لم تهتمّ دينا عبد المقصود بإعلانات تدريبات الزومبا أو الرقص الشرقي وجلسات التمارين المعنونة بعبارة (للنساء فقط) في صالات الجيم والألعاب الرياضية.
ما أرادته أول بطلة كمال أجسام محترفة في مصر هو الالتحاق برياضة تعزز شعورها بالأنوثة المبنية على قوة عضلية طالما ظلت حكراً على الرجال في المجتمعات الشرقية.
تقول دينا (25 عاماً) لرصيف22: "أرى الأنوثة في العضلات، والبناء الجسماني السليم، مهما حاول مجتمعنا انتقاد لاعبات ألعاب كمال الأجسام تظل الأكثر جاذبية وجمالاً".
لبثت رياضة الكمال الجسماني والقوام الممشوق أحد أشكال القوة ومصادر الإلهام لصناع الفنون في الحضارات القديمة، التي استمدت من التناسق الجسدي أعمالها الفنية والهندسية.
فتاة في صالة جيم رجالي
في مصر نُحتت تماثيل لأبطال أظهرت مدى انسجام عضلاتهم وقوتهم البدنية، كما أولت الحضارة اليونانية اهتماماً خاصاً في أساطيرها للأقوياء الخارقين، منهم هرقل أو هيركليس في الميثولوجيا الإغريقية "نصف إله ونصف بشر"، الذي أصبح بناؤه العضلي رمزًا للألعاب اليونانية القديمة على جبل الأوليمب.
من أجل الوصول إلى مظهرها الحالي المشابه للآلهة الأوليمب ،الأكثر اكتمالاً وقوة، ترددت فتاة بورسعيد إلى صالات الجيم الرجالي لعدم وجود تدريبات بالصالات النسائية لبناء بطلة كمال أجسام في مصر، تقول: "تحملت نظرات الرجال المتعجبة من وجودي معهم في صالة جيم مخصصة للرجال فقط، وكانت سماعات الأذن هي المعين لي أثناء التدريب لتجاوز معرفة ما يتهامسون به حول مظهري العضلي".
أسئلة عن علاقة ممارسة العادة السرية بالتمارين الرياضية، وهل تضعف المجهود البدني أو تؤثر على مفاصل الركب مثلما يشاع أم لا، وغيرها يعرف إجاباتها أصغر طفل في أوكرانيا، بينما يجهلها رجال ونساء في مصر، بحسب دينا
اضطرت دينا للسفر إلى أوكرانيا من أجل استكمال ما بدأته في كمال الأجسام بعدما أخبرها المدربون: "اللعبة غير مرغوب فيها في مصر لأن بطولاتها تحتاج لارتداء مايوه بكيني، وده حرام".
وعلى غرار مستر أولمبيا للرجال، نظمت أول بطولة احترافية للنساء عام 1980، وكان اسمها آنسة أوليمبيا، وأحرزت لقبها الأول الأمريكية راشيل ماكليش، بطلة اللجنة الوطنية للياقة، ومع ذلك ظلت البلاد العربية لا تعترف بمزاولة النساء هذه اللعبة أو تؤسس لها اتحاداً أسوة بالرجال، منهم "بيج رامي" أشهر رموز اللعبة أخيراً.
صدمة جنسية حضارية
استكملت بطلة كمال الأجسام دراستها بأوكرانيا في هندسة الاتصالات، بجانب تمارينها على الرياضة التي حصلت فيها على العديد من الميداليات والمراكز البطولية، غير أن صدمتها الحضارية باختلاف ثقافة المجتمع الأوكراني أو "المجتمعات الغربية"، كما تقول، عن "الشرقية" أصقلت تجربتها ليس على مستوى اللعبة فحسب، بل كذلك ساهمت في تغيير نظرتها تجاه ثقافة الجسد والأنوثة والعلاقات الإنسانية.
تقول: "الكثير من الأوكرانيين تعجبوا من عدم وجود بطلات مصريات غيري في رياضة كمال الأجسام، بعضهم أخبرني عن تصورهم عن مصر أنها بلد الحضارة واحترام المرأة منذ القدم، فكيف ترفض نساؤها هذه اللعبة القوية".
هنا بدأت دينا في اكتشاف ثقافة أخرى تحترم الجسد وتحرره من الموروثات التي تقع أعباؤها الأخلاقية على النساء، كما في مجتمعاتنا الأبوية. هذه النظرة المتحررة شجّعتها على دراسة التغذية وعلوم السلوك الإنساني، ثم تجربة نقل تلك الخبرات بلغتها المصرية من خلال فيديوهات إلى منصات السوشيال ميديا.
وتروي: "بدأت منذ عام 2017 في الحديث مع المتابعين عن رياضة كمال الأجسام للإناث، ومع الوقت تلقيت أسئلة عن كل شيء، مثل علاقة ممارسة العادة السرية بالتمارين الرياضية، وهل تضعف المجهود البدني أو تؤثر على مفاصل الركب مثلما يشاع أم لا، وغيرها من الأسئلة التي يعرف إجاباتها أصغر طفل أوروبي (تقصد الأوكرانيين وبعض المجتمعات الغربية التي تفاعلت معها) بينما يجهلها الرجال والنساء في مصر".
أسئلة جريئة وشتائم
لمست اللاعبة الرياضية المفاهيم المغلوطة في مجتمعاتنا عن الاحتياجات الجسدية، وغياب مفاهيم قبول الذات والآخر عند العقل الجمعي المصري، هذا بخلاف التأثير السلبي لتلك التصورات القائمة على وضع عشرات القيود على كاهل الأشخاص، تارة باسم الدين وتارة أخرى باسم العادات والتقاليد، توضح: "في أوكرانيا توجد في كل شارع تقريباً متاجر لبيع ألعاب الإمتاع الذاتي، ويمكن لأي شخص استكشاف التسلية والمتعة المناسبة له، كما يمكن إدراك كيفية تسديد كل شخص حاجة شريكه بالحديث مع البائع، وفهم طبيعة كل لعبة، أما في مصر فلا توجد معلومات صحيحة متداولة، يخرج منها الشخص العادي بوجهة نظر عن طبيعة جسده، وكيفية إمتاع شريكه، وهذا ما يؤثر على العلاقات ويساهم في زيادة نسب الطلاق وجرائم التحرش والاغتصاب، وغيرها من الدلائل التي تشير إلى قيمة الوعي الجنسي الغائب عن مجتمعاتنا".
"غياب مصادر المعلومات الجنسية جعل المصريين يتخبطون في كل شيء، بداية من شعورهم بالدونية وعدم الاستحقاق، ومن ثم ممارسة هذه الدونية والاحتقار على أطراف أخرى أضعف كالمرأة والأطفال"
اللافت هو تعامل المتابعين الذين تصل أعدادهم إلى نحو ثلاثة ملايين مشاهد لفيديوهات دينا مع موضوعاتها الجريئة، التي تطرحها مثل تأثير حجم القضيب على العلاقة الزوجية، وتأثير العادة السرية على التمارين، وفوائد العادة السرية وأضرارها، والعلاقات قبل الزواج، بالإضافة إلى الأسئلة الواردة إلى بريدها الخاص لمحاولة فهم العلاقات الجسدية، وتأثير الاحتياجات الجنسية على المجهود البدني والعضلي.
وتقول: "غياب مصادر المعلومات الجنسية جعل المصريين يتخبطون في كل شيء، بداية من شعورهم بالدونية وعدم الاستحقاق، ومن ثم ممارسة هذه الدونية والاحتقار على أطراف أخرى أضعف كالمرأة والأطفال، ويحاولون طوال الوقت إلباس الجهل ثوب الفضيلة والحياء".
أنا قذر إذاً أنا أصرخ
في رسالته إلى ميلينا، كتب فرانس كافكا يقول: "أنا قذر يا ميلينا، أنا غير نقي على الإطلاق، وهذا هو السبب الذي جعلني أصرخ من أجل النقاء، لا أحد يتغنى بالنقاء كما يتغنى أولئك الذين يسكنون الجحيم".
تتفق دينا مع الفكرة التي طرحها كافكا في رسالته. من يبالغون في إظهار الفضيلة هم أكثر الأشخاص الخائنين والمتحرشين في الخفاء، وتفصح: "يبعث لي عشرات الشباب برسائل على بريدي الخاص بغية التعرف علي، مظهرين تودداً بطرق غير مقبولة، وحين أتجاهل رسائلهم يعلقون في العلن على الفيديوهات، ويشتمونني، وكأنهم يصرخون من أجل محاولة إظهار أنفسهم أنقياء بعكس حقيقتهم".
كلمات بسيطة تتلقى أغلبها من نساء، تصبح دافعها الوحيد لاستكمال ما بدأته، وإنجاز المزيد من الفيديوهات، التي تقدم فيها خبرتها في الدراسة والعيش في مجتمع أكثر تحرراً لا يحكم على النساء من خلال مظهرهن، بل يحترم الحرية الخاصة بالشكل والدين والجنس، ويعتبرها كلها اختيارات شخصية لا يصح الحديث فيها علناً.
وتتابع دينا: "رسائل محبطة أتلقاها دائماً، أكثرها رعباً تساؤل رجل عن أهمية إمتاع زوجته من الأساس ما دامت مختونة، ولن تستطيع الوصول إلى المتعة في كل الأحوال، لكن ما يجعلني أستكمل ما بدأته، وأشعر بالتأثير الإيجابي لكل فيديو أتحدث فيه مع الناس، هو ما أتلقاه من مدح، ولا سيما من النساء".
تخبرها الكثيرات عن تأثيرها الإيجابي في حياتهن، واستيعابهن للكثير من الأمور، التي كانت غائبة عن أذهانهن من قبل، كما تُلهم قوتها العضلية وصوتها ذات النبرة الواثقة اللواتي تعرضن لإيذاء عاطفي أو جسدي فيسعين إلى تخطي رحلة الألم، والتصالح مع النفس وعدم احتقارها.
"علاقتي تحسنت كثيراً مع زوجي، بعد معرفة نفسي أكثر من خلال فيديوهاتك"، تقول دينا إن "مثل هذه الرسالة التائهة وسط مئات الشتائم واللعنات هي ما تجعلني أستكمل، وتخبرني أن تغييراً واحداً في المئة حافز إنساني للاستمرار وزيادة التواصل مع الآخرين".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
علامي وحدي -
منذ 3 ساعات??
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 23 ساعةرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون