شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!
صوت الهدف أقوى من التنمّر... بطلة المصارعة الحرة المصرية سمر حمزة

صوت الهدف أقوى من التنمّر... بطلة المصارعة الحرة المصرية سمر حمزة

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الجمعة 29 أبريل 202211:34 ص

يجذبك هدوء ملامحها وحديثها البسيط وصوتها الرقيق. متى تكلمت إليها وعبّرت عن إعجابك بنجاحها، تحلّ علامات الخجل على وجهها. ولكن تعبيرات وجهها البشوشه وروحها المرحة تتحول إلى شخصية أخرى مختلفة تماماً عندما تقف على حلبة المنافسة لتمارس لعبتها القتالية.

بعد رحلة طويلة من الكفاح، نجحت الرياضية المصرية سمر حمزة في أن تصير بطلة مصر في المصارعة. فما هي قصتها؟

البدايات

"بدأتُ مع لعبة الكاراتية وأنا عمري 13 سنة، ومارستها لمدة خمس سنوات قبل أن أتحوّل إلى المصارعة"، تروي الشابة المولودة في الرابع من نيسان/ أبريل 1995.

من نافذة الكاراتيه دخلت إلى عالم الألعاب القتالية، ثم قررت ممارسة لعبة المصارعة تأثراً باللاعب المصري كرم جابر، بطل أولمبياد أثينا لعام 2004. من تلك اللحظة، بدأت قصة الحب بين سمر والمصارعة ولم تنتهِ بعد.

كان إيمان والدتها بقدراتها سبباً رئيسياً في دفعها إلى ممارسة الألعاب القتالية. وفي المصارعة، وجدت ضالتها. "أمي حببتني بالرياضة وشجعتني على ممارسة الألعاب القتالية رغم إني بنت على أربع ولاد"، تروي لرصيف22.

تلعب سمر باسم المؤسسة العسكرية في الإسكندرية، وتُعتبر بطلة منتخب مصر في المصارعة الحرة. دائماً ما تبحث عن التميّز. ربما هذا هو السبب الرئيسي في اختيارها لممارسة المصارعة. "حسيت إنها رياضة مختلفة وبتحتاج لنوع خاص من التحدي والمثابرة ومش أي بنت تقدر إنها تمارسها"، تقول.

صوت الهدف أقوى من التنمر

"كان من الطبيعي أن أتعرض للتنمر في أول ممارستي للمصارعة"، تروي. كلمات مؤذية كثيرة ترددت على مسامعها لكن صوت هدفها في الوصول إلى الحلم كان أقوى: "سمعت كلام كتير مكنش ليه لزمة، لكن كل ده مهمنيش طالما ليَّ هدف كان لازم أوصلّه".

منذ عام 2014، بدأت سمر تمثل مصر في البطولات الدولية للمصارعة، وعام 2016 شاركت في أولمبياد ريو دي جانيرو، واستطاعت تحقيق المركز الـ12 عالمياً في المصارعة الرومانية ضمن فئة 75  كيلوغراماً، كما حصدت ألقاباً دولية عدة من بينها ميدالية فضية في بطولة روما الدولية للمصارعة، في آذار/ مارس 2021،

كثيراً ما يُوجّه إليها سؤال: "هيَّ العضلات دي بجد؟". تستقبل رسائل غريبة من متابعيها على مواقع التواصل الاجتماعي. بعضها قد يبدو مضحكاً، خاصة الآتية من ذكور لا يزالون يعتقدون أن القوى وألعابها وبطولاتها تقتصر عليهم فقط. "بتجيلي رسايل من ناس بتسألني هي صورك اللي على النت دي هي صورك في الحقيقة فعلاً؟".

خارج الحلبات

قد يظن البعض أن رياضية مثل سمر، تمارس لعبة قتالية كالمصارعة وتحقق فيها ألقاباً على مستوى العالم، فتاة عنيفة وربما عدوانية السلوك وهي أفكار قد تطرأ على ذهن مَن يربط بين الرياضات القتالية والذكورية، ويعتقد وأن ممارسة الفتيات لها يغيّر من طباعهن.

لكن في الواقع، هي فتاة كجميع الفتيات. "أنا خارج المصارعة أنثى طبيعية زي أي أنثى، بخرج وبروح وباجي وبعيش حياتي وسِنّي كأي بنت في سنّي طبيعي جداً"، تقول.

"كان من الطبيعي أن أتعرض للتنمر في أول ممارستي للمصارعة... سمعت كلام كتير مكنش ليه لزمة، لكن كل ده مهمنيش طالما ليَّ هدف كان لازم أوصلّه"

تحرص سمر على تجنب استخدام لعبتها خارج حلبة المصارعة احتراماً لهذه اللعبة وتقديراً لمَن يمارسونها، خاصة من الإناث، وحرصاً منها على عدم تشويه الصورة الذهنية حول لاعبات هذه الرياضة عند الجماهير.

بعد ممارستها للمصارعة، توسعت دائرة أصدقائها. كانت تكتسب معارف وصديقات جدد من كل البلاد التي سافرت إليها، لكن الأمر المدهش بالنسبة إليها استغراب الكثير من الفتيات كونها مصارعة، بالرغم من إعجاب بعضهن بها. "بنات كتير حبِّت المصارعة لما عرفوني وبنات أكتر مستغربين، المصارعة كانت سبب في إنّي أكوّن صداقات كتير مع بنات من بلاد مختلفة"، تقول.

تزعجها الصورة النمطية المأخوذة عن الأنثى في المجتمعات العربية وتحديد أهدافها وعدم السماح لها بالخروج من هذا التصور الناقص: "الناس لسه بيشوفوا إن البنت مينفعش تلعب لعبة قتالية ولا تخرج ولا تسافر".

أن تكون المرأة جسدياً أقوى من الذكور أمر ربما مثير للغاية بين شريحة ترى أن القوة الجسدية والصلابة و"فَتوَلة" العضلات مواصفات قاصرة فقط على الرجال، بينما المرأة كائن لا بد أن يتسم بالضعف. "عندما أسير في الشارع، أسمع جملاً مثل ‘بص البنت اللي ماشيه دي، بص العضلات’".

عام 2017، تعرضت سمر لإصابة كانت سبباً في حصولها على المركز الرابع في بطولة التضامن الإسلامي. كان عاماً سيئاً عليها، لكنها عملت على أن تتخطى أحداثه وتجهز نفسها للمنافسات القادمة بالتدريب المستمر.

بعد مجهود كبير بذلته، بدعم من أسرتها ومدربيها، تمكّنت اللاعبة الفائزة ببطولة إفريقيا ثماني مرات من تحقيق ميدالية برونزية في بطولة البحر المتوسط المقامة عام 2018، وهي بطولة سبق أن فازت بها قبل ذلك بثلاث سنوات. "بصراحة، ناس كتير ساعدتني أولهم أهلي طبعاً اللي وقفوا جنبي واتحملو حاجات صعب أي حد يتحملها عشاني"، تقول.

عند الحديث عن إنجازاتها، تسارع إلى ذكر مدربيها وأهميتهم في مسيرتها. تقول: "لا أريد أن أنسى فضل أي من مدربيني، لكن طبعاً الكابتن محمد طلبة له فضل كبير عليّ في ما حققته. له دور كبير في حياتي. ساعدني كثيراً لكي أصير سمر حمزة. دائماً يقف بجانبي في كل المباريات ويوجهني بالإشارات التي تحقق نوعاً من السرعة في التعامل والفهم".

نقاط تحوّل

شهدت سمر العديد من مراحل التحوّل في حياتها، وعاشت فترات يمكن وصفها بـ"الفارقة"، لكن تبقى مرحلة الاعتزال أصعب المراحل التي مرت بها.

"في نقاط كتيرة طبعاً ومراحل مرّيت بيها صعبة بس طبعاً قرار الاعتزال اللي أخدته بعد أولمبياد طوكيو كان من الأصعب عليَّ". وقتها، عام 2020، قررت سمر اعتزال المصارعة بعد خسارتها في بطولة الألعاب الأولمبية في طوكيو، لكنها سرعان ما عادت بقوة لتحصد الميدالية البرونزية في بطولة العالم للمصارعة الحرة، في النرويج، عام 2021، بعد فوزها على بطلة الهند.

أن تكون المرأة جسدياً أقوى من الذكور أمر ربما مثير للغاية بين شريحة ترى أن القوة الجسدية والصلابة و"فَتوَلة" العضلات مواصفات قاصرة فقط على الرجال، بينما المرأة كائن لا بد أن يتسم بالضعف

"كان صعب أبطّل ممارسة المصارعة وأنا عندي حلم لسة محققتوش"، تقول وتضيف: "الحمد لله ربنا كرمني بعدها وحصلت على الميدالية البرونزية فى بطولة العالم للمصارعة ودي تعتبر أول ميدالية في تاريخ المصارعة للسيدات المصريات".

ضغوط نفسية واجتماعية

في مسيرتها، واجهت سمر الكثير من الضغوط النفسية والاجتماعية التي حاولت إفساد العلاقة بينها وبين لعبتها، والسبب الرئيسي هو كونها فتاة تمارس لعبة قتالية. "كانت أكتر الضغوط هي التعليقات السلبية إني بنت ومينفعش أمارس لعبة عنيفة زي المصارعة لكن مبصتش لكل ده طالما ليَّ حلم وعاوزة أحققه".

الآن تنظر إلى المستقبل وترغب في تحقيق المزيد. "مكملة رحلتي وبطور من مستوايَ لحد ما أفوز بميدالية في باريس بإذن الله"، تقول قاصدة أولمبياد باريس الذي سيقام عام 2024.

أهداف وأحلام كثيرة لا تغيب عن بالها، ليس على المستوى الشخصي فقط، بينما على مستوى رياضة المصارعة نفسها. تتمنى أن تساهم في تغيير الصورة الذهنية عن المصارعة النسائية في مصر وتكون سبباً في إقبال الفتيات الصغيرات عليها لتغيّر من واقع اللعبة وما تعتقد به غالبية المصريين بخصوصها.

"ليس في الحياة أجمل من أن ترى التقدير في وجه أسرتك ثم جيرانك والحي الذي تسكن فيه والبلد الذي تنتمي إليه عندما يرون فيك رمزاً للفخر". هكذا تقابل سمر أحباءها الذين يثقون في نجاحها ويؤمنون بما تفعل ويقدّمون لها كلمات الدعم والتشجيع، ما يجعلها أشد حرصاً على تحقيق مزيد من النجاح.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image