أعلن المخرج المصري إسلام عزازي يوم الأربعاء، 24 تشرين الثاني/ نوفمبر الجاري، أنه تقدم ببلاغ ضد المخرجتين السينمائيتين والناشطتين رشا عزب وعائدة الكاشف، متهماً إياهما بالسب والقذف، بعد تضامنهما خلال العام الماضي، مع مجموعة من النساء اللائي اتهمن المخرج بالتحرش أو الاعتداء الجنسي عليهن.
جاءت الاتهامات ضد المخرج قبل أيام من انطلاق الدورة الفائتة –42- من مهرجان القاهرة السينمائي، حيث كان عزازي مشاركاً في المهرجان بفيلم من إخراجه عن قضايا النساء يحمل اسم "عنها".
ويأتي تقدم عزازي بدعواه ضد الناشطتين والمخرجتين بالتزامن مع انطلاق الدورة 43، من المهرجان الذي سبق له ألغى المؤتمر الصحفي لفيلم النخرج، ومنع الأخير من حضور العرض الرسمي في مسابقة الدورة الماضية بسبب الاتهامات ضده.
بعد سنة
بلاغ عزازي جاء مفاجأة صادمة كما عبرت ناشطات نسويات، وأخريات رافضات لإفلات المتهمين بالتحرش والاغتصاب من المحاسبة والجزاء.
كانت مدونة "دفتر حكايات" التي حازت اهتماماً واسعاً حتى أواسط العام الجاري، بإتاحتها مساحة لنشر شهادات الناجيات وضحايا التحرش والاعتداء الجنسي؛ نشرت سلسلة من الشهادات ضد المخرج إسلام عزازي الذي أشير إليه على المدونة بالحروف الأولى "إ.ع"، حملت الشهادات ضد المخرج الأرقام المسلسلة من 16 إلى 21، وأثارت لدى نشرها غضباً واسع النطاق، انطلقت على إثره دعوات غاضبة ضد مشاركة المخرج في مهرجان القاهرة السينمائي الدولي.
وطالبت ناشطات وسينمائيات منهن رشا عزب وعائدة الكاشف وقتها بعدم استبعاد الفيلم، احتراماً لجهود النساء المشاركات فيه وما يطرحنه من قضايا، ودعون إلى الاكتفاء باستبعاد المخرج من أية تكريمات يمكن ان ينالها الفيلم. مشيرات إلى المفارقة التي جعلته يتقدم بفيلم عن معاناة النساء، في وقت تتهمه نساء عديدات بأنه تسبب في معاناتهن وترك بعضهن للمجال السينمائي بسبب ما لاقينه منه.
نشرت مدونة "دفتر حكايات" سلسلة شهادات ضد المخرج إسلام عزازي الذي أشير إليه على المدونة بالحروف الأولى "إ.ع"، وأثارت الشهادات السبع المنشورة غضباً، انطلقت على إثره دعوات ضد مشاركة المخرج في مهرجان القاهرة السينمائي
حملت الشهادة الأولى اتهاماً مشفوعاً بالتفاصيل، يشير إلى قيام عزازي بالتعدي على فتاة واستغلال "وضعها الصحي" وعدم قدرتها على مواجهته. وتوالت بعدها الشهادات حتى بلغت سبعاً.
وبالرغم من موقف مهرجان القاهرة السينمائي الذي تحفظ على إدانة المخرج من دون تحقيقات قضائية؛ إلا أن حالة التضامن الواسعة والشهادات التي كتبت عبر "دفتر حكايات" والسوشال ميديا كان لها تأثير كبير في لفت الانتباه إلى الاتهامات التي طالته، ودفعه إلى الكتابة ومطالبة "الناجيات" باتخاذ إجراءات قانونية ضده إن كان لديهن أدلة، وهو نداء دأب على إعلانه من جرى اتهامهم بالتحرش أو الاعتداء الجنسي منذ واقعة الفيرمونت، إذ سببت الإجراءات التي اتخذتها الميابة العامة بحق الشهود فيها، خوفاً لدى المتعرضات للتحرش والاعتداء، والمتضامنات معهن من تقديم البلاغ خشية التعرض للسجن أو الوصم.
