كنت أفكر في ضرورة التنويه بوجود "محتوى عنيف"، أو "trigger warning"، كي لا يسبب تداعي ذكرى أليمة للناجيات من العنف، في أثناء إذاعة حلقة الإعلامي عمرو أديب التي تناقش مشروع تغليظ قانونٍ للعنف الزوجي، لكن أصدقائي أخبروني بأنني متفائلة للغاية، فنحن ما زلنا في خانة مناقشة كيفية ضرب الزوجة؛ بالسواك أم بالمنديل أم بكسر الضلوع؟
على مدار الأيام الماضية، أثير موضوع ضرب الزوجة، وبداية الأمر كانت عبر مناقشة مشروع قانون لتغليظ عقوبة العنف الزوجي، قدّمته النائبة أمل سلامة، في برنامج الحكاية لعمرو أديب، وادّعى أحد المحامين أن حق تأديب الزوج لزوجته في حال خوفه من نشوزها، حق يكفله الشرع، والقانون أيضاً، إذ تنص المادة 60 من قانون العقوبات على أنه "لا تسري أحكام قانون العقوبات على كل فعل ارتُكِب بنية سليمة، عملاً بحق مقرَّر بمقتضى الشريعة".
لم يمر هذا التصريح بضرب النساء مرور الكرام، فقد أثار حفيظة الكثيرات على مواقع التواصل الاجتماعي، وعدّه البعض تحريضاً على العنف، فيما رأت أخريات أننا لا يعنينا إن كان الضرب مباحاً بحكم الشرع، أم لا، لكن ما يعنينا هو ما إذا كان مجرّماً في القانون أم لا، وكيف نقوم بالتبليغ عنه؟
وقد فسر شيخ الأزهر، أحمد الطيب، النشوز، بأنه الكبر، وذكر أن ضرب الزوجة ليس فرضاً، وليس سنّةً، لكنه أمر مباح، وقال إن الضرب رمز لجرح كبرياء المرأة حتى لا تهدم البيت. فيما رأى الباحث إسلام البحيري، أن المقصود بالنشوز هو الخيانة الزوجية، وليس من حق الزوج تأديب زوجته، فهي ليست طفلةً، وهو ليس ناظراً، وعلّقت رئيسة المجلس القومي للمرأة د. مايا مرسي، بأن ذنب النساء اللواتي يُضربن، في رقبة شيخ الأزهر.
وإذا نحّينا جانباً الخلاف على معنى كلمة نشوز، ومعنى كلمة ضرب، سنجد أن الأمم المتحدة تُعرّف العنف ضد المرأة بأنه أي فعل عنيف تدفع إليه عصبية الجنس، ويترتب عليه أذى أو معاناة للمرأة من الناحية الجسمانية، أو الجنسية، أو النفسية. وتشير منظمة الصحة العالمية إلى تعرّض واحدة من كل ثلاث نساء في العالم، للعنف البدني أو الجنسي، على يد الشريك، وتصف العنف ضد المرأة بأنه مشكلة مستديمة وخطيرة من مشكلات الصحة العامة، وانتهاك لحقوق الإنسان. وتبعاً للمجلس القومي للمرأة، فإن القانون المصري لا تشمل نصوصه العقاب على ضرب الزوجة ضرباً مبرحاً يُحدث لهنّ إصاباتٍ شديدةً، تحت ستار حق التأديب الذي يمارسه الزوج ضد زوجته.
لم يمر هذا التصريح بضرب النساء مرور الكرام، فقد أثار حفيظة الكثيرات على مواقع التواصل الاجتماعي، وعدّه البعض تحريضاً على العنف، فيما رأت أخريات أننا لا يعنينا إن كان الضرب مباحاً بحكم الشرع، أم لا، لكن ما يعنينا هو ما إذا كان مجرّماً في القانون أم لا، وكيف نقوم بالتبليغ عنه؟ لكن الشرطة في كثير من الأحيان، تعدّ العنف "شأناً عائلياً"، يجب حله في البيت، لكنها لا تعلم القاعدة السياسية الشهيرة التي تقول إن "الشخصي سياسي"، فما يحدث في المنزل هو مسؤولية الدولة.
وفي هذا الصدد، ينبغي القول إن البيت هو أكثر الأماكن التي نشعر فيها بالأمان، أو ربما يُفترض ذلك، لكن الواقع على النقيض من ذلك تماماً، فتبعاً للمسح الاقتصادي للعنف القائم على النوع في مصر عام 2015، الذي أٌجري في معظم محافظات مصر، على النساء من سن 18 إلى 64، تتعرض خمسة ملايين و600 ألف امرأة تقريباً للعنف على يد الزوج أو الخطيب. وأظهرت نتائج المسح تعرّض نحو 46% من النساء اللواتي سبق وتزوّجن لبعض أشكال العنف من قبل الزوج، 43% منهن تعرّضن لعنف نفسي، و32% لعنف بدني، و12% لعنف جنسي، و10% منهن عانين من العنف البدني والنفسي والجنسي. وقد تعرضت 7% من الزوجات للعنف على يد الزوج في فترة جائحة الكورونا فحسب، وأعلى معدلات العنف التي تواجهها المرأة لا تحدث في المحيط العام، وإنما في البيت، المكان الذي تأمن إليه. وتبعاً للمسح الاقتصادي، فإن الغالبية العظمى من النساء اللواتي تعرّضن للعنف من قبل أزواجهن، لم يلجأن إلى السطات الرسمية، و11% فقط منهن تلقّين خدمةً طبيةً، و1% فقط لجأن إلى الشرطة أو المحكمة.
لكن إذا ارتأى رجال الدين إباحة "تأديب الزوجة" عن طريق الضرب، فمن يتحمل التكلفة النفسية؟ إذا كان هذا الضرب للإعلام وليس للإيلام على حد قول بعض الفقهاء، فهل يعلم الفقهاء بالتكلفة النفسية للعنف الجسدي، وتداعي الذكرى، والإحساس بالإهانة، وعدم الأمان؟
لكن إذا ارتأى رجال الدين إباحة "تأديب الزوجة" عن طريق الضرب، فمن يتحمل التكلفة النفسية؟ إذا كان هذا الضرب للإعلام وليس للإيلام على حد قول بعض الفقهاء، فهل يعلم الفقهاء بالتكلفة النفسية للعنف الجسدي، وتداعي الذكرى، والإحساس بالإهانة، وعدم الأمان؟ فتعرّض المرأة للعنف الجسدي على يد الشريك الحميم، يشكّل خطورةً على صحتها العقلية، إذ هو من أسباب إصابتها بالقلق، والاكتئاب، وكرب ما بعد الصدمة. والمرأة المصرية لحسن الحظ، أو لسوئه، ليست متفردةً بالعنف ضدها، فهناك أدلة على أن العوامل الثقافية، والاجتماعية، والاقتصادية، تعزز ثقافة العنف ضد النساء في العالم العربي، والأهم من ذلك هي الأعراف الاجتماعية التي تدعم تسيّد الذكر، وتتسامح مع العنف ضد المرأة، ومؤخراً دوّنت النساء السعوديات على هاشتاغ "معتقلات المنازل"، تعرضهن للعنف الأسري، على يد الأب، أو الأخ، وبقاءهنّ عالقات بين سلطة الأهل، وسلطة القانون، وسواء أكان معنى الضرب هو الأذى الجسدي، أو الابتعاد، أو الانفصال، فليس أمامنا نحن النساء سوى الدفاع عن أنفسنا، في حال التعرّض للعنف، واللجوء إلى مكان آمن، وتبليغ الشرطة.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 11 ساعةجميل جدا وتوقيت رائع لمقالك والتشبث بمقاومة الست
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 3 أياممقال مدغدغ للانسانية التي فينا. جميل.
Ahmed Adel -
منذ 6 أياممقال رائع كالعادة
بسمه الشامي -
منذ أسبوععزيزتي
لم تكن عائلة ونيس مثاليه وكانوا يرتكبون الأخطاء ولكن يقدمون لنا طريقه لحلها في كل حلقه...
نسرين الحميدي -
منذ اسبوعينلا اعتقد ان القانون وحقوق المرأة هو الحل لحماية المرأة من التعنيف بقدر الدعم النفسي للنساء للدفاع...
مستخدم مجهول -
منذ اسبوعيناخيرا مقال مهم يمس هموم حقيقيه للإنسان العربي ، شكرا جزيلا للكاتبه.