على بعد مسافة قصيرة من إيران، وطنها المحظورة من الغناء فيه، استضافت منصة اليوبيل في معرض إكسبو 2020 دبي، النجمة الإيرانية الشهيرة "گوگوش" يوم 17 آذار/مارس 2022، رغم معارضة النظام الإيراني، وبحضور الآلاف من محبيها.
بدأ الجدل بعد ما أعلنت إدارة معرض إكسبو عن دعوتها لگوگوش بصفتها "رمز إيران الثقافي"، لإقامة حفل غنائي، أعلنت إيران عن معارضتها لذلك، وطالبت بإلغاء الدعوة، لكن مسؤولي إكسبو دبي لم يكترثوا لموقف إيران، وأقيموا الحفل.
انتقدت مؤسسة "رودَكي" الرسمية التابعة لوزارة الثقافة الإيرانية، بشدة، دعوة گوگوش إلى المعرض واعتبارها "رمزاً ثقافياً" لإيران، وذلك في رسالة موجهة إلى ريم الهاشمي، مديرة معرض إكسبو دبي. وتشير رسالة "رودَكي" التي تم تداولها على نطاق واسع في وسائل الإعلام الإيرانية، إلى أن گوگوش، "عشيقة محمدرضا بَهْلوي"، ومروجة للفساد والابتذال، وذات ماضٍ سيء، ودعت إلى إلغاء الدعوة، لكنها لم تنجح، كما حدث للعديد من خطوات النظام الإيراني لحذف الشخصيات الفنية والثقافية، أو إبعاد المجتمع الإيراني عنها.
بعد ما أعلنت إدارة معرض إكسبو عن دعوتها لگوگوش بصفتها "رمز إيران الثقافي"، لإقامة حفل غنائي، أعلنت إيران عن معارضتها لذلك، وطالبت بإلغاء الدعوة
أقيم الحفل بالرغم من رسالة الاتهام والتهديد، وبدأ بعرض فيلم قصير عن حياة گوگوش وفعالياتها، وعن أشهر أفلامها، ومسيرة عملها كمطربة، ضمن حفلات "أمسيات خالدة" في إكسبو دبي، التي تضمنت حفلات لمطربين عرب كـحسين الجسمي.
غنت گوگوش إلى جانب أغانيها القديمة التي تعود إلى قبل انتصار الثورة الإسلامية في إيران، أغاني من ألبومها الجديد الذي يحمل اسم "21"، في إشارة إلى 21 عاماً منعت خلالها من الغناء في إيران بعد انتصار الثورة. كما غنت المطربة الإيرانية المُخضرمة أغنية باللغة الإنكليزية، وغنت أيضاً "زوروني كل سنة مرة" باللغة العربية.
ذكرت وكالة أسوشيتد برس في تقرير لها من الحفل، أن المشاركة الكبيرة والحماسية للإيرانيين تظهر أنه على الرغم من حظر گوگوش في إيران منذ أكثر من أربعة عقود، إلا أن المطربة البالغة من العمر 71 عاماً لا تزال قادرة على كسب قلوب المعجبين من مختلف الأجيال والأطياف.
ووفقاً للتقرير، على الرغم من أن العديد من الحاضرين في الحفل كانوا من الشباب، إلا أنهم كانوا يعرفون جيداً أغاني گوگوش القديمة، وغنوا معها بحماس كبير.
تقول سارا، الشابة الإيرانية التي سافرت من سلطنة عمان إلى دبي لحضور الحفلة الموسيقية، لوكالة أسوشييتد برس: "لا أستطيع التعبير عن حبي لگوگوش. بلدنا لديه مشاكل كثيرة... الوضع الاقتصادي سيء للغاية وليس لدينا حكومة جيدة ولا توجد حريات في البلاد، ولكن مع كل هذه المشاكل لدينا أسطورة مثل گوگوش".
وقال علي، أحد المشاركين في الحفل في إشارة إلى الجمهور الكبير وحماسه: "أمنيتنا الوحيدة هي أن نرى يوماً ما مثل هذه اللحظات في إيران".
لابد أن نشير إلى أن الإمارات وتركيا وأرمينيا وغيرها من الدول القريبة من إيران، تستضيف دائماً حفلات للمطربين الإيرانيين الذين يعيشون في المنفى، والمحظورين من الغناء في بلادهم، دون معارضة أو منع من النظام الإيراني، حيث ليس لديه صلاحيات بشأن ذلك، لكن يبدو أن ما أثار غضب إيران هذه المرة، والذي أدى إلى توجيه رسالة منها، هو حضور گوگوش في مكان وحفل رسمي وهو معرض إكسبو دبي، ووصفها "رمز إيران الثقافي"، خصوصاً أن للحكومة الإيرانية جناحاً في المعرض يمثله بشكل رسمي.
تقلب العلاقات الإيرانية الإماراتية على مر السنين، والخلافات بين البلدين، لا تعني القطيعة، فهناك كثير من الإيرانيين يسكنون الإمارات، لاسيما دبي، منذ سنوات، وغالبية المشاركين في حفل گوگوش الأخير، كانوا من الإيرانيين المقيمين في الإمارات.
من هي گوگوش؟
لا يوجد إيراني لم يسمع بگوگوش، وربما هناك القليل من العرب الذين لم يسمعوا بها. گوگوش هي مغنية وممثلة وواحدة من أشهر الفنانات الإيرانيات، وتمتلك شعبية عالمية كبيرة، وتعتبر رمزاً من رموز الفن والموسيقى داخل إيران وخارجها.
"حاولوا جاهدين محو اسمي، وأغنياتي، ووجهي، وذاكرتي، لكنهم لم يستطيعوا"
تتمتع گوگوش بإعجاب الأجيال المختلفة بها، حيث لا يزال الإيرانيون، سواءً الشباب أو كبار السن، يسمعون أغانيها، وربما يعود ذلك إلى صوتها الرائع الذي يرافقه دلع خاص بها، وإحساسها الرهيف في الأداء.
تعكس حياة گوگوش، المولودة في طهران عام 1950 باسم فائقه آتَشين، صدى الاضطرابات والتطورات التي شهدتها إيران قبل وبعد انتصار الثورة الإسلامية.
بدأت گوگوش مشوارها الفني عندما كانت في الخامسة من عمرها. في سن مبكرة انفصل والداها، وفقدت گوگوش أمها واستمرت في العيش مع والدها، الفنان الكوميدي ولاعب الأكروبات، صابر آتشين، الذي اكتشف موهبتها منذ طفولتها، وقام بتدريبها وتعليمها الغناء والرقص.
منذ ذلك الوقت أخذت گوگوش الصغيرة بالقيام بعروض غنائية على المسرح بمساعدة والدها. وفي التاسعة من عمرها، ظهرت في أول فيلم بعنوان "الخوف والأمل"، وكانت تعزف في أحد مشاهده على آلة موسيقية، وتغني أغنية "جوني غيتار" لبيغي لي، ثم تتالت أفلامها ووصلت إلى عام قبل انتصار الثورة إلى 25 فيلماً.
كانت گوگوش قبل انتصار الثورة في إيران، رمزاً للحداثة في الفن والموسيقى، بسبب ما أحدثته في الموسيقى الإيرانية آنذاك، حيث كانت تغني أغاني رومانسية بطريقة مختلفة.
وفي الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي، وفي ظل حكم الشاه محمد رضا بهلوي، وصلت إلى الشهرة وأصبحت نجمة موسيقية في إيران وخارجها، وأقيمت لها حفلات في بعض الدول العربية منها العراق وتونس، وكان لها جمهور كبير في الدول المجاورة لإيران ذات اللغة الفارسية، أفغانستان وأوزبكستان وطاجيكستان. لكن صوت گوگوش، أسكتته الثورة الإسلامية التي أطاحت بالشاه عام 1979، والتي أدت إلى قيام نظام ديني، يحظر موسيقى البوب، ولاسيما غناء النساء.
قالت گوگوش إن المكان الوحيد الذي لا يسمح لها بالغناء هو وطنها إيران، بينما في كثير من الدول العربية والإسلامية يسمح للمرأة بالغناء
بعد انتصار الثورة، دخلت گوگوش السجن لمدة شهر، ومنعت من النشاط الفني، كما سُحبت منها كل أوراقها الرسمية، ومُنعت من السفر لسنوات طويلة، لكن بعد 21 عاماً، في عام 2000 وخلال فترة رئاسة محمد خاتمي، الرئيس الإصلاحي لإيران، تم رفع قرار منعها من السفر إلى خارج البلاد، وغادرت گوگوش إيران بشكل نهائي باتجاه الولايات المتحدة. وبعد سنوات من ذلك عادت من جديد إلى ساحة الفن والغناء، واستمرت فيها إلى اليوم.
وعن تلك الفترة، تقول گوگوش: "حاولوا جاهدين محو اسمي، وأغنياتي، ووجهي، وذاكرتي، لكنهم لم يستطيعوا". وإلى اليوم، لا زالت تحافظ گوگوش على جمالها وأناقتها، وصوتها الجميل، وهي باقية في قلوب محبيها.
وفي تعليق على انتقادات المتشددين في إيران، من إدراجها في قائمة الممثلين في البيانات التاريخية للسينما الإيرانية التي أطلقتها وزارة الثقافة الإيرانية قالت في تشرين الثاني/نوفمبر 2019 لـبي بي سي" الفارسية: "لا يهمني اعترافهم بي؛ مايهمني هو أن يعترفوا الناس بي، وهم فعلوا ذلك".
وفي مقابلة خاصة مع قناة العربية في تموز/يوليو 2021، قالت گوگوش إن المكان الوحيد الذي لا يسمح لها بالغناء هو وطنها إيران، بينما في كثير من الدول العربية والإسلامية يسمح للمرأة بالغناء.
في حوار مع موقع الإذاعة الوطنية الأميركية العامة "إن بي أر" في أيلول/سبتمبر 2021، قالت گوگوش إن هناك سبباً واحداً وراء رغبتها في مواصلة الغناء باللغة الفارسية وهو حبها لبلدها. وقالت إن الجيل الأصغر من الإيرانيين الذين أُجبر آباؤهم على العيش خارج إيران يكبرون على أنهم غير إيرانيين، لكنها تحاول تذكيرهم بلغتهم، والأغاني التي تقدّمها يمكن أن تساعدهم على استعادتها.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ يومينرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومينحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ 3 أياممقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعمقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون
Ayman Badawy -
منذ أسبوعخليك في نفسك وملكش دعوه بحريه الاخرين