مساء الخميس 5 مايو/ أيار الجاري، ذهبت مروة إبراهيم لبيع 70 غراماً من حليها الذهبية للوفاء ببعض الالتزامات المادية لأسرتها، لكنها فوجئت بالصائغ الذي تتعامل معه في منطقة حلوان، جنوب القاهرة، يرفض الشراء، متعللاً بأن أسعار الذهب ترتفع بشكل لا يجاري السعر الحقيقي، وأي عملية شراء حالياً عرضة لخسارة كبيرة. فقررت الذهاب إلى صائغ مجاور وافق على شراء الذهب منها بسعر يقل نحو 50 جنيهاً عن السعر المعلن رسمياً: "قالي سعر الشراء 1200 لكن سعر البيع 1150 لعيار 21".
بعد تعرض مروة لهذا الموقف بأقل من 24 ساعة، سرت شائعة أطلقها بيان منسوب لشركة الإيمان لتجارة الذهب تدعي فيه وجود تعليمات من البنك المركزي المصري بوقف التعامل في الذهب بيعاً وشراءً إلى حين استقرار أسعار الدولار. ورغم مسارعة أعضاء في شعبة الذهب في الاتحاد العام للغرف التجارية إلى نفي صحة ما جاء في البيان، بل نفي وجود شركة تحمل اسم الإيمان، ظلت الشائعة قوية في ظل وجود ارتباك بسوق الذهب في مصر منذ عدة أسابيع.
سرت شائعة أطلقها تدعي وجود تعليمات من البنك المركزي بوقف التعامل في الذهب بيعاً وشراءً إلى حين استقرار أسعار الدولار. ورغم مسارعة أعضاء في شعبة الذهب إلى النفي، ظلت الشائعة قوية في ظل وجود ارتباك بسوق الذهب في مصر منذ عدة أسابيع
وتشهد أسعار المعدن الأصفر ارتفاعات غير مسبوقة وبشكل متلاحق، متأثرة بالأوضاع الاقتصادية المتوترة التي تعيشها مصر. فخلال الشهور الأربعة الأولى من العام الجاري، قفزت أسعار الذهب من نحو 809 جنيهات للغرام الصافي (عيار 24) إلى نحو 1150 جنيهاً، بارتفاع قرابة 341 جنيهاً نسبته 42%، وهي مستويات تاريخية لم يشهدها الذهب في مصر من قبل.
وإن كانت زيادات أسعار الذهب تبررها حالة التضخم التي يعيشها الاقتصاد المصري منذ بداية العام، حتى وصلت نسبتها إلى 12.1 بنهاية آذار/ مارس الماضي، وفق آخر تقرير للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، متجاوزة مستهدفات البنك المركزي، لكن ما شهده الأسبوع الأخير من ارتفاع جنوني في الأسعار رغم توقف البنوك عن العمل وثبات سعر الدولار إلى حد كبير، كان مثار للتساؤلات والشائعات أيضاً.
أسبوع الإجازة وجنون الأسعار
كان يوم الخميس الموافق 28 نيسان/ أبريل الماضي آخر يوم عمل بالنسبة للبنوك قبل بدء إجازة عيد الفطر التي امتدت حتى اليوم السبت. وطوال الأسبوع، شهدت أسعار الدولار في البنوك ثباتاً نسبياً عند 18.43 جنيه للشراء و18.53 جنيه للبيع، وأختتمت أسعار الذهب ذلك اليوم عند 1257 جنيهاً لعيار 24، و943 جنيهاً لعيار 18، و1100 جنيه لعيار 21 الأكثر تداولاً في مصر.
وخلال أسبوع الإجازة الذي امتد من الجمعة 29 نيسان/ أبريل حتى اليوم السبت 7 آيار/ مايو، شهدت أسعار الذهب استقراراً نسبياً حتى يوم الأربعاء 4 آيار/ مايو، وهو اليوم الذي اتخذ فيه بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي قراره برفع أسعار الفائدة لليلة واحدة بمقدار نصف نقطة مئوية إلى نطاق يراوح بين 0.57 و1% لأول مرة منذ 22 عاماً. لكن اعتباراً من يوم الخميس التالي بدأت أسعار الذهب ترتفع بشكل جنوني حتى وصل سعر الغرام من عيار 21 صباح اليوم السبت إلى 1210 جنيهات.
ومع بداية الزيادة، انتشرت أخبار عن توقف تعاملات الذهب في السوق المصري حتى عودة البنوك للعمل مرة أخرى، وتداولت صفحات التواصل الاجتماعي على نطاق واسع خطاباً موجهاً من شركة تدعى "الإيمان" لتجار المصوغات، بوقف التعامل بالبيع أو الشراء، حتى ضبط الأسعار وفقاً لتعليمات البنك المركزي، ومفادها أن السعر الرسمي لغرام الذهب عيار 21 وفقاً لسعر البورصات العالمية وسعر الدولار بالبنك المركزي يساوي 977 جنيهاً فقط. أما الأسعار التي تجاوزت خلال تعاملات أمس 1220 جنيهاً للغرام، “فليست حقيقية” و"تخلق سوقاً موازياً لأسعار الدولار" في السوق المصري.
