قفزات فرح مصحوبة بزغاريد أمام المحكمة الاقتصادية بالقاهرة ظهر السبت 23 أبريل/ نيسان الجاري، بعد حكم المحكمة ببراءة الصحافية المصرية رشا عزب من تهم السب والقذف وتعمد الإزعاج، في الدعوى المقامة عليها من المخرج إسلام العزازي المنشورة ضده ست شهادات تتهمه بالاغتصاب والتحرش، ظهرت في مدونة "دفتر حكايات" المعنية بنشر شهادات الناجيات من دون الكشف عن هوياتهن.
"المجهولية هي الهدف الأول، فالدعوى ليست ضدي أنا وحدي، بل ضد مبدأ مجهولية شهادات التحرش والاغتصاب الذي لا يمكن الاستغناء عنه، لضمان سلامة الناجيات" بهذه الكلمات علقت رشا على الدعوى لرصيف22.
وأضافت: "البعض نصحوني بأن أستعين بالناجيات للشهادة معي، لكنني رفضت ذلك كموقف مبدئي أدعمهن فيه من العنف الجنسي في مصر، لأن لا أحد يضمن سلامة الناجيات لدى الكشف عن شخصياتهن، لأن هناك العديد من المخاطر، بدايتها الوصم الاجتماعي، وخاتمتها الحبس كما جرى في قضية الفيرمونت".
وتابعت رشا: "الكثير من المتحرشين المعروف عنهم تحرشهم، يسكَت عنهم لأن ضحاياهم قرروا أن السكوت هو الطريقة المثلى للحفاظ على أمنهم وسلامتهم. فحين تأتي ناجية وتروي ما تعرضت له دون أن تنشر اسمها، لأنها ترى أن هذه هي طريقة تحذير الضحايا المحتملات من دون أن يكون هنا أذى يمسها، فلا يمكن أن يتم إجبارها على الظهور، أو أجبار النساء على عدم التضامن معها والسكوت".
ولفتت الصحافية والمدافعة عن حقوق الإنسان التي قضت المحكمة ببراءتها اليوم، أن السلطات المكلفة دستورياً وقانونياً بحماية المبلغات أحياناً ما يكون أفراد ينتمون إليها هم خط الهجوم الأول على الناجيات: "في الجونة تعرضت فتاة أعرفها للاغتصاب من نادل بأحد الفنادق، ولحسن الحظ فهي ابنة رجل أعمال ثري، وتفهم الكثير من حقوقها، وتريد أن تقدم بلاغاً، لكنها على مدار يومين كانت مادة خصبة لتعليقات ضباط وأمناء الشرطة تسخر منها في أحسن الأحوال، وفي أسوئها تتهمها بأنها السبب، أو أنها كانت موافقة على اغتصابها".
لفتت الصحافية والمدافعة عن حقوق الإنسان التي قضت المحكمة ببراءتها اليوم، أن السلطات المكلفة دستورياً وقانونياً بحماية المبلغات عن التحرش والاغتصاب، أحياناً ما يكون أفراد ينتمون إليها هم خط الهجوم الأول على الناجيات
بداية المعركة
كانت بداية القصة في ديسمبر/ كانون الأول 2020، بعد تزايد دعوات لمقاطعة فيلم "عنها" للمخرج السينمائي إسلام العزازى أثناء عرضه ضمن فعاليات مهرجان القاهرة السينمائي، حيث نشرت مدونة "دفتر حكايات" عدة شهادات من ناجيات اتهمن المخرج بالتحرش والاغتصاب، إلا أن العزازي رد عبر حسابه على فيسبوك قائلاً: "الشهادات اللي نشرت امبارح والنهاردة، وربط البعض اسمي بها، هي ممتلئة بعدم الصحة والافتراء"، مطالباً صاحبات الشهادات اتخاذ الإجراءات اللازمة لكي يتم التحقيق في الاتهام، معتبراً الشهادات محاولة للتشهير.
ولاقت الشهادات حالة من التضامن الواسع، ومن المتضامنات والمتضامنين رشا عزب والمخرجتان سلمى الطرزي وعايدة الكاشف. لاحقاً قدم العزازي بلاغاً ضد الأولى والأخيرة في يناير / كانون الثاني 2021، إلا أنه حفظ في فبراير/ شباط من نفس السنة لعدم جدية الاتهامات، قبل أن يتقدم محاميه بطلب إعادة فتح التحقيق في البلاغ لتعرض موكله لأضرار مادية جراء إلغاء مؤتمر فيلمه في مهرجان القاهرة السينمائي، وحملات المقاطعة ضده.
رشا عزب: البعض نصحوني أن أستعين بالناجيات للشهادة معي، لكنني رفضت ذلك كموقف مبدئي أدعمهن فيه من العنف الجنسي في مصر، لأن لا أحد يضمن سلامة الناجيات لدى الكشف عن شخصياتهن، وقضية الفيرمونت مثال قوي
وبعد أيام من البلاغ، فوجئت رشا بإحالتها منفردة للمحاكمة بسبب البلاغ، وأعلنت عبر حسابها على موقع تويتر قائلة "تمت إحالتي منفردة، للمحاكمة السريعة، تماشياً مع مبادئ العدالة الناجزة في بلادنا، بتهمة سب وقذف المخرج إسلام العزازي المتهم بست حالات اغتصاب وتحرش، وعلى رغم تقديم عدد من السيدات شهادات بخصوص القضية، لم تجرِ النيابة العامة أي تحقيق".
وزادت: "نحن نصدق الناجيات لأن كلنا ناجيات في الأساس، لا توجد سيدة في مصر ليست ناجية بشكل أو بآخر، لذلك حين نقرأ الشهادات نرى أنفسنا قبل الناجيات".
وأكملت رشا: "قبل ظهور الشهادات في فضاء الإنترنت، تظل لفترة طويلة محل نقاش في الدوائر المغلقة، لذلك فعند ظهور شهادات بالتحرش ضد شخص نكون في الأغلب موقنين بصحتها، لأننا سمعنا عنها وعن وقائع مشابهة قبل النشر. والملاحظ في الشهادات المتعددة على شخص واحد هو وجود نمط محدد وأسلوب واضح يستخدمهما المتحرش، لذلك عند ظهور الشهادات لا يمكن أن ننكرها بل نصدقها".
بحسب رشا وفريق دفاعها، فإن "القضية ضعيفة" بسبب ضعف محتوى تقريرها الفني الذي يعد الأساس في الدعوى. في التقرير الفني لا بد أن يشمل تفاصيل فنية كعنوان الـ ip الخاص بالحساب الذي نشرت منه التغريدات محل نظر القضية، "وهذا غير موجود في التقرير الفني لدعواي، وكذلك استغلال تغريدات مر عليها أكثر من عام في الدعوى، رغم أن القانون لا يتيح إقامة الدعوى بعد 90 يوماً من تاريخ نشر التغريدات، وضم تغريدات حديثة بعد تاريخ إقامة الدعوى لإضافة تهمة (تعمد الإزعاج) التى تضمن حبس ثلاث سنوات عند الإدانة، لأن الدستور بتعديلاته الأخيرة لا يسمح بالحبس في قضايا النشر".
نصح المحامون رشا خلال المحاكمة بمسح تغريداتها، وكذلك تخفيف حدة أسلوبها في التغريدات المختلفة التى تنشرها، إلا أنها رفضت ذلك، وحاولت طوال فترة المحاكمة استخدام أسلوبها نفسه في التعليق على الأحداث والمحاكمة من دون تعديل
ونصح المحامون رشا خلال المحاكمة بمسح تغريداتها، وكذلك تخفيف حدة أسلوبها في التغريدات المختلفة التى تنشرها، إلا أنها رفضت ذلك، وحاولت طوال فترة المحاكمة استخدام أسلوبها نفسه في التعليق على الأحداث والمحاكمة من دون تعديل. قالت: "الدعوى نفسها محاولة لإيقاف أصوات المتضامنين مع النساء، وردع صوت النساء الذي ظل محبوساً لسنوات طويلة، ولا يمكن النظر لقضيتي دون النظر للوضع العام من حبس للنساء تحت دعوى إهانة قيم الأسرة المصرية، وغيرها من وصاية أبوية على النساء".
وتجمع أمام مقر المحكمة الاقتصادية حتى صدر الحكم العديد من المتضامنات مع رشا، ولم تسمح المحكمة سوى للمحامين بالدخول، بينما ظلت المتضامنات أمام المبنى، وحين زاد عددهن طلب أمن المحكمة منهن الابتعاد عن مقر المحكمة.
وخلال فترة الجلسة التي لم تحضرها رشا، انشغلت مع المتضامنات معها بتبادل النكات والأخبار والتقاط الصور.
وبحسب المحامية ماهينور المصري، العضوة في هيئة الدفاع، "فإن المحكمة حكمت ببراءة رشا عزب من التهم المنسوبة إليها ورفض الدعوى، وإلزام المدعي بالمصاريف، إلا أن من حق المخرج إسلام العزازي الاستئناف على الحكم"، وهو ما يتوقعه المحامي أحمد راغب عضو هيئة الدفاع عن الصحافية رشا عزب، الذي كتب عبر حسابه الخاص على فيسبوك: "طبعاً هنستنى الحكم وحيثياته، ولو قدر الله لينا جولة أمام الاستئناف".
وقالت المصري لرصيف22 إن الدفاع اعتمد على ضعف التقرير الفني الذي ذكر وسطين مختلفين للنشر وهما موقعا تويتر وفيسبوك، رغم عدم امتلاك رشا حساباً على موقع فيسبوك، بالإضافة إلى وجود سياق لتداول التغريدات محل الواقعة، "وكون رشا عزب صحافية ينطبق عليها مواد عدم جواز الحبس في قضايا النشر".
ورغم أن المخرج إسلام العزازي يمتلك حق الاستئناف، إلا أن رشا عزب قررت عدم إقامة دعوى قضائية ضده بالتشهير لأنها لن تقيم دعوى لمعاقبة شخص على الكلام، أما تحريك الدعاوى التى تتهمه بالاغتصاب والتحرش "ليس من سلطتي، ولكن من سلطة الناجيات صاحبات القضية إن قررن ذلك"، بحسب قولها.
وعلقت جوري دوغان، المستشارة القانونية لمنظمة Equality Now التي ساهمت في الحشد للتضامن مع الصحافية رشا عزب: "نحن سعداء بحكم البراءة، ونرفض استخدام قوانين السب والقذف لإسكات النساء اللواتي يرفعن الصوت حول قضايا التحرش الجنسي".
وأضافت: "التقارير حول إخفاق السلطات المصرية في التحقيق في شهادات عدة نساء بشأن حالات اعتداء وتحرش جنسي من قبل نفس الرجل، تثير قلقاً كبيراً. ففي العديد من القضايا المتعلقة بالعنف القائم على النوع الاجتماعي يفلت المعتدون من العقاب، مما يخلق ثقافة لا تشجع الحوار المفتوح والصادق حول الاغتصاب وغيره من أشكال العنف الجنسي".
في حين ترى رشا عزب أن مصر ما زال أمامها الكثير قبل أن تستطيع الناجيات فيها الكشف عن شخصياتهن، وعدم الاضطرار لمبدأ المجهولية، وأولى هذه الخطوات ضمان عدم تعرض النساء للمهانة في أقسام الشرطة حين يقدمن بلاغاتهن، لأن "الكثيرات من الناجيات من التحرش او الاغتصاب يحملن هم الجلوس أمام ضابط الشرطة لمناقشة البلاغ، قبل ألم ما تعرضن له أصلاً، وحين نستطيع أن نضمن أن المتحرش لا يشهّر بالناجية، أو أنها لن تتعرض للإساءة من قبل رجال تنفيذ القانون الذين من المفترض أن يكونوا إلى جانبها، أو يتعرضن للمحاكمة بتهمة إهانة قيم الأسرة المصرية، حينذاك فقط يمكن أن نناقش اضطرار الناجيات للمجهولية".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...