شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

انضمّ/ ي إلى ناسك!
المرأة في روايات الكتاب العرب... روائح وقصص وأجساد للبيع

المرأة في روايات الكتاب العرب... روائح وقصص وأجساد للبيع

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة

الأربعاء 23 فبراير 202212:00 م

نظرت الرّواية العربية التي كتبها الرجال بعين حذرة إلى المرأة، ورأتها في صورة الأمّ الملاك الحاضر دوماً في حياة الأبطال، والحبيبة التي حرمتهم الظّروف منها، والتي ستشكّل هاجساً يلاحق حياتهم ويمثل نموذج المرأة الكاملة. بين شخصية زينب الضحية المحرومة من الحب في رواية "زينب" لمحمد حسين هيكل، وليلى الضّحية المنبوذة في رواية "لقيطة" لمحمد عبد الحليم عبد الله، ونساء نجيب محفوظ سيّئات السّمعة دوماً، والشّقيات وسليطات اللّسان، والمتسلّطات، ما عدا أمينة زوجة سي السيد، في رواية "بين القصرين".

في الرّوايات المعاصرة تختلف رؤية الكُتاب العرب إلى المرأة، فتبدو في صورة إيجابية رغم حضورها الثانوي في بعض الروايات، مثلما حدث في رواية "ثورة الأيام الأربعة" لعبد الكريم الجويطي، حيث تحضر الأم الحنون، ومديرة الأب الصارمة والجميلة والقوية التي وقع الأب في غرامها. والأستاذة الزميلة، وأهم شخصية إلى جانب المديرة القوية، هي  الرايسة. امرأة قوية ومسيطرة، مشرفة على بيت دعارة في الوادي حيث تجري أحداث الثورة، وتمتلك حكمة وقوة وبأساً ليس له مثيل. لعل بيوت الدّعارة ونساءها عامل مركزي في كثير من الرّوايات العربية التي لا تكاد تخلو من المومسات إلى جانب الأم والحبيبة.

بطلة فوق العادة، مسيطرة على مصيرها وعلى مصائر آخرين، قويّة بالنفوذ أو المعرفة أو الجنس أو الموت... المرأة والحب في روايات العرب

طعم النوم: شهرزاد والجميلات النائمات

يتوسّل الرجل أمام المرأة كطفل "لو استطاع لركع تحت قدميها ضاماً كفّين مجعّدتين نحو الإلهة العارية"، هكذا نتعرف على المرأة في رواية "طعم النّوم" لطارق إمام، من أوّل صفحة: بطلة فوق العادة، مسيطرة على مصيرها وعلى مصائر آخرين، قويّة بالنفوذ أو المعرفة أو الجنس أو الموت.

هي الفتاة التي لا تنام، ابنة ممرضة تقتل مرضاها بطلب منهم، "على عكس ما تفعله مدام شهرزاد، فالعجائز يتعرّون لها لكي تنيمهم بحقنة، بينما سأتعرّى أنا للرّجال مُنوّمة بحقنة. هي تحكي لهم، بينما جئت أنا هنا لكي أنصت لهم".

ستصبح الفتاة إحدى الجميلات النّائمات في رواية "الجميلات النائمات" لياسوناري كاواباتا؛ حيث تواصل "طعم النوم" ملاحقة خيط الحكاية الذي يقدّم فتيات يافعات يدخلن بيت دعارة مختلف عن كلّ ماهو موجود سابقاً: "في الركن لمحتُ مانيكان لأنثى عارية. لسبب ما بدت لي امرأة حقيقية محنّطة، ورغم الرّعب وهاجسي الذي شعرتُ به مؤكّداً، أطلتُ النّظر لهذه الحياة المحتبسة في نظرة محايدة، ووجه يخون ملامحه وجسد تجمّد فجأة في لحظة حياته القصوى".

