ما أن تطأ قدمك شارع الخليفة في قلب قاهرة المعز، حتى تجد التاريخ متجسداً في بيوت وطالات يصل عمر بعضها إلى بضعة قرون.
هنا، كان قلب القاهرة قبل الامتدادات التي أشرف عليها الخديو إسماعيل عندما أراد إضافة نسخة من باريس إلى عاصمة مصر. قبلها كانت القاهرة تمتد في المساحة التي باتت تعرف الأن بـ"مصر القديمة" وقلبها القلعة، مركز الحكم والشوارع المحيطة الواصلة إلى الخليفة ومسجد أحب آل البيت إلى قلوب المصريين "سيدنا الحسين"، وهناك يقع بيت سيدة فاقت نساء عصرها، وكان صوتها يطرب الحاكم والأمراء والنبلاء، وبلغ من عبقرية ذلك الصوت، أن خلع عليها لقب "بك" لتكون أول وآخر امرأة مصرية تنال البكوية، لا مقابل مال ولا عطايا ولا روة موروثة أو أصل أجنبي، بل لصوت أطرب فاستحق التكريم والاحتفاء، هنا كانت تسكن "ساكنة بك"... صوت القاهرة.
لا توجد وثيقة يمكن الرجوع إليه للتعرف عليها. ولكن يشاع أنها كانت تجيد القراءة والكتابة، عذبة اللسان ولطيفة المعشر، تذكرك الحكايات عنها بالجواري الذكيات اللائي حُزْن قلوب وأسماع الرجال في حكايات كتاب الأغاني لأبي الفرج الأصفهاني
بلغت ساكنة بك، أو ساكنة باشا كما لقبها الشعب مكانة مميزة في قلوب الحكام والناس، لم تحتلها لاحقاً سوى "أم كلثوم" التي جاءت وريثة لمكانة ساكنة بك، ومن بعدها السيدة الغامضة "ألمظ"، أول من صعد ليرث مكانة ساكنة، وكلتا الأخيرتين "ساكنة بك وألمظ" عاشتا في القرن التاسع عشر، وجاءت أم كلثوم لتجلس فوق عرشهما الذي لم يرثه بعدها أحد، مع بدايات القرن العشرين.
وتمتعت "ساكنة باشا" -كما يلقبها الشعب- بعدما منحها الوالي سعيد لقب "ساكنة بك" بخصائص جعلتها محبوبة بين العامة، وقيل عن سبب تسميتها "ساكنة بك" أن الوالي سعيد، كان ينادي عليها بـ"ساكنه هانم"، وكان لقب هانم قاصر على الأميرات بنات البيوت النبيلة، فاغتاظت الأميرات ولكنه نكاية فيهم ناداها بـ"ساكنة بك" وأصبح اللقب مقروناً باسمها حتى وفاتها.
قيل عن سبب تسميتها "ساكنة بك" أن الوالي سعيد، كان ينادي عليها بـ"ساكنه هانم"، وكان لقب هانم قاصر على الأميرات بنات البيوت النبيلة، فاغتاظت الأميرات ولكنه نكاية فيهم ناداها بـ"ساكنة بك" وأصبح اللقب مقروناً باسمها حتى وفاتها
من هي ساكنة بك؟
لا يوجد ثبت واضح باسم ساكنة بك، ولا مصادر موثوقة يمكن النقل عنها فيما يتصل بميلاد ساكنة أو اسمها وحياتها، ولكن يتداول كتاب المحتوى على الإنترنت معلومات لا سند لها حول ميلادها في الأسكندرية في 1801، ووفاتها في القاهرة 1890.
لا توجد وثيقة او كتاب واحد صادر في حياتها أو في وقت قريب من وفاتها يمكن الرجوع إليه للتعرف عليها. ولكن يشاع أنها كانت تجيد القراءة والكتابة، عذبة اللسان ولطيفة المعشر، تذكرك الحكايات عنها بالجواري الذكيات اللائي حُزْن قلوب وأسماع الرجال في حكايات كتاب الأغاني لأبي الفرج الأصفهاني، غير أن المتواتر عن ساكنة بك كانت حُرّة من بنات البلد ولم تستعبد.
موهبتها وشهرتها
ذاع صيت ساكنة بك، في عصر عباس الأول ثم سعيد باشا وبزغ نجمها في سماء الغناء، بعدما غنت بالعامية المصرية فتعلق بها المصريون.
يقول الخبير الأثري الدكتور مختار الكسباني، إنها كانت محظية، أي تعمل في البلاط الملكي وكانت من بين جواري القصر، مضيفاً أنه في تلك العصور عندما كان يعجب الخديوي بإحدى المحظيات يمنحها أحد الألقاب الفخرية التي تلتصق بها بقية العمر، وأشيع عن ساكنة بك، أنها عندما ذاع صيتها، أصبحت ممن يدعين إلى القصور الملكية لاحياء المناسبات حتى أضحت تحيي الليالي في قصور الأمراء، إضافة إلى أنها غنت في حفلات زفاف أبناء إبراهيم باشا.
قصة منزل ساكنة بك
كان عهد إسماعيل ذروة وختام تألق ساكنة باشا، يقال أن إسماعيل أهداها بيتاً له في حي الخليفة، بناه له محمد علي باشا، وهو نفسه البيت الذي تحتل واجهته الآن لافتة تقول: "هنا عاش ساكنة بك".
المنزل الذي يبلغ عمره نحو 200 عام، تتجاهله وزارة الآثار ولم تسجله ضمن الآثار المعتمدة، ما يرفع عنه مظلة الحماية.
بني المنزل في العام 1846، ما يجعله مؤهلاً لأن يسجل كأثر أو مبنى ذو قيمة تراثية مميزة نظراً لمكانة صاحبته، ومكانتي مالكه الأصلي (الخديو إسماعيل) وبانيه (جد إسماعيل- محمد علي باشا).
يقع المنزل على أرض مساحتها 800 متر، وهو ذا سقف مطلي بماء الذهب وأرضيته من الرخام، لكن ما أصاب المنزل من إهمال يبعث على الحزن.
يقول محمود نبيل، الذي يعمل منظماً للرحلات في الأماكن التاريخية، أنه عندما يقوم بتنظيم رحلة تاريخية لا يستطيع دخول المنزل، ويكتفي الزوار بنظرات على جدرانه الخارجية المهدمة، والتقاط بعض الصور متحسرين على الحال الذي وصل إليه البيت، وهم يتوقعون أن يزال قريباً كي يبنى مكانه برج أو عمارة فارهة أو مطعم سياحي.
يصف نبيل موقع المنزل، قائلا إنه يقابله درب الكحالة، وهو شارع كان يسكنه أطباء العيون، ما يعني أنه يقع في مكان مهم، كما أن المنزل الذي يجاور بيت ساكنة بك، كان يتواجد فيه حرس الخديوي إسماعيل خلال الفترات التي كان يقيم فيها في هذا البيت قبل أن يهديه إلى ساكنة.
بين أيادي المستثمرين
بحسب شهادات جيران البيت، فإن المنزل المتهالك الذي يعاني الإهمال يجد الكثير من الأيادي التي تتعدى عليه في ظل تجاهل المسؤولين في الدولة.
ويقول الخبير الأثري الدكتور مختار الكسباني إن منطقة الخليفة دخلت ضمن تطوير مشروع الاهتمام بترميم مزارات آل البيت بداية من السيدة نفيسة مروراً بالسيدة سكينة وزينب حتى زين العابدين، مبيناً أن هذا تطوير عمراني وليس أثري مثل ما حدث في منطقة المدابغ، وقال الكسباني إن لديه معلومات عن قيام مستثمر بالحصول على أرض المنزل من محافظة القاهرة وأن هناك خطة لهدمه وبناء عدد من الأبراج ضمن خطة التطوير التي تتبناها الدولة، وتابع: "بالبلدي... البيت متسقع".
وعقب الكسباني أنه قام بزيارة منزل ساكنة بك، قبل 3 سنوات، وحينها وجد أكثر من 40 أسرة يقطنون المنزل بنظام "وضع اليد" في ظل تجاهل الدولة.
البيروقراطية تأكل جدران البيت
وقال المهندس أحمد سعد، رئيس قطاع المشروعات بوزارة الآثار، إن منزل ساكنة بك، دخل ما يسمى "كردون آثار" منذ 3 سنوات، ولكن حتى الآن لم يتم البت في أمره، إذ من المقرر أن يتم تسجيله على أنه أثري، مبيناً أنه من المفترض أن يتم تدشين إدارة له وهذا هيكل وظيفي بالدولة يكون في تلك الإدارة مفتش ومدير منطقة ومدير بيت يتسلم المكان على أنه عهدة، ويدون تقرير يرفعه إلى اللجنة الدائمة ثم يتم تحويله لرئاسة الهيئة أو الأمين العام الذي يحوله بدوره إلى قطاع المشروعات.
وأشار إلى أن الوزارة ومسؤوليها "لديهم حالة تقاعس غريبة في اتخاذ القرارات الإيجابية للصالح العام"، معتبراً التأخير في اتخاذ مثل ذلك القرار يعود إلى ما وصفه بـ"غيبوبة المسؤولين"، مضيفاً "عندما يفيقون ويوقعون قرار تحويل البيت إلى أثر لحمايته، قد يكون الأوان قد فات". موضحاً أن مسؤوليته عن قطاع المشروعات الذي يتضمن صيانة وترميم الآثار، تتوقف إذا لم يتم اعتماد البيت كأثر، كما أن البيت سيتعين عليه انتظار دوره في التمويل، و"تلك كارثة أخرى".
من جانبه قال الدكتور محمد أبو سعدة، رئيس الهيئة العامة للتنسيق الحضاري، إن طول المدة ليست المعيار الوحيد لكي يسجل المكان على أنه أثري، مبيناً أنه ربما لا توجد مقومات لذلك وليس له قيمة معمارية، وأضاف أن وضع "يافطة" هنا عاش لأنه مرتبط بشخصية ذات قيمة، بينما أضاف خبير الآثار مختار الكسباني، قائلاً أن استخدامات المنزل وأنه أصبح مكاناً للسكن جعلته متهالكا بشكل كبير، متابعاً أنه ليس به ذكرى تاريخية أو قيمة كبيرة لها مكانتها في المجتمع فقد كانت في نظر البعض مجرد "محظية" إضافة إلى أن المنطقة التي يقع بها المنزل فيها الكثير من التعديات ومن هنا يصعب ضمه للآثار لأن هذا له تكلفة عالية للغاية حيث يحتاج إلى عمليات ترميم وتقوية للمباني وهذا يصعب مع هذا المنزل.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...