شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!
هل للرجل أن يكون نبيلاً وليس عنيفاً ليدافع عني؟

هل للرجل أن يكون نبيلاً وليس عنيفاً ليدافع عني؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

الجمعة 15 أبريل 202201:16 م

تشهد منصات التواصل الاجتماعي جدلاً حول ما يمكن تعريفه بالشهامة وفروسية الدفاع عن النساء، وما يتم تصنيفه وصايةً على النساء وتجريداً لهن من الوكالة والقدرة على اتخاذ القرار. ويأتي هذا مما شهدنا بعد حادثة الصفعة الشهيرة في الأوسكار، وغيرها من حوادث تجعل سؤال الأدوار الجندرية والحدود الواجب تمثّلها مطروقاً. ويمكننا تلمّس الشعور العام بالقلق مع كل حادثة جديدة يتم فيها فتح ملف الذكورة، وما يجب عدّه ساماً، وما يمكننا قبوله كصفات يمكن تمثّلها من قبل الصبية والرجال.

مع التغيرات الجذرية التي نشهدها، والمرتبطة بسؤال الجندر، هناك بحث وتقصٍّ حول مفهوم الذكورة وخاصةً للرجال المغايرين جنسياً. وهذه الفئة منها من يخشون فقدان امتيازات اعتادوا عليها، بينما هناك تلك الفئة التي تملك فكراً نسوياً منفتحاً، وتسعى إلى المساهمة بجدية في التغيّر، لكن لا يمتلك البعض إجابةً لما نراه حولنا عما يمكن تمثّله من ممارسات ذكورية غير مهيمنة، وعدّه مقبولاً ضمن عالم يسعى إلى حساسية جندرية وعدالة اجتماعية.

هل ما قرأناه عن النبل والشهامة والنخوة، من عداد الماضي؟ وهل يحق للرجال تمثّل قيم الدفاع عن العائلة، والأرض، والوطن؟ هل العنف صفة ترتبط بما سبق، أو مبرر له؟ كيف نستطيع تمثّل أفضل القيم التي رسمت ملامح الرجل الشريف النبيل التي لطالما طبعت الخيال في الأفلام والروايات؟

هل ما قرأناه عن النبل والشهامة والنخوة، من عداد الماضي؟ وهل يحق للرجال تمثّل قيم الدفاع عن العائلة، والأرض، والوطن؟ هل العنف صفة ترتبط بما سبق، أو مبرر له؟ كيف نستطيع تمثّل أفضل القيم التي رسمت ملامح الرجل الشريف النبيل التي لطالما طبعت الخيال في الأفلام والروايات؟

من المهم أن ندرك أن الأدوار الجندرية والصفات التي يمكن تمثّلها ضمنها، والتي تطبع الأداء الجندري، لا تأتي ضمن قوالب محددة، بل هي انقلاب ضد هذه القوالب، وضد التقييد. ونظريات الجندر هي مع الانفتاح على كل الاحتمالات الإنسانية التي تمنح الفرد الحرية والانسجام مع الذات. لا يمكننا أن نضع قائمةً لتصنيف الصحيح والخطأ من الممارسات الذكورية والنسائية التي تحدد أدوارنا وهوياتنا الجندرية. بل على العكس، تحطيم هذه القوائم الجاهزة التي تتحكم بالأفراد، سمة أساسية من سمات العمل النسوي. فضمن المنظومة البطريركية، يدور خطاب مبنيّ على علاقات القوى ويعمل على تثبيت التراتبية، التي تمنح بدورها للرجال امتيازات يفرضون من خلالها وصايةً على النساء لتجريدهن من الوكالة.

مع التغيرات الجذرية التي نشهدها، والمرتبطة بسؤال الجندر، هناك بحث وتقصٍّ حول مفهوم الذكورة وخاصةً للرجال المغايرين جنسياً. 

إذاً تأتي السُمّية من استخدام القوى والسلطة لتثبيت تفوق مجموعة على أخرى. يتم ذلك من خلال الادّعاء بأن مجموعةً ما تمتلك صفات ثابتةً ومميزةً مرتبطةً بالجنس، وتالياً تتفوق على غيرها. إذاً وحسب دراسات الذكورة، فإن الذكورة السامة ترتبط باستخدام السلطة وممارستها لتثبيت سيطرة المجموعة المتنفذة والمستفيدة على المهمشين/ المهمشات، والمستضعفين/ المستضعفات. وحسب جوديث بتلر، فإن سُمّية الادّعاء بحتمية الأدوار الجندرية، تأتي من عدم إعطاء الفرد حرية الاختيار وتقيدهم/ هن بشرط، ويتم تحديدها اجتماعياً. فعند سؤالها عن سبب كون العمل لتقويض الأدوار الجندرية مرغوباً، أجابت بنقطتين:

"1- لا أعتقد أن الجندر يمكن أن يكون صحيحاً أو خطأً إلا حين يشعر بذلك الشخص الذي تم تعيين جندر غير مناسب له.

2- أنا أرى أنه بالنسبة إلى بعض الأشخاص الذين يعيشون ويتعذبون خارج معايير الجندر، فتح المجال لإمكانات جديدة جيد بالتحديد لأنه يجعل الحياة ممكنة العيش أكثر. إن الهدف من تخريب الجندر ليس الاحتفال بالتخريب كغاية في حد ذاته، ولكنه جعل الحياة ممكنة العيش أكثر بالنسبة إلى أولئك الذين وجدوا المعايير الجندرية مقيِّدةً ومؤلمةً".

