في الفيلم المصري الشهير "العفاريت" (بطولته مديحة كامل وعمرو دياب، إنتاج 1990)، يتعاون "شمندي" مع "الكاتعة" في استغلال الأطفال المشردين في التسول.
اليوم، تتكرر الكارثة نفسها في عشرات الإعلانات التلفزيونية التي تُبثّ آلاف المرات طوال شهر رمضان. تظهر هذه الإعلانات بعض الأطفال الصغار وهم يتسولون من أجل جمع التبرعات لعلاجهم من السرطان، أو لمساعدتهم في إجراء عملية قلب مفتوح، أو لشراء قوقعة للأذن كي يتمكنوا من السمع، أو لمداواة حروق أصيبوا بها.
ورغم أهمية تحفيز الناس في رمضان على التبرع للمستشفيات والجمعيات الخيرية، فإن هذا ليس مبرراً على الإطلاق لانتهاك براءة الأطفال بهذه الصورة الفجة، وتحويلهم إلى مجرد وسيلة للتسول.
تتواصل، يا للأسف، فصول الجريمة المكتملة الأركان على مرأى من الملايين. في كل دقيقة، نشاهد طفلاً جديداً يمارس، رغماً عنه، التسول "الحلال" على شاشة التلفزيون في واحد من إعلانات رمضان. نراه وهو يتحدث باكياً عن المرض الذي أصابه، أو يتلعثم وهو يُخرج الكلمات بصعوبة لأنه يعاني من مشكلة ما في السمع. وأما مشاهد الأطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة، فهي الأشد فجاجة.
في كل دقيقة، نشاهد طفلاً جديداً يمارس، رغماً عنه، التسوّل "الحلال" على شاشة التلفزيون في واحد من إعلانات رمضان. نراه وهو يتحدث باكياً عن المرض الذي أصابه، أو يتلعثم وهو يُخرج الكلمات بصعوبة لأنه يعاني من مشكلة ما في السمع. وأما مشاهد الأطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة، فهي الأشد فجاجة
ألقاب لن تُنسى بسهولة
الكارثة في التسول "الحلال"على شاشة التلفزيون هي أنّ الجهات الرسمية تسمح به. لذا، فإنّ الداء يزداد انتشاراً عاماً بعد الآخر، كأنّ المعادلة السحرية في أذهان البعض تقوم على أساس أنّ كثرة الأطفال في الإعلانات تجلب قدراً أكبر من التبرعات.
لماذا لا يريد أحد أن ينتبه إلى خطورة هذه الإعلانات، والدور المدمر الذي تلعبه في استغلال الطفل بطريقة مخالفة لجميع المعايير والقيم ومواثيق الشرف الإعلامية؟
هناك طفل يُدمر مستقبله في كل لحظة عبر تكوين صورة ذهنية سلبية له في عقول ملايين المشاهدين. وستظل هذه الألقاب عالقة في أذهان الكثير من الناس، مثل: "العيل المسكين مريض السرطان". وطفل آخر سوف يلاحقه لقب: "الواد الغلبان بتاع جمعية رسالة". والثالث سيتم التنمر عليه بوصفه: "الواد المحروق يا حرام".
لا فرق عندي بين التسول التقليدي الحرام بالأطفال، والتسول "المودرن" الحلال بواسطة إعلانات التبرع في رمضان، فكلاهما يقع تحت وطأة القانون. لذا، فإن السماح بأحدهما دون الآخر يبدو تناقضاً غير مبرر، إلا إذا كان البعض يصر على أن يرفع شعار "الغاية تبرر الوسيلة".
القانون الرقم 49، الشهير بقانون"التسول"، يتضمن نصاً حاسماً في هذا الصدد، هو: "يُعاقب بالحبس مدة لا تتجاوز 3 شهور كل من أغرى الأطفال الذين تقل سنهم عن خمس عشرة سنة على التسول، وكل من استخدم صغيراً في هذه السن بغرض التسول".
الكارثة في التسول "الحلال" على شاشة التلفزيون هي أنّ الجهات الرسمية تسمح به. لذا، فإنّ الداء يزداد انتشاراً عاماً بعد الآخر، كأنّ المعادلة السحرية في أذهان البعض تقوم على أساس أنّ كثرة الأطفال في الإعلانات تجلب قدراً أكبر من التبرعات
يجب أن نعترف بأن القائمين على إعلانات التسول الرمضانية يمارسون اللعبة القذرة نفسها لتحالف "شمندي" و" الكاتعة" في فيلم "العفاريت"، ولكن بطريقة تبدو"أشيك" وفي ثوب إعلان تلفزيوني. وذلك دون حاجة إلى نشر الصغار على الطرق وهم يرتدون ملابس مهترئة ويرددون العبارة الشهيرة "حسنة قليلة تمنع بلاوي كثيرة ".
آثار إعلانات التسول على كلّ بيت
"شمندي" و"الكاتعة"، اللذان يديران التجارة الحرام بالأطفال عبر إعلانات التسول الرمضانية، يجب وقفها فوراً بقرار صريح يمنع ظهور الصغار في مثل هذه المشاهد المخجلة التزاماً بالقانون الذي يجرم التسول بجميع أشكاله.
لا أدري أي ذنب اقترفنا، نحن المشاهدين، كي نشاهد هذا الكم الهائل من مشاهد الأطفال المعذبين في الأرض على القنوات الفضائية المصرية. فهذا يشكو من آلام السرطان، وذاك يئن من أثر الحروق، وذلك يتألم بسبب مرضه بالقلب. إننا جميعاً آباء وأمهات يا سادة، وهذه المشاهد تدمينا من الداخل بل تفاقم وجع من لا تسمح لهم ظروفهم الاقتصادية بالتبرع، وهم كثر. وتالياً، يتعذبون مرتين، الأولى بسبب قسوة المشاهد والثانية بسبب الجيوب الخاوية.
لماذا لا يريد أحد أن ينتبه إلى خطورة هذه الإعلانات، والدور المدمر الذي تلعبه في استغلال الطفل بطريقة مخالفة لجميع المعايير والقيم ومواثيق الشرف الإعلامية؟
إعلانات التسول خلفت غصة لدى ملايين الأطفال في مصر الذين اعتادوا أن يتابعوا دراما رمضان وهم جالسون مع بقية أفراد أسرتهم حول مائدة الإفطار، أو خلال سهرات الشهر الكريم، حيث يتألمون بشدة وهم يرون أطفالاً في مثل أعمارهم في لقطات قاسية.
صارت هذه المشاهد تجبر الآباء على تغيير القناة الفضائية فور ظهور إعلانات التسول، التي باتت مصدر رعب لأطفالهم الذين تمحورت أسئلتهم حول: "إيه هو السرطان؟ ويعني إيه قوقعة الأذن؟"
ارحمونا يرحمكم الله وأوقفوا هذه المهزلة فوراً، فقد تعبت أعصابنا بما فيه الكفاية بسبب سوء أفعالكم في الشهر الكريم.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
علامي وحدي -
منذ ساعة??
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 21 ساعةرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون