تحدث الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في العديد من المناسبات عن ضرورة تجديد الخطاب الديني و"احترام حرية الاعتقاد أو عدم الاعتقاد" في مصر. لكن هذه التصريحات تطرح تساؤلات حول مدى كفالة القوانين في مصر لهذا الحق. ثم إلى أي مدى يتم تطبيق هذه القوانين -إن وجدت- سواء من خلال الإجراءات الحكومية الرسمية، أو كفالة الحماية المجتمعية لهؤلاء الذين وجدوا أنفسهم غير مقتنعين بالمعتقدات الدينية التي ورثوها عن عائلاتهم.
"حاولت هضم مسائل دينية وعقائدية وتفسيراتها غير المنطقية بالنسبة لي، لكنني وجدت أنني أخدع نفسي لمجرد الانتماء تحت مظلة عقائدية لكي أشعر بنوع من الطمأنينة لوجود قوة أكبر مني"
الدستور المصري
تنص المادة رقم (64) من الدستور المصري على أن حرية الاعتقاد مطلقة، لكنها، بحسب الباحث الحقوقي إسحاق ابراهيم، قيّدت حق ممارسة الشعائر الدينية بقيدين، أولاً: قصرها على أتباع الأديان السماوية، وهو ما اعتبره إسحاق تمييزاً بين المواطنين على أساس الدين. ثانياً: عملت المادة على التعامل مع ممارسة الشعائر الدينية وبناء دور العبادة وكأنهما شأن واحدا وتم ربطهما بالقانون المنظم.
وأوضح إبراهيم لرصيف22 أن هنالك بعض المواد التي تنظم وضع الدين والمؤسسات الدينية مثل المادة الثانية من الدستور، التي تنص على أن "دين الدولة الرسمي في مصر هو الإسلام، وأن الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع". أما المادة الثالثة فخاصة بالمسيحيين ودور الكنيسة، وتنص على أن "مبادئ شرائع غير المسلمين من المسيحيين واليهود هي المصدر الرئيسي للتشريع في أحوالهم الشخصية وشؤونهم الدينية واختيار قياداتهم الروحية". كما تعطي المادة السابعة الأزهر ومؤسساته التابعة رسمياً أو عرفياً - مثل دار الإفتاء- الحق الحصري في تفسير نصوص الإسلام وموضوعاته.
باحث في حرية المعتقد: "غيير الدين في مصر يسير في اتجاه واحد، وهو من المسيحية أو اليهودية وغيرهما إلى الإسلام، أما العكس فهو غير متاح، فقد يترتب على هذا الحرمان من بعض الحقوق، منها إثبات ما يعتقد الإنسان فعلياً في أوراقه الثبوتية، ويحصل النبذ الذي قد يصل لتهديد سلامته
المواثيق الدولية
وقعت مصر على العديد من المواثيق الدولية التي تعتبر جزءاً من التشريع الوطني وفقاً للمادة رقم (93) من الدستور، ومن ضمنها العهد الدولي للحقوق السياسية والمدنية، الذي أكدت المادة رقم (18) منه على حرية الأفراد في اختيار الدين أو المعتقد أو عدم الاختيار أو التغيير بما يعني أن نطاق الحماية يتضمن الإلحاد. كما يشتمل هذا الحق حرية التعبير وممارسة الشعائر الدينية والتنظيم والتجمع وتعليم الأبناء.
بدأ سليم، 33 عاماً من الإسكندرية، التشكيك بمعتقداته الإسلامية الموروثة بعد ثورة 25 يناير. فالثورة بالنسبة له كان شرارة مراجعة الأفكار الاجتماعية والسياسية والدينية الموروثة. يقول "حاولت هضم مسائل دينية وعقائدية وتفسيراتها غير المنطقية بالنسبة لي، لكنني وجدت أنني أخدع نفسي لمجرد الانتماء تحت مظلة عقائدية لكي أشعر بنوع من الطمأنينة لوجود قوة أكبر مني".
لم يستطع سليم الجهر بمعتقده الديني خاصة لعائلته، لأن المفاجأة - بحسب قوله- "ستكون صعبة جداً قد تصل إلى القطيعة التامة"، لكنه يصرح بمعتقده لبعض أصدقائه الذين يتبنون طريقة التفكير ذاتها، أو لمن ليس لديهم مشكلة في تقبل الأفكار والمعتقدات المختلفة عنهم، لكي لا يتعرض لأي نوع من الأذية في العمل أو الإقصاء الاجتماعي. وهو كان قد تعرض من قبل للنبذ من بعض أصدقائه حين علموا بمعتقداته، فأصبح لا يحبذ التواصل معهم، "لكي لا يأخذوا أي ردود أفعال مؤذية تشكل خطراً على سلامتي".
أما منى، 40 عاماً، المُقيمة في القاهرة، فبدأت تشكك بمعتقداتها الموروثة في العام 2013 عندما بدأت متابعة أفكار مجموعة تدعى القرآنيون، ووجدت في وجهة نظرهم وطريقة تفسيرهم للنص الديني منطقاً يناسبها، فبدأت بمراجعة الكثير من الأحداث التاريخية إلى أن أصبحت تعتبر نفسها اليوم ربوبية.
