خلع الطاعة عن العادات المجتمعية البالية هو الخيط الذهبي في غزلة الأحلام الوردية التي يغزلها العديد من المهاجرين العرب إلى أوروبا، ومن أكثر المناسبات التي تتربص بها تلك العادات هي الأفراح، لما يحيط بها من تفاصيل وإجراءات تؤرق العروسين وتحملهما أعباء مادية، كثيراً ما تحول دون إتمام القران. لذلك لا يخفي العديد من الشباب العرب مديحهم في كل مناسبة للأعراس في البلاد الأجنبية، والتغني ببساطتها ورقيها، مع ختام بوح المديح هذا بعبارة: "ليتنا نقيم أعراسنا بهذه السلاسة".
حسرة العرس الأجنبي هذه، يظن بعض الشباب العرب أنها ستتبدد بمجرد وصولهم إلى أوروبا، فيرسمون تفاصيل زفافهم مستعينين بمشاهد الأعراس الهوليودية التي شاهدوها في السينما الأجنبية، لكن الواقع كان صادماً، لا سيما في بعض البيئات التي رفضت ارتداء الحلة الجديدة، واحتفظت بثوب التقاليد المفصل على مقاس مصالحها.
مبالغ باهظة، وتكاليف التهريب إلى أوروبا، وراتب اللجوء، حزمة جديدة من المتطلبات دخلت قائمة "بازار" المهر لدى بعض أرباب العائلات العربية في أوروبا، التقى رصيف22 بعض من اختبرها.
على البازار
مصطفى ز. (26 عاماً) سوري مقيم في ألمانيا منذ سنتين يروي ما جرى خلال تقدمه لخطبة فتاة سورية: "تعرّفت على العائلة عبر شاب سوري وطلبت زواج ابنتها البالغة من العمر 21 عاماً، وعندما وصلنا إلى الحديث عن تفاصيل المهر، طلب والدها 15 ألف يورو مقدماً، ومثلها المؤخر، كما طلب مني عدم تسجيل الزواج لدى الحكومة الألمانية كي لا تقطع عن الفتاة راتب المساعدة الاجتماعية التي اشترط الأب أن يحتفظ بها أيضاً".
مبالغ باهظة، وتكاليف التهريب إلى أوروبا، وراتب اللجوء، حزمة جديدة من المتطلبات دخلت قائمة "بازار" المهر لدى بعض أرباب العائلات العربية في أوروبا
يتابع مصطفى الذي يعمل فني نجارة في مدينة دوسلدورف: "منذ أن سمعت كلام الأب اتخذت قراراً في داخلي بأن هذا الزواج لن يتم، لكنني تابعت الحديث وقلت له إن المبلغ كبير وإني ما زلت أتلقى المساعدات من الحكومة أيضاً لأن راتبي لا يكفي، وهنا حاول إقناعي مستخدماً أسلوب الترغيب الذي يتبعه التاجر خلال مقايضة أو مزاد على منزل أو قطعة أثاث".
لم يحتمل مصطفى كلام الأب خاصة عندما بدأ يتذرع بأحقيته بهذا المبلغ لتغطية نفقات سفر الفتاة والثمن الذي سدده إلى شبكة التهريب لإيصالها إلى أوروبا، يقول: "شعرت بالإهانة وخرجت غاضباً، حتى الورد والحلوى اصطحبتهما معي، لم أرد أن أتركهما لذلك الرجل".
رأس مال الهجرة
استغلال بعض الأهل لزواج الفتاة واعتباره فرصة لجني المال ليس أمراً غريباً لدى بعض العائلات، التي لا تخفيه في الغربة في ظل الأثمان الباهظة التي سددتها عدة عائلات مقابل الوصول إلى قارة الأمان، ويمنع القانون الأوروبي الزواج من قاصر لم تتم الثامنة عشرة، خلافاً للشريعة الإسلامية التي لم تقيد الزواج بسن معينة، بل وضعت شروطاً وأحكاماً أهمها البلوغ الجنسي الفعلي للرجل والمرأة. وبالتالي أي فتاة قاصر كان مسموحاً لها بالزواج بحسب الشريعة الإسلامية، سيمنعها القانون الأوروبي، ولن يتسنى العائلات التي تتعامل مع بناتها كمصدر لجني المال، من تزويجهن قبل سن ال 18.
نايف ف. (31 عاماً) سوري مقيم في بروكسل عاصمة بلجيكا منذ سبعة أعوام، تعرف إلى فتاة سورية من أصول كردية مطلّقة ولديها طفلة، واتفقا على أن يذهب لخطبتها من عائلتها المقيمة في المدينة نفسها منذ أربعة أعوام.
يتحدث نايف لرصيف22 عما جرى معه خلال الزيارة: "منذ بداية حديثي مع أخ العروس بدأ يلمح إلى أنه يعتاش على المساعدات المالية التي تتلقاها العائلة من الحكومة الألمانية، لأنه لم يجد عملاً حتى الآن، وعندما وصلنا إلى الحديث عن المهر، طلب مبلغاً كبيراً ولم يخجل من تبرير ذلك بحاجته إلى سداد ديونه في سورية".
لم يتجرأ أخو العروس على أن يطلب راتب اللجوء من العريس، واكتفى بنصحه ألا يسجل الزواج في الدولة، موكلاً إلى شقيقته مهمة إخطار العريس بأنه يريد الاحتفاظ براتب المساعدة كي ينفق على عائلته.
"تمنيت لو تزوجت وسط فرحة أهلي وإخوتي، لكن زوجي لا يملك ذلك المبلغ الذي طلبه أبي، وأنا لا أريد مالاً، كل ما أريده هو العيش مع من أحب"
يتابع نايف: "رفضت طلب العائلة، وصرفت النظر عن فكرة الارتباط بالفتاة التي رضخت لقرار أخيها" تزوج نايف بعد ذلك بفتاة تناسبه، ولم يكن لوالدها طلبات غير منطقية لإتمام الزواج.
زيجة نايف الثانية هي النمط السائد في بعض المدن بحسب عدة حالات رصدها رصيف22، فالكثير من العائلات تيسر الأمور للعريس القادم، وتضع نصب عينها أنه مهاجر جديد لم يقسُ عوده في هذه البلاد، والأخلاق والدين يقضيان بتيسير أمور زواجه.
هل تتمرد الفتيات على قرارات العائلة؟
تمرد الفتاة على قرار ذويها الانتهازي في بلدها الأم، كان مسيجاً بسور من اللاجدوى، متّنت أوتاده العادات والتقاليد وسذاجة القانون، أما في هذه البلاد، فنجحت بعض الفتيات في تحطيم هذا السور بمطرقة المحكمة ذاتها التي سيخشى الأب سماع طرقتها عند لجوء الفتاة إلى حماية الدولة.
فاتنة العمري "اسم مستعار" سورية تعيش في برلين، أحبت شاباً لبنانياُ، وعندما تقدم إليها اصطدما بمعضلة المهر المبالغ فيه واقتناص راتب المساعدة الاجتماعية، فما كان منها إلا التمرد على قرار الأب والهرب مع حبيبها، تقول فاتنة (22 عاماً) لرصيف22: "تمنيت لو تزوجت وسط فرحة أهلي وإخوتي، لكن زوجي لا يملك ذلك المبلغ الذي طلبه أبي، وأنا لا أريد مالاً، كل ما أريده هو العيش معه".
لم تتم الصلحة بين فاتنة وأهلها حتى الآن وترى أمها خلسة عند صديقتها، أما الأب والأخ فلا يكفان عن مضايقتها وزوجها، تقول: "هددت أخي بأنني سألجأ إلى الشرطة إذا قام بالاعتداء علي أو على زوجي. للأسف المسألة كانت بالنسبة لهم تجارة رابحة".
حرصٌ مزوّر
تحاول بعض العائلات تغليف رغبتها بافتراس راتب المساعدة الاجتماعية برداء الحرص على الفتاة، والتذرع بأن هذا الإجراء يضع العريس الذي يتقدم إلى العروس طامعاً براتبها على المحكّ، مثلها مثل ذريعة رفع ثمن المهر كضمان لحق المرأة الذي يعتبره الكثيرون رادعاً للرجال، لكن ذلك مجرد ترهات، خاصة في أوروبا، لأن القانون هو الضامن لحق الفتاة، فبموجب القانون الأوروبي يحق للزوجة بعد الطلاق أن تأخذ نصف أملاك زوجها ونصف أمواله، وبذلك لن تكون بلا مأوى أو معيل.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
علامي وحدي -
منذ ساعة??
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 21 ساعةرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون