شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!
قانون العمل اللبناني مسؤول عن أزماتهم... عمال بحقوق منقوصة وبلا ضمانات

قانون العمل اللبناني مسؤول عن أزماتهم... عمال بحقوق منقوصة وبلا ضمانات

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة

السبت 30 أبريل 202211:24 ص

يعمل علي درويش (24 عاماً) في ورش البناء منذ 14 سنة. كان في سن العاشرة عندما انضمّ لأول مرة إلى ورشة بناء، وكان يعمل بالتوازي مع متابعة تعليمه. تمكن عامل البناء الصغير في نهاية مطافه التعليمي من حيازة شهادة تقنية في أنظمة الكمبيوتر وشبكاته. يختصر العمل في البناء بالقول: "في هذه المهنة لا تعرف من أين تتلقى الضربات". على الرغم من ذلك، استمر الشاب في العمل في هذا المجال، عندما لم يتمكن من إيجاد فرص عمل في مجال تعليمه.

علي هو المعيل الوحيد لأسرته المكوّنة من والدته وإخوته. يصفُ العمل حالياً بأنه "ليس جيداً ولا يدفعون أجراً ملائماً". يبلغ أجر كل يوم عمل 200 ألف ليرة لبنانية، أي ما يقل عن ثمانية دولارات يومياً، أي نحو 240 دولاراً شهرياً على فرض أن علي سيعمل بصورة متواصلة من دون انقطاع. وبالطبع، هذه القيمة تبقى غير ثابتة وهي تتبدل تبعاً لارتفاع أو انخفاض سعر العملة اللبنانية مقابل الدولار.

هذا المبلغ في ظل ارتفاع الأسعار "ما بيعمل شي"، يقول علي لرصيف22. يقضي أيامه في بحث مستمر عن "عمل برّاني" (إضافي) لكسب المزيد من المال، إلى جانب ما يكسبه من العمل في ورش البناء.

ويستثني قانون العمل اللبناني العاملين في البناء من الاستفادة من ضماناته بحجة موسمية العمل وعدم استمرارية علاقة العامل بصاحب العمل، على فرض أن الأخير هو الزبون. ولكن في الواقع، يعمل علي لصالح "معلّم" واحد، والأخير يتقاضى الأموال عن كل ورشة ويوزع الأجور على العمال، ويعيد الكرة في كل ورشة. من هنا، يعتبر الشاب نفسه أجيراً "غير مثبّت" (غير مصرح عنه) يتقاضى أجراً يومياً، في حين أنه يعمل معظم أيام السنة، كأي موظف آخر يشمله قانون العمل.

يشرح علي أن الفرق الزمني بين ورشة بناء وأخرى لا يتعدى العشرة أيام تقريباً، في حين تستمر الورشة من شهر إلى ثلاثة أشهر، تبعاً لحجمها. عندما تنطلق الورشة، يكون يوم الأحد هو يوم العطلة الوحيد، ويستمر دوام العمل يومياً لتسع ساعات على الأقل، من الساعة السابعة صباحاً حتى الرابعة بعد الظهر، ويتضمن ذلك ساعة راحة.

حالياً، يعمل علي في ورشة في منطقة سهل البقاع، والتي تبعد عن مكان إقامته في قرية عدلون الجنوبية ما يقارب الثلاث ساعات بالسيارة. يغطّي "المعلّم" كلفة الانتقال للوصول إلى الورشة يوم الاثنين، وتركها يوم السبت فقط، فيضطر علي مرغماً على قضاء باقي الأيام بعيداً عن منزله، والنوم في موقع الورشة التي يعمل فيها، ولا يعود إلى قريته عدلون إلا يوم الأحد ليحصل على قسط من الراحة ويعطي لعائلته ما تقاضاه من مال لقاء عمله الأسبوعي.

يعتبر علي أن الفرق بينه وبين الموظف في شركة بناء أن الأخير يتقاضى راتبه ويستفيد من إجازات مدفوعة، على عكس حاله هو الذي يتقاضى أجره يومياً، فيما فكرة الغياب تعني خسارة أجر يوم.

تدفع امتيازات العمال لدى شركات البناء علي لتفضيل العمل كأجير لمصلحة شركة "مسجلة"، على عمله اليومي. يقول: "أنا لا أستفيد من عملي حالياً، ولن أستفيد إلا إذا أصبحتُ المعلّم وتسلمت الورش"، أي إذا صار يلعب دور المقاول.

وتتزايد أهمية الضمانات الاجتماعية في مجالات مثل البناء، بسبب ارتفاع مخاطر حوادث العمل فيها. ولكن العمال المياومين في هذا المجال لا يتمتعون بالأمان الصحي بالمطلق. يخبر علي كيف "وقع أحد زملائي من الطابق الثالث وكسر وركه ويده، ولولا أن تكفّل ‘المعلّم’ بعلاجه، لكان اضطر لاستدانة مبالغ كبيرة من المال".

أول ما يتبادر إلى ذهن علي عندما يتحدث عن عمله هو كلمتيْ "تعب شديد". ثم يعقب: "لا أستطيع أن أبقى بلا عمل، وليس سهلاً أن أجد عملاً آخر".

وتبعاً لإحصاء أجرته منظمة العمل الدولية بالتعاون مع مديرية الإحصاء المركزي في لبنان، ونُشر عام 2019، تبيّن أن 54.9% من اليد العاملة تتولى عملاً ما في القطاع غير النظامي. والعمالة غير النظامية هي تلك غير المصرَّح عنها للإدارات المختصة، ما يؤدي إلى الانتقاص من حقوقها لا سيما لجهة الاستفادة من تقديمات الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، وهو المؤسسة التي "تتولى إدارة نظام الضمان الاجتماعي ومختلف فروعه".

ومن الأسباب الرئيسية لهذه النسبة المرتفعة جنوح معظم المؤسسات الصغيرة، وهي تسيطر على غالبية نظام الإنتاج في لبنان، نحو التهرب من التصريح عن عمّالها للضمان أو حتى تسجيل المؤسسة نفسها في السجلات والمصالح المختصة.

وفيما تعود نسبة الـ54.9% إلى ما قبل الانهيار المالي والاقتصادي الذي أصاب لبنان، فمن المرجّح أن وقوع الأزمة وتفاقمها قد زاد من أعداد العمال في القطاع غير النظامي، وأثّر سلباً على وصولهم إلى الحد الأدنى من القدرة على تأمين معيشتهم.

عمال القطاع الزراعي بلا أدنى الضمانات

للعاملين في قطاع الزراعة قصص أخرى مشابهة، ولكن هؤلاء يتميّزون بأن قانون العمل استثناهم صراحة من الخضوع لأحكامه.

أم رامي عمّار مزارعة تبغ من قرية زوطر، في قضاء النبطية، جنوب لبنان، قضت 32 سنة في زراعة ما تصفه بـ"الشتلة المرة"، وكل ذلك بدون ضمانات. "الواحد إذا مرض بيلتقح وبيخرب الدخان بالحقلة"، تقول.

بدوره، ينتقد حسن علي عبود، وهو مزارع حمضيات خمسيني، من قرية عدلون، في قضاء صيدا، على الساحل الجنوبي للبنان، واقع عمال الزراعة. "المزارع غير مضمون نهائياً. أقل ما قد يطال صحته سيضطره إلى دفع كل ما يملكه"، يقول لرصيف22.

استثاء العاملين في مجال الزراعة من قانون العمل لا يسري على العاملين لدى مؤسسات زراعية، فهؤلاء يجري التعامل معهم كأجراء خاضعين للقانون. غير أن هذه المؤسسات تحتضن أقلية ضئيلة من العاملين، فيما الأغلبية يعملون كمياومين لصالح مالك الأرض أو مستثمرها، والذي يشبه ‘المعلّم’ بالنسبة إلى علي.

وما يفاقم وضع العمال في القطاع الزراعي سوءاً هو كون أغلبية العاملين فيه من جنسيات غير لبنانية. في هذا المجال يقول الصحافي في المرصد اللبناني لحقوق العمال والموظفين أسعد سمور لرصيف22 إن جنسية العمال "تنعكس تمييزاً إضافياً ضدهم، فكلما كان العمل غير مشمول بالقانون، كلما ازدادت السلوكيات التمييزية بين العاملين في القطاع أنفسهم، تبعاً للفئة التي ينتمون إليها".

