون المجنّسون من عدم استقرار وضعهم القانوني، والضبابية التي تحيط بمستقبلهم كمواطنين يُفترض حسب الدستور الذي منحهم حق المواطنة، أن يكونوا متساوين في الحقوق والواجبات، بغض النظر عن أصولهم، مع جميع المواطنين الأصليين المولودين داخل تركيا.

يلفت إبراهيم أبو الطيب، الحاصل على درجة الدكتوراه في الاقتصاد الإسلامي من إحدى الجامعات في إسطنبول، الانتباه إلى المواقف العنصرية التي مر بها في أثناء بحثه عن عمل في جامعات تركية عدة، بالقول: "بعد تخرجي بشهر، ذهبت إلى جامعات عدة بهدف الحصول على وظيفة، بناءً على إعلانهم عن حاجتهم إلى أكاديميين في مجال اختصاصي، لكن لم تسِر الأمور كما توقعت".

لا يُغيّر الحصول على الجنسية التركية من نظرة المجتمع، ولا يحمي من حملات العنصريين وخطاب الكراهية الموجّه، حين تنكشف وتتلعثم في أثناء الحديث بالتركية

يواصل أبو الطيب الذي ما زال يحاول إيجاد فرصة عمل، حديثه: "لقد تواصلت مع الدكاترة المعنيين في جامعة نجم الدين أربكان، وبعد رفضي أخبرني عن سبب الرفض أحد الأساتذة بكل وضوح: نحن لا نثق بالأساتذة السوريين، على الرغم من أني تقدمت إلى الوظيفة كمواطن تركي". مشيراً إلى أنه تكبد عناء السفر إلى جامعات عدة في مدن مختلفة، منها جامعة أماسيا، وبعد تقديم الأوراق المطلوبة، وجلوسه مع نائب العميد، قام الأخير بالاعتذار منه بعد معرفة أصوله السورية، بزعم أنهم قد أغلقوا باب التوظيف، "الذي قاموا بفتحه، والإعلان عنه قبل يومين".

وفي جانب آخر، يذكر أن "كثيرين من المجنسين السوريين قد عانوا من عراقيل تحول دون ممارسة حقهم في التملك العقاري، إذ تُفرض عليهم الكثير من القيود التي لا يتم عادةً فرضها على المواطنين الأصليين. فيما يبقون معرّضين لخطر مصادرة العقار في حال تم الكشف عن أصولهم السورية، وفقدان ورثتهم من حاملي الجنسية السورية حق وراثة العقار والتصرف به".

يعاني الكثير من المجنسين السوريين من عراقيل تحول دون ممارسة حقهم في التملك العقاري، إذ تُفرض عليهم الكثير من القيود التي لا يتم عادةً فرضها على المواطنين الأصليين

وقد أدى هذا الأمر إلى اعتراض فئة من المحامين والحقوقيين على هذه العراقيل التي تواجه المجنسين السوريين، وتحرمهم من حق أصيل من حقوقهم القانونية كمواطنين كاملي الحقوق ومتساوين أمام الدستور، الذي يعدّ الحق في الملكية حقاً مقدساً. فبينما يستطيع أي مستثمر أجنبي شراء العقارات في تركيا، من غير المعقول أن تُمنع فئة من المواطنين من ذلك، لأي سبب من الأسباب.

وفي هذا السياق، يوضح المحامي غزوان قرنفل، مدير تجمع المحامين السوريين في تركيا، أنه بموجب التعميم الصادر بتاريخ 16 تشرين الثاني/ نوفمبر من عام 2021، يستطيع السوريون المجنسون تركياً، تملّك العقارات والتصرف بها، من دون أي مساس بهذا الحق من حقوقهم، بأي شكل كان. مستدركاً: "بالنسبة إلى السوريين من حملة الجنسيات الأجنبية الأخرى، وبموجب التعميم نفسه، لا يحق لهم التملّك في تركيا، ونحن نعمل على هذا الملف، ونأمل أن نصل به إلى نتائج إيجابية".

وعيد بسحب الجنسية

مع اقتراب كل استحقاق انتخابي في تركيا، تتسابق الأحزاب التي جعلت من وجود السوريين أهم أوراقها في مواجهة الحزب الحاكم (العدالة والتنمية)، على إثارة اللغط حول اللاجئين في كل قضية يتناولونها، إذ إن تصريح أوزداغ حول عزمه سحب الجنسية من السوريين المجنّسين تحت زعم عدم أهليّتهم للحصول عليها، في ظل صمت مطبق من قبل الحكومة التركية، يضع المجنّسين في تخوف دائم على مستقبلهم وحقوقهم كمواطنين.

يقول قرنفل مفنّداً تلك المزاعم التي تعمل على إثارة القلق والفرقة لدى كل من الطرفين، أتراكاً ومجنّسين سوريين: "لقد حدد القانون أسباباً قانونية لسحب الجنسية أو إسقاطها، وهذه الأسباب تنطبق على المواطنين كافةً، سواء أكانوا أتراكاً بالولادة، أو أتراكاً بالتجنيس".

حدد القانون أسباباً قانونية لسحب الجنسية أو إسقاطها، وهذه الأسباب تنطبق على المواطنين كافةً، سواء أكانوا أتراكاً بالولادة، أو أتراكاً بالتجنيس

ويشير إلى كون "تلك الأسباب تتعلق بالحصول على الجنسية عبر تقديم معلومات كاذبة، أو وثائق مزورة، وبانضمام الشخص إلى منظمات إرهابية تعادي الدولة التركية"، مبيّناً أن التصريحات التي يتوعد بها بعض الساسة، السوريين المجنّسين، بإلغاء حق المواطنة لهم في حال وصولهم إلى الحكم، "هراء وكلام شعبوي لا قيمة له".

بدوره، قام رئيس بلدية "بولو"، تانجو أوزجان، العضو في حزب الشعب الجمهوري، بسن قوانين تثقل كاهل اللاجئين في بولو، وتقدّم بمقترحٍ لرفع رسوم الزواج للأجانب التي ستبلغ 100 ألف ليرة تركية في بولو، وقال إن الهدف من هذا الأمر، "حماية الأسرة وفق المادتين 74 و76 المتعلقتين بسلامة الأسرة في الدستور التركي".

وعلى الرغم من إسقاط المحكمة الإدارية في الولاية لقرارت أوزجان العنصرية المخالفة للقانون، فقد آتت أُكُلها على حد قوله، وتركت أثراً سلبياً وضرراً واسعاً على حياة الأجانب واللاجئين والمجنّسين. وساهمت في توسيع شرخ الفرقة بينهم وبين الأتراك، حسب مقال للصحافي والكاتب في قناة "خبر ترك" التركية، كمال أوزتورك، يرصد فيه معاناة الأجانب واللاجئين في ولاية بولو، بعنوان "أن تكون لاجئاً في بولو".

وهذا هو الهدف المنوط بها كما صرّح أوزجان، في أحد لقاءاته التلفزيونية التي لم يتردد في وصف السوريين خلالها بالمجتمع المتخلف، وبأنهم كشعب غير متعلم سيشكّلون مع الزمن "عصابات مافيا" تهدد أمن المجتمع.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image