مديرة بيت الدعارة روزا، أو روسا التي تعرفنا عليها في روايتي "الجميلات النائمات" لكاواباتا و"عاهراتي الحزينات"، لغابريال غارسيا ماركيز، "لا تحتاج أكثر من نظرة ليعرف الواقف أمامها أنه يواجه قوادة: هاتان العينان تنظران من أجل الرجال لا بحثاً عنهم. إنّها امرأة لا تشيخ، بسبب نظرتها تلك بالذات"، "تلتقط سلسلة المفاتيح الملقاة بإهمال على الكومودينو بجوار الجثمان المسجّى، تضع المفتاح الجديد بجوار عدد آخر من المفاتيح"، "تديرُ الحلقة حول إصبعها كبهلوان إلى أن أصبح التعرّف على ملامح المفتاح الجديد مستحيلاً، كأنّها تمحو ملامحه، فجميع المفاتيح هي المفتاح نفسه، الأبواب فقط هي التي تختلف"، بحيث تمثّل المرأة في هذه الاستعارة المفتاح، في حين يمثل الرجل الباب الذي يتحكم فيه المفتاح.

الرجل عاجز أمام جبروت المرأة؛ فهو إما المُسنّ العاجز الذي يستلقي بجوار الفتيات النائمات ويكتفي بالنّظر. أو العجوز الذي وضع حياته بيد الممرّضة التي تسلبه إياها بحقنة. "يراقبها كأنّه يقول لها: لن أموت قبل أن تكملي الحكاية، كأنّ الموت أكثر من مكافأة، كأنّه قرار شخصي"، لكنه يموت غير راض، فهي لم تُكمل الحكاية قبل أن تزرع الحقنة القاتلة في وريده.

قتل طارق إمام شهريار قبل نهاية الحكاية، كأنّه يقول إنّ أشد عقاب له هو حرمانه من معرفة ماذا حدث في اللّيلة التي تلي ألف ليلة، وتؤدي شهرزاد هنا، دور القاتل لا الضحية، شهرزاد الممرضة القاتلة مقابل شهرازاد القديمة التي كانت تهرب من الموت بالحكايات. ورغم أن خيط الحكايات يجمع الشهرزادين، إلا أنّ الأخيرة لم تحتفظ بقصتها الخاصة، رغم ما في جعبتها من قصص. "مثلما يملك البعض موهبة خاصة في التذكّر، كانت شهرزاد تملك موهبة أن تنسى. هكذا وصلت لعامها السّابع والستين وهي لا تعرف على وجه الدقة كيف كانت حياتها. كان نسيانها من نوع جارف وإرادي، يحيث تستبعد ما تريد استبعاده ببساطة".

"الأنثى أكبر مصيدة للذكر"... عن المرأة في الرّوايات العربية التي كتبها رجال لا تكاد تخرج عن هذه الشخصيات

التبر: المرأة سجنُ الرجل

افتتح بطلُ إبراهيم الكوني روايةَ "التبر" بمغامرات ليليّة مع جميلات الصحراء، التي يعود منها حرّاً كالطير. استغرق "أوخيّد" في حياته البرّية، حتى وقع في غرام جمل أبيض أُهديَ له، وعاشا معاً مغامراتهما العاطفية في الصحراء، مع إناثها من البشر والنّوق على حدّ سواء.

منذ البداية ورغم أن ما من امرأة جذبته، كانت نظرته سلبية تجاه النسّاء. يخاطب جمله الذي عدته ناقة بالجرب: "آه من جاذبية الأنثى. إنّها ذلك الجانب الخفيّ في المرأة. إنّها واضحة وبسيطة مثل الصّحراء، ولكن ليس ثمة شيء يفوقها غموضاً وخفاء.

إنّها مثل همهمات الجنّ في جبل الحساونة"، و"الأنثى أكبر مصيدة للذكر. سيّدنا آدم أغوته امرأته فلعنه الله وطرده من الجنّة، ولولا تلك المرأة الجهنّمية لمكثنا هناك ننعم بالنّعيم ونسرح في الفردوس"، ولا تنس أنه "في الحفر دائماً تختبئ الأفاعي والعقارب، تلدغ كل مستهتر يحشو عضواً من أعضائه هناك. فماذا فعلت بك ناقتك النّاعمة؟ هي أيضاً أفعى، ناعمة لكنها تلدغ".

صار أوخيّد يُعرف بجَمله، فيخاطبه شيخ قبيلة يتعرّف عليه لأول مرة: "يقولون إنّ المهري مرآة الفارس... الآن أستطيع أن أقول إنك شاب لا ينقصه الكمال". ثم دخل سجن الحبّ، وتزوّج محبوبته رغم معارضة أبيه، وسرعان ما لعن قرار الزّواج والمرأة التي سحرته، وجرّت رجله إلى هذا القيد الكريه، خاصّة بعد أن جاءه ولد مرفوقاً بالفقر والحرب معاً، فاضطرّته الحاجة لبيع الجمل لغريم له، يرغب في زوجته، وصار يقضي وقته في التحسّر طوال الوقت على حرّيته التي ذبحتها المرأة.

"في ذلك الوقت كان قادراً على أن يحقد على النّساء لأنّه يستطيع أن يرى الآن بعينيه لا بقلبه كما في الماضي، إذ بردت عواطفه وعاد إليه عقله، فتلاشى السّحر والجاذبية. وأيقن أنّ الحب مقبرة". و"حسد الرّاعي الطليق الذي لا يفكر إلّا في حفنة التبغ. كان طليقاً مثله. يتنقل مع الأبلق في صحراء الله الواسعة. ولكن هيهات، جاءت حوّاء ففرقته عن القبيلة وعن الأبلق. المرأة، المرأة...".

تخلى عن زوجته من أجل استعادة الجمل، وليلة زفاف غريمه على زوجته، قتل الغريم وهرب واختبأ في الصّحراء من أهل القتيل الذين طاردوه لفترة طويلة بلا كلل. وفي لقاءاته القليلة مع الرّعاة، سمع بتداول قصته في الصّحراء كلها، الرجل الذي بادل زوجته بجمل. الجمل الذي أحبّه أكثر من البشر جميعاً، والذي حين مرض بالجرب وكاد يموت، كان يصرخ ويبتهل:

"يا ربّي هل سيموت؟ ما ذا أفعل وحدي إذا ذهب؟ يا ربي"، "ثم انبثقت في مُقلتيه دمعتان كبيرتان، حارّتان مثل الجمر. أحسّ بالنار في عينيه، وقال عاجزاً: إذا كان ذلك ضرورياً فخذني معه". كانت المرأة في التّبر هي "الشّيطان الذي في صورة بشر".

في الروايات العربية  تبدو المرأة غالباً ما تكون إما مانحة للحبّ والحنان بلا حدود، وتكون عادة الأم أو الحبيبة الرّقيقة كالنّسيم أو العشيقة أو المومس المغرية، فيما تطفو سحابة من عدم الفهم مع باقي النّساء

رائحة الزعفران: قطّعن قلوبهن من أجل قميص يوسف

في "رائحة الزعفران" لزهير كريم، نجد نساء معطاءات وعاشقات ليوسف الجميل، على صدى النبي يوسف، وكان البطل يتلقى الأُعطيات الغرامية بكثرة من العاشقات اللّواتي لم يشعر تجاههن بأيّ عاطفة. نرى هؤلاء النساء في صورة العاشقات، لكن عاطفتهن في هذا الحب أموميّة، تُعطي ولا تأخذ ولا تطالب بمقابل، وأبرزهن الجارة حليمة التي أحبته بجنون، ولكنه لم يشعر إلّا بالأسى تجاهها.

حليمة التي تحكي عن حبها في العلن، تغنّي عنه ولا تكترث لأحد، لكنها في حالات الضعف كانت تبكي كذلك، وتنتابها لحظة انطفاء، فهي غير متعلمة وهو طالب في الجامعة وفنان ومثقف، هو وسيم فيما هي غير جميلة، وتكبره سنّاً، لهذا كرهت النّساء جميعهن لأنها اعتقدت أنّهن منافسات لها على قلبه، وكانت تحلم كلّ ليلة أنهن يَخُنّها مع يوسف، وليس العكس. تنشر إشاعات عن جاراتها وقريباتها وكيف ينمن مع حبيبها يوسف الذي لم يكن يراها، لكنّه في لحظة ما، وبعد أن علم بوفاتها، وصفها بالمرأة الشجاعة، "اذهبي أيّتها المرأة الشجاعة إلى عالم من السّلام الخالص".

