في خطوة تعددت تفسيراتها، قررت الهيئة العامة للرقابة على الصادرات والواردات المصرية شطب أكثر من 200 شركة من سجل الشركات المؤهلة للتصدير لمصر، واستتبع ذلك وقف استيراد نحو 1000 سلعة، كثيرها سلع استهلاكية ضرورية. أتى قرار الهيئة التابعة وزارة التجارة والصناعة، استناداً إلى مخالفة تلك الشركات للقرار رقم 43 لسنة 2016 للوزارة، و"انتهاء شهادات الجودة الخاصة بها أو بطاقاتها التصديرية".
أثار القرار المفاجئ كثير من التكهنات، خاصة مع توقيته الذي تزامن مع أزمة تمر البلاد في توفير العملة الأجنبية، واتخاذ الدولة عدة إجراءات ظاهرها تنظيمية، لكن تطبيقها العملي أدى إلى توقف شبه كامل لحركة الاستيراد بحسب شهادات موردين وعاملين بحرفة التخليص الجمركي، فيما يمكن قراءته على أنه جهود تستهدف توفير العملة الأجنبية التي تعاني من نزيف متواصل، حسبما تظهر بيانات البنك المركزي المصري.
وأظهرت بيانات حديثة للبنك المركزي تراجع صافي التدفقات من النقد الأجنبي في النصف الثاني من العام الماضي مقارنة بالفترة نفسها من العام السابق عليه، وشهدت سوق السندات وأذون الخزانة التي تصدرها الحكومة بالعملة الأجنبية (الدولار) تخارجاً واسعاً قام به مستثمرون أجانب، ما يوجب على الدولة الرد الفوري لقيمة السندات مضافاً إليها الفائدة التي توصف بكونها الأعلى في العالم، ما شكل ضغطاً على مخزون البلاد من العملة الأجنبية، وربما دفعها إلى اتخاذ إجراءات سريعة منها اللجوء إلى بيع بعض الأصول المملوكة للدولة للحصول على تمويل دولاري سريع لا يتبعه ديون، وتحجيم عمليات الاستيراد.
مسؤول حكومي: إجراء تنظيمي لضبط الجودة، وخبراء اقتصاديون: خطوة ضرورية لوقف نزيف الدولار
قائمة تفسيرية
ضمت القائمة التي أصدرتها وزارة التجارة شركات تركية وسعودية وإماراتية وشركات أخرى أوروبية.
ونفت وزارة التجارة والصناعة في بيان صادر صباح اليوم الأحد، 17 أبريل/ نيسان، ما تردد عن استهداف شركات بعينها بقرار الشطب، مشيرة إلى أن وحدة تسجيل المصانع بالهيئة العامة للصادرات والواردات تراجع بصورة دورية ملفات الشركات، لتتأكد من استيفاء كافة الإجراءات.
من يبحثون عن الجودة المستوردة، عليهم أن يقبلوا بما يوفره الإنتاج المحلي، ولو إلى حين
وأضاف البيان أن الشركات الصادر بحقها قرار الشطب، لم تستوف المستندات المطلوبة. ومن ثم، "تم اتخاذ الإجراءات القانونية حيالها تنفيذاً للقواعد المتبعة في منظومة التسجيل"، علماً بأن الهيئة تقوم بحذف أسماء الشركات التي توفق أوضاعها أولاً بأول، حيث تم توفيق أوضاع 122 شركة منذ بدء العام الجاري وحتى اليوم.، كما أن عدد من الشركات المشطوبة أقامت مصانع في مصر ولم تعد بحاجة إلى التصدير لمصر.
وأوضح البيان أن بموجب قرار وزيرة التجارة والصناعة رقم 195 لسنة 2022 الصادر في مارس الماضي، بتعديل بعض بنود القرار رقم 43 لسنة 2016، فإن "كل الشركات المصدرة لمصر عليها أن تجدد المستندات التي لها مدة صلاحية خلال 30 يوماً من انتهاء تاريخ الصلاحية".
وأوضح البيان أنه "في حال وجود مستند انتهت صلاحيته يتم توجيه إنذار لمدة أسبوعين على موقع الهيئة. وإن لم يتم التجديد، تبدأ إجراءات الإيقاف لمدة عام. وفي حال عدم التجديد يتم شطب الشركة وذلك لعدم جديتها في الدخول إلى السوق المصرى، علماً بأن مفوضي الشركات على علم تام بهذه الإجراءات حيث يوقعون إقرارات بتجديد كافة المستندات المنتهية الصلاحية".
سوابق متعددة
تحدث رصيف22 إلى مسؤول - رفض نشر اسمه- في وزارة الصناعة والتجارة، وأوضح المصدر أن قرار شطب الشركات ليس الأول من نوعه، فقد سبق شطب 173 شركة في مارس/ آذار الماضي، سبقها شطب نحو 30 شركة في يناير/ كانون الثاني الماضي، و50 شركة أخرى في سبتمبر/ أيلول 2021.
وأضاف المسؤول أنه "بسبب شهادة الجودة تم إنذار نحو 300 شركة في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، بينهم علامات تجارية معروفة. إلا أن عدد من هذه الشركات قامت بتوفيق أوضاعها".
وأشار إلى أن القرار هو "إجراء دوري يتم بعد فحص ملفات الشركات المختلفة، وأن هذه الشركات متاح لها توفيق أوضاعها، واستيفاء أوراقها للعودة للعمل في مصر مرة أخرى، حيث يعطيها القانون فرصة التظلم خلال 60 يوماً من تاريخ صدوره". ونفى أن يكون للقرار أبعاد أخرى غير الرقابة على جودة الواردات.
خبير اقتصادي: القرار يأتي في صالح الشركات المصرية الحائزة على تراخيص إنتاج تلك السلع محلياً، ويجعل المنتجات المحلية للعلامات التجارية المشطوبة ذات أولوية في السوق المحلي
الاحتياطي النقدي
من جانبه قال د.مدحت نافع الخبير الاقتصادي ومستشار وزير التموين والتجارة الداخلية، إن القرار يأتي في صالح الشركات المصرية الحائزة على تراخيص إنتاج تلك السلع محلياً، ويجعل المنتجات المحلية للعلامات التجارية المشطوبة ذات أولوية في السوق المحلي.
واتفق نافع في تصريحاته لرصيف22، أن القرار في حقيقته يأتي في إطار تخفيف الضغط على الاحتياطي النقدي الدولاري، موضحاً أن "مثل هذه القرارات يتم استدعائها في الوقت المناسب لإيقاف نزيف العملة الصعبة، خاصة في ظل الأوضاع الاقتصادية وانخفاض قيمة الجنيه، وكذلك تراجع الاحتياطي النقدي اللازم لتغطية مخزون السلع الاستراتيجية".
ويتوقع نافع أن القرار لن يكون له تأثير كبير على المستهلك، لأن "منتجات كثير من تلك الشركات يتم تصنيعها في مصر، إما عن طريق مصانع لها، أو من خلال وكيل تصنيع. لذلك فإن التأثير سيكون على المنتجات التي لا تُصنَّع في مصر، أو التي يتم استيراد كميات منها رغم توفرها من خلال وكيل التصنيع المصري".
وأعلن البنك المركزي المصري في بيان رسمي له، صدر بداية أبريل/ نيسان الجاري، عن انخفاض الاحتياطي النقدي إلى 37 مليار دولار، للمرة الأولى منذ ما يزيد عن 20 شهراً استقر خلالهم الاحتياطي النقدي حول حاجز 40 مليار دولار.
وقال البنك في بيانه إنه "على الرغم من التغيير في الاحتياطي الذي حدث خلال شهر مارس (أذار)، فإنه لا يزال قادراً على تغطية تكلفة أكثر من 5 أشهر من الواردات السلعية، متخطيا بذلك المؤشرات الدولية لكفاية الاحتياطيات".
إجراء ضروري
من جانبه اتفق الخبير الاقتصادي وعضو المكتب السياسي لحزب التحالف الشعبي الاشتراكي، إلهامي الميرغني أن قرار الشطب "إجراء ضروري لتقليل نزيف العملة الصعبة والحفاظ على الاحتياطي النقدي".
وأضاف الميرغني لرصيف22، أن الدولة عليها إيجاد مزيد من الإجراءات الاقتصادية لتحسين استغلال الاحتياطي النقدي، وإيقاف استيراد العديد من السلع المستوردة وإيجاد بدائل مصرية لها، ودعم الصناعة.
وأوضح الميرغني أن العالم بدأ الدخول في موجة تضخم عالمية، بسبب أزمات اقتصاد ما بعد كورونا، والحرب الأوكرانية الروسية، بالإضافة إلى إجراءات الاقتصادية "غير ضرورية" أقدمت عليها الإدارة المصرية في السنوات الأخيرة.
وأضاف الخبير الاقتصادي والمحلل المالي، أن تراجع السياحة بسبب ظروف محلية وعالمية على رأسها جائحة فيروس كورونا المستجد، قادت إلى عجز فادح في أحد أهم الموارد الاقتصادية المصرية، في وقت ارتفعت فيه فاتورة القمح والغذاء بسبب الحرب الأوكرانية الروسية، وترافق ذلك مع انخفاض تحويلات المصريين في الخارج، "كل هذه الأسباب تسببت في خفض قيمة الجنيه، واتجاه الحكومة المصرية للحصول على ودائع من دول الخليج لدعم الاحتياطي النقدي المصري".
وشدد الميرغني على أن الدولة "أمامها فرصة جيدة بدعم التصنيع لتقليل فاتورة الاستيراد، وقصرها على الأساسيات فقط".
يذكر أن مصر خفضت قيمة الجنيه المصري نحو 14% في مارس/ آذار الماضي ليصل سعر صرف الدولار نحو 18.30 جنيه.
تأثير ضعيف
من جانبه قال حازم المنوفي عضو الشعبة العامة للمواد الغذائية بالاتحاد العام للغرف التجارية، ورئيس شعبة المواد الغذائية والبقالة التموينية العطارة بغرفة الاسكندرية التجارية، إن قرارات وقف الاستيراد لن يتجاوز تأثيرها نسبة 5% على توافر السلع في السوق، "لأن الشركات المشطوبة في مجال التغذية لديها فروع في مصر".
وأضاف المنوفي، في بيان صحفي صدر صباح اليوم، "علي سبيل المثال؛ منتج شكولاتة دانون هناك دانون المصري ودانون المستورد، وكذلك برسيل المستورد؛ هناك فرع لشركة برسيل تصنع في مصر، ولن يتاثر السوق المصري بعدم استيراد هذه المنتجات من الخارج".
الخلاصة، يبدو أننا لسنا بحاجة إلى تخزين عبوات الشاي ومعجون الأسنان وصابون اليد، وأن من يبحثون عن الجودة المستوردة، عليهم أن يقبلوا بما يوفره الإنتاج المحلي، ولو إلى حين.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...