شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

انضمّ/ ي إلى ناسك!
ما بال هذا الرجل، هل هو ديكتاتور حقاً؟… 5 صور للزعماء على الشاشة

ما بال هذا الرجل، هل هو ديكتاتور حقاً؟… 5 صور للزعماء على الشاشة

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة

الخميس 21 أبريل 202212:57 م

يختار صناع السينما والدراما في مصر صبغ القيادات والزعماء بالمثالية، ما جعلني أطرح تساؤلاً: هل تنهج نظيرتها العالمية السبيل نفسه في تناول الشخصيات التاريخية التي شكلت وجه العالم وكتبت التاريخ بأفعالها؟

1- إليزابيث الثانية

في عام 2016، وعلى امتداد 4 مواسم، قدمت منصة "نتفلكيس" مسلسل "التاج/ The Crown"، عن سيرة الملكة إليزابيث الثانية، التي لا تزال حاضرة في المشهد البريطاني، إذ قدّم صناع العمل عبر المنصة قراءتهم الخاصة لشخصيات أخرى مؤثرة، مثل مارغريت تاتشر، الأميرة ديانا والأمير تشارلز.

استعرض المسلسل ملابسات حياة الملكة إليزابيث الثانية، ما بين الرصد التاريخي والنقد المستتر أحياناً، مازجاً الوقائع بالخيال، وهو ما أثار حفيظة الحكومة البريطانية والمواطنين الإنجليز؛ الذين اعتبروه صورة سلبية عن العائلة المالكة، وخاصة ولي العهد، الأمير تشارلز، في ضوء ما فجّرته علاقته مع زوجته السابقة، الأميرة ديانا، من شكوك وشبهات حول تورطه في مقتلها.

رغم اتساع رقعة اعتراضات الحكومة البريطانية، فإن "نتفليكس" وصنّاع العمل لم يخضعوا لطلب وزير الثقافة البريطاني، أوليفر داودون، بضرورة أن تتضمن مقدمة العمل إشارة إلى أن العمل خيالي، وليس تاريخياً أو تأريخياً.

2- هتلر (الديكتاتور)

شكلت فترة الحرب العالمية الأولى والثانية حقلاً خصباً لإعادة قراءة التاريخ أو تنقيحه سينمائياً، وتقديم صورة دعائية تحكمها التوجهات السياسية أو الأيديولوجية.

بلقطات ساخرة معهودة لشارلي شابلن، قدم رؤيته النقدية لسوداوية الحرب وما تخلفه، في فيلم "الديكتاتور العظيم/ The Great Dictator".

جسَّد الفيلم، الذي عرض عام 1940، أي بعد عام واحد من اندلاع الحرب العالمية الثانية، انتقاداً لاذعاً للنازية وشخص أدولف هتلر، في واحد من أنجح أفلام شابلن وأكثرها شعبية.

كسر شابلن صمته ليحاكي طريقة هتلر في خطاباته، التي صاغها مهندسه للدعاية والبروباجندا، جوزيف جوبلز، وقدم الفيلم صورة ساخرة ناقدة لشخص هتلر وسياسته المُقصية لليهود والمعادية للسامية.

هتلر (العائد إلى الحياة)

بعد انتهاء الحرب العالمية وألمانيا النازية، وحتى ألمانيا الشيوعية، وسقوط جدار برلين، مازال هتلر حاضراً في الذهنية الألمانية والعالمية، وهو ما نراه في فيلم "انظر من عاد/Look who's back" عام 2015، القائم على فرضية تقارب المستحيل، وهي "ماذا لو عاد هتلر من جديد في وقتنا المعاصر الحالي؟"، والتي طُرحت في رواية ساخرة تحمل الاسم نفسه.

اعتمد المخرج الألماني ديفيد فينينت David Wnendt، والممثل أوليفر ماسوتشي Oliver Masucci، الذي قام بدور هتلر، على تجسيد الشخصية بصورة كاريكاتيرية، تبحث عن مجد رحل، ولا تجد الاحترام المرجو من العالم المحيط. مأساة تعيشها الشخصية في حال عودتها، في حين يستعيد العالم الخوف من رجل لم يعد حاضراً بلحمه ودمه، وتبقى أفكاره في رحلة ما بين الاختفاء والظهور.

ربما كان هتلر رجلاً يحمل الكثير من الخصال السيئة، بل وساهم في تخريب العالم وتغيير خريطته السياسية ومواطن نفوذه، وهو ما عبرت عنه الأعمال التي تناولت شخصه وعهده، مع ذلك، قدم فيلم “انظر من عاد” رؤية ساخرة انتقادية بصورة مستترة، وأخرى معلنة للسياسات التي اعتمدتها ألمانيا، وحتى ما تمثله المستشارة أنجيلا ميركيل، التي كانت ماتزال مستشارة لألمانيا وقت صدور الفيلم.

انتشر الفيلم بصورة واسعة، وحظي باهتمام الجمهور والنقاد على حد سواء.


هتلر (المستبد الإنسان)

عام 2001 صاحت الأوساط السينمائية محتفية بفيلم "التجربة/The Experiment" لمخرجه الألماني "أوليفر هيرشبيجيل/Oliver Hirschbiegel"، الذي عاد عام 2004 مع تحفة ملحمية، تحكي الساعات الأخيرة لسقوط النازية وممثلها هتلر، الذي جسده المخضرم الراحل برونو جانز/Bruno Ganz.

اعتمد جانز في أدائه التمثيلي على التقمص، وإبراز الجوانب الانفعالية الإنسانية لهتلر، كرجل فقد قوته ونفوذه وطموحه، وتحولت طريقة معالجة الشخصية من السخط إلى التعاطف، ومن الرفض إلى التفكير مع رجل قتل العديدين وساهم في دمار العالم.

لم يختلف مسلسل "الاختيار" عن نمط الأعمال التي تناولت الرؤساء السابقين، عبد الناصر والسادات، وحافظ ياسر جلال على الصورة المعتادة للسيسي، أداء حركي مدروس، ونبرة صوت هادئة، ولكنه افتقر إلى التعبير عن عمق الشخصية، وبعدها الإنساني الانفعالي

ربما تناسى الألمان جرائم هتلر للتمتع بالحياة دون ألم أو ذنب، إلا أن هذه الشخصية لازالت تشكل عقبة حتى خارج الحدود الألمانية، هذه المرة وصلت حد المستعمرة البريطانية الأشهر "الهند". وضعت الهند وألمانيا في جملة مفيدة واحدة، بعد رسالة غاندي إلى هتلر قبل قيام الحرب العالمية الثانية عام 1939 في محاولة لحثّ الثاني على عدم خوض الحرب، وإنقاذ البشرية.

ربما لم تمثل رسالة غاندي وقت إرسالها كل هذا اللغط والغضب كما فعلت مع المخرج Rakesh Ranjan Kumar، الذي قرر صناعة فيلم يحمل نفس عنوان رسالة غاندي Dear Friend Hitler، الاسم الذي تغير إلى Gandhi to Hitler، بعد هجمة شرسة تعرض لها صناع الفيلم من قبل الجالية اليهودية في الهند، لم تكن ردود الأفعال بالتسامح ذاته الذي يعيشه الألمان مع تاريخ دموي التصق بهم لعقود.

عام 1981، قدم أنطوني هوبكنز شخصية هتلر في الفيلم التلفزيوني "المخبأ/The Bunker"، حاول تقديم أداء متوازن، جمع بين إنسانية الشخصية، والأداء الانفعالي الذي اتسمت به.

3 - كينيدي (منكسر ومنكس الرأس)

هوبكنز الذي برع في أداء شخصيات مختلفة، كان على لقاء مع شخصية من الواقع الأمريكي، صاحبها الكثير من الجدل والفضائح السياسية، ريتشارد نيكسون، في فيلم للمخرج السياسي "أوليفر ستون/Oliver Stone" عام 1995.

ستون، الذي رافق اسمه تترات أفلام جادة، روائية ووثائقية، تناقش السياسة بملامح شاعرية متأملة، عادة ما يخالف الرواية الأمريكية المعتادة، قدم فيلم "JFK" عام 1991 للتحقيق في مجريات اغتيال الرئيس الأمريكي الراحل جون كينيدي، قبل أيام من خوضه الانتخابات الأمريكية لفترة ثانية.