عندما وقع يوسف في حب نارفين، إحدى زميلاته، وصف تجربة حبّه لها بأنّها "تجربته الوحيدة في البحث عن جوهر العالم، بعدما بدد كلّ حياته في النظر إلى القشور"، رغم أنه سبق ووصف حليمة بأنّها علّمته الغوص في العمق بدل السطح.

باقي النساء كنّ الأم المعطاء بلا نهاية، زوجة أب حليمة التي أحبتها، وكانت معطاءة بدورها إلى أن جنّت حليمة، وابنتاه اللتان قابلتاه بمحبة رغم هجره لهن، بالإضافة إلى أن زيارته الوحيدة إلى بيت الدّعارة منحته تصوّراً مختلفاً عن المشرفات على بيوت الدعارة، فالسيّدة التي قابلته على الباب لم تكن كما هو شائع أبداً.

صوتها ونظراتها الخجولة ويداها اللّتان ترتجفان غيّرت نظرته، هي أيضاً قابلته بمحبة أمّ، ورِقة وحنان رغم أنّه رفض الاستفادة من وجوده هناك. هي صورة إيجابية للمرأة لدى زهير كريم، تصل إلى درجة الملاك الذي خلق لاحتواء آدم وتعذيبه رغم ذلك، ولو من دون نية مبيتة. آدم المرتبك أمام طوفان مشاعر المرأة، الذي لا يميّز بين مشاعره تجاهها، لشدّة ما هي مرتبكة كذلك.

قطّعن قلوبهن من أجل قميص يوسف... النساء في روايات الرجال العرب 

أمهات حبيبات وعاهرات

المرأة في الرّوايات العربية التي كتبها رجال لا تكاد تخرج عن هذه الشخصيات: الأم، الحبيبة، بائعة الجنس، الزّميلة، العاشقة، النّساء العابرات في حياة البطل أو الأبطال. يصعب على الكاتب العربي اقتحام حياة المرأة خارج الأدوار الأخرى، وفي حياته بينهن، لأنّهم يعيشون في مجتمعات تفصل بين النّساء والرّجال، فلا يعلم الرجال شيئاً عن حياة النساء ولا النّساء عن حياة الرّجال الخاصة.

لكن المرأة غالباً ما تكون إما مانحة للحبّ والحنان بلا حدود، وتكون عادة الأم أو الحبيبة الرّقيقة كالنّسيم أو العشيقة أو المومس المغرية، فيما تطفو سحابة من عدم الفهم مع باقي النّساء، بنات أو أخوات أو زميلات. وبشكل عام، تحضر المرأة في هيئة نهرِ عطاءٍ لا نهاية له، أو على شكل بئر من الخيانة المرّة، فيما كتّاب قلة انتصروا للمرأة، أو استوعبوها إنسانياً، خاصّة لدى الأجيال الجديدة من الرّوائين الذين اختلطوا أكثر بالنّساء، ولدى كثير منهم اطلاع على الحركة النّسوية وأدبياتها المتنوّعة.

على عكس ما كان يكتبه بعض روائيي الجيل السابق، الذي كانت المرأة في رواياته إمّا أمّ حزينة ومضحيّة ومسحوقة، أو عاشقة ومومس يتفنّن الراوي في ذكر مفاتنها لدرجة الانشغال الكلّي بالجنس في النّظرة إلى المرأة. مع العلم، أن بعض الكتّاب الغربيين فعلوا ما يُشبه ذلك، وكانت المرأة لديهم لصيقة بالجنس لا غير، لكن ذلك يبقى مجرد جزء من كثير من التّناول الإنساني للمرأة، خارج الدّور الجنسي الصّرف.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image