"كنا جالسين بشكل طبيعي، وفجأةً داهمت الشرطة المقهى واحتشد الناس في الخارج بعدسات هواتفهم"؛ هكذا وصفت فتاة مداهمةً أمنيةً مفاجئةً، أوقفت على إثرها سلطات الدار البيضاء مجموعةً من الشباب بشبهة أنهم غير صائمين في رمضان، وذلك يوم الأربعاء 27 نيسان/ أبريل، في أحد مقاهي المدينة، وهو ما يعاقب عليه القانون الجنائي المغربي بتهمة يطلَق عليها "الإفطار العلني".
أسفرت العملية الأمنية عن توقيف الزبائن والعاملين في المكان، أمام كاميرات وسائل إعلام محلية، شهّرت بالشباب، وقالت إن المقهى الذي يقع وسط العاصمة الاقتصادية اعتاد على تقديم خدماته للزبائن طوال المواسم الماضية، وحتى خلال شهر رمضان الحالي.
Allez ça dégageeeeeeeeee #Stop222 pic.twitter.com/gwDLA3XPNw
— الزهير (@Moonshist_) April 27, 2022
اعتقلت الشرطة الشباب في المقهى بعد شكاوى من سكان الحي
بعد الإفراج عن جميع الموقوفين، صرّح مصدر أمني في حديث إلى موقع "هسبريس" الإخباري، أن مداهمة المقهى المذكور جاءت في سياق "التحقق من شبهة اقتراف جرائم منصوص عليها في القانون، بعد تواتر أخبار وتدوينات عن حشد مجموعات من الأشخاص داخل محال عمومية من أجل المجاهرة بالإفطار عمداً في رمضان، واستفزاز مشاعر السكان المجاورين لهذه المحال العمومية".
ذكر المصدر ذاته أن النيابة العامة والشرطة القضائية، "تدخلتا في إطار ما تمليه أحكام القانون للتحقق من الجرائم المفترضة، إذ باشرت الأبحاث والتحريات اللازمة قبل أن يتم إطلاق سراح جميع المضبوطين، في انتظار إحالة المحاضر المنجزة في القضية على النيابة العامة على شكل معلومات قضائية".
من بين الموقوفين الذين بلغ عددهم أكثر من 50 شاباً وشابةً، كانت هناك فتيات في فترة الدورة الشهرية التي تُعَدّ عذراً شرعياً يبيح الإفطار في الشريعة الإسلامية. تقول إحداهن: "أنا اليوم في فترة عادتي الشهرية ومن حقي أن أفطر وهذا ما حدث"، وتضيف: "كفى تشدداً في الدين، لا نريد جيلاً خائفاً لا يرحم ولا يحسن الظن".
انتهاك لـ"حرية الأجساد"
في هذا السياق أشارت حركة "خارجة على القانون"، التي تابعت الملف من خلال التواصل مع بعض الموقوفين، إلى أنه جرى التفتيش الموضعيّ للفتيات من أجل البحث عن علامات تدلّ على مرورهن بفترة حيض، أي الفوطة الصحية، ما أسفر عن إطلاق سراحهن قبل الآخرين.
هذا الأمر نفاه مصدر أمني في حديث إلى هسبريس، قائلاً: "إن الادّعاءات التي نصّت على إخضاع شرطيةٍ الفتيات المضبوطات لتفتيش أو خبرة جسدية"، كاذبة، وأضاف أن "الأمر اقتصر فقط على إنجاز محاضر استماع حررتها ضابطات للشرطة القضائية مع الفتيات المضبوطات، من دون إخضاعهن لأي إجراء مشوب بالتجاوز أو مقيد للحرية".
جرى التفتيش الموضعيّ للفتيات من أجل البحث عن علامات تدلّ على مرورهن بفترة حيض، ما أسفر عن إطلاق سراحهن قبل الآخرين
من جهتها، رأت "خميسة" (حركة نسائية)، أن التفتيش الجسدي للمرأة داخل مخافر الشرطة شكل من أشكال المعاملة القاسية والمهينة يرقى إلى مستوى التعذيب، ولفتت إلى أنه يُعدّ عنفاً جنسياً ونفسياً وانتهاكاً للخصوصية، مطالبةً بوضع قوانين تحمي النساء منه.
Un autre témoignage de ce raid absurde et révoltant ? #STOP222 ? pic.twitter.com/EknA6EOAKf
— Moroccan Outlaws 490 (@MoroccanOutlaws) April 28, 2022
شهادة لشابة تعرضت للفحص للتأكد من أنها حائض
احترام للدين أم تطاول على الله!
في استطلاع أجرته "هسبريس"، لردود أفعال عدد من السكان المجاورين للمقهى، أشاد هؤلاء بتدخل الأمن احتراماً لـ"العقيدة الجماعية" للمغاربة، وشددوا على أنهم طالبوا في أكثر من مناسبة بضرورة مراعاة الجانب الديني من قبل أصحاب المحل، مطالبين إياهم بالابتعاد عن الاستفزاز، خصوصاً من قبل العديد من المراهقين الذين كانوا يتعمدون الإفطار والتدخين أمام العموم.
في المقابل، ندد آخرون بهذا التدخل داعين إلى احترام "الحريات الفردية"، وإلغاء الفصل 222 من القانون الجنائي الذي يجرّم "الإفطار العلني" في البلاد، وينص على أن "كل من عُرف باعتناقه الدين الإسلامي وجاهر بالإفطار في نهار رمضان في مكان عمومي، من دون عذر شرعي، يُعاقَب بالحبس من شهر إلى ستة أشهر، وغرامة مالية من 12 درهماً (دولار واحد) إلى 120 درهماً (12 دولاراً)".
"أليس عقاب المفطر هو بمثابة تطاول على ما جعله الله خاصاً به دون البشر؟". مغاربة يستنكرون توقيف عشرات الشباب في مقهى بشبهة "الإفطار العلني" في رمضان
في هذا الصدد، استنكرت المدوّنة مايسة سلامة الناجي، أن "يحشر الجهاز الأمني للمغرب الذي يروّج لنفسه دولياً بأنه أرض التعايش وحرية المعتقد، رجاله كوسطاء بين العباد وربهم! كفى تدخّل المخزن (النظام الحاكم) في دين المواطن وعلاقاته واختياراته"، فيما قالت الناشطة الحقوقية كريمة نادر، إن الأمر يتعلق بـ"محاكم تفتيش في عهد النموذج التنموي".
وتساءلت الممثلة المغربية فاطمة الزهراء الجوهري: "أليس عقاب المفطر هو بمثابة تطاول على ما جعله الله خاصاً به دون البشر؟"، في إشارة إلى الحديث القدسي "كل عمل ابن آدم له، إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به"، واسترسلت: "بأي حق تصبح الدولة وصيةً على صيام الناس وإفطارهم؟".
أما إسماعيل الخالدي، فرأى أنه إذا كان الأكل خلال نهار رمضان داخل مقهى مغلق يُعتدّ إفطاراً علنياً، "فإن شرب الخمر داخل حانة سُكرٌ علني، والقانون يعاقب على الإفطار والسكر العلني، ولكن الفرق هو الأموال الطائلة التي يضخّها السُّكْر في ميزانيتكم"، مطالباً "بتطبيق القانون على الذين ينهبون المليارات حسب لجنة تقصٍّ برلمانية".
قانون متشدد وفقه متسامح
يرى الباحث في الدراسات الإسلامية، عبد الوهاب رفيقي، أن القانون المغربي الوضعي متشدد في تعامله مع مسألة غير الصائمين في رمضان مقارنةً بالفقه الإسلامي، لافتاً إلى عدم وجود عقوبة دينية تتعلق بالذين يفطرون في نهارات هذا الشهر المقدس لدى المسلمين.
واستشهد رفيقي، عبر بث مباشر على قناته في اليوتيوب، بقصص من السيرة النبوية تعكس تسامح النبي محمد مع هذه الحالات، سواء كان المفطر متعمداً الأفطار أو غير متعمد، وسواء كان الأكل سراً أو علانيةً، لافتاً إلى أن الصيام عبادة بين الإنسان وربه ولا يصح معاقبة الناس على تركها من طرف القانون، "وإلا فإن ترك الصلاة هو أكثر ما يستوجب مثل هذه العقوبات، لأنها أهم ركن في الدين بعد النطق بالشهادتين".
يلفت رفيقي إلى أن الفصل 222 الذي يجرّم "الإفطار العلني"، قانون استعماري وضعه المارشال الفرنسي هوبير ليوطي، ليظهر للمغاربة أنه حريص على دينهم وهويتهم
يلفت رفيقي إلى أن الفصل 222 الذي يجرّم "الإفطار العلني"، قانون استعماري وضعه المارشال الفرنسي هوبير ليوطي، ليظهر للمغاربة أنه حريص على دينهم وهويتهم، حتى يستطيع تمكين فرنسا من البلاد، ويقول رفيقي: "من يدافع عن هذا القانون اليوم فهو يدافع عن الاستعمار الفرنسي ولا يدافع عن الدين".
ويشير الباحث المغربي إلى أن الدولة الحديثة ليست من أدوارها معاقبة المواطنين على مخالفات دينية، وإنما تأطير العلاقات داخل المجتمع، مشدداً على أن معاقبة المفطرين في شهر رمضان تتنافى مع الدين ومع احترام حرية المعتقد في الوقت ذاته.
يُذكر أن منتدى الحداثة والديمقراطية، استنكر مداهمة عناصر أمنية للمقهى في مدينة الدار البيضاء وتوقيف شباب غير صائمين، "من بينهم شاب وشابة عضوان في المنتدى".
وعدّ المنتدى، في بلاغ اطّلع رصيف22، على نسخة منه، أن المداهمة "انتهاك صارخ لحرية الفكر والضمير والتدين"، مستنكراً "التشهير الذي رافق عملية الاقتحام"، من خلال تصوير الموقوفين "في انتهاك تام لخصوصياتهم".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 19 ساعةرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 5 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون
Ayman Badawy -
منذ أسبوعخليك في نفسك وملكش دعوه بحريه الاخرين