شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!
السيسي ينادي بـ

السيسي ينادي بـ"إعادة صياغة فهم المعتقد"... ومعارضون "يدعو إلى دين جديد"

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة

الثلاثاء 24 أغسطس 202108:50 م


منذ وصل إلى الحكم في 2014، اهتم الرئيس عبدالفتاح السيسي اهتماماً خاصاً بمسألة "تجديد الخطاب الديني"، وعلى عكس سلفه العسكري أيضاً حسني مبارك، لا يتحفظ السيسي في طرح رؤاه وآرائه الدينية علناً، وتطويع ما يتيحه له موقعه الرسمي في التوجيه بصياغة قوانين ومراجعات، بإمكانها تحويل هذه الرؤى إلى واقع، وإن كان يلقى بعض المقاومة من حين إلى آخر، كما شهدنا في قضية "الطلاق الشفهي" التي تحولت إلى صدام ومعركة خفية بينه وبين شيخ الأزهر الإمام أحمد الطيب، الذي يتمتع بمكانة خاصة في مصر وعدد من الدول الحليفة للرئيس وعلى رأسها دولة الإمارات.

أمس الإثنين 23 أغسطس/ آب، عاد الرئيس عبدالفتاح السيسي إلى طرح رؤاه المتصلة بالدين مجدداً، في تصريحات فسّرها البعض باعتبارها دعوة من الرئيس إلى احترام حقيقي لحرية المعتقد. هذه المرة كان حديثه في مداخلة هاتفية مع برنامج "صالة التحرير" المذاع على فضائية صدى البلد، وفي حضور المؤلف والسيناريست المعروف بميوله الصوفية عبد الرحيم كمال.

وتحدث السيسي خلال المداخلة عن عدة قضايا، كان أبرزها تجديد الخطاب الديني، وقال إن مصر لديها قضايا كثيرة وتناولها مهم جداً، لأن "قضيتنا قضية وعي" مثل الوعي الديني مستطرداً "إحنا ناس بنحب ربنا".

على عكس سلفه العسكري أيضاً حسني مبارك، لا يتحفظ السيسي في طرح رؤاه وآرائه الدينية علناً، وتطويع ما يتيحه له موقعه الرسمي في التوجيه بصياغة قوانين ومراجعات تحول رؤاه إلى واقع

أما التصريحات التي تلقفتها وسائل التواصل الاجتماعي والمواقع الصحفية المصرية سريعاً، فهي التي جاءت في قول السيسي: "كلنا اتولدنا المسلم وغير المسلم بالبطاقة... ورثها يعني (أي ورثنا الدين الذي نتبعه). حد يعرف إن المفروض نعيد صياغة فهمنا للمعتقد اللي مشينا عليه؟ طب كنا صغَيرين مش عارفين، طب كبرنا، طب فكرت ولا خايف تفكر فى المعتقد اللي ماشى عليه صح ولا غلط؟ عندك استعداد تمشي فى مسيرة بحث عن المسار ده حتى توصل إلى الحقيقة؟ كلام كتير يتقال".

أثار هذا الحديث جدلاً واسعاً عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وقرأ البعض التصريحات باعتبارها دعوة إلى حرية الاعتقاد، بما تتضمنه من اعتراف بحق الفرد في التخلي عن الدين الذي ولد به، وبناء على هذه القراءة - التي لا تتسق مع التصريحات السابقة للرئيس عبد الفتاح السيسي- انقسم متلقوا التصريحات بين مؤيد ومنتقد.

كان هناك فريق مؤيد يرى أن الرئيس المصري يخطو خطوة أوسع في سبيل الدولة المدنية، التي تعترف بكافة الحقوق والحريات بما فيها حرية الاعتقاد المطلقة، فيما قرأ فريق مؤيد آخر التصريحات بشكل يتسق مع الرؤية المعروفة للرئيس، وهي أنه يدعو إلى مراجعة الأفراد رؤيتهم لما يعرفونه عن دينهم وأن يراجعوا "الخطاب" المستقر المتوارث عن هذا الدين. أي أن خلاصة حديث الرئيس، تتصل مجدداً بملف تجديد الخطاب الديني.

أما الفريق المعارض والذي تفاعل عبر هاشتاغ (#دين_جديد)، اعتبروا في تغريداتهم أن السيسي "يحارب الإسلام ويدعو إلى دين جديد" عن طريق "تشكيك الناس في دينهم".

