"وشمٌ على هيئة إنسان"، هكذا يوصف ظاهر المغني الإيراني أمير تَتَلُو الذي لم يخلُ جزء من جسده دون وشوم، حتى بات يقوم برسم الوشوم على جسده وسط حفلاته الغنائية أمام الجمهور.
حياة المطرب الشهير أمير مَقصود لُو، الملقب بـ"أمير تَتلّو"، مليئة بالازدواجية والتقلبات العقائدية والسياسية والمحطات المتفاوتة عن باقي نجوم الموسيقى في هذا البلد المحافظ المسلم. يحمل في رصيده عشرين عاماً من غناء البوب والراب وآر أند بي (R&B) باللغة الفارسية، ويتمتع بقاعدة شعبية مليونية من جيل الألفينات، یقيم في تركيا منذ سنوات، ويزاول نشاطه الفني من هناك بعدما مُنع من الغناء داخل إيران.
"تَتَليِتي ها" (التتلّیون)... جمهور تتلو
في بداية القرن الـ21 بدأ رحلته الغنائية بموسيقى "الأندر غراوند"، وسرعان ما اكتسب زخماً كبيراً، وتناقلت أشرطته الغنائية بين الشباب والمراهقين، إذ وجدت فيه شرائحُ واسعة من المراهقين والمراهقات والشباب والفتيات، صوتاً مستقلاً معبراً عن أفكارهم ورؤاهم الخاصة للحياة والسياسة والمجتمع والثقافة والفنون في جمهوريةٍ إسلاميةٍ محافظة، تعمل على أن تكون حياة مواطنيها كما تشتهي.
وبعد الشعبية المليونية التي حققها في أوساط المجتمع الفتي التي تتراوح متوسط أعمارهم 20 عاماً، بات يطلق على معجبيه "تَتَليِتي ها"، ما يعني بالفارسية "جمهور تتلّو".
اتضحت الصورة للجميع أن جزءاً من السلطات تهوى استغلال شعبية المطرب ومكانته بين الأجيال الحديثة لتمرير معتقداتها إلى طبقات مختلفة من الشباب والفتيات، يصعب الوصول إليها عبر فنانين آخرين
وبعد فترة من العمل غير المرخّص له في العاصمة الإيرانية طهران، وجد تتلو في مدينة دبي الإماراتية متنفساً لأعماله الغنائية، وأقام فيها خلال منتصف العقد الأول من القرن الحالي، ولكن يبدو أنه لم ينل مراده هناك فعاد بسرعة إلى وطنه ليصدر ألبومه الأول دون ترخيص متحدياً السلطاتِ بذلك.
القضاء یخشی غضب المعجبين
ألقت الشرطة الإيرانية القبض على تتلّو مرتين بتهمة إشاعة الفساد في البلاد، وذلك في عامي 2013 و2015، لكن جماهيرية تتلو واحتجاجات معجبيه، واعتصامهم أمام المحكمة، وإشعال منصات التواصل بهاشتاغات تطالب بحريته، دفعت السلطات إلى اطلاق سراحه رغم عدم شرعيته في الغناء.
وخلال المفاوضات النووية في حكومة الرئيس الإيراني السابق حسن روحاني، نشر تتلو أغنية حول حق إيران في امتلاك الطاقة النووية وهو يغني من على متن فرقاطة جماران التابعة للجيش الإيراني، مما أثار حفيظة حكومة الإصلاحيين والشعب.
وبعد فترة وجيزة قدم أغنية أخرى لشهداء إيران، ونال تكريماً من مؤسسة الشهداء والحرس الثوري، حيث اتضحت الصورة للجميع أن جزءاً من السلطات تهوى استغلال شعبية المطرب ومكانته بين الأجيال الحديثة لتمرير معتقداتها إلى طبقات مختلفة من الشباب والفتيات، والتي يصعب الوصول إليها عبر فنانين آخرين.
المتشددون يستثمرون ظاهرة تتلو
واستكمالاً لهذا الاستثمار في ظاهرة تتلو، استفادت الماكينة الانتخابية للمرشح إبراهيم رئيسي في السباق الرئاسي عام 2016 من المطرب بغية تجنيد أنصار رئيسي، للفوز أمام منافسه حسن روحاني الذي كان رئيساً آنذاك .
وقد طالب تتلّو معجبيه بالتصويت لصالح إبراهيم رئيسي، ولكن لم تفلح محاولاته حيث أن معظم هواة أغاني تتلو هم المراهقون. وأمام الانتقادات اللاذعة التي طالت التيار المحافظ لاستغلال مطرب غير شرعي في الانتخابات، برر المتشددون من التيار نفسه أن الرجل قد تاب من تصرفاته التي تخالف العُرف الإيراني وبات يؤمن بمعتقدات التيار المتشدد دينياً، کما قدم أغنية عن ثامن أئمة الشيعة، الإمام الرضا المدفون في إيران.
بعد دبي، تركيا هي الملجأ الآمن
ولكن بعد هذه العلاقات متينة، لم تدم صداقة تتلو مع التيار المحافظ كما حدث لعلاقاته من قبل مع التيار الإصلاحي الذي دعمه في انتخابات 2008، فقد قرر أمير تتلو البالغ من العمر 35 عاماً، الهجرة إلى تركيا عام 2017، حيث الحرية في الغناء والحفلات وكل ما تشتهي نفسه.
