بعزيمة لا تلين، نجحت نجمة التنس، أنس جابر، في أسر قلوب تونسيين لطالما فرّقتهم الصراعات السياسية المريرة التي تشهدها البلاد. فابنة السابعة والعشرين ربيعاً حققت مُنجزات غير مسبوقة محلياً وعربياً.
فازت جابر السبت، 7 أيار/ مايو الحالي، ببطولة مدريد للتنس -وهو اللقب الأكبر في مسيرتها- في إنجاز لاقى إشادات واسعةً داخل تونس وخارجها، خاصةً أنه ارتقى بها إلى المرتبة السابعة عالمياً في تصنيف السيدات وهو إنجاز لم تسبقها إليه أي عربية.
ولم تتوقف عند هذا الحد، إذ بلغت بعد أسبوع من ذلك، الدور نصف النهائي من بطولة روما المفتوحة للتنس.
ما يسترعي الانتباه في مسيرة جابر البطولية، أنها بلغت هذه الإنجازات بجهود ذاتية، إذ لم توفر الحكومات التي تعاقبت على قيادة تونس أي دعم لها، أو حتى لغيرها من الرياضيين الفرديين.
وقالت أنس عقب فوزها بالبطولة: "خسرنا العديد من النهائيات، لذا أنا سعيدة بأننا تمكنا من الفوز اليوم. كان الأمر صعباً خاصةً في المرة الأخيرة في تشارلستون. أشكر كل من دعمني". وتابعت النجمة التونسية: "الأحلام تتحقق... أحبكم جميعاً... شكراً مدريد".
حلم وإنجازات
قبل خمس سنوات من الآن، كان حلم دخول نادي المئة في التصنيف العالمي للتنس النسائي، يراود جابر إذ بدأت في سن مبكرة بلعب كرة اليد والقدم قبل أن تتخصّص في التنس الذي عرفته بفضل مرافقة والدتها إلى نادي التنس في ولاية (محافظة) سوسة الواقعة في شرق تونس.
اليوم، باتت جابر واحدةً من عمالقة التنس في العالم، بعد أن باتت أول عربية تدخل لائحة العشر الأوائل وتتويجها ببطولة مدريد وهو ما كان محل إشادات واسعة في تونس وخارجها.
الرئيس قيس سعيّد، قال في بيان إنه يتمنى أن تواصل جابر تقدمها حتى تكون الأولى عالمياً، لكن ما بلغته اليوم هو نتاج لتضحيات وعمل وإحاطة، خاصةً من طرف عائلتها.
من جهتها، أشادت وزارة الشباب والرياضة في تونس، بالفوز المستحق للاعبة التنس جابر بدورة مدريد المفتوحة للتنس لتحرز بذلك أولى بطولاتها في الدورات الكبرى من فئة ألف نقطة.
وعلقت الوزارة عقب التتويج التاريخي لجابر: "فوز صعب ومثير لكنه مستحق في دورة من فئة ألف نقطة... شكراً أنس وإلى الأمام دائماً".
ولقيت جابر تشجيعاً كبيراً من أنصارها التونسيين والعرب الذين هزوا المدرجات بالهتافات في مشاهد تُعدّ فريدةً من نوعها في الملاعب الترابية.
نجاح أنس في كسر صورة ترسخت عن التنس بأنها رياضة نخبوية، يزيد من إلهامها وسعيها إلى تحقيق أهداف أخرى من بينها إنشاء أكاديمية تنس للشباب
تقول سميرة جابر والدة أنس التي لم يتسنَّ لنا الحصول على تصريح منها، خاصةً أنها تخوض الآن بطولة روما المفتوحة للتنس، إن "الثقة بالنفس والحلم هما من أسرار نجاح أنس التي تحب بلدها كثيراً".
وتابعت جابر الأم قائلةً في حديث إلى رصيف22، إن "العائلة قدّمت رعايةً كاملةً لأنس، لكن ثقتها بالنفس وحبها للعبة والغرام هي التي أوصلتها إلى ما هي عليه اليوم".
باتت تجربة أنس جابر تلهم الأنصار والموهوبين، خاصةً أن النجمة لم تحصل على دعم من السلطات المتعاقبة على البلد الذي يرزح تحت وطأة أزمات مركّبة سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، وهو ما ضاعف من التحديات الهائلة أمامها في مقارعة كبار الملاعب الترابية.
وقالت سميرة جابر إن "الإحاطة العائلية منذ الصغر بالطفل تمكنه من تحقيق أهدافه. أنس وفرنا لها كل العناية بالرغم من أننا لسنا من أثرياء البلد، في نوادٍ رياضية وثقافية في مدن المنستير وسوسة، وتعلمت الموسيقى، وتعلمت السباحة بأثمان ليست باهظةً في الواقع".
وأضافت: "وضعت أربعةً من أبنائي في نوادٍ رياضية وثقافية، لكن أنس كانت لها رغبة في المواصلة. عاشت في بيئة فيها ثقافة وتؤمن بالتعليم وعاشت طفولةً رائعةً وشعرتُ بأنها لا تحب الخسارة، ساعدناها وهي تشبثت بحلمها".
وأضافت أن "الثقة بالنفس هي أهم شيء، بالنسبة لأنس حلم بطولة مدريد كان منذ ثلاث أو أربع سنوات وها هو اليوم يتحقق. المستحيل ليس تونسياً وهي أصرت على الاستكمال وهو مشوار صعب وليس في متناول الجميع للأسف لأن هناك موارد ماليةً للتجهيزات وللتربُّصات يجب أن تتوفر".
ويُعدّ كريم كمون، زوج أنس، سندها ومعدّها البدني الذي ساعدها على الوصول إلى التربع على عرش مدريد.
وتقول سميرة جابر إن "من أبرز ما يؤكد عليه كريم، أنه بالعمل يمكنك تحقيق أهدافك. أكد لي مراراً أن أنس من أبرز اللاعبات عملاً".
ومن جهته، يقول رضا جابر، والد أنس، إن "ما حققته أنس توفيق من الله، بعد تعب وعمل نجحت في تحقيق واحدة من أكبر البطولات في العالم، وأتمنى أن تواصل تألقها، هذا ما نتمناه جميعاً".
ويؤكد رضا جابر في حديث إلى رصيف22، أن حلم أنس أن تدخل نادي الخمسة الأوائل في العالم في العام الجاري، مشيراً إلى أن "على أنس أن تتفهم وضعية الدولة التونسية التي لم تدعمها لأن تونس أيضاً تواجه ظروفاً صعبةً وعليها أن تخدم من أجل مصلحة تونس".
غياب الدعم
نجاح أنس جابر قد يشكّل الشجرة التي تخفي غابة من المشكلات والهنّات التي تعانيها الرياضات الفردية في تونس، فالحكومات التي تعاقبت على قيادة البلاد بعد الثورة، التي أطاحت بالرئيس الراحل زين العابدين بن علي، لم تفعل شيئاً لدعم هؤلاء الرياضيين وخاصةً النساء منهم.
تقول رئيسة الاتحاد الوطني للمرأة، راضية الجربي، إن الدعم غير كافٍ وفي السنوات الماضية، حتى مديرة عامة تعنى بشؤون الرياضات النسائية في وزارة الشباب والرياضة لم تكن لدينا لفترة طويلة جداً، وهناك فرق نسائية عريقة تواجه التهميش.
باتت جابر واحدةً من عمالقة التنس في العالم، بعد أن أصبحت أول عربية تدخل لائحة العشر الأوائل، وتتويجها ببطولة مدريد
تشدد الجربي في حديث إلى رصيف22، على أن "بنات تونس تأخذهن دول أخرى اليوم لأن الدعم غائب، حتى الدعم باللباس أو الأحذية غائب، وهذا يدل على أنه في السنوات الأخيرة هُمّشت الرياضة النسائية والرياضات الفردية عموماً وحتى النساء اللواتي كرمناهنّ، مثل مريم الميزوري وغيرها، اشتغلن كلهن بإمكانياتهن الخاصة".
وأوضحت أنه "لذلك عندما تحصد أنس جابر نتائج مثل هذه، لا تزيدنا إلاّ فخراً، وتجعلنا نذكّر الوزارة بضرورة الاعتناء بالرياضات النسائية والفردية عموماً وليس فقط كرة القدم لأن جلّ الميداليات التي حُصدت في السنوات الأخيرة توِّجت بها نساء في رياضات فردية مثل ألعاب القوى وذوي الاحتياجات الخاصة".
تمثّل كرة القدم اللعبة الشعبية الأولى في تونس، لكن اللافت أن مباريات التنس، خاصةً تلك التي تتواجد فيها أنس جابر، باتت تحظى باهتمام شعبي وحتى رسمي متزايد وهو ما يعكس إنجازات المرأة التي تفوق أحلامها مجرد التربع على عرش البطولات الكبرى.
نجاح النجمة في كسر صورة لطالما ترسخت عن التنس بأنها رياضة نخبوية يزيد من إلهامها على ما يبدو وسعيها إلى تحقيق أهداف أخرى من بينها إنشاء أكاديمية تُعنى برياضة التنس وتهدف إلى تكوين شبان وشابات تونسيين/ ات.
أكاديمية أنس جابر
بشهادة مختلف النقاد والمسؤولين الذين تعاقبوا على وزارة الشباب والرياضة في تونس، نجحت أنس جابر في تحقيق ما عجزت عنه لاعبات تونسيات وعربيات في الرياضة، وهو ما جعلها تسعى إلى استثماره في ما هو أنفع لبلادها، أي إنشاء أكاديمية تحمل اسمها وتتولى تدريب أبطال جدد وتكوينهم.
قالت وزيرة الرياضة السابقة سهام العيادي، إن أنس جابر مثال يحتذى به كفتاة رياضية إذ تمثل المرأة التونسية كما ينبغي وهي تعرف ماذا تريد ومتوازنة وتدرك ماذا تحب بالضبط.
وأضافت العيادي في حديث إلى رصيف22، أن "هذه من الأشياء التي تساعد أي رياضي على تحقيق نجاحه، ينبغي أن تعرف أهدافك بالضبط وأن تكون متوازناً كرياضي".
"أنس جابر هدفها أن يتم صنع أنس جابر 2 و3 و4، باختصار هي تريد أن نخلق أجيالاً جديدةً تأخذ المشعل عنها وأصبحنا قادرين على ذلك"
لا تخفي العيادي، وهي صحافية رياضية أيضاً، أن أنس جابر لم تعد تحتاج في هذه المرحلة إلى دعم من السلطات بعد أن بلغت مستوى كبيراً، موضحةً: "متى يستحق رياضي الدعم؟ في بداياته، عندما سيشارك في دوريات دولية ويستحق مدربين ورعايةً ذهنيةً وفنيةً ودعماً لوجيستياً. كان المفروض أن توفِّر هذا كلَّه سلطة الإشراف في بدايات أنس".
بالنسبة إلى وزيرة الرياضة السابقة، فإن على السلطات في تونس الاستثمار في أنس جابر، مؤكّدةً أن لديها رغبة في إنشاء أكاديمية لتكوين أبطال وبطلات جدد. فالشباب في تونس يواجهون إحباطاً شديداً بعد ما أفضى إليه المشهد السياسي المتشرذم الذي ألقى بظلال كثيفة على الصعيدين الاقتصادي والتنموي ومعهما على الصعيد الرياضي الذي يتراجع من سنة إلى أخرى.
ولا تكاد تهتم السلطات إلاّ بكرة القدم -الرياضة الشعبية الأولى في العالم- لكن العيادي قالت إن "أنس جابر هدفها أن يتم صنع أنس جابر 2 و3 و4، باختصار هي تريد أن نخلق أجيالاً جديدةً تأخذ المشعل عنها وأصبحنا قادرين على ذلك".
وتابعت أن "ما تطالب به أنس جابر، وأنا تحدثت معها في هذا الصدد، قطعة أرض من الدولة لتستثمرها بنفسها وتقوم ببناء ملاعب على تلك الأرض في إطار أكاديمية دولية لتساهم في انتشار اللعبة والتعريف بها وهذا دور السلطات اليوم، عليها تسهيل ذلك، خاصةً أن هذه السلطات لم تساعد أنس في بداياتها، فعلى الأقل يجب دعمها الآن لنخلق أبطالاً جدداً".
وقالت العيادي: "التصنيف الذي نجحت تونس في بلوغه مع أنس جابر، الفرنسيون يعجزون عنه في الوقت الراهن. التنس قبلة كبيرة، هناك ناس يشاهدونها. لو نقيم دورات في تونس سيكون هناك نجوم كبار سيأتون إلى البلاد ومعهم جماهير، نحن لدينا أنس وعلينا تنظيم دورات والاستثمار في اسمها لاستقطاب نجوم كبار ومعهم جماهير، بطرق مثيلة نتمكن من خدمة صورة المرأة التونسية كمرأة ناجحة وأيضاً نشجع السياحة والرياضة والاقتصاد، لكن للأسف ليست لدينا الآن ملاعب للتنس والتجهيزات الكفيلة بإنجاز الملاعب ليست باهظة الثمن، يجب أن تتوفر سياسات دولة في هذا الإطار فقط".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يوممتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ يومينفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ يومينعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ يومينtester.whitebeard@gmail.com
مستخدم مجهول -
منذ يومينعبث عبث
مقال عبث من صحفي المفروض في جريدة او موقع المفروض محايد يعني مش مكان لعرض الآراء...
مستخدم مجهول -
منذ 6 أيامرائع