شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!
ليس للمال رائحة... تجارة الكيلوتات الملبوسة للنساء

ليس للمال رائحة... تجارة الكيلوتات الملبوسة للنساء

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة

الثلاثاء 10 مايو 202211:00 ص

كان مسيلمة بعد ادعائه النبوة قد اعتزل مع أتباعه لحرب الخليفة أبو بكر الصديق، فاشتاق لزوجته سجاح التميمية، فأرسل لها أن ارسلي لي رداءك، وكان يشمّه وينعظ عليه، وقال فيه:

شغلنا عن سجاح بريحها، يا له من ريح قوي البانِ

مالي بها وقد عوضتها، بأقطان لها ذات صنان

عندما بدأت أليكس في مسلسل "orange is the new black" ببيع سراويل السجينات الداخلية القذرة لرجال خارج السجن، لم تكن قد توقعت أن تحصد تجارتها هذا النجاح الرهيب، فتجارة الثياب الداخلية القذرة جزء من اقتصاد جنسي قائم على الطلبات الغريبة لفئة من الذكور، ممن يبحثون عن متعة فيتشية ما، تضعهم في خضمها الروائح الجنسية للنساء.

الإعلان والتجارة

"هل تودين أن تضخّمي حسابك المصرفي، هل ترغبين ببعض العمل الذي لا يكلفك شيئاً؟ قومي ببيع ملابسك الداخلية القذرة هنا"ـ يأتي الإعلان بسيطاً ووضاحاً، غير معني بـ "أخلاقيات" ما، مقابل مبلغ يتراوح بين 25 و500 دولار (يتعلّق السعر هنا بعدد الأيام التي تمّ ارتداء السروال فيها، كمية الرائحة والسوائل التي يحملها إضافة لنوعيته... دانتيل، حرير، قطن أو بوليستر) يمكن لرجال أن يحصلوا على كيلوت نسائي مبلل بدم الدورة الشهرية، بقع الأورغازم، قطرات البول أو بالإفرازات العادية للنساء. هناك عميلة باعت كيلوتها بمبلغ 5000 دولار فقط لأنها ارتدته ثلاثة أسابيع دون توقف. كان الكيلوت قد أشبع بكمية مهولة من الإفرازات والعرق، وأصبح منجماً ذهبياً للروائح والفيرمونات.

"هل تودين أن تضخّمي حسابك المصرفي، هل ترغبين ببعض العمل الذي لا يكلفك شيئاً؟ قومي ببيع ملابسك الداخلية القذرة هنا"

لكن الأمر بالتأكيد ليس بالسهولة هذه، إذ تعتمد تلك المواقع على العديد من الاختبارات لضمان أن الملابس الداخلية تلك تعود لنساء حقاً، ومن هذه الضمانات، صور الهوية أو جواز السفر، ضرورة إرسال صور متعددة للعميلة وهي ترتدي القطعة المراد بيعها، صور تُظهر مراحل تقدّم "القذارة" على القماش الملون، كما يتوجب عليها أن تتكلم عن تفضيلاتها الجنسية، عما يثيرها وتجعلها "تتبلل"، أي كل ما من شأنه أن يقدم متعة مضمونة وغير مزيفة للمشتري القابع قرب صندوق البريد، بانتظار أن تصله قنبلة الروائح، وهذا كلّه جزء من التسويق على النحو الآتي: "فتاة بيضاء، آسيوية، 16 سنة، تحب مداعبة نفسها خلال درس الفيزياء، تثيرها رموز العناصر الكيميائية ويمكن أن تصل للنشوة بمجرد رؤية مشهد من هاري بوتر أو غيم أوف ثرونز".

كيف نشأت هذه السوق

تلقي العقلانية الغربية تلك الممارسات باستمرار للخيال الشرقي "المريض"، كما يصفونه، لفتيات الغيشا ورسوم الهنتاي والأزياء التنكرية ذات الطابع الجنسي المفرط والبيدوفيليا وأزياء فتيات المدارس المثيرة، وأيضاً آلات بيع الثياب الداخلية القذرة.

عندما بدأت أليكس في مسلسل "orange is the new black" ببيع سراويل السجينات الداخلية القذرة لرجال خارج السجن، لم تكن قد توقعت أن تحصد تجارتها هذا النجاح الرهيب، فتجارة الثياب الداخلية القذرة جزء من اقتصاد جنسي قائم على الطلبات الغريبة لفئة من الذكور

تتوقف فتيات المدارس الثانوية أمام متاجر بيع الثياب الداخلية صباحاً، ليحصلن على كيلوتات نظيفة ثم يعدن بعد نهاية الدوام المدرسي ليستبدلنها بالنقود، بعد أن تكون قد تبللت بالإفرازات خلال الحركة الاعتيادية، وكلما كانت الفتاة نشيطة جنسياً كلما زادت حصيلتها من "البضاعة" المرغوبة والتي تغذي الخيال.

آنذاك، في بداية عام 1993، كانت آلات البيع الأتوماتيكية قد بدأت بالانتشار لكنها كانت مقتصرة على علب السجائر، الشوكولا والبسكويت وظروف الواقي الجنسي، ولم يمض وقت طويل حتى تم دمج آلات البيع مع السراويل المستعملة، مع الالتزام بالسرية الكاملة، الرائحة المحفوظة جيداً وجزيئات الإثارة التي تتقطّر من المنتج.

أثارت هذه الآلات ضجة في اليابان وسط اعتراض السكان على الموضوع، لكن المشكلة التي واجهت السلطات أنه لا يوجد قانون في البلاد يمنع الأمر، فاتجهت السلطات نحو المبرر الصحّي لمنعها، ذلك أن القانون يدقق في الموانع الصحية التي تواجه بيع ثياب مستعملة، وعليه منعت تلك الآلات من العمل بعد أشهر قليلة فقط على انتشارها، ولكنها استمرت في المتاجر الإلكترونية ومواقع بيع السلع الجنسية، لتنفجر مجدداً في بداية الألفية الثالثة، وتصبح سوقاً واسعة تدفع عنها الضرائب وتحميها قوانين السوق.

كيف تعد البضاعة للبيع

الأمر ليس معقداً كما ينطبق على أي بضاعة، ذلك أن الزبائن وهم غالباً من الذكور، يحبون شمّ وتلمّس الثياب الداخلية للنساء، يمنحهم الأمر إحساساً فريداً ونشوة هم وحدهم من يستطيعون مقاربتها والبناء عليها.

سواء كانت الملابس من القطن أو الحرير، بخيط أو شفافة تماماً، جديدة أو ذات اهتراء قليل، فثمة من يرغب بامتلاك هذه القطعة من الجنة، وستخبره القطعة بعدد مرات حالات النشوة التي امتلكتها صاحبتها، بتفاصيل الأيام التي ارتدتها فيها، بل وحتى عدد المرات التي قهقهت فيها حتى بللت نفسها.

إن تهيئة الثياب الداخلية التي تقوم بها بعض النسوة لمواقع البيع على الإنترنت تعطي أيضاً المرأة شعوراً بالحميمية، كأنها تجهّز عشاء رومانسياً لحبيبها، تحفّزه وتلتصق به وتستعد لسرد تفاصيل يومها عليه، ولكن هذه المرة ستستبدل الشموع والعطور وكاس النبيذ، بعناصر أخرى أشدّ حميمية وأكثر التصاقاً بها، بجلدها وبشرتها وإفرازاتها الداخلية، برائحتها ورغبتها وخوفها، عناصر مؤلفة من جزيئات الرغبة بالتواجد مع أحد والتي تقول بوضوح: أنا أفعل هذا لأجلك، لأجل متعتك المنحرفة وغير المفهومة، أيها الرجل الأخرق.

"فتاة بيضاء، آسيوية، 16 سنة، تحب مداعبة نفسها خلال درس الفيزياء، تثيرها رموز العناصر الكيميائية ويمكن أن تصل للنشوة بمجرد رؤية مشهد من هاري بوتر أو غيم أوف ثرونز"

ما الذي يدفعهم لشرائها

من الصعب الإحاطة بالأسباب التي تدفع رجل لتشمّم كيلوت نسائي متسخ وتقبيله، إذ تتراوح بين الاضطراب النفسي الشديد أو الرغبة بالتواجد في دائرة اهتمام النساء كما يخيل له، الحب الجنوني والخيالات الغامضة التي تستبدل أشياء المرأة بالمرأة نفسها، فأغلب الرجال الذين تركوا تعليقاتهم على مواقع الشراء كانوا يتحدثون عن امتلاك لحظة مشابهة للحظة النشوة التي بلغتها المرأة صاحبة الأندر وير، وبعضهم "يفلسف" الأمر حدّ القول بأن تلك اللحظة تعادل وجوداً بأكمله.

يشعر البعض بالذنب والمتعة المنحرفة للقيام بهذا، هم مدمنون على فكرة مشاركة النساء لحظاتهن الحميمة، تلمسهن والرغبة فيهن وتقدير أنوثتهن، أولئك الذين لم يحالفهم الحظ بالتواجد مع امرأة في حيّز مكاني واحد، ولا استطاعوا التوصل لمتعة تبادل المشاعر والرغبات، سيكون بإمكانهن تبادل بعض من أشد اللحظات التصاقاً بتلك النسوة، يستطيعون أن "يشمّوا" قصص غرامهن وخيباتهن، أوهامهن ومتعهن الخفية، وذلك بمساعدة قطعة بسيطة متعرّقة، مشدّ مطاطي، جورب طويل أو سراويل قطنية ذات أزهار مطبوعة، ففي النهاية، يمكن مشاركة هذه اللحظات الفريدة، كما يمكن الاستمتاع بحوار شيق وطويل حول أثر زيادة درجة حرارة الكوكب على الأرض.

إنشاء المنحرف

بالطبع سيتفاجأ الكثيرون بإدراك مدى سهولة الموضوع وقانونيته، وإنها عملية تجارية بحتة لا تتعلق بانحراف ما ولا بمرض، إذا  توقفنا عن الحكم على الأشخاص ورغباتهم، مهما كانت وجهة نظرنا بغرابة أطوارهم، أو بانحرافهم عن آداب المجتمعات والأديان، ولا ريب أن الكثيرين ربما سيقومون بنصح من يعرفون أن لديه مثل تلك العادة، تشمّم الثياب الداخلية للنساء، بقراءة بعض الآيات القرآنية ربما أو الذهاب إلى الطبيب النفسي، وربما سيقترح بعض المتحمسين الحجر على أشخاص كأولئك أو سجنهم.

لكن، هل من يقوم بذلك هو منحرف حقاً؟ وماذا يعني الانحراف هنا؟

هل هناك فرق بين من يشترك بالمواقع الإباحية أو يدفع مبالغ كبيرة ثمناً لنسخ أصلية من مجلات البورنو وبين من يشتري ثياباً داخلية مبللة؟

لا تخضع الروائح لأخلاقياتنا ولا لسلوكياتنا وتوصيفاتها الجاهزة وانطباقها أو انحرافها عن خط "الأخلاق" العام. نحن نشتري ما يجعلنا أكثر راحة، ما يشبع رغباتنا بالاستهلاك أو بالتملّك، ما يجعلنا نكشف عن وجودنا كأنوف تشمّ أو ألسنة تلعق، نحنا جميعاً في هذا العالم الغريب منحرفون

هل هناك فرق أصلاً بين من يشترون عطوراً أو مزيلات تعرّق ومواد تجميلية وبين من يفعل هذا؟

المادة واحدة في الحالتين: الرائحة، لا تخضع الروائح لأخلاقياتنا ولا لسلوكياتنا وتوصيفاتها الجاهزة وانطباقها أو انحرافها عن خط "الأخلاق" العام. نحن نشتري ما يجعلنا أكثر راحة، ما يشبع رغباتنا بالاستهلاك أو بالتملّك، ما يجعلنا نكشف عن وجودنا كأنوف تشمّ أو ألسنة تلعق، نحن جميعاً في هذا العالم الغريب منحرفون ونمارس انحرافاتنا في كل مكان، بعضها انحرافات أصبحت مقبولة، كالصلاة أو الإيمان بالله والوطن والعائلة، وبعضها في طريقه ليصبح كذلك.

نفس الرائحة التي نرغب بأن تكون في متناولنا دوماً، نضع منها على جلدنا، نتشممها باستمتاع كبير، ونحتفظ بها في قارورة على رف الحمام، لكن هذه المرة موجودة في لحظتها، مقبوض عليها باللحظة التي امتلكتها المرأة وأرسلتها لنا، مشفوعة بأشد اللحظات حميمية وصدق، مع الكثير من الإفرازات التي يمكن أن تكون مقرفة للبعض، لكنها للبعض الآخر تماثل الحصول على العالم مكثفّاً في قطرة بيضاء على دانتيل ناعم.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image