شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اترك/ ي بصمَتك!

"في السرّاء والضرّاء معاً"... الدول المغاربية تتذيّل مؤشر السعادة العالمي

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

السبت 9 أبريل 202205:12 م

لم تجمعهم الجغرافيا ولا العادات والتقاليد فحسب، بل نجح مؤشر السعادة العالمي لعام 2022 في لمّ شمل الدول المغاربية من جديد باحتلال كل من تونس والجزائر والمغرب وليبيا وموريتانيا، مراتب متأخرةً في التقرير الصادر عن شبكة حلول التنمية المستدامة التابعة للأمم المتحدة لأكثر الشعوب سعادةً من ضمن 146 دولةً.

يعتمد تقرير السعادة السنوي في تحديد رفاهة الشعوب، على بيانات استطلاعات رأي حول تقييم السكان لحياتهم وآرائهم عن مستويات سعادتهم، مرتكزاً على عناصر عدة مهمة، من بينها الناتج المحلي الخام والتضامن الاجتماعي والحريات الفردية والفساد في كل بلد شمله التقرير.

لم تجمعهم الجغرافيا ولا العادات والتقاليد فحسب، بل نجح مؤشر السعادة العالمي لعام 2022 في لمّ شمل الدول المغاربية من جديد باحتلال كل من تونس والجزائر والمغرب وليبيا وموريتانيا، مراتب متأخرةً في التقرير

وبينما احتفظت فنلندا بلقب أسعد بلد في العالم للمرة الخامسة على التولي، تذيلت موريتانيا القائمة واحتلت المرتبة 133، تلتها تونس التي أحدثت مفاجأةً غير سارة بتراجعها الكبير وجاءت في المرتبة 120، ثم المغرب في المرتبة 100، والجزائر في المرتبة 96، وأخيراً ليبيا في المرتبة 86.

تُظهر الأرقام والمعطيات الصادرة عن المؤسسات الرسمية ومنظمات المجتمع المدني في البلدان المغاربية الخمسة، مستويات العيش الصعبة للشعوب المغاربية، وهو ما يبرر "تعاسة" هذه الشعوب، حسب محللين.

تحركات احتجاجية قياسية

البداية من تونس، حيث سجل المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية 12،025 تحركاً احتجاجياً طوال سنة 2021، مطالباً بالحد من الفقر وتوفير فرص عمل وتحقيق التنمية العادلة والعدالة الاجتماعية والقطع مع الهشاشة والفساد.

وتأسس المنتدى سنة 2011، وهو منظمة غير حكومية مستقلة تُعنى بالدفاع عن الحقوق الاقتصادية والاجتماعية على المستويين القومي والدولي.

كما سجل المنتدى مغادرة أكثر من 15 ألف تونسي البلاد بشكل غير نظامي إلى إيطاليا عام 2021، من بينهم قرابة ثلاثة آلاف امرأة وطفل، وأعلنت كل من الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان ومنظمة هيومن رايتس ووتش، أن خمسة ملايين تونسي يلامسون خط الفقر.

وحسب آخر إحصائيات المعهد الوطني للإحصاء (رسمي)، بلغت نسبة البطالة في تونس 18.4% عام 2021، مقابل نسبة نمو بلغت 1%، وسجل المعهد ارتفاع أسعار المواد الاستهلاكية بنسبة 4.8% للخضر، و4.4% للبيض، و1.4% للأجبان ومشتقات الحليب.

بطالة في كل مكان

وفي الجزائر، تُقدَّر نسبة البطالة بـ11.5% عام 2021، إذ خصصت السلطة مبلغ 142 مليار دينار جزائري (750 مليون دولار)، كمنحة سنوية لتوزيعها على الأفراد الذين يعانون من البطالة.

أما في المغرب، فتُقدَّر نسبة البطالة بـ12.8% سنة 2021، حسب المندوبية السامية للتخطيط (الهيئة الرسمية المكلفة بالإحصاء).

ليبيا تصدرت قائمة الدول العربية في نسب البطالة لسنة 2021 وفق البنك الدولي بنسبة 19%، كما ارتفعت فيها أسعار المواد الغذائية بنسب تتراوح بين 14% و77%، فيما بلغ عدد المحتاجين إلى مساعدات قرابة 1.3 مليون شخص عام 2021، ويمثلون 23% من السكان الليبيين.

وفي موريتانيا، اتّسعت خريطة البطالة فيها، إذ يعاني نحوا نصف مليون ساكن من البطالة، ما يمثل 36.9% من السكان (أربعة ملايين نسمة)، وصنّف البنك الدولي في تقريره السنوي عن الاقتصاد الموريتاني لعام 2020، موريتانيا ضمن الدول الأقل تطوراً باحتلالها المرتبة 160 من مجموع 189 دولةً حسب الترتيب العام المعتمد على مؤشر النمو البشري.

يرى المحلل السياسي فتحي الزغل، أن أسباباً عدة تقف وراء تأخر الدول المغاربية في ترتيب مؤشر السعادة، وهي تختلف من بلد إلى آخر، كما يقول لرصيف22.