أم رامي، امرأة جنوبية، قضت 32 سنة في زراعة ما تصفه بـ"الشتلة المرة"، أي التبغ، وكل ذلك بدون ضمانات. "الواحد إذا مرض بيلتقح وبيخرب الدخان بالحقلة"، تقول

ويستثني قانون العمل اللبناني من أحكامه صراحة في مادته السابعة أربع فئات عمالية لاعتبارات مختلفة، وهي العاملون في الخدمة المنزلية، العاملون في قطاع الزراعة، العاملون في المؤسسات العائلية، والمياومون والعمال المؤقتون في الإدارات الحكومية والهيئات البلدية، على الرغم من أن الجاري هو أن أصحاب العمل يلزمونهم بساعات العمل الوظيفية، ويحددون لهم أيام العطل، إلا أنهم يتركون من دون التصريح عنهم كموظفين. وإضافة إلى ذلك، هناك الفئات التي يبيح قانون العمل نفسه إخضاعها لنظام خاص يحد من مكتسباتها العمالية، مثل العاملين في قطاع المطاعم والفنادق والخدمات.

مؤسسة عائلية… لكل أفرادها؟

يعمل ماهر خليل (24 عاماً)، منذ أكثر من ست سنوات، في فرن للخبز العربي والحلويات يملكه والده بالشراكة مع إخوته في بلدة الصرفند، جنوب لبنان. تأسس الفرن عام 1978، وكان ملكاً لعمّه قبل أن يتقاسم والده وإخوته حصصهم من إرث هذا العمّ بعد وفاته. يقول ماهر لرصيف22 إن هذا المخبز إرث متناقل بين أجيال العائلة، وهو اليوم يعمل فيه بجانب أبيه، بخلاف إخوته الذين اختاروا أن يكملوا دراستهم ويجدوا مهناً أخرى. يقول: "لو أستطيع أن أعيد الزمن وأعرف ما الذي أحبه وأكمل تعليمي، لكنتُ غيّرت مسار حياتي كله منذ الطفولة".

في الفرن، يعملُ من ستة إلى سبعة عمال آخرين غير ماهر. هؤلاء ليسوا من أفراد العائلة وبالتالي هم مسجلون في الضمان الاجتماعي. أما ماهر، فلا يستفيد من الضمان الاجتماعي أو من أي ضمانات أخرى تشملها قوانين العمل، وذلك لكونه عامل في مؤسسة عائلية، أي مؤسسة يشغّلُها الأب أو الأم أو الوصي.

يعتبر سمور أن السبب خلف استثناء أفراد العائلة العاملين في مؤسسة عائلية من قانون العمل "يتصل باعتبارهم مالكين للمؤسسة أي أنهم أصحاب عملهم". ويضيف أن المسألة في الواقع ليست بهذه البساطة، إذ إن "استثناء أفراد العائلة من حماية قانون العمل يؤسس للسماح باستغلالهم باستخدام موقع الفرد في الأسرة، وبهذا المعنى يصبح استغلال النساء أكثر سهولة في هذه المؤسسات".

يعمل ماهر لساعات طويلة. يبدأ دوامه مع منتصف الليل لصناعة الخبز ويستمر حتى ساعات الصباح المتأخرة لبيعه. أيضاً، يتحمل كغيره من العمال عبء سد الفجوة التي تنشأ عن غياب أحد العمال. وكثيراً ما يكون السبب خلف تغيب أحد العمال هو تعرضه لانتكاسة صحية بسبب ظروف العمل.

يشرح ماهر أن "طبيعة العمل تتطلب التعرض لحرارة الفرن المرتفعة واستخدام آلات العجن وصناعة الخبز". وعندما يضطر زملاؤه في العمل لدخول المستشفى أو لشراء أدوية، يعوَّض عليهم من قبل الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، أما هو فإن هكذا تكاليف تقع على عاتقه.

تعرض ماهر مرة للإصابة بالحمّى وفقد الوعي بسبب الحرارة الزائدة للفرن، "وبما أنني غير مشمول بتغطية الضمان الاجتماعي، قصدت أقرب مستشفى وكلفني العلاج ما يوازي مردود عمل شهرين". وفي مرة أخرى، تعرض إصبعه لإصابة جراء استخدام إحدى الماكينات في الفرن، واضطر إلى تلقي العلاج في مستوصف على نفقته الخاصة، وعاد فوراً إلى عمله "حتى ما إخسر ساعات عمل"، على حد قوله.

يشرح الشاب كيف يتفق مع والده على ساعات العمل والدوام وعلى طريقة تقسيمها بينهما، وفق ما تفرضه طبيعة المهنة، لكن الأمر لا يمنحه أي امتيازات، إنما على العكس من ذلك فإن حقوقه تبقى منتقصة.

حالياً، وبسبب الأزمة الاقتصادية التي انعكست على تقديمات الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، صارت المشكلة التي يعاني منها ماهر تطال باقي العاملين في الفرن. "الأمور أصبحت أكثر سوءاً في ظل الأزمة المالية الحالية وتوقف الضمان عن تغطية حالات عدة، فحالياً لا يغطي الضمان سوى 30% تقريباً من فاتورة الاستشفاء"، يشرح الشاب.

الخدمة المنزلية... بين الاستثناء والاستعباد

عندما أُقرّ قانون العمل اللبناني عام 1946، قارب المشرّعون العمل المنزلي على أنه عمل غير مدفوع الأجر، على أساس أن الفئة التي تستخدم عمال مأجورين للقيام بمهمات الرعاية هم قلة اجتماعية، تشرح رئيسة الشؤون القانونية والمناصرة في قسم مناهضة الإتجار بالبشر في منظمة كفى، المحامية موهانا إسحق لرصيف22. غير أن هذا الواقع تبدّل منذ ثمانينيات القرن الماضي مع تزايد الطلب على العمل المنزلي المدفوع الأجر. تردف إسحق: "ارتبط هذا التحول بانخراط النساء في سوق العمل".

و"للأسف، فإن تحوّل العمل المنزلي إلى عمل مدفوع الأجر، لم يرافقه تطور قانوني، إذ بقيت فئة العمال في الخدمة المنزلية مستثناة من أحكامه" تتابع.

والعامل الأهم تبعاً لإسحق أن الذهنية المسيطرة بقيت تنظر إلى "استخدام العمال في الخدمة المنزلية بنظرة سلبية ودونية لهنّ مع إنكار كونهنّ يداً عاملة ذات قيمة اقتصادية، حاصة أن أكثرية العمال هم نساء أجنبيات".

وما يفاقم المشكلة هو "إخضاع العاملات المهاجرات إلى نظام الكفالة وهو "عبارة عن مجموعة ممارسات وأعراف اجتماعية مرتبطة بقرارات صادرة عن وزارة العمل والمديرية العامة للأمن العام، ويقوم هذا النظام بشكل أساسي على وضع العاملة المنزلية تحت سلطة صاحب العمل في كل مفاصل حياتها ويحرمها من حريتها وحقوقها، ولا تستطيع العاملة أن تفسخ عقد العمل وتنتقل إلى مكان آخر إلا بموافقة كفيلها"، تشرح إسحق.

في المقابل، تبقى اللبنانيات العاملات في مجال الخدمة المنزلية مجردات من أي ضمانات يؤمنها قانون العمل، مثل الحماية من الصرف التعسفي أو الاستفادة من تقديمات الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي. بالنتيجة، فإن العاملات في مجال الخدمة المنزلية تتراوح الانتهاكات بحقهنّ ما بين حرمانهنّ من الحقوق الدنيا التي يتمتع بها الأجراء، وبين إخضاعهنّ لنظام طبيعته استعبادية.

يوضح سمور أن تنظيم العمل في الخدمة المنزلية تشوبه مخالفات كبيرة، فـ"من المفترض أن تكون المؤسسة الوطنية للاستخدام هي الوحيدة التي توظف العاملين/ات في الخدمة المنزلية، وبحسب المادة 8 من المرسوم الذي أنشأها، يمنع إعطاء ترخيص لأي مكتب يقوم بعمل المؤسسة".

"أصبحت الإدارة اللبنانية مجالاً للتوظيف السياسي، إما عبر التعاقد أو المياومة. وكأي مسألة في لبنان، أصبحت خاضعة للتقسيم الطائفي، بحيث يوظّف كل وزير أو مدير مؤسسة عامة عدداً من الأفراد التابعين له ولكن تحت مسمى ‘مياومين’، في حين أنهم يعملون بشكل مستمر وبداوم محدد"

والمؤسسة الوطنية للاستخدام أنشئت بموجب المرسوم الاشتراعي رقم 80 الصادر بتاريخ 27/06/1977، وهي تتمتع بالشخصية المعنوية وبالاستقلال المالي والإداري، وتخضع لوصاية وزارة العمل.

ولكن خلافاً للقانون، "تنتشر ‘مكاتب الاستقدام’ التي تحتكر التوظيف في هذا المجال عبر استقدام عمال أجانب للعمل في الخدمة المنزلية بظروف وشروط سيئة"، يقول سمور ويتابع أن "إمكانية الدفاع عن حقوق العمال تصبح أصعب كلّما كان عدد العمال الأجانب أكبر في مجال ما، وبصورة خاصة في العمل المنزلي".

"اقتصاد سياحي" على أكتاف العمال

يحدد قانون العمل الحد الأقصى لساعات العمل الأسبوعية بـ48 ساعة تفصلها 36 ساعة راحة متواصلة. وتخضع زيادة هذه الساعات لشروط وبدلات مختلفة. في المقابل، يذكر القانون نفسه بعض المهن التي يمكن استثناؤها من هذه الضمانة المتعلقة بساعات العمل والأجر الإضافي، ويسمح بإخضاع العاملين فيها إلى نظام خاص.

ينطبق هذا الأمر على العاملين في قطاع المطاعم والفنادق والخدمات الذين يخضعون لنظام خاص يتصل بتحصيل "الإكرامية". والحال أن ساعات العمل ضمن القطاع المذكور تُحدَّد بموجب قرار يصدره وزير الاقتصاد الوطني.

في هذا السياق، يقول رئيس اتحاد نقابات موظفي وعمال الفنادق والمطاعم والتغذية واللهو جوزيف حداد لرصيف22 إن "دوام العمل في قطاع المطاعم يصل إلى عشر ساعات يومياً، ومن ضمنها ساعة استراحة". ويضيف أنه "يفترض الاتفاق مع العمال لجهة زيادة الأجر في حال زيادة ساعات عملهم، ولكن بعد الأزمة الحالية، أصبح الأجر يُحتسب وفقاً لعدد ساعات العمل (أي لا أجر ثابتاً للعمال)".

وبالرغم من أن قانون العمل يشمل جميع الموظفين في هذا القطاع، إلا أن نسبة المسجلين منهم لدى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، "لا تتعدى 20% من مجمل العمال"، يقول حداد الذي يردّ سبب تردي حالة الحقوق العمالية في هذا المجال إلى "غياب التفتيش من قبل وزارة العمل والضمان الاجتماعي".

عامل التوصيل... مخاطر عمل وعنصرية

يعمل عامر (اسم مستعار) في مجال خدمات التوصيل (ديليفيري). لجأ من سوريا إلى لبنان مع عائلته المؤلفة من ستة أفراد عام 2012 وهو في سن الـ15. لم يتمكن الشاب الصغير وقتها من استكمال تعليمه بعد الوصول إلى لبنان، فانخرط مباشرة في سوق العمل، متنقلاً بين مهن حرفية بسيطة مختلفة، لينتهي به الأمر اليوم، وهو في سن الـ25، عامل توصيل لدى أحد المطاعم في منطقة من مناطق قضاء بعبدا.

انتقل الشاب إلى عمله الحالي من عمل مشابه لدى مطعم غير الذي يعمل لديه اليوم. يقول لرصيف22: "كوني من الجنسية السورية، تعرّضت للتمييز ضدي من صاحب العمل السابق، ولم يصرح عنّي للضمان الاجتماعي"، ويضيف: "حتى طريقة التعامل معي وتكليفي بالمهام كانت مشحونة بعنصرية كبيرة".

مؤخراً، تمكن الشاب من الانتقال إلى عمله الجديد، حيث لا يتلقى معاملة عنصرية، لكنه يبقى مجرداً من حقوقه العمالية، مثله مثل كافة العاملين في هذا المجال بغض النظر عن جنسياتهم.

يمتد دوام عمل عامر من الساعة التاسعة صباحاً حتى الساعة السابعة مساءً، ويستخدم دراجته النارية الخاصة. على الرغم من ساعات العمل الطويلة، ومخاطر التنقل المستمر على الطرقات، فإن كل ما يحصل عليه كأجر ثابت هو "مليون و300 ألف ليرة لبنانية شهرياً"، أي ما يوازي 40 دولاراً تقريباً، وهي قيمة تتراجع مع استمرار سعر صرف الليرة بالانخفاض أمام الدولار الأمريكي. يشرح عامر أنه يعتمد أكثر على الإكراميات التي يتلقاها عند توصيل الطلبات، والتي تبقى غير ملزمة للزبون.

يشرح الأستاذ الجامعي والباحث في اقتصاد التطبيقات ربيع فخري أن عمال خدمة التوصيل في المطاعم ينقسمون إلى قسمين: القسم الأول "تقليدي حيث يقوم الزبون بالطلب عبر الهاتف، ويُرسَل طلبه إليه مع عامل توصيل"، أي كما في حالة عامر. و"في هذه الحالة، تكون علاقة عامل التوصيل مع صاحب عمله نظامية إلى حد ما، أي أن الموظف يستفيد من الضمان الصحي مثلاً".

ويضيف فخري أن "الفرق الوحيد مع الموظف النظامي هو أن بعض الشركات لا تصرح عن الموظف في الضمان الاجتماعي إلا بعد سنة من عمله خلافاً للقانون الذي يفرض التصريح خلال ثلاثة أشهر من التوظيف".

ولكن هنالك قسماً ثانياً من عمال التوصيلات هم "عمّال التطبيقات"، وهؤلاء مياومون تربطهم علاقة لانظامية مع الشركة. يتحدث فخري عن بعض "الأوهام" حول العمل عبر التطبيقات، منها مثلاً أن "هؤلاء العمال يختارون أوقات عملهم مثلما يحلو لهم".

وهذا الأمر غير صحيح، يؤكد، ذلك أن "الشركة تحدد عدد التوصيلات للعامل، مثلاً 20 طلباً يومياً، وهذا العدد يوازي ثماني ساعات عمل". أيضاً، "تتقاسم مع العمال بدل التوصيل، وكلما ارتفع عدد العاملين في قطاع كلما تراجع دخل العامل من الإكراميات وهو ما يعني أن الشركات تدفع العمال للالتزام بساعات عمل طويلة مقابل أجر زهيد".

إلى ذلك، يتابع فخري، "تفرض هذه الشركات نظام تحفيز ومكافآت للموظفين، يجعلهم يسعون للمنافسة في ما بينهم". يوضح كيف أن الشركات "تغري العاملين لديها بالحصول على ألف ليرة إضافية عن الطلبات التي تزيد عن معدل الطلبات المطلوبة من كل منهم وذلك يدفع العمال إلى استغلال أنفسهم والتنافس مع العمال الآخرين لتحقيق ما لا يتعدى مجموعه دولاراً أمريكياً أو دولارين في الأسبوع الواحد.

ويتابع فخري أن هذه الشركات تعمد إلى "خلق فروقات بين عمالها وضغوطات عليهم، مثلاً تؤسس للتفرقة بين العامل اللبناني والسوري، وبين العمال اللبنانيين أنفسهم، وبين أصحاب الدراجة المرخصة وتلك غير المرخصة، وأيضاً بين طلاب الجامعات وغير الجامعين أو غير المتعلمين". وكل هذه التفرقة تصب في "زيادة هشاشة العمال بفعل صعوبة جمعهم نقابياً".

ويضيف فخري أن "الفصل التعسفي منتشر بكثرة في هذا المجال، فكل شكوى من العمل تواجَه بفصلٌ فوري للمشكو، ما يزيد من خوف العمال وقبولهم بطبيعة عملهم". ويروي أن إحدى الشركات (يتحفظ عن ذكر اسمها) "تراقب صفحات عمالها الشخصية على وسائل التواصل الاجتماعي، وهو ما يحدّ أكثر وأكثر من احتمال اعتراضهم أو كلامهم عن ظروف عملهم".

المياومون والمتعاقدون أكثر من الموظفين

وفق المرسوم الاشتراعي 112/59، أي نظام الموظفين، يوظَّف العمال في القطاع العام عبر مباريات يجريها مجلس الخدمة المدنية (وهو المؤسسة المعنية بتعيين الموظفين، وترقيتهم وتعويضاتهم، ونقلهم، وتأديبهم، وصرفهم من الخدمة، وسائر شؤونهم الذاتية)، ويُفتح المجال للتعاقد في حال احتاجت المؤسسة أو الإدارة العامة إلى عمال إضافيين، على أن تحدد عددهم.

يقول سمور إن مسألة التوظيف أصبحت مسألة سياسية، وهناك "شغور كبير في المَلاك يقابله تضخم في عدد المتعاقدين والمياومين". ويضيف: "بدأت هذه المسألة مع شروط البنك الدولي في التسعينيات بتخفيض الإنفاق العام، فذُهبَ آنذاك إلى ما عُرف بـ‘ترشيق الإدارة العامة’، وأصبحت الإدارة مجالاً للتوظيف السياسي، إما عبر التعاقد أو المياومة. وكأي مسألة في لبنان، أصبحت خاضعة للتقسيم الطائفي، بحيث يوظف كل وزير أو مدير مؤسسة عامة عدداً من الأفراد التابعين له ولكن تحت مسمى ‘مياومين’، في حين أنهم يعملون بشكل مستمر وبداوم محدد".

حالات المياومة قديماً "كانت مقتصرة على حاجة الإدارات لموظفين موسميين، كعمال تتعاقد معهم وزارة الأشغال قبل موسم الشتاء لتنظيف قنوات الري"، يقول سمور، "أما حالياً فأصبح المياومون يشغلون معظم وظائف الإدارة العامة، ولكن في ظروف معيشية صعبة تفرضها المياوَمة".

الأمر نفسه ينطبق على الأساتذة في التعليم الرسمي. سناء سيف هي أستاذة متعاقدة منذ عام 2007، تدرّس علم الأحياء في ثانوية الزعتري في صيدا، وهي أيضاً أم لثلاثة أولاد يكملون تعليمهم في مدرسة رسمية قريبة من مكان سكنها. تقول لرصيف22: "إذا توقف التعليم لسبب ما، يتوقف مصدر أجرنا".

زوج سناء هو أجير في شركة خاصة، وعليه يستفيد وعائلته من تقديمات الضمان الاجتماعي، ما يخفف قليلاً من العبء عليها. تذكر كيف تعرّضت زميلتها لإصابة بفيروس كورونا ودخلت إلى المستشفى لأيام معدودة على حسابها الخاص، وتكلفت ما يفوق قيمة الراتب الذي تتقاضاه لأشهر.

بدأت سناء تعاقدها في التعليم الثانوي الرسمي منذ عام 2013 بعد ست سنوات من التعاقد في التعليم المتوسط الخاص. بعد الاستغناء عنها في المدرسة القريبة من سكنها، إثر انضمام أستاذ في ملاك الدولة إليها، أجبرت على الانتقال إلى مدرسة أخرى في صيدا، بعيداً عن مكان إقامتها في الدامور. ينعكس هذا الأمر على مدخولها فهي مضطرة لإنفاقه على كلفة المواصلات، بفعل الارتفاع الكبير الذي شهدته بعد الأزمة الاقتصادية.

تختصر سناء وضع العدد الكبير من المتعاقدين في التعليم الرسمي في لبنان بالقول: "ليس لدينا أي ضمان، أو بدل نقل، ولسنا منتسبين إلى تعاونية الموظفين"، وهي مؤسسة رديفة لمؤسسة الضمان الاجتماعي تشمل صلاحياتها جميع الإدارات العامة وبعض الفئات الأخرى.

قبل فترة وجيزة كان بدل ساعة التعاقد 36 ألف ليرة لبنانية، أي أقل من دولار ونصف حالياً. ولكنه بدل الساعة رُفع إلى 72 ألف ليرة لبنانية مع بداية العام الدراسي الحالي، أي نحو 3 دولارات. يتراوح عدد ساعات التعاقد الممنوحة لسناء بين 11 ساعة و30 ساعة أسبوعياً، ولكن ذلك لا يضمن ثبات المعاش: "نتقاضى أجراً مقابل كل ساعة تعليم، وإذا لم نعطِ الحصة فلا نتقاضى شيئاً".

هذا ولا يتقاضى المتعاقدون البدلات بصورة شهرية، بل كل ثلاثة أشهر، وأحياناً كل ستة أشهر. لم تتلقَّ سناء إلا بدلاً واحداً عن أتعابها خلال العام الدراسي الحالي 2021-2022. ولأن هذا البدل غير كافٍ وخاصة في ظل أزمة اقتصادية خانقة، تبحث سناء عن فرصة أخرى توفّر لها أجراً بالدولار"، كما تفكر في افتتاح مشروع خاص بها في مجال تحضير الطعام والمؤونة المنزلية.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image