كان هناك فريق يرى أن الرئيس يخطو خطوة أوسع في سبيل الدولة المدنية التي تعترف بحرية الاعتقاد المطلقة، أما الفريق المعارض الذي تفاعل عبر هاشتاغ (#دين_جديد)، فاعتبر أن السيسي "يحارب الإسلام ويدعو إلى دين جديد" عن طريق "تشكيك الناس في دينهم"

حرية الاعتقاد اسمية

لا يوجد في الدستور أو القوانين المصرية ما يمنع تحول المسلمين إلى ديانات أخرى سوى الإسلام، بل تنص الدساتير المتعاقبة على أن حرية الاعتقاد مطلقة، وتضع على عاتق الدولة مسؤولية ضمانها وحمايتها. إلا أن المسلمين السنّة الذين يحاولون ترك مذهبهم إلى مذهب أو دين آخر، أو يفكرون في النصوص الدينية المقدسة بطريقة مختلفة عن الإسلام السني في نسختيه الأزهرية والسلفية السائدتين، يتعرضون إلى الملاحقة من أجهزة الأمن المصرية الرفيعة، وعلى رأسها جهاز الأمن الوطني، وقد يسجنون بتهمة "الترويج لأفكار" تخالف الإسلام السني.

ووفقاً للتقرير الدولي بشأن الحريات الدينية لعام 2019، الصادر عن سفارة الولايات المتحدة الأمريكية في مصر، لا يحظر الدستور ولا القوانين المدنية الارتداد عن الإسلام، ولا يحظرون جهود التبشير.

ومع ذلك - بحسب التقرير- تعترف الحكومة بالتحول إلى الإسلام، ولكن ليس من الإسلام إلى أي دين آخر.

في حكم صادر عام 2008 بشأن دعوى قضائية ضد الحكومة لعدم الاعتراف بتحول مسلم إلى المسيحية، قضت المحكمة الإدارية لصالح الحكومة في تأكيد الأخيرة على "واجبها في حماية النظام العام من جريمة الردة عن الإسلام". وبدأت الحكومة مؤخراً وبناء على حكم قضائي في الاعتراف بالتحول عن الإسلام للأفراد الذين لم يولدوا مسلمين، لكنهم تحولوا بعد ذلك إلى الإسلام وأرادوا لاحقاً الارتداد عنه إلى دياناتهم الأصلية.

"إحنا مش بنتكلم في تغيير دين، ولكن ده أمر مهم جداً. إزاي إنت تقنع أصحاب العقول والرأي والمعنيين بهذا الأمر إنه فيه عنده مشكلة حقيقية في خطابه وفهمه للدين اللي بيتعامل بيه في هذا العصر"

وكانت الدساتير المصرية تضمن حرية الاعتقاد وممارسة الشعائر بشكل مطلق حتى دستور عام 1979، وتعديلاته اللاحقة. فقبل هذا الدستور الذي نص لأول مرة على أن دين الدولة هو الإسلام، ووضع الشريعة الإسلامية مصدراً رئيسياً للتشريع، كانت الدساتير المصرية والقوانين الوضعية تتيح حرية الاعتقاد وممارسة الشعائر لغير أتباع الأديان الإبراهيمية (الإسلام – المسيحية- اليهودية). أما مع الدساتير الأحدث؛ فحرية ممارسة الشعائر وإقامة دور العبادة قاصرة على أتباع الأديان الثلاثة الكبرى فقط، كما أن إقامة الكنائس في مصر تحكمها قوانين خاصة طالما شكا المسيحيون أنها تعرقل حقهم في التعبد وممارسة الشعائر، وكثيراً ما يتعرضون لاعتداءات من أفراد، كما يواجهون خطر السجن إذا أقاموا شعائرهم في غير الكنائس المعترف بها من الدولة.

انشغال الرئيس

بدأ السيسي الحديث عن الخطاب الديني قبل 4 سنوات، ولعل أبرز دعواته إلى تجديد الخطاب الديني، كان صدامه الشهير مع شيخ الأزهر في ظاهرة الطلاق الشفوي، التي يصر السيسي على إلغائها بتشريع يعترف فقط بالطلاق الموثق على يد مأذون أو أمام قاض. لكن الأزهر عارض مطلب الرئيس باعتباره يسقط حق نظمته الشريعة، وهو ما وسع هوة الخلاف بينهما، ودفع ذلك السيسي إلى ممازحة شيخ الأزهر بأسلوب لا يخلو من الجد خلال الاحتفال بعيد الشرطة في عام 2017 بقوله " تعبتني يا فضيلة الإمام".


وكرر السيسي حديثه مرة أخرى في العام 2018 أثناء انعقاد منتدى شباب العالم، وقال إن الدولة المصرية تضمن حرية العبادة، وتؤكد أنه ليس هناك تمييز بين دين ودين، فالمواطن له الحق أن يعبد كما يشاء أو لا يعبد، مضيفاً "تصويب الخطاب وتصحيح الخطاب الديني أحد أهم المطالب اللى إحنا بنرى في مصر إننا محتاجينها في منطقتنا، أو في العالم الإسلامى على الإطلاق. مش ممكن يكون مفردات وآليات وأفكار تم التعامل بها من 1000 سنة وكانت صالحة في عصرها، ونقول إنها تبقى صالحنا في عصرنا. لا يمكن هذا. إحنا مش بنتكلم في تغيير دين، ولكن ده أمر مهم جداً إزاي إنت تقنع أصحاب العقول والرأى والمعنيين بهذا الأمر، إنه فيه عنده مشكلة حقيقية في خطابه وفهمه للدين اللي بيتعامل بيه في هذا العصر، إحنا بنتكلم في إيجاد مفردات لخطاب ديني تتناسب مع عصرنا".

وخلال الاحتفال بالمولد النبوي الشريف عام 2019، عاود السيسي حديثه عن قضية الخطاب الديني في حضور شيخ الأزهر أحمد الطيب، وبعد أن أنهى السيسي حديثه في الكلمة التي ألقاها بمناسبة المولد، عقب على كلمة شيخ الأزهر وقال إن خطاب شيخ الأزهر "دفعه للحديث خارج السياق".

وكان شيخ الأزهر قد حذر في خطابه من الظلم وتداعياته التدميرية على المجتمع. وقال السيسي تعقيباً على ذلك "أنا أخوض نضالاً مستمرا من أجل الدين" مشيراً إلى أن "الخراب، والإرهاب لن ينتهيا إلا بتكوين مناعة ضد الفكر المتطرف".

في العام 2020 وخلال كلمة له في مؤتمر الأزهر العالمي قال السيسي إنه من الضروري تجديد الخطاب الديني لإنقاذ الإسلام والمسلمين، موضحاً "إننا ننتظر التجديد في فقه المعاملات في مجالات الحياة العملية".

وتابع "نحن متفقون على أن كثيراً من أحكام هذا الفقه تغيرت من جيل إلى جيل على مدى عشرة قرون على الأقل، فلماذا يحرم جيلنا من هذه الأحكام التي تيسر الحياة، وجيلنا أحق الأجيال بالتجديد لما يواجه من تحديات تتغير كل يوم، بل كل لحظة".

وختم السيسي حديثه بالقول إنه طالب المؤسسات الدينية منذ عدة سنوات، وفي مقدمتها مؤسسة الأزهر الشريف، بأن تولي الأهمية القصوى لموضوع تجديد الخطاب الديني، من منطلق أن أي تقاعس أو تراخي عن الاهتمام بهذا الأمر من شأنه ترك الساحة لأدعياء العلم وأشباه العلماء من غير المتخصصين كي يخطفوا عقول الشباب ويزينوا لهم استباحة القتل والنهب والاعتداء على الأموال والأعراض، ويدلسوا عليهم أحكام الشريعة السمحة، وينقلوا لهم الفهم الخاطئ المنحرف في تفسير القرآن الكريم".

رصيف 22 تواصل مع الدكتور أحمد كريمة أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر الذي رفض التعليق على خطاب الرئيس، فيما لم يتمكن المحرر من الحصول على تعليق من الدكتور مجدي عاشور مستشار مفتي الجمهورية لعدم رده على الهاتف، وكررنا المحاولة مع الدكتورة إلهام شاهين، مساعد الأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية لشؤون الواعظات والدكتور نظير عياد أمين مجمع البحوث الإسلامية التابع للأزهر الشريف، والدكتور عبدالمنعم فؤاد المشرف على أروقة الجامع الأزهر لكن من دون جدوى.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image