شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!
قيادات منشقة عن النهضة تؤسس حزباً... فهل خرجت من عباءة الغنوشي

قيادات منشقة عن النهضة تؤسس حزباً... فهل خرجت من عباءة الغنوشي "المنبوذ" سياسياً؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة

الثلاثاء 10 مايو 202202:49 م

ما كان مجرد تخمينات وتكهنات، أضحى حقيقةً في تونس، حيث تضع القيادات المنشقة عن حركة النهضة الإسلامية، وهي وجوه بارزة، آخر اللمسات لإطلاق حزب سياسي جديد سيكون محافظاً، لكن من غير الواضح أن تكون تلك القيادات قد قطعت نهائياً مع الحركة ورئيسها راشد الغنوشي الذي يُعدّ منبوذاً من الشارع.

استبقت أوساط سياسية تونسية الإعلان عن الحزب بتوجيه وابل من الانتقادات إلى تلك القيادات، عادّةً أن الحزب الجديد سيكون بمثابة "نهضة 2"، وهو ما تنفيه هذه القيادات التي تضم وجوهاً بارزةً على غرار الوزير السابق عبد اللطيف المكي، والوزير السابق والحقوقي سمير ديلو، وكاتبة الدولة السابقة أمال عزوز.

"سنتوجه إلى التونسيين"

الحزب السياسي الجديد الذي سيولد من رحم حركة النهضة الإسلامية، التي شهدت انقسامات حادةً في السنوات الأخيرة، سيكون أمام تحدي استقطاب تونسيين نبذوا السياسة بعد ما آلت إليه الخيارات التي انتهجتها الحكومات المتعاقبة في العشرية الأخيرة من تدهور للأوضاع.

تقول عزوز، إحدى أبرز القيادات المؤسسة، إن "الحزب سيكون محافظاً. نُدرك أن العمل جارٍ على تقديمنا على أننا نهضة 2، لكننا لن نكون كذلك، وسنقنع التونسيين بذلك من خلال هوية الحزب، ومواقفه وغيرها، والزمن كفيل باقتناعهم".

وتابعت عزوز، في حديث إلى رصيف22: "هي تجربة جديدة، منذ قدّمنا استقالتنا من حركة النهضة والناس يلتحقون بنا من شباب ونساء، سواء في الداخل أو في المهجر، وفيهم حتى من ليس له أي تجربة سياسية، لكن لهم حلماً ويريدون تقديم طرح سياسي جديد للبلاد".

وأوضحت أن "الأهم في الحزب الجديد أنه لن يكون أيديولوجياً، إذ نريده أن يكون متخلصاً من الأيديولوجيا التي لا نرى أن مجتمعنا بحاجة إليها اليوم، خاصةً أن من يتبنى الأيديولوجيا في تونس يرى نفسه يمتلك الحقيقة وبإمكانه القيام بالتغيير حتى بطريقة قسرية".

وشهدت تونس بعد انتفاضة السابع عشر من كانون الأول/ ديسمبر 2010، والرابع عشر من كانون الثاني/ يناير 2011، صراعات مريرةً بين الإسلاميين ممثلين في حركة النهضة والأحزاب المقربة منها، والأحزاب العلمانية كادت تعصف بالانتقال الديمقراطي في البلاد.

وبالرغم من تدخل من يوصَفون بالعقلاء، مثل الاتحاد العام التونسي للشغل، المركزية النقابية ذات النفوذ الواسع في البلاد، وغيره، إلا أن هذه الصراعات تخللتها انزلاقات نحو العنف إذ شهدت البلاد ثلاثة اغتيالات سياسية شملت القياديَين اليساريَين شكري بالعيد ومحمد البراهمي، والقيادي في حركة نداء تونس، لطفي نقض.

ما كان مجرد تخمينات وتكهنات أضحى حقيقةً في تونس، حيث تضع القيادات المنشقة عن حركة النهضة الإسلامية، وهي وجوه بارزة، آخر اللمسات لإطلاق حزب سياسي جديد

ويُنظر على نطاق واسع إلى تحرك الرئيس قيس سعيّد، في الخامس والعشرين من تموز/ يوليو الماضي، على أنه يستهدف الإسلاميين بالرغم من دعمهم له في الدور الثاني من الانتخابات الرئاسية في العام 2019، ومواقف الرجل تميل في أغلبها إلى التيار المحافظ.

وتتشابه مواقف القيادات الجديدة في الحزب الجديد، مع مواقف النهضة وزعيمها التاريخي راشد الغنوشي، تجاه تحرك الرئيس سعيّد، وهو ما أثار تساؤلات حول ما إذا كان الحزب الجديد سيمثّل ذراعاً جديدةً من أذرع الحركة.

وقالت عزوز، إن "هناك من يسعى إلى تقديمنا على أساس أننا نهضة 2، ونحن لسنا كذلك. أنا أفنيت عمري في النهضة وبضاعتنا لن تكون بضاعة النهضة. الأحزاب السياسية تقدم للشعوب بضاعةً، ونحن بضاعتنا لن تكون كبضاعة النهضة، وسترون ذلك، فخطابنا وهويتنا وبرامجنا ستكون بعيدةً البعد كله عن النهضة".

وشددت على أن "الأفعال هي التي ستعكس هذا التمايز عن النهضة. نحن نطرح فكرة جعل السياسة أخلاقيةً. كرهنا المغالاة في البراغماتية، والكذب، وكل ما قام به الساسة في المرحلة الماضية. بضاعتنا ستكون مختلفةً تماماً عن بضاعة النهضة في النهاية".

"مناورة سياسية"

سارعت أطراف سياسية تونسية إلى اتهام هذه القيادات بأنها ستكون في خدمة النهضة وزعيمها الغنوشي الذي كانت قد هربت منه سابقاً بسبب طريقة تسييره للحركة ورفضه التخلي عن قيادتها.

تسبب ذلك في نزيف حاد من الاستقالات، لكن الضربة الموجعة تلقتها الحركة في أيلول/ سبتمبر الماضي، عندما تقدّم 113 قيادياً من وزراء سابقين ونواب في البرلمان المنحل، باستقالاتهم في تطور بدا لافتاً في توقيته إذ جاء في وقت ازدادت فيه عزلة الغنوشي.

تقول عزوز وقيادات أخرى تحدث معها رصيف22، مثل الناشط السياسي زبير الشهودي، إنهم لن يكونوا نهضةً أخرى، لكن هل تغير هؤلاء وقطعوا مع الغنوشي فعلياً؟

على مدار السنوات الماضية، نجحت النهضة في إيجاد واجهات جديدة وحلفاء باتوا بمثابة الفروع لها على غرار حزب ائتلاف الكرامة وكتلته في البرلمان المنحل التي حاولت التصدي لكل معارضي الحركة بما في ذلك رئيس الجمهورية.

يرى سرحان الناصري، رئيس حزب التحالف من أجل تونس، وهو من الأحزاب الموالية لرئيس الجمهورية قيس سعيّد، أن هذه القيادات تُعدّ لبرنامج آخر لكن بمرجعية حركة النهضة.

مواقف القيادات الجديدة في الحزب الجديد تتشابه مع مواقف النهضة وزعيمها التاريخي راشد الغنوشي تجاه تحرك الرئيس سعيّد، وهو ما أثار تساؤلات حول ما إذا كان الحزب الجديد سيمثل ذراعاً جديدةً من أذرع الحركة

بيّن الناصري في حديث إلى رصيف22، أن "هؤلاء يُدركون أن حركة النهضة فقدت مشروعيتها عند الناس، وأصبحت منتهيةً سياسياً واجتماعياً وأخلاقياً، وهناك تفكير في حلّ حركة النهضة بالقانون في المرحلة المقبلة، لذلك بدأت هذه القيادات تفكر في مشروع سياسي جديد. هذه المجموعة لا تحمل فكراً مدنياً، وما زال يوسف القرضاوي وسيد قطب مرجعيتهم".

وتردد مؤخراً كثيراً أن هناك توجهاً لحل أحزاب سياسية في البلاد، إذ كشف مؤسس ما يُعرف بجبهة الخلاص الوطني، المعارض المخضرم أحمد نجيب الشابي، أن الرئيس سعيّد سيحل أحزاباً يوم الثامن من أيار/ مايو بعد تظاهر أنصاره "للمطالبة بالمحاسبة"، لكن هذا لم يحدث وقد نفاه سعيّد.

من جهته، يقول المحلل السياسي بوبكر الصغير، إن "التحركات الجديدة هي مناورة جديدة من النهضة والغنوشي. لديهم حنكة كبيرة وقدرة على المناورة خصوصاً في المراحل السابقة".

ورأى الصغير في حديث إلى رصيف22، أن هناك استباقاً "لإقصاء النهضة في المرحلة المقبلة من المشهد السياسي، لأنها تتحمل المسؤولية عما آلت إليه الأوضاع، وهناك إجماع تقريباً من الطيف السياسي الوطني كله بخصوص الحسم في هذه الحركة، وهو بارز حتى لدى المنظمات الوطنية. لماذا نُقصي الحزب الدستوري في الرابع عشر من كانون الثاني/ يناير في 2011، ونحمّله مسؤولية 'الوضع الاستبدادي' في ظل نظام زين العابدين بن علي؟ ولماذا لا نقصي النهضة التي خلفت دماراً أخطر منذ قيام الدولة الوطنية؟".

على مدار السنوات العشر الماضية، واجهت النهضة تهماً خطيرةً من قِبَل خصومها، على غرار التعويل على جهاز أمني سري، واختراق أجهزة الدولة على غرار وزارتي الداخلية والعدل (التي قادتهما الحركة إبان حكم الترويكا 2012-2013)، وليس أخيراً بالتمتع بتمويل أجنبي خلال الحملة الانتخابية في 2019، بحسب ما أفاد تقرير لمحكمة المحاسبات، لكن الحركة تنفي هذه التهم.

وقال الصغير: "إذا كان هناك وعي لدى قيادة الحركة، فهي أولى بأن تدرك أنه من واجبها الانسحاب من الساحة ولو لفترة لإصلاح ما تم تخريبه وإفساده في هذه البلاد، وتالياً عملية تأسيس الحزب الجديد هي مناورة للحضور في الاستحقاقات القادمة".


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image