شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!

"أفكر ملياً في العودة إلى سوريا لتعليم أولادي"... معاناة التلامذة السوريين في تركيا

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الخميس 16 سبتمبر 202101:05 م

تواجه أطفال اللاجئين السوريين، في تركيا، صعوبات، بعد قرار دمجهم في المدارس الرسمية التركية، في ظل عدم التنسيق والتعاون بين وزارة التربية في الحكومة التركية، ووزارة التربية في الحكومة المؤقتة التابعة للائتلاف الوطني، المسؤولة في هذا المجال.

فالتلامذة السوريون الذين دُمجوا في النظام التعليمي التركي، ضمن المدارس التركية، يعانون من صعوبات في التعلم والاندماج، من دون تقديم حلول ناجعة لهم، في ظل غياب صارخ لوزارة التربية في الحكومة المؤقتة، عن حل مشكلاتهم.

من المدارس الخاصة إلى "الدمج"

عام 2012، بعيد الحرب الناشبة في سوريا وتدفق أعداد كبيرة من اللاجئين إلى تركيا، قامت وزارة التربية التركية بتنظيم العملية التعليمية لأبناء اللاجئين بترخيص مدارس سورية خاصة، بتعاون طفيف مع المعنيين في الائتلاف، من أجل تعديل المنهاج الدراسي. واستمر ذلك حتى العام الدراسي 2019-2020، حين تقرر إيقاف هذه المدارس.

في المدارس الخاصة السورية، كانت الدروس تُقدَّم باللغة العربية الأم، بالإضافة إلى حصص دراسية باللغة التركية للتقوية، وذلك باعتماد منهاج سوري معدل من وزارة التربية في الحكومة المؤقتة، لاستكمال دراستهم حتى الثالث الثانوي.

ووفق ما كان يجري، كان التلامذة السوريون اللاجئون، بعد حصولهم على شهادة الثالث الثانوي (البكالوريا)، يدخلون، حسب المعدل الذي حصلوا عليه، إلى الجامعات التركية، وعند قبولهم، يُلزَمون بدورة في الجامعة، لتعلم اللغة التركية، تسمى "التومر"، في حال لم يلتحقوا بجامعة تدرّس باللغة الإنكليزية.

أيضاً، كان التلامذة يحتاجون إلى تقديم فحص تحديد المستوى، الذي يجريه الطلاب الأجانب، ويسمى "اليوز" (أو "اليوس" yös)، للدخول إلى الكليات العلمية، وتكون الدراسة في المرحلة الجامعية مع التلامذة الأتراك، جنباً إلى جنب، في الاختصاصات، والمجالات العلمية والأدبية، جميعها.

في بداية عام 2018، صدر قرار من وزارة التربية والتعليم التركية، بإغلاق المدارس السورية الخاصة، ودمج أساتذتها في المدارس التركية، كموجهين، ومشرفين، ومترجمين، من أجل دفع التلامذة السوريين اللاجئين للالتحاق بالمدارس التركية الرسمية الحكومية.

ولكن لم يُطبَّق هذا القرار حتى نهاية عام 2019، وبداية عام 2020، وحينها اضطر التلامذة جميعهم للانضمام إلى مدارس تركية، والتعلم بمناهج تركية، ولغة تركية. وشكّل عامل اللغة العائق الأكبر أمام عملية الدمج التي اتّبعتها الوزارة التركية.

حاجز اللغة الصعب

المراكز المؤقتة التي أنشأتها وزارة التربية التركية، لتعليم التلامذة السوريين اللغة التركية، لم تفِ بالغرض، وكانت دواماتها إضافية، إذ يحضر التلامذة إليها، بعد دخولهم إلى المدارس التركية، ما شكّل عبئاً مادياً إضافياً على الأهالي الذين فُرضت عليهم تكاليف أجور نقل إضافية.

واعتمد جزء قليل من التلامذة على الدروس الخصوصية، لرفع مستواهم، وهم يشكّلون قلة قليلة من اللاجئين السوريين.

شكّل عامل اللغة الذي واجه التلامذة، عائقاً نفسياً ومادياً أمامهم، في طريقهم لاستكمال تعليمهم، بالإضافة إلى مشكلة نسيان هؤلاء التلامذة لغتهم الأم، وهي اللغة العربية.

يقول موجّه اللغة العربية وعضو لجنة العلاقات السورية التركية في إقليم هاتاي، حسن درويش، لرصيف22، إن "التعليم في تركيا، بعد دمج التلامذة في المدارس التركية، يختلف عمّا قبل عملية الدمج. فقبل الدمج، كان التعليم يعتمد على المدارس السورية المفتوحة من قِبل المدرسين السوريين الذين ألزمتهم ظروف التهجير بإيجاد بديل للمدارس في الداخل السوري، وبدعم محدود من قبل المنظمات الموجودة في تركيا، مع دعم من قبل اليونيسف. وكانت المناهج الدراسية معدلة من قبل الحكومة المؤقتة، وأُدخِلت عليها مادة اللغة التركية، بحصص تصل إلى 50% من عدد الحصص الدراسية الأسبوعية. وبالإضافة إلى ذلك، كانت هناك تسهيلات من الحكومة التركية لافتتاح هذه المدارس، وبإشرافها، وكان خريجوها يُقبَلون في الجامعات التركية، بنسب قليلة، لقلة المنح الدراسية، مع وجود العائق المالي لمتابعة الدراسة، لكنها كانت حلاً للحفاظ على اللغة العربية".

"أفكّر ملياً في العودة مع أبنائي وزوجتي إلى سوريا، على الرغم من المخاطر المحدقة بنا جميعها، في حال عودتنا، حتى نستطيع تعليم أولادنا، والعيش من دون تمييز"

يكمل درويش حديثه عن الدمج الذي قامت به الحكومة التركية، ويقول: "طُبّق الدمج على مراحل، بدءاً بالصف الأول، والخامس والتاسع، وهنا تجلت المعاناة، فالتلميذ لم يحصل على التعليم التركي الكافي، ليتابع تحصيله الدراسي باللغة التركية".

كذلك، يتحدث عن "معاناة كبيرة في قبول التلامذة في المدارس التركية، مع بداية كل عام".

ويُضاف إلى هذه التعقيدات كلها، وجود التنمر ضد التلامذة السوريين، والعنصرية كظاهرة، ما أثّر بشكل كبير على متابعة الدراسة، خاصةً في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي يعيشها معظم السوريين في تركيا، والدعم المحدود لتعليم أطفالهم، بالإضافة إلى صعوبات التنقل.

وحسب درويش، فإن المعاناة بدأت تكبر، لعدم وجود عمل مناسب للمعلمين الذين كانوا يدرّسون في مدارس السوريين الخاصة، وأُدمجوا في مدارس تركية، بالإضافة إلى عدم إعطاء المدرّس السوري دوره التعليمي الذي يجب أن يأخذه، في مساعدة المدرسة التركية، بخبراته في التعامل مع التلامذة السوريين، ودفع العملية التعليمية إلى الأمام.

ويضيف درويش: "لا ندري ما هي الأسباب وراء عدم إعطاء المدرّس السوري الصلاحيات الواجب إعطاؤها".

صعوبات كثيرة

واجهت التلامذة السوريين اللاجئين صعوبات كثيرة. يقول درويش لرصيف22: "توجد صعوبات عدة واجهت التلامذة السوريين في تركيا، وأهمها:

1ـ ضعف التلميذ في اللغة التركية.

2ـ ظاهرة التنمر في المدارس التركية.

3ـ عدم تحقيق التلميذ لرغبته في الدخول إلى المرحلة الثانوية، بفرعيها العلمي والأدبي. إذ إن معظم التلامذة كانوا يُفرَزون إلى المدارس المسلكية (المهنية)، الأمر الذي يؤدي إلى تسربهم، وانقطاعهم عن متابعة تعليمهم.

4ـ عدم قبول التلامذة في المدارس التابعة لعناوين سكنهم.

5ـ قلة الدعم، أو انعدامه، لتلبية احتياجات التلميذ في المدارس التركية، والتي تزيد طلباتها عن قدرة الأسر السورية على تلبيتها".

"دفعتُ لمدير المدرسة ألف ليرة تركية (120 دولاراً)، كتبرع للمدرسة، رغماً عني، وبوجه ضاحك، حتى لا يُعامَل أولادي بعنصرية، خلال العام الدراسي القادم"

وقدّم ناشطون سوريون وأتراك، معنيون بالشأن التعليمي، وخبراء في التعليم، استشارات وتوصيات عدة، لتذليل الصعوبات، وإيجاد أرضية مشتركة للعمل عليها، خلال اجتماعات رسمية مع وزارة التربية والتعليم التركية، أو من خلال لجان التواصل السورية التركية المعنية بشؤون السوريين، وهي لجان تشكلها في كل ولاية يوجد فيها سوريون، منظمات المجتمع المدني، ومهمتها حل مشكلات السوريين في الولاية.

أهم تلك المقترحات، كانت التوصية بتشكيل لجنة استشارات من الخبراء في التعليم السوري، لحل المشكلات التي تواجه تعليم التلامذة السوريين في تركيا. لكن، وحسب أحد أعضاء إحدى لجان التواصل السورية التركية، لم يتحقق هذه الأمر "لأسباب لا نعلمها".

كذلك طُرحت مشكلة الأساتذة السوريين المشرفين والموجهين، في المدارس التركية، والذين أُوقِفت رواتبهم منذ شهر تموز/ يوليو 2021، ليُحرموا منها، في أثناء العطلة الصيفية، وليعيشوا ظروفاً صعبة، على الرغم من أن متابعين سوريين يقولون إن رواتبهم تأتي من منظمة اليونسيف، بالاتفاق مع وزارة التربية التركية، ولا تتعدى الـ2020 ليرة تركية (244 دولاراً تقريباً).

"أفكر في العودة"

"يلعن اليوم اللي جيت فيه ع تركيا". كلمات أطلقها جابر، وهو اسم مستعار لأب لديه أربعة أبناء في المرحلتين، الابتدائية والإعدادية، ويعاني كما تعاني غالبية السوريين، من نظام دمج التلامذة السوريين.

يتحدث جابر لرصيف22 عن وضع أبنائه: "لدي أربعة أبناء يذهبون إلى المدارس، وكنت أعلّمهم بالإضافة إلى المدرسة، وأعطيهم دروساً خصوصية لتعلّم اللغة التركية، بالإضافة إلى المنهاج التركي، وكانت تكلفة هذه الدروس 200 دولار شهرياً. أحدهم في الصف الخامس الابتدائي، يأتي كل يوم باكياً، ويقول لي إن أستاذه في الصف يعامله بعنصرية، ويقول له: ‘أنتم السوريون، لماذا تدرسون في بلادنا؟ فبلادنا للأتراك فحسب’".

ذهب جابر إلى مدير المدرسة الذي يتكلم اللغة العربية بطلاقة، لأنه من منطقة حدودية في إقليم هاتاي، و"أردت أن أرفع شكوى ضد المدرّس، ولكنه قال لي إذا لم يعجبك التدريس، ضب أولادك، وانقلع من مدرستنا".

يكمل جابر لرصيف22: "ولدي في الصف السابع الإعدادي، ولم يستطع مواكبة التعليم باللغة التركية، والاندماج في المناهج التركية، ويعاني يومياً من صعوبة فهم الدرس، بالإضافة إلى رفض زملائه من التلامذة الأتراك الحديث معه، أو الاقتراب منه، لأنه سوري، ما انعكس عليه نفسياً، وأصبحت لديه عقدة من المدرسة، والأتراك، فاضطررت إلى إعطائه جلسات دعم نفسي، عن طريق خبير في هذا المجال، لإخراجه من حالته".

ويضيف: "أفكر ملياً في العودة مع أبنائي وزوجتي، إلى سوريا، على الرغم من المخاطر المحدقة بنا جميعنا، في حال عودتنا، حتى نستطيع تعليم أولادنا، والعيش من دون تمييز".

الابتزاز

لا يقتصر الأمر على المعاملة السيئة من قِبل المعلمين الأتراك، وإنما يدخل موضوع الابتزاز إلى ساحة التعليم أيضاً.

فادي (اسم مستعار)، يروي لرصيف22 حادثةً جرت معه، أثناء تسجيل ابنته في الصف الأول الابتدائي، ويقول: "ذهبت إلى المدرسة في الصيف الفائت، وجلست مع المدير، من أجل تسجيل ابنتي في الصف الأول، وعنوان سكني يخوّلني تسجيلها في هذه المدرسة، مع أخيها، الذي يدرس في الصف الثالث، في المدرسة نفسها".

ويضيف: "دار حوار بيني وبين المدير باللغة التركية، وسألني عن عملي، فقلت له إنني أعمل في البناء والتعهدات، فقال لي: ‘إذا أردت أن أسجل لك ابنتك، فيجب عليك دفع مبلغ ألف ليرة تركية (120 دولاراً أمريكياً)، كتبرع للمدرسة’. وبعد جدال طويل بيننا، حول أن التعليم مجاني في تركيا، وأن اليونيسف تدعم المدارس التركية التي يتسجل فيها تلامذة سوريون، قال لي بالحرف: ‘أنت سوري، ويجب عليك دعم المدرسة. كمان نحن نعلّم أولادك مجاناً’. دفعت له ألف ليرة تركية، كتبرع للمدرسة، رغماً عني، وبوجه ضاحك، حتى لا يُعامَل أولادي بعنصرية، خلال العام الدراسي القادم".

إيقاف التعليم للتلامذة السوريين في المدارس الخاصة، ودمجهم في المدارس الرسمية التركية، من دون تقديم أدنى مقومات لهذا الدمج، بالإضافة إلى التحريض العنصري الواضح ضد اللاجئين السوريين في تركيا بشكل عام، والتلامذة السوريين بشكل خاص، يمثل انتهاكاً واضحاً لاتفاقيات حقوق الطفل، وحقوق الإنسان.

وفي ظل هذه المشكلات كلها، هناك غياب كلي لدور الجهات المعنيّة السورية عنها، وعلى رأسها وزارة التربية والتعليم في الحكومة المؤقتة التابعة للائتلاف الوطني.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image