شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!
السوريون وصراع التدريب والتعليم الأكاديمي في إسطنبول

السوريون وصراع التدريب والتعليم الأكاديمي في إسطنبول

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الثلاثاء 26 أبريل 202204:45 م

"شعرت بأنني تعرضت للاحتيال"؛ عبارة قالها محمد (28 عاماً)، لرصيف22، لدى سؤاله عن تجربته في الحصول على إحدى الدورات التدريبية في التعليق الصوتي. هذه العبارة نفسها رددها عشرات الشباب منذ عام 2013، منذ أن شهدت مدينة إسطنبول إنشاء عشرات المراكز التي تُعنى بتقديم ما يُسمونها "تدريبات احترافية" في الصحافة والإخراج السينمائي والتصوير والتعليق الصوتي، ضمن أيام معدودة وبشهادة غير معترف بها، مقابل مئات الدولارات.

اليوم، لا تزال بعض مراكز التدريب تفتح أبوابها مع تغيّر ظروف وجود السوريين ومعطياته ووسائل الإعلام والمنظمات في المدينة، وتالياً اختلفت مدة التدريب وسعره وكذلك المدربون. وبالرغم من هذا الاختلاف، السؤال ما يزال قائماً: هل يغني التدريب العملي عن التعليم الأكاديمي في مجالات الصحافة والفنون؟

في الوقت الذي يذهب فيه البعض في اتجاه الدفاع عن الورشات التدريبية كمبدأ، خاصةً مع اختلاف متطلبات سوق العمل، إذ يجب أن يكون هناك اختلاف في طريقة التعليم نفسها، تستمر شريحة أخرى في مهاجمة ورشات التدريب السريعة.

منذ عام 2013، شهدت مدينة إسطنبول إنشاء عشرات المراكز التي تُعنى بتقديم ما يُسمونها "تدريبات احترافية" في الصحافة والإخراج السينمائي والتصوير والتعليق الصوتي

الأسباب والخلفيات

بالرغم من أن تجربة محمد لم تكن موفقةً، وانتابه شعور بأنها عملية احتيال لعدم حصوله على النتيجة المأمولة، إلا أن الحال لم يكن كذلك بالنسبة إلى عبد الرحمن (26 عاماً)، إذ يقول لرصيف22، إن "الدورة التدريبية التي حصل عليها في بداية عام 2016، وبالرغم من ارتفاع ثمنها إلا أنها فتحت أمامه باب العلاقات العامة عندما تعرف إلى عدد من الأشخاص من خلالها وتالياً نجح في الحصول على عمل يدرّ عليه عائداً مادياً جيداً".

وبقدر ما تُعدّ عملية الحصول على التعليم صعبةً بالنسبة إلى السوريين في تركيا، وسبباً في اتجاه الشباب إلى الدورات التدريبية السريعة، إلا أن هناك أسباباً أخرى أيضاً. يتحدث مدرب التصوير الفوتوغرافي، هيثم جاويش (فضل استخدام اسم مستعار)، لرصيف22، عن أن "كثيرين من الشباب يرغبون في الدخول إلى سوق العمل الخاص بالتصوير والفنون والإعلام، ويرون أن التدريب طريقة أسهل بدلاً من الدراسة الأكاديمية التي تتطلب شروطاً صعبةً في بعض الأحيان، خاصةً مع وجود مراكز عدة ممتازة صقلت خامات الشباب ومواهبهم".

ما هي المراكز؟

مع وصول أعداد كبيرة من السوريين إلى تركيا منذ عام 2012، وتحوّلها إلى مركز مهم للمنظمات الإغاثية ومنظمات العمل المدني وكذلك وسائل الإعلام، لأسباب عدة أهمها الموقع الجغرافي وسهولة الوصول إلى سوريا عبر الحدود التركية، نشأت عشرات مراكز التدريب في المدن التي شهدت وجوداً سورياً كبيراً، والحديث هنا عن ولايات إسطنبول وغازي عينتاب وشانلي أورفا.

تقدّم هذه المراكز دورات تدريبيةً في مجالات التصوير الفوتوغرافي والمونتاج والإخراج، والتعليق الصوتي والتحرير الصحافي، بالاعتماد على أسماء من المفترض أنها تملك الخبرة العملية القادرة على تقديم المعلومة، والإضافة إلى الراغبين بتنمية مهاراتهم وصقلها.

لا سلبيات في فكرة التدريب نفسها، ولكن في المقابل وبقدر ما تحتمل الصحافة الخبرة والتدريب بديلاً من التعليم الأكاديمي، إلا أن الخطأ فيها يؤدي إلى كوارث، تخيّلوا أن ينشر صحافي ما في وسيلة إعلامية ما خبراً كاذباً عن مجزرة، أو خبراً طائفياً؛ ماذا ستكون النتيجة؟

وبالرغم من أهمية الفكرة العامة للتدريب المهني لتطور الصحافيين والمصورين والمخرجين كذلك، إلا أن هذا الأمر يحتاج إلى مجموعة من الأمور الأساسية، أبرزها المنهج العلمي الصحيح الذي يساعد في عملية الصقل، والخبرة الكبيرة التي يمتلكها المدربون، ولم يكن متوفراً بشكل دائم في بعض المراكز، التي اعتمدت في الأساس على مبدأ الربح السريع بأقصر الطرق من دون الاهتمام بالتفاصيل الباقية.

وبناءً على ما سبق، فإن التأثير السلبي لهذه الورشات التي لا تُقام بناءً على منهج علمي، ولا في فترة زمنية كافية ومناسبة، يؤثر بشكل مباشر على عمل وسائل الإعلام والحقول العملية للأعمال الفنية أيضاً.

وتستهدف مراكز التدريب المتعددة، فئة الشباب من السوريين الراغبين في الحصول على فرص عمل أفضل أو تطوير مهاراتهم التي اكتسبوها بشكل عملي في أثناء تغطيتهم للمعارك والشؤون اليومية للسوريين، لوسائل الإعلام المختلفة من جهة، أو للراغبين في دخول سوق العمل ولا يملكون القدرة على تحصيل التعليم الجامعي.

سوق العمل

تُعدّ المقارنة بين دورات التدريب السريع والتعليم الأكاديمي الذي يحتاج إلى سنوات لإتمامه، إحدى أهم النقاط المُثارة في ما يتعلق بالتدريب وسوق العمل، من ناحية تأثير هذه الدورات التدريبية على سوق العمل في وسائل الإعلام من صحف ومواقع إلكترونية ومحطات تلفزيونية وكذلك صناعة الأفلام، خاصةً مع الأهمية القصوى التي يمتلكها قطاع الإعلام عموماً.

وبناءً على ما سبق: هل تغني ورشات التدريب عن التعليم الأكاديمي؟ يرى الصحافي والمعلّق الصوتي، مهند منصور، في حديث إلى رصيف22، أن "التدريب هو أمر مهم ومطلوب وضروري، لكن المشكلة ليست في النظرية بل في تطبيقها. إجمالاً لا يحل التدريب مكان التعليم الأكاديمي، لكن في المقابل وفي مجال العلوم الإنسانية (الصحافة والفنون)، يحتاج الشخص إلى الموهبة والتدريب وتالياً الحصول على الخبرة التي تتفوق على التعليم الأكاديمي في بعض الأحيان".

تستهدف مراكز التدريب المتعددة، فئة الشباب من السوريين الراغبين في الحصول على فرص عمل أفضل أو تطوير مهاراتهم التي اكتسبوها بشكل عملي

يُضيف: "التدريب هو أمر مهم ويكون دائماً متصلاً بالحقل العملي، وللأسف التدريب العملي في العالم العربي وفي العلوم الإنسانية فيه خلل، إذ ليست هناك تدريبات عملية، حتى أن بعض دكاترة الجامعة ليست لديهم خبرات عملية، ويدرسون في الجامعات ولا تجد لهم أي عمل حقيقي، وهذا الأمر يؤدي إلى التعلم الكرتوني، لذا يتجه الطلاب إلى التدريب العملي من أصحاب الخبرة الذين حصلوا على خبرة واسعة وواجهوا الإخفاقات وحصدوا النجاحات، ومن هنا تأتي أهمية التدريب، لأن الحقل العملي في أثناء الدراسة غير عملي وغير مفيد إن وُجد".

وسبق لمنصور أن أقام ورشات تدريبية عدة في مجال التعليق الصوتي، إلى جانب عمله في مجال الأفلام الوثائقية والإعلانات، فضلاً عن عمله الصحافي.

من جهتها، ترى الإعلامية نور الهدى مراد، المذيعة في "تلفزيون سوريا"، والتي خاضت تجربة التدريب في أحد المراكز في مدينة إسطنبول، أن "التدريب سياق مختلف تماماً عن التعليم الأكاديمي، فبينما يكتسب الطالب خلال سنوات تعليمه الأكاديمي فلسفة المهنة وأصولها ويصبح قادراً على التطوير فيها والتنظير لها، وفهمها بعمق، يأتي التدريب لتطوير المهارات اليومية التي يحتاج إليها كُل منّا في مهنته، فالتدريب عملية مستمرة وفي الحالة المثالية يجب أن تبدأ في أثناء فترات الدراسة وتستمر بشكل دوري خلال سنوات العمل، ليبقى المرء على اطّلاع على كُل جديد من تقنيات وأساليب في مهنته، والتعرف على خبرات جديدة ووجهات نظر متنوعة بتنوع المدربين الذين تختلف مشاربهم ومؤسساتهم وتجاربهم".

ترى مراد أن التعليم الأكاديمي "أكثر نظريةً ولا يعطي القدر الكافي من التدريب العملي الذي تحتاج إليه الحياة المهنية، وهو ما تفتقده الكليات النظرية في البلاد العربية"، وتشير إلى أنه "في بلدان أكثر تطوراً يُشترط على طلاب الكليات النظرية الحصول على شهادات خبرة بعدد معيّن من الساعات من مؤسسات قبل التخرج، لضمان أن الطالب أصبح على دراية بآليات العمل ولديه مفاتيح ما يحتاج إليه خلال حياته المهنية، وهذا ما يقوم به طلاب الإعلام في تركيا مثلاً".

التأثير السيء

هناك فارق بين النظرية وتطبيقها، وينطبق هذا الأمر في حالة الدورات التدريبية السريعة التي يخوضها الشباب أملاً بالحصول على فرص عمل تدرّ عليهم مبالغ جيدةً، أو استغلال انتشار وسائل التواصل الاجتماعي والوصول إلى الشهرة.

ويرى المتخصصون في هذا المجال، أن المشكلة ليست في التدريب الذي يملك أهميته الخاصة ووجود ضرورة لتطوير الذات، إلا أن غياب الشروط هو ما يؤدي إلى الخلل، والشروط هنا ترتبط بنقطتين أساسيتين، أولاً خبرة المدرب العملية في المجال الذي يعطيه للطلاب، وثانياً المنهج العلمي الصحيح.

يقول جاويش، إن "الدورات التدريبية تؤدي إلى نتائج كارثية، عندما تتم على يد أشخاص غير مختصين وبأسلوب غير علمي وغير منهجي، وخطورتها تنبع من أنها "تعزز ثقافة الخطأ، خاصةً أن بعض المتدربين يرون أنهم ختموا المصلحة حسب التعبير السوري الشعبي"، ويرى أن هذا الأمر يؤدي إلى نتائج سيئة للمتدربين ولسوق العمل، مشيراً إلى حصول هذا الأمر بالفعل في مجال التصوير الفوتوغرافي.

 التأثير السلبي لهذه الورشات التي لا تُقام بناءً على منهج علمي، ولا في فترة زمنية كافية ومناسبة، يؤثر بشكل مباشر على عمل وسائل الإعلام والحقول العملية للأعمال الفنية أيضاً

من جهته، يقول منصور إنه "لا سلبيات في فكرة التدريب نفسها، ولكن في المقابل وبقدر ما أن الصحافة تحتمل الخبرة والتدريب بديلاً من التعليم الأكاديمي، إلا أن الخطأ فيها يؤدي إلى كوارث"، مضيفاً: "تخيّل أن ينشر صحافي ما في وسيلة إعلامية خبراً كاذباً عن مجزرة ما، أو خبراً طائفياً؛ ماذا ستكون النتيجة؟ التدريب في زمن سابق كان أكثر صرامةً، وهناك لجان وتدريب واختبارات، بينما نرى اليوم كوارث في الصوت والأداء واللغة العربية".

في المقابل، ترى مراد أن التدريب "فُرض على كل شخص في اختصاصه، وهو قطاع قائم بحد ذاته ومفيد للمجتمع عندما يوظَّف في سياقه الصحيح، إذ إن المدرب قادر على تحديد المستهدفين ودراسة احتياجاتهم التدريبية في مؤسسة أو قطاع معيّنين، وتصميم البرنامج المناسب لهم للحصول على النتائج المرجوة من تطوير مهارات أو اكتساب خبرة تقنية معيّنة أو تلخيص الأساليب والمعلومات المستحدثة في أحد جوانب هذه المهنة، لكنه يتحول إلى مجال غير محدود للاحتيال والاستغلال".

تضيف: "هناك مجتمعات لا تقدّر قيمة العلم عموماً، وتستخفّ بمهن كثيرة خاصةً في قطاع الفن والصحافة، وهذه المجتمعات تبارك لشخص حضر دورةً في التحرير الصحافي مدتها خمسة أيام على سبيل المثال، ثم تطلق عليه لقب صحافي ويصبح صحافياً بالفعل عندما تتبناه مؤسسة بإمكانات متدنية، والأنكى أنه يبدأ بتقييم صحافيين مهنيين يقومون على رأس أعمالهم منذ سنوات". 


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image