"وضع سياسي ينبئ بكارثة"

وحسب الزغل، تشترك تونس وليبيا في عامل الوضع السياسي "المرتبك كثيراً وغير الواضح وغير المريح والذي ينبئ بكارثة"، بينما لم يجنِ بعد الشعب الجزائري ثمار ثورته التي قام بها، "فمن الطبيعي أن يكون هذا الشعب في خانة التعاسة"، حسب تعبيره.

أما موريتانيا، "فهي الدولة الأفقر وفي ذيل مؤشر التنمية، ما يجعلها تتذيل ترتيب مؤشر السعادة العالمي، لأن السعادة مرتبطة أساساً بالتنمية الاقتصادية"، يضيف.

تذيّل البلدان المغاربية مؤشر السعادة نتيجة لعدم الاستقرار الاقتصادي نتيجةً للتأثر بالتحولات الداخلية والعالمية وبالتوازنات والتحالفات الدولية

وبالنسبة إلى المغرب "الذي وإن كان يسجل نسب نمو مرتفعة بالمقارنة مع بقية الدول المغاربية، إلا أنه يعاني من آفة اجتماعية تدق ناقوس الخطر، وهي الطبقية إذ لا تخصّ التنمية الاقتصادية الموجودة سوى عدد محدود جداً من أفراد الشعب المغربي، فتفرز هذه الآفة تعاسةً وليس سعادةً"، يتابع فتحي الزغل.

ويرى المحلل السياسي أن الأنظمة المغاربية مسؤولة، كونها قائدةً لمجتمعاتها، عن مؤشرات السعادة أو التعاسة لشعوبها، لأنها مسؤولة عن التنمية والاقتصاد والتعليم والصحة والسياسة والرفاهية، وكل ما يمس المجتمع الذي تحكمه بكل جوانبه وطبقاته وفئاته.

أوضاع صعبة جداً

بدوره، يصف الناطق الرسمي باسم المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، رمضان بن عمر، الأوضاع المعيشية في البلدان المغاربية "بالصعبة جداً بالرغم من الفوارق من دولة إلى أخرى".

ويقول لرصيف22، إن غالبية البلدان المغاربية "تتقاسم حالة عدم استقرار سياسي منذ تحولات السنوات الأخيرة، وعدم وضوح الرؤيا، ولو بدرجات مختلفة منذ اندلاع الثورات العربية، ما يؤثر سلباً على سعادة شعوبها".

وحسب بن عمر، فإن العامل السياسي يحتل المرتبة الأولى في أسباب "تعاسة الشعوب المغاربية"، من خلال مناخ عدم الاطمئنان إلى المستقبل وحالة تخوف الشعوب من الحاضر والمستقبل.

عدم استقرار اقتصادي

كما يعزو تذيّل البلدان المغاربية مؤشر السعادة إلى عدم الاستقرار الاقتصادي نتيجةً للتأثر بالتحولات الداخلية والعالمية وبالتوازنات والتحالفات الدولية وآخرها الحرب الأوكرانية الروسية، ما جعل المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية تتراجع في هذه الدول التي تعاني من ارتفاع الهجرة غير النظامية.

ويؤكد الناطق الرسمي باسم المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، أن الوضع الاقتصادي له تأثير مباشر على نفسية الشعوب المغاربية التي "لم تلمس غالبيتها الانتعاش الاقتصادي الذي حققته بعض دولها التي ارتكزت الثروة فيها لدى فئات قليلة من المجتمع، وهمّشت القاعدة الأغلبية للمجتمع وأقصتها".

وبالنسبة إلى بن عمر، فإن تراجع تونس مثلاً في ترتيب قائمة الدول الأكثر سعادةً، كان متوقعاً وليس مفاجئاً، "بالرغم من السرديات حول الاستثناء التونسي الذي لا يخضع لتقييم واقعي، فأصبحنا اليوم مقتنعين بأن هذا الاستثناء يخفي وراءه صعوبات جمةً ومراحل يمكن أن تنسف كامل المسار"، حسب تعبيره.

تراجع متوقع

ويرى أن تصنيفها المتأخر "متوقع جداً نتيجة الأزمة السياسية التي لم تستقرّ منذ عشر سنوات، بسبب الصراعات الموجودة وبسبب انخراط الطبقة السياسية في هذه الصراعات بعيداً عن انتظارات التونسيين ونتيجة التزاوج بين المالي والسياسي وانتشار الفساد".

كما أشار إلى العامل الاقتصادي "الكارثي جداً في تونس، والذي يلقي بظلاله على الفئات الأكثر هشاشةً وخاصةً إثر جائحة كورونا وتخلّي الدولة عن هذه الفئات، والتراجع الكبير في مستوى الخدمات العمومية والأزمات التي تعاني منها القطاعات الحيوية من تعليم وصحة ونقل وبنية تحتية".

وحسب رمضان بن عمر، "لا توجد في تونس أي بوادر انفراج في المستقبل، ومن المنطقي والواقعي أن نتذيل الترتيب وأن يشعر المواطن التونسي اليوم بثقل الحياة اليومية منذ بداية لحظات الصباح الأولى".      

وحتى تكون الشعوب المغاربية سعيدةً، "الوصفة سهلة للغاية"، برأي الزغل، وتقوم أساساً على حكم هذه الشعوب لنفسها، وسلطتها على نفسها من دون عملاء من الداخل يعملون لفائدة أجندات خارجية، حسب قوله.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image