أي أن الأدوار الجندرية ليست صحيحةً أو خطأً بحد ذاتها. ويمكن لمن أراد أو أرادت اختيار الدور المناسب ضمن علاقة رضائية ضد الاستغلال والتراتبية وتسمح بحرية الإرادة والاختيار.

ومما لا شك فيه أن العنف أمر سامّ بكل أشكاله، سواء اللفظية أو الجسدية. ولكن كوننا ما زلنا ضمن محيط مبنيّ على العنف والتنافس ويغلب فيه التعدي على الآخر، فإن هبت امرأة أو رجل أو عابرة أو عابر جنسياً للدفاع عن الآخر (شريك/ ة، حبيب/ ة، علاقة غير مُعَرّفة)، فليست في الفعل ذاته نقيصة، طالما أن حق تحديد الأدوار متاح لجميع الأطراف.

 كوننا ما زلنا ضمن محيط مبنيّ على العنف والتنافس ويغلب فيه التعدي على الآخر، فإن هبت امرأة أو رجل أو عابرة أو عابر جنسياً للدفاع عن الآخر (شريك/ ة، حبيب/ ة، علاقة غير مُعَرّفة)، فليست في الفعل ذاته نقيصة، طالما أن حق تحديد الأدوار متاح لجميع الأطراف

ضمن المنظومة البطريركية، ارتبطت الشهامة والفروسية بفكر يرى حاجة النساء إلى الحماية "لضعفهن وهشاشتهن". وهو فكر يقوم على تعزيز صفات القوى والمنافسة والتحدي، ويعلي منها عند الرجال المغايرين جنسياً.

تأتي سمّية هذا الدور ليس من السلطة الممنوحة للرجال على النساء فحسب، بل أيضاً من الخصاء الذي يتعرض له الرجل الذي يتم وصمه به إن لم يمتلك تلك الصفة. فمن اختار الابتعاد عن ممارسة الفروسية كأداء يعبّر فيه عن دوره الاجتماعي يتم تحجيمه وحرمانه من الانتماء إلى الجنس الرجولي. وفي المقابل تتضح هذه السُمّية بتنميط النساء اللواتي اخترن أداء هذا الدور بأنهن مسترجلات. أي يتجلى عنف ممارسة الشهامة والفروسية بصوابية هذا الدور إن تمثّله رجل، وبتجريم من لا يمارسه من الرجال، وبالسخرية ممن أردن اختياره من النساء، وتالياً عند تفكيك الصفات الاجتماعية المرتبطة بالأدوار الجندرية، من المهم قراءة علاقات القوى التي تهمّش وتلغي أو تقيّد الأفراد بها.

ارتبطت الشهامة والفروسية بفكر يرى حاجة النساء إلى الحماية "لضعفهن وهشاشتهن". وهو فكر يقوم على تعزيز صفات القوى والمنافسة والتحدي، ويعلي منها عند الرجال المغايرين جنسياً.

ضمن واقع البطريركية العنيف، يمكننا أن ندافع عمن نحب، سواء كان هذا العنف لفظياً أو جسدياً. وليست الفروسية كقيمة بحد ذاتها أمراً ذكورياً سامّاً، بل هي السلطة المرتبطة بها ما يجب التدقيق فيه ورفضه. عندما تفرض المنظومة على الرجال الفروسية كممارسة مطلقة وكدور إلزامي لا خيار ضمنه ولا مكان للآخر فيه سوى كتابع، هنا تصبح هذه الممارسة تأكيداً للذكورة المهيمنة التي تلغي ما عداها. أي أن الصفات الجندرية بحد ذاتها خالية من الصحة والخطأ، لكن تقييد الأفراد ضمنها وفرضها كممارسة وحيدة ومطلقة، هو ما يجعل منها ممارسات خانقةً. ويبدو من الأهمية طرح السؤال التالي: "ولكن كيف لنا أن نحدد مدى وكالة الشخص، ومدى قدرته وقدرتها على اختيار دور جندري ما؟". أي هو ما أشارت إليه غاياتري شاكرافورتي سبيفاك، عندما جادلت قائلةً: "هل يمكن للتابع أن يتكلم؟". يمكن قراءة مدى حصول الأفراد على الوكالة من خلال قراءة الشرط الاجتماعي العام ومن خلال تبيّن مدى تحقيق عدالة اجتماعية شاملة. أما الحكم على الحالات الفردية بمعزل عن شرطها الاجتماعي، فهو خوض في إطلاق أحكام مجحفة في حق الأفراد. فالعلاقات الإنسانية علاقات مفتوحة على كافة الاحتمالات، وليس هناك ما هو أبيض وأسود للحكم عليها. لكن حقيقة أن المجتمعات التي تخضع لمنظومة قهرية هي ما يجب العمل باستمرار لتغييره ورفضه.

حرية الاختيار في مواجهة سلطة تعتمد على استغلال الأضعف وتجريده من وكالته/ ا، هو المعيار الأهم عند تفكيك الممارسات الجندرية

حرية الاختيار في مواجهة سلطة تعتمد على استغلال الأضعف وتجريده من وكالته/ ا، هو المعيار الأهم عند تفكيك الممارسات الجندرية. فهْمُ طرق تثبيت سلطة منظومة بتحديد أدوار تخضع لها ذوات الأفراد، هو ما يساهم في فهم سلبية هذه الأدوار. وعلى أمل أن تسود عدالة اجتماعية لا يحتاج فيها الأفراد إلى العيش ضمن منظومة البقاء للأقوى، نأمل بأن تكون لنا مساحة لاختيار ما يمنحنا اللذة مع الشريك/ ة في عالم لنا أن نكون فيه ما نريد.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard