"بنتي مستفزة"، "مي دلوعة أبوها"، "راجل محترم وبيعامل أولاده كويس"... هذه الشهادات وغيرها أطلقتها والدة وجيران "فتاة البلكونة" - الطفلة المعنَّفة - التي أثار مشهد محاولة إلقاء والدها لها من شرفة المنزل ضجةً واسعةً عبر السوشال ميديا على مدار اليومين الأخيرين، سعياً لتبرئة الأب من تهمة الشروع في قتلها والاعتداء عليها بالضرب.
الاثنين 18 نيسان/ أبريل، تداول الكثير من رواد مواقع التواصل الاجتماعي في مصر مقطعاً مصوراً يُظهر فتاةً تتشبث بحبل غسيل ووالدها وهو يحاول إلقاءها من دور علوي، وسط صراخها وأصوات الجيران يرجونه عدم فعل ذلك.
عبر وسمي #إنقاذ_طفلة_البلكونة و#أبوها_مكانه_السجن، طالب الآلاف بمحاسبة الأب المعنِّف بأقصى عقوبة وتوفير الحماية اللازمة للطفلة. والثلاثاء 19 نيسان/ أبريل، أعلنت السلطات الأمنية بمحافظة الجيزة بدء التحقيق في الواقعة عقب تحديد هوية المعتدي وهو بائع مخلل بمنطقة فيصل يُدعى عبد التواب، وهوية الضحية التي تبين أنها ابنته مي (12 عاماً).
في المقطع المروّع، ومدته 44 ثانية، ظهر الأب وهو يمسك طفلته من شعرها فيما تتشبث هي بحبل الغسيل بذراعها اليسرى. وبينما سُمعت مناشدات الجيران للأب بعدم إلقاء ابنته، ظهر اثنان منهم في البلكونة محاوليْن إنقاذ الفتاة التي كانت تنظر لوالدها برعب شديد حتى أنها تأخرت في رفع ذراعها اليمنى ومدها إلى أحد الجيران الذي تولى رفعها.
مع صعود جسم الفتاة لأعلى الشرفة، انهال والدها عليها باللكمات بينما سعى الجاران لإبعاده عنها وبادلاه اللكمات وهو مستمر في الشجار مع الجيران الآخرين أسفل المبنى الذين كانوا يعنفونه على فعلته.
برغم ذلك، أُفرج عن الأب المعنِّف عقب التحقيق معه بذريعة "عدم صحة الفيديو المتداول" في الساعات الأولى من صباح الأربعاء، وفق وسائل إعلام محلية. لكن تعدد الروايات المزعومة لـ"حقيقة" الواقعة، وتضاربها في بعض الأحيان، قد يُشيران إلى محاولة للالتفاف على القانون وحماية الأب المعتدي من العقاب بتحالف بين أهل الطفلة وجيرانهم. علماً أن جميع الروايات تُبرىء الأب من تهمة الشروع في قتل طفلته.
بعدما أثارت الحادثة غضب الكثيرين… والدة "فتاة البلكونة" تدافع عن زوجها المعنِّف وتصف ابنتها بأنها "مستفزة"، والسلطات تُخلي سبيله بذريعة "عدم صحة المقطع المتداول"
تُثير الروايات المختلفة أيضاً عدة أسئلة، علاوة على "عدم منطقية" الكثير مما ورد بها. لكنها في المجمل، تؤكد تعرض الفتاة المعنَّفة بانتظام للضرب والإساءة من قبل والدها على الأقل إن لم يكن من قبل جميع أفراد أسرتها.
عدّة روايات لتبرئة الأب
في بيان، قالت وزارة الداخلية المصرية إنه لدى مواجهة الأب المعنِّف أوضح أنه وبّخ ابنته "لعدم تجهيزها وجبة الإفطار له ولوالدتها"، لكنها انزعجت من ذلك، "مما دعاه إلى معاقبتها بالضرب، وفي أثناء ذلك، فرَّت منه، محاولة إلقاء نفسها من شرفة العقار، إلا أنه تشبث بها وأنقذها بمعاونة بعض الجيران".
في حين قالت فاطمة سالم حسن، والدة الفتاة المعنّفة، لموقع "القاهرة 24" المحلي، إن زوجها عاد من العمل ليغير ملابسه وطلب من ابنته إحضار ملابسه من شرفة المنزل، لكنها تلكأت فـ"هددها بالضرب بخرطوم بلاستيك"، وهذا ما جعلها تهرع إلى البلكونة وتُلقي نفسها منها خوفاً من الأب، ثم صرخت تستنجد بالجيران بينما أمسك بها والدها وحاول إنقاذها، على حد زعم الأم.
ولفتت الأم إلى أن ابنتها "شقيّة جداً، ومستفزة" و"مدللة للغاية" لأنها وحيدة على ثلاثة ذكور، متابعةً أن الطفلة دائمة الشجار مع والدها بقولها "هي وأبوها ناقر ونقير على طول".
أما أحمد السمكري، أحد الجيران الذي شهد الواقعة منذ بدايتها، فقدّم رواية ثالثة هي أن الفتاة كانت تنشر الغسيل بينما سقطت منها إحدى القطع فحاولت إمساكها لتفقد توازنها وتسقط من الشرفة بينما هرع الأب لإنقاذها.
برر الجار ضرب الأب لابنته حتى عقب إنقاذها بأنه كان غاضباً لهجوم الجيران عليه وظنهم أنه كان يحاول قتلها، مستدركاً أن الأب "راجل محترم وبيعامل أولاده كويس".
التضارب بين الروايات كان مثيراً للشك على نحو خاص. في رواية الأب للسلطات الأمنية زعم أن سبب الشجار كان إعداد وجبة الإفطار للأسرة، ويبدو ذلك غير منطقي بالنسبة لطفلة دون الـ15 عاماً. حتى مع الجزم بأن الفتاة مدربة على هذا الفعل فهو أحد أشكال انتهاك طفولتها.
روايات عديدة مزعومة للأهل والجيران عن حادثة "فتاة البلكونة"، لكن تضاربها يُثير الكثير من الأسئلة والشكوك ويؤكد تعرض الطفلة بانتظام للضرب والإساءة
اللافت أن رواية الأم لم تذكر تحضير الطعام إطلاقاً، بل تحدثت عن خلاف حول إحضار ملابس للأب. وبينما أشار الجار في روايته إلى أن الفتاة سقطت سهواً بعدما اختل توازنها، زعم الأب أنها ألقت بنفسها لتهديده، وقالت الأم إنها ألقت بنفسها خوفاً من عقاب الأب.
وفي حديثها أيضاً، قالت أم الفتاة المعنَّفة إن والدها عجز عن رفعها بمفرده لأنها "ممتلئة جداً". أما الجار، فزعم أن الأب لديه إعاقة - لم يوضح طبيعتها - منعته من إنقاذ ابنته بمفرده، واللافت أن يكون الجار على علم بإعاقة لدى الأب ربما أثرت على قدرته على إنقاذ ابنته بينما الزوجة لا تُشير إليها.
"التفاف على القانون"
من وجهة نظر المحامية انتصار السعيد، رئيسة مؤسسة القاهرة للتنمية والقانون، فإن الواقعة الموثقة بالفيديو تنطوي على عدة انتهاكات، أولها الضرب الذي تطور إلى شروع في قتل الطفلة بمحاولة إلقائها من البلكونة لولا تدخل الجيران، عدا استخدام القسوة مع طفلة دون الـ18 عاماً.
وأوضحت السعيد أن شهادات الأم والأب والجيران تُشير إلى تعرض الضحية لمزيد من الانتهاكات لطفولتها مثل القول إن مهمة إعداد الطعام للأسرة توكّل إليها، بينما هي "مفروض تكون بتلعب وبتتعلم". بالإضافة إلى الإشارة إلى الضرب كوسيلة عقاب للطفلة في بيان الداخلية.
وأشارت إلى أن اختلاف الروايات يُظهر نمطاً من الالتفاف على القانون تراه متكرراً في حوادث العنف الأسري بحجة "الحفاظ على الروابط الأسرية" كما يظن المتواطئون فيه. وفي الكثير من حوادث العنف الأسري يقوم شهود من الأهل والجيران بـ"تشويه" الضحية أو "مدح" الجاني لتبرئته أو تخفيف الحكم ضده.
المحامية المصرية انتصار السعيد: اختلاف الروايات يُظهر نمطاً من الالتفاف على القانون يتكرر في حوادث العنف الأسري بحجة "الحفاظ على الروابط الأسرية"
مع ذلك، ترى السعيد أن النيابة العامة تحتفظ بالحق في المضي قدماً في محاكمة الأب من عدمها باعتبارها "محامي الشعب" وفق درجة اطمئنانها لهذه الشهادات.
"حتى لو تم الإفراج عنه، يمكن أخذ تعهد على الأب بحسن رعاية ابنته"، أردفت موضحةً أن مؤسستها، وهي مؤسسة غير ربحية تقدم الدعم القانوني للنساء ضد جميع أشكال العنف، تتلقى عشرات الشكاوى عن حوادث مماثلة تخشى فيها الضحايا حتى تقديم بلاغ رسمي ضد الرجال المعنفين من الأهل أو تتعرض لضغوط للتنازل عن الشكوى الرسمية من المجتمع المحيط.
وشددت السعيد على ضرورة سن قانون موحد لتجريم جميع أشكال العنف ضد النساء، وقانون لتجريم العنف الأسري، وإلغاء المادة 60 من قانون العقوبات الخاصة بحق "التأديب" لتفادي تكرار مثل حادثة "فتاة البلكونة" وإنقاذ العديد من الضحايا الشبيهات اللواتي لم يسلط عليهن الضوء بعد.
في هذه الواقعة بالتحديد، حثت السعيد وزارة التضامن الاجتماعي على توفير التأهيل النفسي والاجتماعي للفتاة الضحية لتستطيع تجاوز الموقف المفزع الذي تعرضت له، بالإضافة إلى توفير التأهيل النفسي للأب والأم كي يعرفا كيف يتعاملان مع الطفلة.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يوممتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ يومينفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ يومينعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ يومينtester.whitebeard@gmail.com
مستخدم مجهول -
منذ يومينعبث عبث
مقال عبث من صحفي المفروض في جريدة او موقع المفروض محايد يعني مش مكان لعرض الآراء...
مستخدم مجهول -
منذ 6 أيامرائع