"لم يكن تغيير اعتقادي من الإسلام إلى المسيحية لي قراراً واعِياً في البداية، حدث الأمر بشكل تدريجي جداً"
تقول منى إنها لا تعادي أي دين، بل تعتقد أن الأديان من الممكن أن تجعل الناس أكثر إنسانية، فـ"من السهل تغيير معتقدات أو أفكار إنسان حول موضوع ما حين تربطه بالدين، فحين تخبر أحدهم مثلاً ربنا بيحب كدة، الرسول عمل كدة... إلخ، سيتجاوبون معك، وهو ما قد يجعل الناس ألطف بعضها مع بعض وحتى مع الحيوانات"، بحسب رأيها.
"لم يكن تغيير المعتقد بالنسبة لي قراراً واعِياً في البداية، حدث الأمر بشكل تدريجي جداً. في مراهقتي بدأت السؤال عن المعتقد الآخر بدافع الفضول لمعرفة الشيء الذي لا يشبه العائلة وتعترض عليه. وبالطبع قوبل هذا الموقف بالكثير من الرفض، مما أثار الفضول بشكل أكبر، إلى أن التحقت بالجامعة وصرت اقرأ مواد مختلفة بحرية أكبر، وهنا بدأت قراءة الكتاب المقدس وبدأت في رحلتي ببطء وهدوء من الإسلام إلى المسيحية". هكذا بدأت حياة، 32 عاماً كلامها مع رصيف22.
وتكمل "أخبر الأصدقاء المقربين فقط عن حقيقة معتقدي الديني، وغالباً ما يكونون مسيحيين، لسهولة تقبلهم للأمر. ولعل أكبر الصعوبات التي أواجهها تتمثل في أنني لا أعلن إيماني بشكل كامل للجميع. لا يوجد أصعب من تمثيل دور ما على كل من حولك لئلا تقعي في خطر معرفتهم بالحقيقة". وتقول إنها لم تتعرض لأي تهديد من قبل بسبب تغيير معتقدها الديني، وترجع ذلك لأن نسبة العارفين بالأمر قليلة جداً، وهم أشخاص محل ثقتها.
يؤكد اسحق إبراهيم أن تغيير الدين في مصر "يسير في اتجاه واحد"، وهو من المسيحية أو اليهودية وغيرهما إلى الإسلام، أما العكس فهو غير متاح، إذ لا يمكن للمسلم تغيير ديانته إلى ديانة أخرى. فقد يترتب على هذا الحرمان من بعض الحقوق، منها إثبات ما يعتقد الإنسان فعلياً في أوراقه الثبوتية، وأحياناً تعطل حياته الاجتماعية، ويحصل النبذ الذي قد يصل لتهديد سلامته.
يشارك رامز، ابن الـ36 عاماً، المقيم في القاهرة، تجربته مع رصيف22، فيقول: "كنت أخدم في الكنيسة بشكل أسبوعي وأصلي يومياً، وكانت حياتي تدور حول الدين والإنجيل بعدما درست توجهات مختلفة من اللاهوت. ثم بدأ التغيير نفسيّاً في البداية، فلم أكن أشعر بأن هناك تواصلاً حقيقياً مع ربنا، ثم بدأت رحلة البحث التي طالت سنة كاملة، كنت خلالها أقرأ وأبحث حول معتقدات دينية مختلفة، مع أنني لم أتوقف عن روتيني الديني ذاته من الصلاة والعظات والخدمة في الكنيسة من مبدأ توافق الفرص، أي أن لا أغلق الباب أمام أية أفكار سواء كانت مسيحية أو غير مسيحية، كأنني كنت أترك الباب موارباً لكي يتعامل معي ربنا بشكل معين. لكن في النهاية وجدت أن هنالك أشياء أكثر منطقية وبساطة من المسيحية تناسب الواقع الذي نعيشه، وهو ما جعلني سعيداً ومرتاحاً نفسياً مع أنني لم أصل لنتيجة مؤكدة معينة، كما أنني أجد نفسي شخصاً أفضل بعد أن أصبحت ملحداً، لأنني لم أعد أعامل المرء بحسب معتقده بل بكونه إنساناً فقط".
لم يخبر رامز عائلته لتلافي "وجع الدماغ"، ويبين أن أكثر الصعوبات التي يواجهها بعد تغيير معتقده هي الوحدة، لأن معظم أصدقائه الكثر الذين كانوا قبل ذلك مقربين منه نبذوه وتخلوا عنه، وأصبح كل كلامهم معه يدور حول الدين فقط، دون أن يحاولوا أن يجدوا نقاط التقاء معه.
كما خسر رامز شراكة مهمة في العمل، حين علم شريكه بمعتقده الديني، يقول رامز: "هؤلاء يعتبرون أن الأخلاق أساسها الدين، وحين يغيّر الشخص معتقده الديني فإنه يتنازل عن أخلاقه!".
كل من قابلهم رصيف22 من أجل هذا التقرير فضلوا استعمال أسماء مستعارة، وبعضهم كان متردداً في المشاركة لخوفه من أن تُعرف هويته فيتعرض للتهديد أو الأذية. وجميعهم يرون أن القوانين في مصر لا تقوم بحمايتهم، بل يعتبرونها مطاطية تعرضهم للخطر والسجن في جميع الأحوال.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...