شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!

"عملة العمايل"... اعتصام فنّي لست لوحات في وجه الأزمة الاقتصادية اللبنانية

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة

الجمعة 6 مايو 202205:44 م

"ما في احترام"؛ عبارة تطالعك على ظهر "فان" أحمر صغير يصطف بين قافلة السيارات المنتظرة ضمن طابور البنزين أمام إحدى محطات منطقة الدامور في لبنان. هكذا صاغت ريشة الفنان التشكيلي البريطاني والمقيم في لبنان، توم يونغ، المشهد، ضمن مشهدية كاملة من مجموعة لوحات تنوعت بين انفجار مرفأ بيروت، وأزمة النفايات، وانقطاع الكهرباء وغيرها، رسمها وعرضها خلال حملة "عملة العمايل-مش فرق عملة"، التي أطلقتها الجمعية اللبنانية لتعزيز الشفافية-لا فساد (الفرع الوطني لمنظمة الشفافية الدولية)، في D design، في الكرنتينا-بيروت، يوم الخميس 5 أيار/ مايو 2022.

بعض السيارات والفانات في لبنان، خاصةً تلك التي تعمل على خط النقل اليومي للركاب بين مختلف المناطق، يمتلئ زجاجها الخلفي بالكثير من العبارات والحكم الشعبية أو ببعض الاقتباسات من الأغاني، ومنها أتى اختيار يونغ "ما في احترام"، للوحة من لوحاته، إذ يرى خلال حديثه إلى رصيف22، أن هناك "قلّة احترام كبيرة من النظام السائد في لبنان للشعب وحقوقه ومن كارتيل الفيول الذي جعل اللبنانيين يقفون في طوابير يومية على محطات البنزين".

بعض السيارات والفانات في لبنان، خاصةً تلك التي تعمل على خط النقل اليومي للركاب بين مختلف المناطق، يمتلئ زجاجها الخلفي بالكثير من العبارات والحكم الشعبية

مستخدماً فنّه وحبّه للبنان الذي أكّد عليه في كلمته، وعلى غرار مقولة الرسامة العالمية الشهيرة فريدا كاهلو: "أنا لا أرسم أحلاماً أو كوابيس... أرسم واقع بلدي"، يصوّر توم معاناة اللبنانيين في ست لوحات، واحدة منها حملت عنوان "بنك اللولار"، في إشارة إلى مصرف لبنان المركزي وتحوله إلى مصرف لولار منذ حوالي 3 سنوات، بحسب التاريخ المذيّل أسفل اللوحة، إذ يرى يونغ أن "التروما والأزمات يمكن تحويلها إلى لوحة جميلة نتشاركها مع الآخرين، لكن الأمر الأكثر أهميةً في الفن هو نقله الحقيقة والواقع".

واللولار هو مصطلح يدل على الدولار الأمريكي العالق في أجهزة كومبيوتر المصارف اللبنانية، من دون أي عملة مقابلة، أي ودائع المواطنيين العالقة في المصارف منذ سنوات من دون أي مصير واضح، إذ كان الخبير المالي والمصرفي دان قزي، أول من أطلق كلمة لولار للتعريف بالدولار المودع في المصارف اللبنانية.

أيضاً، في الحملة لوحة طبعت صورة مصرف اللولار على ست أوراق تشبه العملة النقدية المعمول بها، تدرّجت من 1 إلى 100 لولار، وحملت شعار "عملة العمايل"، في لفتة من الجمعية اللبنانية لتعزيز الشفافية-لا فساد، للتعبير عن رفض الشعب اللبناني للواقع المرير، وأنه لن يقبل بدفع ثمن "عملة العمايل".

الدكتور مصباح مجذوب، رئيس الجمعية والمتخصص في إدارة الأعمال والمحاسبة والعلوم المالية، رأى في حفل إطلاق حملة اللولار "عملة العمايل" أن "الأزمة الاجتماعية-الاقتصادية والمالية الحادة التي تمرّ بها البلاد ما هي إلّا إساءة ائتمان إلى أموال المودعين خاصةً تلك المودعة بالدولار الأمريكي ومحاولة الاستيلاء عليها"، مؤكداً أن "جمعية لا فساد تعبّر عن رفضها التام لهذا الواقع والعمل على كشف مكامن الفساد منذ تاريخ تأسيسها في عام 1999، مقابل تعزيز مبادىء الشفافية والمحاسبة وإرساء دولة القانون واحترام الحقوق الأساسية المقررة في الشرائع الدولية والدستور اللبناني"، واصفاً ما آلت إليه الأمور في لبنان في السنوات الأخيرة بأكبر عملية احتيال مالية في تاريخه.