تقول الصحفية رشا عزب التي يتهمها البلاغ المقدم من إسلام عزازي بالسب والقذف لرصيف22، إن "قيام شخص متهم بوقائع تراوحت بين الإغتصاب والتحرش باتهام آخرين بالسب في حقه، ليس إلا محاولة لتخويف النساء من الحديث عن ما يتعرضن له، بل وإسكات المتضامنات معهن، وهو أيضاً محاولة فاشلة لغسل السمعة وإدعاء كذب الوقائع التي تم نشرها عبر مدونة ‘دفتر حكايات’، مستغلاً عدم قدرة الناجيات على التبليغ لأسباب عديدة، من بينها أنه لديه علاقات وصداقات في الوسط السينمائي، وداعمين قد يمارسوا أشكالا تعسفية ضد الناجيات، مما قد يؤثر على مستقبلهن المهني".
وعن أسباب اختيارها وعائدة الكاشف من ضمن الآلاف من المدونات والمتضامنات الذين كتبوا وأعلنوا عن مواقفهم في تلك الواقعة، تقول "أعرف المخرج عن قرب منذ ثلاث سنوات، وكانت تجمعنا صداقة وعلاقات متشابكة في العمل والرؤى، ووصلني مثلما وصل لآخرين أنه شخص غير مريح في تعاملاته مع النساء، ثم تطور الأمر إلى تأكيدات وحكايات من صديقات مشتركات في الدائرة الضيقة التي تجمعنا سوياً، وهو ما وضع عليّ وعلى أخريات واجب تحذير تلك الدائرة الضيقة، خاصة من النساء حتى لا يكون هناك ضحايا جدد. وبالفعل قمنا بذلك قبل انتشار الحديث ونشر الشهادات عبر المدونات ووسائل التواصل الإجتماعي بفترة. ومحاولات النفي التي قام بها هو وداعمين له من الوسط السينمائي المستقل الذين - من المفترض وفقاً لرؤيتهم الفنية والمجتمعية- أن يتخذوا موقفاً مغايراً [...] إلا أن منطق الشلة والجماعة والدعم غير المشروط كان السائد، وهو ما ألقى علينا حمل أن نكون داعمين وبقوة لكل الناجيات الذين أعلنوا واللائي لم يعلن بعد".
رشا عزب: "قيام شخص متهم بوقائع تراوحت بين الإغتصاب والتحرش باتهام آخرين بالسب في حقه، ليس إلا محاولة لتخويف النساء من الحديث عن ما يتعرضن له"
وحول طلب الدعم ممن اتهمن المخرج بالتحرش والاغتصاب، تؤكد عزب أنها تعرف ناجيتين على الأقل ممن نشرن شهاداتهن عبر المدونة. إلا أنها لن تطلب منهما أو من الناجيات "بأي شكل من الأشكال أن يقوموا بأكثر مما قاموا به في نشر شهادتهم وهو عبء نفسي كبير، إلا إذا رغبن باتخاذ إجراءات أخرى بعيداً عن أية ضغوط قد تمارس عليهن لأي سبب من الأسباب".
وأضافت عزب في إشارة إلى إسلام عزازي "المخرج يعلم أن خلافتنا معه ليس لها علاقة بالسب والقذف، بل بالتحرش. وبالتالي إدانتنا في وقائع سب وقذف لن ينفي إدانته، وتأكدنا من تورطه في وقائع استغلال نساء ومحاولات الإغتصاب والتحرش التي قام بها. واتخاذه تلك الإجراءات (نقديم بلاغ ضد الداعمات) لن يسكتنا مهما كانت التكلفة".
وتتفق معها المخرجة عائدة الكاشف المقدم ضدها بلاغ من المخرج نفسه، مؤكدة أن إتخاذ إجراء تقديم بلاغ ضدها وضد رشا عزب "لن يؤثر على الحراك النسوي في مواجهة قضايا التحرش، واستخدام الأدوات المتاحة، بل وتطويرها من قبل النساء في مواجهة تلك الجريمة التي ترتكب يومياً في حق نساء مصر".
أشارت الكاشف إلى أن ما فعله المخرج المتهم بالتحرش "يعكس منهجية التفكير في الضحايا، هو أغلب الوقت ينظر إليهن أنهن لا يمكن أن يكن نداً له، وليست لديهن القدرة على الإعلان والمواجهة، ومن ثم فإنه يرى أن هناك ضرورة لمعاقبة المتضامنات معهن لاخافتهن وإفقاد الناجيات أدوات وآليات مثل الكتابة على المدونات لإسكاتهن للأبد".
تري عائدة أن هناك ضرورة لأن يفتح نقاشاً عاماً بين النساء حول تطوير تلك الأدوات، والفهم القانوني لها لكي لا تترك فرصة للجناة بالتهرب من أفعالهم، مستغلين الأوضاع التي تعيشها النساء في مصر.
إلهام عيداوس: هناك غياب لآليات العدالة، وقصور في دور المؤسسات الحكومية والمستقلة في إجراء تحقيقات عادلة مع المتهمين في قضايا التحرش أو محاسبتهم
إلهام عيداروس الناشطة النسوية، ترى أن ما حدث من المخرج المتهم بالتحرش أمر متوقع "لأسباب عديدة"، من بينها "غياب آليات إنصاف العدالة، وقصور دور المؤسسات الحكومية والخاصة والمستقلة في معاقبة أو بحث أو إجراء تحقيقات عادلة مع المتهمين في قضايا التحرش".
واعتبرت عيداورس أن "المخرج المتهم بالتحرش الذي قرر معاقبة المتضامنات مع ضحاياه استند إلى عدم قيام المؤسسة التي يعمل معها وهي هنا الشركات المنتجة لأفلامه، والمجموعات التي يعمل من خلالها في التدريب أو الاخراج بالتحقيق معه. إضافة إلى الدعم الذي قدم له من مجموعات من السينمائيين المستقلين الذين طالما تحدثوا في أعمالهم الفنية عن دعم المرأة وحاولوا أن يعكسوا ما تعانيه في المجتمع. لكنهم مع أول اختبار رسبوا بجدارة في أن يكونوا داعمين حقيقيين في مواجهة شخص متهم، وبنسبة كبيرة مدان بالتحرش والإغتصاب وإستغلال النفوذ. وهو ما منحه قوة في التعامل مع الاتهامات وصلت به لحد مقاضاة المتضامنات مع الناجيات".
عيداروس التي سبق لها المشاركة في تشكيل لجان للتحقيق بشأن اتهام حقوقيين بالتحرش أو الاعتداء، تساءلت عن السبل المتاحة أمام الناجيات وضحايا التحرش "في ظل القصور التشريعي والوصم المجتمعي".
ودعت عيداروس إلى "تدشين حملة تضامن مع المتضامنات الذين تم تقديم بلاغات في مواجهتهن" في إشارة إلى عزب والكاشف، و"أن يتم الضغط على المؤسسات التي تدعي أنها مستقلة لتقوم بدورها في الضغط على المخرج المتهم بالتحرش لسحب بلاغه، وإجراء تحقيق معه فيما نسب إليه من اتهامات".
من جانبها تقول المحامية بمركز حرية الفكر والتعبير فاطمة سراج، إن التضامن مع الناجيات في قضايا التحرش "طالما لم يحمل سب وقذف وخوض في الأعراض فإنه لا يعد سباً وقذفاً، بل في الكثير من الأحيان تعتبره النيابة بلاغ عن واقعة، إضافة إلى ذلك؛ لو هناك حملة إعلامية وحالة تضامن عامة؛ فإن الشيوع يعتبر قرينة في صالح المشكو ضدهم بالسب والقذف، خاصة مع اتجاه النيابة إلى دعم النساء في قضايا التحرش".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
علامي وحدي -
منذ ساعة??
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 21 ساعةرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون