شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اترك/ ي بصمَتك!
نحو معجم للشتائم في زمن الحساسيات المفرطة

نحو معجم للشتائم في زمن الحساسيات المفرطة

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

الخميس 2 يونيو 202211:00 ص

ليس من السهل أن نتخيل عالماً خالياً من الشتائم، خصوصاً أن وعداً ربانياً كهذا، يمكن تلمسه إن تبنينا قراءة شديدة البراءة للجنّة في الإسلام، حيث لا لغو ولا كذب، ولا شتائم، لا إهانات ولا غضب، بل لطف مفرط وورقة حد الذوبان، نطرح السؤال حول الشتائم وحدود الشتم وأحقيته، كوننا في زمن مفرط في حساسيته، لكن الشتيمة أو النكتة التي تحوي شتيمة أو إهانة، الناتجة عن غضب أو في سياق المزاح، جزء من حرية التعبير، المضمونة نظرياً، والتي لا نعلم من لا يمكن أن يدافع عنها، لكن هناك إشكالية في بنية الشتائم الحالية، والتي في حال إطلاقها، جَداً أو مزاحاً، قد "تلغي" أحدهم، أو تهدد نشاطه المهني، ويتحول إلى مُتهم بكل الصفات الرجعية التي يمكن تخيلها.

هناك محاولات متحذلقة لتفسير معنى الشتيمة، حاولت مرة اللعب حولها في إشارة إلى "ضرورة شتم أعراض اللؤماء"، عبر اللجوء إلى المعاجم وكتب التراث، في محاولة للدفاع عن الحق بإهانة فئة نـ(أ)ـختلف عنها سياسياً وأخلاقياً، لكن حتى على المستوى اليوميّ، فقد الشتم قدرته التعبيرية 

هناك محاولات متحذلقة لتفسير معنى الشتيمة، حاولت مرة اللعب حولها في إشارة إلى "ضرورة شتم أعراض اللؤماء"، عبر اللجوء إلى المعاجم وكتب التراث، في محاولة للدفاع عن الحق بإهانة فئة نـ(أ)ـختلف عنها سياسياً وأخلاقياً، لكن حتى على المستوى اليوميّ، فقد الشتم قدرته التعبيرية بسبب عدد من الإشكاليات، ووجدت فئة من الغاضبين نفسها -وأحياناً من تعرضوا للشتيمة- عاجزة عن الرد، فـ"أثر القشعريرية" أو الخوف من رد فعل "الجميع" أصبح شديد الوضوح ويهدد فعل الكلام نفسه، خصوصاً حين يتعلق الأمر بالموضوع الجندري وتبادل الشتائم بين الرجال والنساء، ولا نقصد هنا غياب حق التشاتم، أي من يَشتم يُشتم، بل ما يتحرك بعد الشتيمة من اتهامات "ذكورية، عنصرية، خطاب كراهية، تنمر، استعلاء ..."، قد لا تكون صحيحة، أو لا تصف بدقة خصوصية الشتم الذي يحتاج حالياً لدراسات تقاطعية من أجل توجيه الشتيمة المناسبة، دون أن يفقد الشاتم عمله أو يتحول إلى عدو الشعب، أي لابد من توجيه شتائم لا تعتمد على الهويات وأطيافها الجندرية والعرقية، لكن هكذا شتائم صعبة الارتجال لحظة الضرورة، فنحن أمام عدة إشكاليات، العنوان العريض الذي يجمعها: كيف نشتم دون أن تتحول الشتيمة إلى خطاب كراهية أو تمييز جندري أو ترسيخ للامتيازات ؟ بصورة أخرى، كيف نشتم الشخص دون المساس بهويته؟

الإشكالية الأولى: أزمة التراث الذكوري

غالبية الشتائم في اللغة العربيّة توظف جسد المرأة من أجل إهانة الرجل، هذه حقيقة لغوية لا يمكن تجاهلها، هذه الشتائم متداولة في أمهات الكتب وفي الحياة اليوميّة، وإلى الآن لم يقدم بديل عنها. لا ندافع عن الشتائم القائمة، لكن الأثر العاطفي للشتيمة المتداولة يشبع الغضب، أو الرغبة برد الأذى أو التعبير عن الامتعاض، لكن التلاعب على الشتائم لجندرتها أو قلبها لا يحقق ذات الأمر مثلاً، هل يمكن لشتيمة "يلعن أير أبوك" أن تترك الأثر العاطفي نفسه لدى قائلها في حال وجهت لوالدته أيضاً، وإن تجاهلنا شتائم الأعضاء، والممارسات حول الأعضاء، وشتائم المهن المرتبطة بالأجساد، التي كلها تنتصر للرجال و توظف جسد المرأة للرجل، كيف يمكن أن نشتم أحدهم/ إحداهن بفجور؟ أي كيف يمكن أن نغضب حد فتح السد أمام سيل من الشتائم دون أن نتهم بمخالفة الصوابية السياسية و"قوانين" الجندر؟

إن تجاهلنا شتائم الأعضاء، والممارسات حول الأعضاء، وشتائم المهن المرتبطة بالأجساد، التي كلها تنتصر للرجال و توظف جسد المرأة للرجل، كيف يمكن أن نشتم أحدهم/ إحداهن بفجور؟ أي كيف يمكن أن نغضب حد فتح السد أمام سيل من الشتائم دون أن نتهم بمخالفة الصوابية السياسية و"قوانين" الجندر؟

نعلم أنه لا توجد إجابة على التساؤلات السابقة، لكن لا نريد تبني الرأي الذي يرى أن الشتيمة نفسها حل سهل أو رخيص، أو تنهي الحوار، كون الشتيمة مرضيّة نوعاً ما، إهانة لفظية، احتمالات تحولها إلى خطاب كراهيّة ضئيلة في هذا العصر المفتوح على الحساسيات، كون خطاب الكراهية يفترض عنفاً لاحقاً، أو تعييراً جسدياً أو أخلاقياً لا دور للشخص المُهان فيه (هذه مختلف على شأنها)، كما أن الشتيمة لا تهدد "مكانة" المتعرض للشتيمة كما في خطاب الكراهية، ولا تقف بوجه تقدمه في الحياة، أي في أغلب الأحيان لا تحوي وراءها قوة مادية تعيق المشتوم، مثلاً كيف يمكن لمرأة أن تشتم رجلاً كان من المفترض أن يصلح هاتفها النقال الذي يحوي معلومات هامة، لكنه قام بحذف كل شيء عليه؟ أو كيف يمكن لرجل ذاهب إلى اجتماع هام ببذلته الرسميّة أن يشتم امرأة قامت بصب فنجان القهوة الذي تحمله في الشارع بأكمله على قميصه، وهي تحاول أن تلتقط سيلفي؟

الإشكالية الثانيّة: هل نقدّس جسد المرأة أم نمتهنه؟

هناك رأيان مختلفان بخصوص جسد المرأة، الأول يرى أن استخدام جسدها لشتمها أو شتم الرجل ليس إلا ترسيخاً للتقاليد الذكورية الماضية، وإمعاناً في تحطيم مكانتها، سواء كانت شخصاً عاماً سياسياً أو شخصاً عادياً، الرأي الآخر يرى أن حماية جسد المرأة من الاستخدام فيه نوع من القدسية، وهذا أيضاً شأن ذكوري، يعيد المرأة إلى سياق الحريم، بوصفها كائناً مختفياً، لا يجوز مسه أو لفظ اسمه أو الاقتراب من أي جزء منه.

هذان الرأيان جندريان بامتياز، لكن نقرأ في العديد من الكتب، روايات كانت أو أبحاث، عربية أو أجنبية، نساء يستحققن الشتم حسب تعبير المؤلفين أنفسهم، مثلاً، من تتهم رجلاً بالاغتصاب زوراً، الأم الكارهة لأولادها والتي تسيء لهم نفسياً وجسدياً، الصديقة التي تخدع أحدهم للحصول على ماله، الموظفة التي برغم كل النسويات حولها تستخدم جسدها من أجل الترفع الوظيفي، كل هؤلاء والغضب المترافق مع سلوكهن، كيف يمكن شتمهن؟

كل الشتائم إن تمعنّا بمعانيها اللغوية والمعجميّة، قائمة على إهانة أو انتقاص أو تعيير ما، يرتبط إما بالأخلاق أو الخُلق أو المهنة المشبوهة، وفي الحالات السابقة لا نمتلك لغة للتعبير عن الغضب أو الانفعال العاطفي، دون الغرق في جيش المدافعين، أولئك الذين يرون أن شتيمة امرأة، حتى لو كانت تستحقها، هي شتيمة لكل النساء، بصورة أخرى، كيف يمكن شتم امرأة بصورة فرديّة، دون إهانة كل النساء في كل العالم؟ هل هناك شكل فنيّ مناسب ومرضي عنه؟ هل هناك كلمات محددة؟

الإشكالية الثالثة: ألا يحق لنا أن نكون بذيئين شتّامين؟

لا نحاول هنا التهجم على الأخلاق الحميدة (لا تبنياً لها، لكن حذراً)، لكن هذه القشعريرية والحساسيات العالية وصلت إلى حد قد يصادر فيه الحق بالكلام البذيء، وأسلوب التعبير عن الذات بشكل حر، (يذكر من تاريخ السينكية كيف قام ديوجانس، أحد فلاسفة السينكية، بالاستمناء والتبول وشتم أفلاطون والسخرية منه ومن طلابه في السوق)، ولا نحاول هنا أن نقول إن الحق بالشتيمة هو انتصار للسفلة والمنحطين، لكن نسأل ما هي المساحة التي يحق فيهل للفرد أن يطلق العنان للسان غضباً؟

لن نشير هنا إلى حالات الإحباط التي ينتج عنها العنف لاحقاً بسب الحس بالاستحقاق وكرنفال المشاعر الذي يحكم العالم الآن، (كتاب الحق بالجنس يشير إلى هذا الموضوع)، ولا نحاول أن ننصاع لمقولة "كظم الغيظ" أو" إدارة الوجه الآخر"، لكن كيف يمكن لامرأة تعمل بكدّ كي تنال ترقية أن تشتم أخرى قررت مغازلة المدير؟ ذات السياق ينسحب على علاقات الرجال المثليين.

الإشكالية الرابعة: حيرة خطاب الكراهية والتنمر و"جرح المشاعر"

تحولت كلمات "خطاب الكراهية" و"التنمر" إلى أسلحة يستخدمها كل من تأثرت مشاعره، كرنفال من العواطف يجب المشي ضمنه بحذر، ولا نتحدث هنا عن الشتم بوصفه المثال الأشد، بل ينسحب الأمر على النكات نفسها، تلك التي تتطلب في تكوينها الداخلي إهانة من نوع ما، خصوصاً حين توجه لأشخاص لا تُهدد الكلمات مكانتهم، مثلاً التهكم من مدير شركة أصلع لن يهدد عمله الوظيفي أو يمنعه من الاستمرار في إدارة الشركة، السخرية من شعر جيدا بينكيت سميث الحليق، لا يهدد مكانتها كممثلة تجلس في الصف الأول، أي النكتة أو الشتيمة ليست جزءاً من خطاب قادر على حرمانها من مكانتها، وليست نقطة ضعف تستغل ضدها أو ضد مدير الشركة. ذات الشأن مع التنمر، الذي يكون بإمعان فتق الجرح حد شلّ صاحبه، وخطاب الكراهية اجتماع "الكل" على تحقير فئة وحرمانها من حقوقها وتعريضها للعنف، وكل هذا لا ينطبق على لحظة الشتم وإطلاق النكات البذيئة، فجرح المشاعر مختلف عما سبق، والأهم، ليس بجريمة. قد يكون دليل نذالة أو غضب، لكن المعاقبة بسبب جرح المشاعر لا تهدد فقط حرية التعبير، بل التعبير بأكمله.

عن تحرير الشتائم من تاريخها الذكوري مع الحفاظ على الإهانة... نحو معجم للشتائم في زمن الحساسيات المفرطة

محاولة لبناء معجم الشتائم الما بعد جندريّة

في محاولة منا لتفادي كل الإشكاليات العلنية والخاصة، وفي سعي لإعادة النظر في التراث العربي، وتحرير الشتائم من تاريخها الذكوري مع الحفاظ على الإهانة، نقترح هنا خمس كلمات مع تعريفاتها المعجمية، تستهدف "الفرد"، ذكراً كان أو أنثى، مهما كان لونه أو عرقه، الهدف من هذه الكلمات شتم الشخص دون أي تعميم يشمل أقرانه أو المشابهين له.

1- الزمقطط-الزمقططة: كلمة تطلق على الأفراد الذين نريد توجيه الإهانة لهم بسبب حماقة ارتكبوها وأدت إلى فقداننا للنقود.

2- القفّاح-القفّاحة: شتيمة من الممكن أن تنطق بالصوت العالي من أجل الإشارة إلى فرد لا يلتزم بالآداب العامة، ويهدد سير الناس في الشارع.

3- لاطس- لاطسة: تستخدم هذه الشتيمة بكثرة في الاحتجاجات السياسيّة لإهانة المسؤولين والمسؤولات بسبب تقصيرهم وفسادهم الفاحش.

4- الكصل-الكصيلة: لا يوجد استخدام محددة لهذه الكلمة، إذ يمكن أن تلفظ عند الغضب، أو عند إيقاع الهاتف في فوهة المرحاض، أو حين اصطدام السيارة بأخرى في الشارع.

5- القه-صه: اسم فعل أمر يفيد في الإشارة إلى الفرد الذي لا يلتزم بالمواعيد ويتجاهل أن الآخرين ينتظرونه في الشارع، وحين يصل لا يعتذر ولا يبرر موقفه.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard
Popup Image