لكن الشعبة العامة لتجارة المجوهرات باتحاد الغرف التجارية، وشعبة تصنيع المعادن الثمينة، حرصتا على إصدار بيان ينفيان فيه الخطاب المتداول، مؤكدتين أن الشركة المذكورة وهمية وغير مسجلة لديهما.
وقال البيان إن مثل هذا المنشور يهدف لإحداث حالة من الاحتقان والاضطراب في السوق، وإن ما جاء فيه حول عدم الشفافية في التسعير لا أساس له من الصحة، مؤكداً أن التسعير يخضع لآليات العرض والطلب إضافة إلى أسعار الأوقية في البورصات العالمية.
سكرتير شعبة الذهب سابقاً: سعر الذهب يحكمه سعر الدولار في السوق الموازية "السوداء"، فالبنوك لا تمول الذهب منذ سنوات طويلة: "هو ده السبب الرئيسي لارتفاع سعر الذهب"
السوق السوداء تحكم
بدوره أكد نادي نجيب، سكرتير عام شعبة الذهب السابق بغرفة القاهرة التجارية، أن سوق الذهب المصري يعمل بشكل طبيعي، وأن إحجام بعض التجار عن عمليات البيع والشراء ليس إلا تصرفاً فردياً ولا يوجد عليه إجماع، مشيراً إلى أن هؤلاء لن يستطيعوا الاستمرار في الإضراب عن عملهم طويلاً: "أهم حاجة في تعاملات الذهب هي علاقة الثقة بين التاجر والعميل، والتوقف عن العمل يفقد التاجر عملاءه ويقلل من ثقتهم فيه".
وأوضح لرصيف22 سبب الارتفاع المتواصل في أسعار الذهب رغم إغلاق البنوك المصرية طوال الأسبوع الماضي واستقرار سعر الدولار، قائلاً إن سعر الذهب يحكمه سعر الدولار في السوق الموازية "السوداء"، فالبنوك لا تمول الذهب منذ سنوات طويلة: "هو ده السبب الرئيسي لارتفاع سعر الذهب".
وأضاف نجيب أن سعر الدولار في السوق الموازية يخضع للعرض والطلب، وحالياً يراوح بين 22 و23 جنيهاً، وليس 18.5 كما هو في البنوك، ومع ذلك يتأثر سعر السوق الموازية بسعر البنك: "ممكن لما البنوك تفتح وتحدد سعر الدولار الدنيا تستقر ونقدر نحدد السعر الحقيقي".
ومن المنتظر أن يتخذ البنك المركزي في اجتماع لجنة السياسات النقدية المرتقب يوم 19 آيار/ مايو المقبل، قرارات تتعلق برفع سعر الفائدة، وتحريك سعر العملة، في ضوء رفع الولايات المتحدة الأمريكية أسعار فائدتها قبل أيام. وفي مارس/ آذار الماضي، رفعت مصر فائدتها بنسبة 1%، وخفضت قيمة عملتها أمام الدولار بنسبة 14%، تأثراً أيضاً برفع الولايات المتحدة سعر فائدتها بربع نقطة مئوية.
وقال إن سعر الذهب هو حاصل ضرب سعر الأوقية العالمية في سعر الدولار في السوق السوداء، ورغم انخفاض سعر أوقية الذهب عالمياً لتصل إلى 1884 دولاراً بعدما تجاوزت حاجز الـ2000 دولار خلال الفترة الماضية، تأثراً بالإجراءات الأمريكية الأخيرة التي رفعت سعر الفائدة مرتين، إلا أن أسعار الذهب في مصر ترتفع لأن السوق السوداء تقيّم الجنيه بأقل مما تعلنه البنوك: "الطبيعي إن أسعار الفائدة الأمريكية لما بترتفع سعر الذهب بينخفض لإن فيه ناس بتبيع الذهب وتشتري سندات، لكن الارتفاع في مصر سببه أن السوق السوداء بتقدر الجنيه المصري بأقل مما يحدده البنك المركزي".
ينصح نجيب الراغبين في شراء الذهب بالانتظار: "لما البنوك تشتغل ممكن الأمور تستقر شوية، لكن مش هتثبت لإن الذهب سوقه مفتوح على الخارج ويتأثر مباشرة بالزيادة والنقصان"
ومع ذلك، نصح نجيب الراغبين في شراء الذهب بالانتظار حتى يوم الاثنين المقبل: "لما البنوك تشتغل ممكن الأمور تستقر شوية، لكن مش هتثبت لإن الذهب سوقه مفتوح على الخارج ويتأثر مباشرة بالزيادة والنقصان"، لكنه استبعد أن يتراجع السعر إلى مستويات ما قبل الأسبوع الماضي: "حالياً تجاوز حاجز الـ1200 جنيه، صعب ينزل تاني لـ1100 زي سعر ما قبل الإجازة، لكن محدش عارف".
ورغم ارتفاع الأسعار، أكد نجيب أن الذهب لا يزال الملاذ الآمن للادخار، لأنه سلعة عالمية، تحفظ المال ويمكن تداولها في أي دولة. فمع الارتفاع المتواصل في أسعار الذهب، كشف تقرير صدر عن المجلس العالمي للذهب في 28 نيسان/ أبريل الماضي، أن حجم الطلب على الذهب في مصر خلال الربع الأول من العام الجاري 2022، شهد نمواً، وإن كان من قاعدة منخفضة جداً، حيث ارتفع الطلب بنسبة 12% على أساس سنوي إلى ما يقرب من 11 طناً، مما يعكس جزئياً الإقبال على شراء السبائك والعملات الذهبية.
ورغم تأكيدات تجار ومتعاملين في الذهب أن هناك توقفاً نسبياً في حركتي البيع والشراء بقرارات من التجار، يقول عضو مجلس إدارة شعبة الذهب بغرفة التجارة عمرو المغربي إن كل ما يثار حول وقف التعامل في سوق الذهب مجرد شائعات، مؤكداً أن "البيع والشراء مستمران، وغرام الـ21 يهبط منذ صباح اليوم ووصل الآن إلى 1180 جنيهاً"، وموضحاً أنه "لا يوجد أي جهة تملك إصدار توجيهات بوقف تعاملات الذهب"، ويواصل: "الذهب جزء كبير من اقتصاد السوق، وبيمثل أمن قومي".
وعن سبب الارتفاع الكبير في أسعار الذهب، أوضح أن سوق الذهب تخضع للعرض والطلب"، ويضيف: "البنوك كمان في إجازة، وبالتالي كان فيه لخبطة في سعر الدولار ومفيش سعر ثابت، وده سبب بعض الارتفاعات، لكن أساس حركة السوق هو العرض والطلب".
وعن توقعاته بعد عودة البنوك للعمل مرة أخرى، قال إن الأمر يتوقف على قرارات البنك المركزي: "لو خد قرار بتحرير سعر صرف الجنيه أمام الدولار، أسعار الذهب هترتفع، أما إذا قدم دعم للجنيه وثبت سعر صرفه الأسعار هتنخفض، دي أمور لسة هنعرفها بكرا، لكن لو مفيش قرارات صدرت سيبقى الوضع على ما هو عليه والسعر يخضع للعرض والطلب".
ورغم هذا الارتفاع في الأسعار، نصح المغربي المواطنين الذين يملكون فائضاً مالياً بشراء الذهب شريطة أن يكون الادخار على المدى البعيد وليس القريب: "الدهب عمره مابيخسر، هو الملاذ الآمن للادخار، اشتريه وسيبه ماتبعش بعد شهر ولا اتنين"، مؤكداً أن أسعار الذهب إذا تراجعت لفترة مؤقتة، فستعاود الارتفاع مرة أخرى.
لماذا الفرق في أسعار البيع والشراء؟
ويفسر أحد تجار الذهب في أحد أحياء القاهرة، رفض ذكر اسمه، سبب فرق سعر بيع وشراء الذهب في الفترة الحالية قائلاً إنه في حالات التذبذب الشديد في الأسعار، تلجأ منطقة الصاغة - مركز بيع المشغولات الذهبية في مصر- إلى وضع فرق بين سعري البيع والشراء تأميناً للتاجر: "مثلاً لو السعر 1150 بنبيع بنفس السعر، لكن لو هنشتري من المستهلك بنقلل مبلغ يتراوح بين 20 و50 جنيه، علشان التاجر مايخسرش".
وبيّن لرصيف22 أن العديد من التجار أحجموا عن البيع والشراء في الفترة الحالية: "لما الأسعار تنزل وتطلع بـ100 جنيه دي معناها خسارة كيبرة سواء في البيع أو الشراء، لو بعت 100 جرام على 1100 وبكرا بقى السعر 1200، ده معناة خسارة 10 آلاف جنيه، ناس كتير بتقلق من الوضع ده وبتختار إنها تقفل".
ونصح التاجر المواطنين بتحري التجار أصحاب الثقة والأمانة: "إذا كان سعر الذهب المتداول ثابت على مستوى الجمهورية، لكن أسعار المصنعية بتختلف، فيه تاجر بياخدها جنيه وتاجر 10، وهنا لازم نتحرى التجار الأمناء ونسأل أكثر من مرة قبل الشراء".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يوممتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ يومفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ يومعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ يومينtester.whitebeard@gmail.com
مستخدم مجهول -
منذ يومينعبث عبث
مقال عبث من صحفي المفروض في جريدة او موقع المفروض محايد يعني مش مكان لعرض الآراء...
مستخدم مجهول -
منذ 6 أيامرائع