تحظى حفلاته الموسيقية قي تركيا بحضور واسع النطاق يأتي معظمهم من داخل إيران للاستماع إلى أغانيه التي تحمل كلمات سطحية ومن الشارع كما يقال، ويتخلل كثيراً منها بعضها شتائم وعبارات نابية، وهي من كتاباته. كما قام المغني بتعاطي المخدرات على منصة الغناء وممارسة رسم الوشم على جسده، وحتى سب شتم معجبيه من على المنصة مباشرة على الهواء.
18 مليون تعليق والإنستغرام يغلق الحساب
حتى الآن، يراكم تتلو شعبيته عبر خلق "ترندات" على مواقع التواصل الاجتماعي، حتى وإن كان مضمون ما يروجه مزيّفاً. وقد كان يتابعه أكثر من 4 ملايين شخص عبر أشهر منصة تواصل داخل إيران، الإنستغرام، حيث أجرى ذات مرة بثاً مباشراً على إنستغرام وطالب معجبيه بالحضور الفاعل وتحطيم الأرقام القياسية حتى وصل العدد إلى 400 ألف متابع في اللحظة، وفي بث مباشر آخر مع إحدى المؤثرات وصل عدد مشاهديه إلى 600 ألف شخص في اللحظة. ومن أبرز تحطيماته للأرقام القياسية أنه طالب في منشور على صفحته بكتابة 10 ملايين تعليق تحت المنشور کي یطلق أغنيته الجديدة، وقد جاءت النتيجة بـ18 مليون تعليق، حسب المواقع الإيرانية.
وقد عبر الكثير من الباحثين والمحلليين أن ظاهرة تتلو وما ينتجه من تفشي البلطجة والتحرش الجنسي والعنف ضد النساء وأعراف خارج دائرة المجتمع المحافظ الإيراني، هي ناتجة عن سوء الإدارة للمجال الثقافي في البلد.
عام 2018 أغلقت إدارة إنستغرام حساب تتلّو وكتبت أن حماية مستخدميه (إنستغرام) أبرز واجباتها، ويعود سبب الحظر إلى نشر تتلو منشورات تحرض للعنف ضد المرأة، وتطالب الرجال بضرب النساء وشتمهن
وقد كتب الأستاذ الجامعي إحسان شاه قاسمي، منتقداً متابعي هذا المغني على حساباته الشخصية، "تتلو مؤذٍ، ويؤذي الآخرين". أما الناشط الصحفي مصطفى دانَنده، فيقول: "باعتقادي أن البث المباشر الذي نشره تتلو هو خارج دائرة الأدب؛ ألفاظه قبيحة وكلماته لا تحتوي على فكرة، ولكن البعض يرغب في هذا الأسلوب ومتابعة الكلام السخيف والفارغ، وعلينا تقبل الجميع".
تتلو يرسم الوشم على يده في حفلة بإسطنبول
عام 2018 أغلقت إدارة إنستغرام صفحة تتلّو، وكتبت أن حماية مستخدميه (إنستغرام) هي أبرز واجباتها، ويعود سبب الحظر إلى نشر تتلّو منشورات تحرض للعنف ضد المرأة، وتطالب الرجال بضرب النساء وشتمهن.
وسرعان ما دشن المغني الشهير صفحته الأخرى، وحصل على 4/4 ملايين متابع، ولكن في عام 2020 وللمرة الثانية أغلقت إدارة إنستغرام حسابه دون حق العودة وفتح حساب آخر، بعدما دعا الفتيات القاصرات الإيرانيات إلى المجيء إلى منزله والقيام بعلاقات حميمة معه. حينها طالب تتلو جمهوره بمتابعة قناته في يوتيوب وتلغرام، إذ يتابعه على المنصة الأخيرة حالياً مليون وسبعمئة شخص، أما على يوتيوب فنحو 600 ألف شخص. والجدير بالذكر أن كلا التطبيقين محجوبان في إيران.
تأتي تصرفات أمير تتلو على مواقع التواصل الاجتماعي للفت الانتباه وكسب مساحة أكبر من النجومية والشهرة، خاصة وأنه يصر دائماً على استعراض نفسه حيث تلمح مواقفه إلى "أنا" التي يرمز إليها دوماً بشكل مباشر.
زواج تتلو
بعد علاقات مع كثير من المؤثرات الإيرانيات، أعلن المطرب تتلو مؤخراً عن زواجه من نجمة السينما الإيرانية سحَر قُريشي، التي هاجرت إلى تركيا في مطلع العام الحالي ويعيشان معاً في الوقت الحالي.
وقبل أيام أعلن تتلو على قناته في تلغرام عن نيته بالعودة إلى بلاده وإقامة حفلاته في ملعب "آزادي" الذي يسع لـ100 ألف متفرج، متحدياً بذلك شعبيته بين الشباب والمراهقين.
وحمّل الجهات المعنية التي لا تسمح له بالدخول إلى البلاد مسؤوليةَ عدم عودته. وحتى اللحظة لم ترد الحكومة على قراره بالعودة، ولكن يبدو أن الموافقة على عودته أمر مستبعد.
حقق تتلو حتى الآن نجاحاً جماهيرياً ضخماً عوّضه عن لوم النقّاد والمجتمع الذين انتقدوه بشراسة وحمّلوه مسؤولية المشاركة في تفشي البلطجة بين أوساط الشباب الإيراني.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...