"مستخدماً فنّه وحبّه للبنان"، وعلى غرار مقولة الرسامة العالمية الشهيرة فريدا كاهلو: "أنا لا أرسم أحلاماً أو كوابيس... أرسم واقع بلدي"، يصوّر توم معاناة اللبنانيين في ست لوحات، ليقول إن "التروما والأزمات يمكن تحويلها إلى لوحة جميلة نتشاركها مع الآخرين"

وعن سبب إطلاق هذه الحملة على مقربة من تاريخ الاستحقاق الانتخابي، يشرح مجذوب، لرصيف22، أنه "لا مهادنة في محاربة الفساد ولا توقيت خاصاً لها، بل هي عملية تواصلية لا يمكن الاستراحة فيها لأن الفساد المستشري هو ما أدى إلى انفجار مرفأ بيروت واحتراق غابات لبنان ووصول الكثير من أبنائه إلى أسفل مستوى خط الفقر، خاصةً أن مؤشر مدركات الفساد وضع لبنان في آخر قائمته عام 2021، كأكثر الدول التي ينتشر فيها الفساد في المنطقة العربية والعالم".

كذلك، يدعو مجذوب إلى التفاعل الكبير يوم الجمعة 13 أيار/ مايو الحالي، مع حملة "عملة العمايل" عبر الدفع بعملة اللولار من خلال سحب الأوراق النقدية من صراف آلي سيتم نقله من مكان إلى آخر طوال اليوم للوصول إلى أكبر شريحة من المواطنين.

وتاريخ 13 أيار/ مايو يسبق الانتخابات المقرر أن تُجرى يوم الأحد في 15 أيار/ مايو، وليل الجمعة يُفرض الصمت الانتخابي، لكن تبقى الماكينات الحزبية تمارس دورها مع ما قد تصرفه من مال انتخابي بالليرة اللبنانية أو الدولار، لتحقيق حواصلها الانتخابية، في انتخابات تجرى للمرة الأولى بعد انتفاضة 17 تشرين الأول/ أكتوبر، وبعد كفر قسم كبير من اللبنانيين بالطبقة السياسية الحاكمة وما أوصلت البلد إليه.

عُلّقت في المعرض مجموعة يمكن تسميتها بلوحات المعاناة، بدءاً من انفجار مرفأ بيروت إلى أزمة الكهرباء والاضطرار إلى العودة إلى زمن إضاءة الشمعة

بالعودة إلى الاستعراض البانورامي للوحات الفنان توم يونغ، فإن أول مجموعة أظهرت إلى جانب كرتيلات البنزين وبنك اللولار قطاراً على سكة لكنه كما هو الحال في لبنان، متوقف عن العمل منذ عام 1989، لكن بالرغم من ذلك الدولة ما زالت تخصص ميزانيةً مليونيةً لمصلحة السكك الحديدة التي تُعد أحد مزاريب الهدر والفساد.

على الجهة الأخرى، عُلّقت مجموعة يمكن تسميتها بلوحات المعاناة، بدءاً من مشهد انفجار مرفأ بيروت المحفور حكماً في رأس كل لبناني ولبنانية عايشوا كارثة 4 آب/ أغسطس 2020، انتقالاً إلى أزمة الكهرباء والاضطرار إلى العودة إلى زمن إضاءة الشمعة وصولاً إلى ألسنة اللهب التي التهمت قسماً كبيراً من أحراج لبنان، وعجز الدولة يومها بالرغم من أنها دفعت عام 2009، 14 مليون دولار ثمن طوّافات للحالات الطارئة، وأخيراً كانت لوحة يمكن لمن يراها أن يشتمّ رائحتها التي صارت من يوميات لبناني بائس، كلما مرّ بالقرب من جبل نفايات.

وبالرغم من كل ما سبق، وبالرغم من التضييق المتزايد على الحريات الفردية والجماعية، يرى يونغ أن لبنان لا يزال أرضاً خصبةً لإقامة العروض الفنية والتعبيرية المتنوعة، بدليل عرض لوحاته الذي يُعد مستحيلاً في دول أخرى في المنطقة والعالم، ويقول: "هذا الأمر الرائع في لبنان الذي علينا أن نتمسّك به وألا نخسره، وعلينا التعبير بالفن والثقافة عن الأزمات"، عادّاً أن اللوحات يمكنها أن تكون خطوةً ضمن عملية تعافي الناس من الكوارث التي حلّت بهم، عندما يبدأون بالنظر إلى أزماتهم ورفضها في الوقت عينه.

هنا تحضر معضلة الفن التجميلي للكوارث. يقول يونغ لرصيف22: "أنا حاولت أن أعكس معاناة اللبنانيين في مشروع فني-ثوري، وأكبر الانتقادات قد تكون أننا نجمّل الأزمات وأتفهم ذلك لكن لوحاتي هي وسيلة جميلة لتغيير الأوضاع السيئة والتعبير عن حالة رفضها، مثل حرق الدواليب على الطرقات، لكنه نوع آخر من التعبير للوصول إلى قلوب الناس النازفة. الثقافة والفن هما ما يبقيان وينقلان إلى الأجيال اللاحقة ما جرى في كل حضارة وبلد".

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard