شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!
بعد أزمات وصراع سياسي... تونسيون يحبّذون العودة إلى النظام الرئاسي

بعد أزمات وصراع سياسي... تونسيون يحبّذون العودة إلى النظام الرئاسي

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة

الأربعاء 20 أبريل 202204:06 م

"نعم شاركت في الاستشارة الإلكترونية، واخترت نظاماً رئاسياً كطريقة عقابية للمجالس النيابية التي مرّت على تونس خلال السنوات الإحدى عشرة الماضية، وهم الأشخاص أنفسهم تقريباً"؛ هذا ما قاله الشاب التونسي وجدي الخضراوي لرصيف22، في إجابة عن النظام الذي اختاره لدى مشاركته في الاستشارة الإلكترونية، مضيفاً أنّ "المجالس النيابية الماضية أو تمثيليات الأحزاب التي مرّت على البرلمان بصفته مركزاً للسلطة عملت على تفقير الشعب ومعاقبته على الثورة".

وجدي الخضراوي، شاب متحدّر من محافظة القصرين (وسط غرب تونس)، التي شهدت مواجهات داميةً بين الشباب المحتجين وقوات الأمن خلال الفترة الممتدة بين 17 كانون الأول/ ديسمبر 2010، تاريخ إحراق محمد البوعزيزي نفسه في سيدي بوزيد، و14 كانون الثاني/ يناير 2011، تاريخ هروب زين العابدين بن علي. يقول إنّه شارك منذ عام 2011 في جل التحركات الاحتجاجية في القصرين والتي تجاوزت المئتي تحرك، وإنّه كرّر خلال كل المسيرات التي شارك فيها المطالب نفسها التي تنادي بالشغل والحرية والكرامة الوطنية وتحسين الأوضاع الاجتماعية، وهذه كانت شعارات الثورة ومطالب كل التحركات التي عاشتها البلاد منذ أواخر 2010.

عقاب المجالس النيابية منذ 2011

وجدي واحد من الشباب الذين شاركوا في الاستشارة الإلكترونية التي أعلن عنها الرئيس التونسي قيس سعيّد، نهاية العام 2021، والتي انطلقت في كانون الثاني/ يناير، وانتهت في العشرين من آذار/ مارس الذي يتوافق واحتفال التونسيين بعيد الاستقلال.

وشارك في الاستشارة 534،915 شخصاً من مجموع الناخبين البالغ عددهم أكثر من سبعة ملايين ناخب، حسب إحصاءات رسمية (مجموع سكان تونس نحو 12 مليون نسمة)، اختار 86.4 في المئة منهم نظاماً سياسياً رئاسياً في البلاد، عوضاً عن البرلماني الذي أقرّه دستور 2014، واختار 60.8 في المئة تعديل القانون الانتخابي، و44.4 في المئة تعديل قانون الأحزاب، فيما يفضّل 38 في المئة من المشاركين في الاستشارة تعديل الدستور الحالي، مقابل 36.5 في المئة صوّتوا لوضع دستور جديد.

وجدي واحد من الشباب الذين شاركوا في الاستشارة الإلكترونية التي أعلن عنها الرئيس التونسي قيس سعيّد، نهاية العام 2021، وهو من ضمن شباب يريدون عودة النظام الرئاسي. فما السبب؟

يقول وجدي لرصيف22، إنّ أوضاع بلاده لم تتغيّر بعد الثورة، بل تراجعت كل المؤشرات الاجتماعية والاقتصادية، وحتى العمل السياسي رُذِّل عبر معارك سياسية بعيدة عن مشاغل الشعب، واصفاً السنوات التي تلت الثورة بـ"سنوات البؤس"، عادّاً أنّها سنوات عقاب بالنسبة إلى الشعب.

ويرى الخضراوي أنّ الشباب التونسي يحلمون منذ مدّة بشخصية سياسية تعيد زرع الأمل بين صفوفهم، وتعيد إليهم ثقتهم بالدولة، لافتاً حسب رأيه إلى أنّ سعيّد ماضٍ إلى اليوم في الطريق الصحيح، ولا يزال وفياً لما وعد به خلال الحملة الانتخابية.

من جانبها، تقول زكية لطرش (33 عاماً)، والتي تفضّل تغيير نظام الحكم إلى رئاسي، لرصيف22، إنّ فئةً من الشباب يريدون اليوم شخصاً يستمع إليهم، وينظر إليهم على أنّهم مواطنون وليس فقط رقماً انتخابياً، ويعطيهم قيمةً للمضي قدماً، عادّةً أنّ نظام الحكم منذ 2011 إلى اليوم أعطى أغلب السلطة للبرلمان، وصلاحيات قليلة لرئيس الحكومة، فيما حشر رئيس البلاد المنتخَب مباشرةً من قبل الشعب في زاوية، ونزع منه كل الصلاحيات الممكنة.

تقول زكية لطرش (33 عاماً)، التي تفضّل تغيير نظام الحكم إلى رئاسي،  إنّ فئةً من الشباب يريدون اليوم شخصاً يستمع إليهم، وينظر إليهم على أنّهم مواطنون وليس فقط رقماً انتخابياً

زكية لطرش هي ناشطة في الحراك الاجتماعي في محافظة قفصة (جنوب غرب تونس)، التي تعيش توتراً اجتماعياً متواصلاً منذ أحداث الحوض المنجمي في 2008، ترى أنّ التونسيين لم يكونوا مواطنين قبل الثورة وحتى قبل انتخاب قيس سعيّد، لافتةً إلى أنّ البرلمانيين لا يتواصلون مع الشعب، إلا خلال الحملة الانتخابية لاهثين وراء تجميع أكبر عدد ممكن من الأصوات، بما يضمن لهم كرسياً في البرلمان.

ووصفت لطرش البرلمان، الذي أنتجته انتخابات 2019، بالسيرك، خصوصاً مع احتدام التجاذبات السياسية فيه، بسبب مصالح ضيقة بعيدة عن هموم الشعب، عادّةً أنّ النظام الرئاسي سينجح، إذا ما ارتبط بالرئيس سعيّد، لأنّ له رغبةً كبيرةً في إصلاح الأوضاع، وتغيير واقع البلاد والشباب، كما ترى.

حنين إلى "السلطة القوية"

"شغل، حرية، كرامة وطنية"، و"عدالة اجتماعية"، هذه الشعارات التي أسقطت نظام زين العابدين بن علي، الذي استولى على حكم تونس واستمر فيه طوال 23 عاماً، حكم فيها البلاد بنظام رئاسي، مارس بفضله الحكم بكل حرية ومن دون حسيب أو رقيب، إلى حين قيام الثورة التي أشعل فتيلها عاطل عن العمل في محافظة سيدي بوزيد الداخلية ذات 17 كانون الأول/ ديسمبر 2010.

بفضل الثورة اتفق البرلمانيون آنذاك على أنّ نظام الحكم كان جزءاً من الإشكال، ويجب تغييره، فتم استبداله بنظام برلماني معدّل، أو كما يسميه التونسيون نظاماً "شبه برلماني"، وهو الدليل الأول على ممارسة الديمقراطية التي جاءت بها الثورة.

هذا النظام الذي أقرّه دستور 2014، صار بعد عامٍ واحدٍ من العمل وفقه، غير مجدٍ بالنسبة إلى دولة عرفت الديمقراطية حديثاً، فتعالت الأصوات منذ 2015 بتغييره، وعدّه شق من السياسيين سبباً في تعطّل الانتقال الديمقراطي، ومسؤولاً عن حالة الشلل السياسي التي عرفتها البلاد في أكثر من مناسبة.

لهذه الأسباب وأسباب أخرى، عبّر العديد من الشباب التونسي عن رغبتهم في تغيير نظام الحكم والعودة إلى نظام رئاسي، يرونه الأفضل لقيادة البلاد، في ظل الاختلالات التي أفرزها النظام البرلماني الحالي، والتي أسقطت البلاد في أزمات لا تنتهي.

رغبة فسّرها الأستاذ في القانون الدستوري، عبد الرزاق المختار، بالحنين لدى التونسيين إلى فترات ما قبل الانتقال الديمقراطي وإلى السلطة القوية، مرجعاً ذلك إلى الفشل الوظيفي للنظام السياسي في تلبية الحاجات الاجتماعية، والاستجابة إلى انتظارات الشعب الكبيرة.

وقال المختار في تصريحه لرصيف22، إنّ الأزمة التي تعيشها تونس مركّبة بين الاختيارات الدستورية والشروط التي كان يجب توافرها لتنفيذ ما جاء في الدستور أو ما يحتّمه النظام البرلماني، عادّاً أنّ واضعي الدستور لم يحسنوا أخذ طبيعة الحياة السياسية والحزبية بعين الاعتبار لدى كتابتهم فصوله.

هذه الرغبة الكبيرة في تغيير نظام الحكم، عدّها الباحث في علم الاجتماع السياسي، سامي نصر، إحدى إفرازات فشل تجربة 11 عاماً من الديمقراطية الهشة، ووصفه بالحنين إلى الماضي

ويرى المختار أنّ الدستور كُتب بناءً على فرضية جاهزية الأحزاب لممارسة السلطة، والحال أنّ جميعها جديد على السياسة وليست لديها خبرة في المجال السياسي، وأيضاً على فرضية وجود مشهد سياسي متطوّر، وطبعاً لم يكن التونسيون يفقهون شيئاً في دواليب السياسية التي كان يستأثر بها النظام السابق قبل الثورة.

وشدّد أستاذ القانون الدستوري على أنّ القانون الانتخابي "غير السليم"، يتحمّل جزءاً كبيراً من الأزمة الحالية، لما ينصّ عليه من فصول غير قابلة للتطبيق في تونس، فضلاً عن أنّ الأحزاب لم تحسن تطبيقه، وجعلت الفعل السياسي غير متلائم مع المضمون الدستوري، لافتاً إلى أنّ حركة النهضة مثلاً تنصّلت خلال السنوات الماضية من تحمّل منصب رئاسة الحكومة، وهذا خرق لما ينص عليه الدستور.

عقلية انتقامية

وفي 2021، أعلنت مجموعة من المنظمات والجمعيات والأحزاب والشخصيات التونسية، عن تشكيل "جبهة الاستفتاء"، للمطالبة بإجراء استفتاء شعبي لتغيير النظام السياسي في البلاد، غير أنّها لم تصل إلى نتائج تُذكر.

هذه الرغبة الكبيرة في تغيير نظام الحكم، عدّها الباحث في علم الاجتماع السياسي، سامي نصر، إحدى إفرازات فشل تجربة 11 عاماً من الديمقراطية الهشة، ووصفه بالحنين إلى الماضي والرغبة في الهروب من واقع فاشل وتعيس إلى الماضي، مشدّداً على أنّ نتائج الاستشارة الإلكترونية، والتي اختار فيها فئة من التونسيين تغيير نظام الحكم، بالوسيلة الدفاعية ضدّ الواقع المتأزم.

وأقرّ نصر في تصريحه لرصيف22، بأنّ الشعب التونسي يتصرّف بعقلية انتقامية منذ 2011، إذ انتخب في أول انتخابات ديمقراطية بعد الثورة، الأحزاب المحظورة في عهد بن علي، وأعاد إلى المشهد السياسي كل من كان غير قادر على ممارسة السياسية قبل الثورة.

وأضاف أنّ الانتخابات التي أُجريت في 2014، اختار فيها التونسيون حركة النهضة التي شيطنها نداء تونس، فيما اختار شقّ آخر حزب نداء تونس الذي شيطنته حركة النهضة، انتقاماً من الحملة الانتخابية التي قامت على الشيطنة، فيما انتقم منهم جميعاً في 2019، بانتخاب قيس سعيّد، رئيساً من خارج المنظومة السياسية، وذلك انتقاماً من الأحزاب التي تسببت في تأزم الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية وفي الإساءة إلى الحياة السياسية.

النهضة أساس المشكلة؟

وكان الرئيس التونسي قيس سعيّد، قد بنى حملته الانتخابية على تغيير نظام الحكم، وأكد في أكثر من مناسبة على أنّ "التجربة أثبتت أنّ التنظيم السياسي الحالي وطريقة الاقتراع المعتمدة أديا إلى الانقسام وتعطل السير العادي لدواليب الدولة".

ويعتقد سعيّد، حسب مشروعه الانتخابي الذي قدّمه قبل تبوّئه سدة الحكم، أنّ البرلمان لا يعكس التمثيل الانتخابي الواقعي لخيارات الشعب، ويرى أنّه يعكس فقط أوزان الأحزاب في جهات البلاد كلها.

وبالرغم من أنّ التونسيين قادوا ثورةً أشعلت فتيل ثورات ما يُعرف بالربيع العربي ضد القمع والاستبداد، غير أنّ جزءاً منهم يريدون العودة من جديد إلى النظام الرئاسي والتخلي عن "شبه البرلماني" الذي يرون أنّه أثبت فشله خلال السنوات الإحدى عشرة التي أعقبت الثورة، فيما يرى أستاذ القانون عبد المجيد العبدلي، أنّ مصطلحي "نظام شبه برلماني" و"نظام برلماني معدّل" غير موجودين، بل هما نظامان اخترعهما التونسيون.

ويؤكد العبدلي لرصيف22، على وجود نظام رئاسي أو برلماني أو ملكي فحسب، مشدّداً على أنّ الإشكال في تونس لا يرتبط بطبيعة النظام بقدر ما يرتبط بعدم تطبيق النظام، وبممارسات الطبقة السياسية التي دخلت المشهد السياسي بعد الثورة.

أستاذ القانون يؤكد أيضاً أنّ سنوات حكم ما بعد الثورة كانت فاشلةً بسبب النظام الانتخابي الذي لا يضمن أغلبيةً برلمانيةً، بل يؤدي إلى تفتت برلماني، وفسيفساء حزبية غير قادرة على تكوين ائتلافات طويلة الأمد، مشدّداً على أنّ حركة النهضة الإسلامية (الحزب الأول في البلاد منذ 2011)، دمّرت نفسها ودمّرت مؤسسات الدولة بتنصلها من المسؤوليات التي حدّدها النظام السياسي، وهي من فشلت في إنجاح النظام البرلماني.

نظام شبه برلماني

وكان المجلس التأسيسي الذي تم انتخابه في 2011، حين كان التوهّج الثوري في بداياته، حريصاً على تغيير الواقع الذي ثار عليه التونسيون، فكان مكلّفاً بتغيير دستور البلاد، وأقرّ تغيير النظام الذي حكم منذ الاستقلال إلى حدود تاريخ الثورة، معتمداً نظاماً جديداً لم يكن رئاسياً ولا برلمانياً، فاُطلق عليه خلال المصادقة على الدستور الجديد في 2014، "النظام شبه البرلماني".

نظام جديد بنكهة تونسيّة خالصة، تبوّأ فيه مجلس نوّاب الشعب أو البرلمان مكاناً مهماً في نظام الحكم، إذ له صلاحيات سنّ القوانين ومنح الثّقة للحكومة وسحبها منها ومراقبة عمل أعضائها.

الرئيس السابق الباجي قايد السبسي نفسه، ومع اقتراب موعد مغادرته قصر قرطاج أبدى تذمّره من نظام الحكم الحالي، وعدّد سلبياته مطالباً بضرورة تعديله حتى تتضح ملامح النظام الذي لم يمكّنه، بصيغته الحالية، من الالتزام بوعوده الانتخابية

وقد تركزت السلطة التنفيذية بين يدي رئيس الحكومة الذي أصبح الرجل الأول في هرم السلطة، فيما لم تبقَ في يد رئيس الجمهورية سوى صلاحيات محدودة لا تتجاوز مجال الدفاع والشؤون الخارجية وتعيين بعض كبار المسؤولين مثل مفتي الجمهورية.

النظام الجديد حاول كسر صورة الرئيس الذي كان مركز السلطة في الدولة والحاكم الآمر الناهي قبل الثورة، لتصبح بذلك الرئاسة مجرد منصب صوري لا يمنح صاحبه سوى المقام، فيما يبدو أنّ النواب كانوا يكتبون الدستور لشخص الرئيس السابق زين العابدين بن علي، الذي استبدّ بالسلطة لـ23 عاماً متتاليةً.

الرئيس السابق الباجي قايد السبسي نفسه، ومع اقتراب موعد مغادرته قصر قرطاج أبدى تذمّره من نظام الحكم الحالي، وعدّد سلبياته مطالباً بضرورة تعديله حتى تتضح ملامح النظام الذي لم يمكّنه، بصيغته الحالية، من الالتزام بوعوده الانتخابية.

رئيس الجمهورية الأسبق في فترة التأسيس، المنصف المرزوقي، كان قد دعا أيضاً إلى تغيير النظام السياسي، وقال في تدوينة على حسابه على فيسبوك في أيلول/ سبتمبر 2018، إنّ "هذا النظام المزدوج الذي يوزّع السلطة التنفيذية بين شخصين، وإن كان يحمي حقاً من الاستبداد، فهو محمّل بهشاشة لم تُقدّر خطورتها إلا بممارسة السلطة".

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard