تشهد جدران المعابد المصرية أن الموسيقى والبهجة ولدا إناثاً، انتخبت المخيلة المصرية القديمة إلهة أنثى للخصب والموسيقى، تحمل حتحور في صورها على جدران معابدها "شخليلة" مقدسة تضرب بها فتهدئ روع الأطفال وتزرع في ضحكاتهم المرح. وعلى الجدران نفسها، تظهر صور العازفات والراقصات حصراً دون وجود الرجال.
لكن بمرور الزمن وتغير العادات، صارت المصريات يدقن الدفوف ويغنين في جلساتهن المغلقة، وكان الغناء في الساحات قاصرا على الغريبات "الغجريات" والرقيق، وقليلات من المحكوم عليهن بالوصم لممارستهن صنعتي العزف والغناء، إلا أن تخففت مصر من تراث التخلف الثقيل، واختبرت الحداثة في نهايات القرن الثامن عشر، لتظهر في القرن التالي عليه مطربات حظين بمحبة الناس واحترامهم وحظين معها بالثروة والمكانة، أولاهن وأبرزهن "ساكنة بك" ووريثتاها في المكانة على عرش الغناء ألمظ وأم كلثوم.
تشهد جدران المعابد المصرية أن الموسيقى والبهجة ولدا إناثاً، انتخبت المخيلة المصرية القديمة إلهة أنثى للخصب والموسيقى، وعلى الجدران نفسها، تظهر صور العازفات والراقصات حصراً من دون وجود الرجال
في ستينيات القرن العشرين، وتأثراً بما وصل إلى مصر من اسطوانات لفرق الغناء الغربية، بدأت الفرق الموسيقية المصرية في التشكل. أغلبها، اتخذ الشكل الغربي وأعاد تقديم أغاني الجاز والبلوز والروك، أو قدم أغانيه الخاصة التي دارت في موضوعات بعيدة عن الأطر الغنائية المصرية التقليدية، كانت معظم تلك الفرق تتشكل من الرجال حصراً، ولكن فرقاً مصرية قليلة شكلتها النساء، حفرت لنفسها نهراً خاصاً، تشابهت من خلاله الحفيدات مع جداتهن المرسومات على جدران المعابد، ليقدمن فناً مصرياً خالصاً غير متأثر بالغناء الغربي، في تقليد لا تزال أكثر الفرق الموسيقية النسائية تتبعه حتى الآن.
في ستينيات القرن العشرين، وتأثراً بما وصل إلى مصر من اسطوانات لفرق الغناء الغربية، بدأت الفرق الموسيقية في التشكل، واتخذ أغلبها الشكل الغربي. كانت معظم تلك الفرق تتشكل من الرجال حصراً، ولكن فرقاً مصرية قليلة شكلتها النساء، حفرت لنفسها نهراً موسيقياً خاصاً
البداية: "الثلاثي المرح"
وفاء وسناء وصفاء، ثلاث فتيات طالبات في معهد الموسيقى العربية، قادتهن الصدفة إلى تكوين أول واشهر فرقة غنائية نسائية مصرية، ولا تزال أعمالهن التي قدمنها بأصواتهن حصراً أو شاركن فيها مع كبار المطربين المصريين علامات بارزة شكلت طريق غناء الفرق النسائية من خلال تقديم الموسيقى المرتبطة بالتيمات الشعبية والمرح والرقص والفكاهة، والضحك واللعب والجد والحب.
بدأت رحلة الفرقة عام 1958، وتصدرت الحفلات الغنائية، وليالي رمضان، وكسبت شهرة واسعة بعد أن تبناها الملحن علي إسماعيل، الذي كان هو المخرج الموسيقي لفرقة رضا للفنون الشعبية.
ظلت الفرقة تعمل وتتألق حتى عام 1967، الذي مثل بداية التراجع في مصر على كثير من المستويات، فاعتزلت عضوات الفرقة العمل الفني، لكن بعد أن قدمن العديد من أغاني التراث الشعبي المصري، وإلى جانب أعمالهن التي باتت هي نفسها من التراث.
فرقة الحرملك
"احنا الفرقة الوحيدة النسائية في مصر اللي كل العضوات فيها نساء من المايسترو والمغنيات والعازفات" بهذه الكلمات بدأت مايسترو فرقة الحرملك الدكتورة مروة عمرو عبدالمنعم حديثها لرصيف22.
قدمت الفرقة أولى حفلاتها في "بيت السحيمي" بشارع المعز في مطلع أكتوبر/ تشرين الأول من العام 2017. وبيت السحيمي هو من البيوت الأثرية التي تقدم من خلالها وزارة الثقافة فعاليات ثقافية، وتخصص مركز إبداع السحيمي التابع لصندوق التنمية الثقافية – هيئة حكومية مصرية- في احتضان وتقديم المواهب الجديدة.
بحسب مديرة الفرقة، كان لدى العضوات تخوفاً من عدم قبلوهن، لكن الحفل الأول لاقت خلاله الفرقة ترحيباً كبيراً من الجمهور "الحضور الكبير ما بين جمهور مصري وأجانب كانوا بيسمعونا، ودا شجعنا وقدمنا أغاني كتير".
كانت بداية الفرقة بإعلان نشرته مؤسستها عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وتقول المؤسسة مروة عبدالمنعم، أنها تلقت رسائل مما يزيد على 200 فتاة من الموهوبات في العزف والغناء.
في منزلها، أجرت عبدالمنعم اختبارات للمتقدمات، واختارت منهن 30 موهبة، وبدأت في تدريبهن على نفقتها الشخصية، حتى تمكنت في النهاية من تكوين فرقة نسائية متمكنة في العزف والغناء "أغلب عضوات الفرقة دارسين للموسيقى ومغنيات وعازفات في دار الأوبرا المصرية، لكن الفرقة فتحت باب للهواة عشان تدي فرصة للموهوبين يخرجوا للنور".
وبعد نجاح أولى حفلاتهن في بيت السحيمي، واختبارهن لاستقبال الجمهور، تشجعت الفرقة على تقديم أولى حفلاتها في دار الأوبرا المصرية، ولاقت ترحيباً كبيراً، وباتت دار الأوبرا ومسارحها المختلفة منصة لحفلات الفرقة منذ العام 2018 وإلى الآن.
وتركز الفرقة على تقديم ريبرتوار الغناء المصري القديم والحديث من موشحات ومونولوجات وطقاطيق إلى جانب أغاني مطربي حقب الأربعينيات إلى السبعينيات، كما تقدم بعض الأغاني الخاصة العصرية.
"بهججة" المونولوج
تأسست فرقة بهججة عام 2015، لكن مؤسسها كان رجلاً وهو المخرج الموسيقي للفرقة أيمن حلمي.
يقول حلمي إن ارتباط فن المونولوج الغنائي بالرجال في مصر هو ما دفعه إلى تأسيس فرقة نسائية تقدم هذا الفن. وتركز الفرقة على تقديم الفن الكوميدي الغنائي مع المسرحي الأدائي، تشكلت الفرقة من مجموعة من هواة التمثيل والغناء.
يوضح المخرج الفني للفرقة: "بهججة بتحاول تطور فن المونولوج عموماً، وتغير الصورة النمطية عنه إنه فن أبدع فيه الرجال، لأن أشهر فناني المونولوج في مصر هما شكوكو وإسماعيل ياسين"، لكن هناك نساء أبدعن أيضاً في فن المونولوج واشتهرن به، أبرزهن ثريا حلمي وسعاد مكاوي.
تقدم فرقة بهججة الموسيقى الشرقية، والغناء الفردي والجماعي. وأوضح حلمي أن مهمة المخرج الموسيقي هي "تحديد الرؤية الموسيقية، إما الغناء والأداء للفريق النسائي فقط"، ويتشكل سجل الفرقة من 40 أغنية في معظمها إعادة تقديم لأغاني تراثية بطريقة كوميدية، وقدمت "بهججة" الكثير من الحفلات داخل مصر وخارجها.
"النور والأمل"
تشكلت فرقة "النور والأمل" من الفتيات فاقدات أو ضعيفات البصر عبر جمعية النور والأمل، وهي أكبر جمعيات المجتمع المدني المختصة في تقديم العون والتدريب لضعاف وفاقدي البصر في مصر. وتعد من أولى وأهم الجمعيات التي أنشأت مدرسة متخصصة في الموسيقى والغناء.
وتقول نجاة رضوان، المدير التنفيذي لمعهد موسيقى وأوركسترا النور والأمل للكفيفات، لرصيف22، إن الفرقة نشأت بعد تأسيس جمعية النور والأمل لمعهد الموسيقى التابع لها في العام 1961، وكانت الجمعية نفسها قد تأسست كجمعية نسائية بهدف تأهيل الفتيات الكفيفات مهنياً.
وقدمت الفرقة أول حفل لها على مسرح دار الأوبرا المصرية القديمة (احترقت في ثمانينيات القرن الماضي) في العام 1972، ثم انطلقت مسيرة الفرقة لتقدم حفلات متنوعة داخل مصر، أبرزها حفل أقيم على مسرح الجمهورية حضرته السيدة الأولى السابقة سوزان مبارك عام 1987.
كما يضم تاريخ فرقة النور والأمل، مشاركات فنية متعددة خارج مصر، إذ بدأت تقديم الحفلات في الخارج منذ عام 1988 في النمسا، وفي العام التالي قدمت الفرقة حفل موسيقي في الأردن ضمن فعاليات مؤتمر خاص لفنون ذوي الإعاقة. واستمر نشاط الفرقة الدولي وتقديمها للحفلات الموسيقية خارج مصر حتى عام 2019 الذي قدمت فيه الفرقة حفل موسيقي بدولة صربيا.
كما تنتشر في مصر العديد من الفرق الموسيقية النسائية الشعبية مثل فرقة "بنات المنصورة" وهي واحدة من الفرق التي تقدم الحفلات الغنائية في الأفراح والمناسبات الشعبية، أسست تلك الفرقة المطربة الشعبية فاطمة عيد، وهناك أيضاً الفرق الموسيقية النسائية التي تحيي الأفراح الإسلامية أي تلك الأفراح التي لا يوجد فيها اختلاط بين الرجال والنساء وتستخدم آلة الدف في إحياء حفل الزفاف، كما توجد الفرق الموسيقية النسائية النوبية والتي تعبر عن التراث النوبي في إحياء الحفلات والمناسبات، لكن أغلب هذه الفرق تعمل بشكل غير رسمي.
تبقى المشكلة الأكبر التي تواجه الفرق الموسيقية النسائية المستقلة الناشئة من قبل الهواة، هي الحفاظ على البقاء والاستمرار، إذ يعتمد تواجد واستمرار هذه الفرق على الدعم المادي والتمويل، في ظل تردي واضح للعوائد المادية التي تحصل عليها الفرق مقابل إقامة الحفلات الموسيقية.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...