أربع سنوات تفصل بين الفيلمين، لكن يحضر كينيدي ضمن لقطات فيلم نيكسون، منكَّس الرأس، نتأمله في لحظة فاصلة من تاريخه السياسي، وهو ما يلقي بظلاله على تشابك رؤية أوليفر ستون للتاريخ المعاصر المتداخل.

لا يتهاون الفيلم ومخرجه في تقديم لحظات الضعف التي مرّ بها نيكسون، الانكسار الذي عاشه وخلف بداخله شعوراً بالمرارة التي لا تنتهي.

4 - دادا وأفريقيا الملغومة

بينما كانت الولايات المتحدة مشتعلة بسبب صدمة نيكسون، عاشت أوغندا متغيرات وانقلابات ضارية، وفي مقدمتها انقلاب عيدي أمين دادا.

دادا الذي استأمنه الرئيس الأوغندي، ميلتون أوبوتي، وكلفه بقيادة الجيش ليطيح به، ويصبح حاكم البلاد عام 1971، ويحمل لقب "آخر ملوك اسكتلندا"، وهو الاسم نفسه الذي اختاره كيفين ماكدونالد/Kevin Macdonald لتناول شخصية دادا.

في أداء استثنائي، مزج الممثل فورست ويتكر/Forest Whitaker بين الخير والشر، والنزعات الإنسانية المتطرفة، التي عاش عيدي أمين أسيراً لها، والشعور المتنامي بالعظمة، ليحصل على جائزة الأوسكار عن هذا الأداء.

أدان الفيلم أمين بطريقة درامية، موظفاً الصورة والكلمة لخدمة التعبير والانفعال، في حين شهد العالم عيدي أمين بحق في فيلم الجنرال عيدي أمين دادا/General Idi Amin Dada: A Self Portrait، للمخرج الفرنسي باربيت شرودر/Barbet Schroeder عام 1974.

يسير شرودر مع دادا كاشفاً عن جانب إنساني لهذا الزعيم الذي اشتهر بالسادية والدموية، لا يبيض وجه دادا ولكنه يقف على مسافة من جانبه السلبي، تجعل المشاهد يتساءل: ما بال هذا الرجل، هل هو ديكتاتور حقاً؟!

5 - الزعيم العربي شبيه الملائكة

"صلاح الدين عبد الله خادم العرب"، هكذا وصف صلاح الدين الأيوبي نفسه، في لقائه مع قادة أوروبا القادمين إلى الشرق وكنوزه في فيلم “الناصر صلاح الدين” عام 1963.

الملاحظ أن خطاب وسلوك صلاح الدين، الذي جسده الممثل أحمد مظهر، يتسم بالمثالية والإيجابية التي تقارب الملائكية في أغلب الأحيان، بداية من ردود الفعل الهادئة، مروراً بالحوار المتزن، وليس انتهاءً بالأداء الصوتي المعتدل.

في ضوء الأحداث التي واكبت الفيلم، حملت شخصية صلاح الدين إسقاطاً واضحاً بليغاً لشخص الرئيس جمال عبد الناصر، في ظل هيمنة حلم القومية العربية، في محاولة لتوضيح الجانب الشجاع الحكيم في شخصية ناصر، التي عادة ما كان يتحدث بحماسة واندفاع محسوبين.

حافظت السينما والدراما المصرية على هذه الصورة الإيجابية الملحمية إلى حد بعيد، لتصوير شخصيات الزعماء والرؤساء، عبد الناصر في فيلم "ناصر 56" عام 1996، السادات في "أيام السادات" عام 2001، وبالنظر إلى المراجع المستعان بها في الفيلمين، اللذين يجمع بينهما البطل أحمد زكي، نجد أنها تنتصر إلى بطولة الزعيم، لاسيما "أيام السادات"، دون تنويع في المصادر والمراجع، وهو ما قد يعتبر رواية منقحة عن التاريخ والأحداث.

بميزانية بلغت 50 مليون جنيه، رصدها المنتج كامل أبو علي، تم إنتاج مسلسل "الجماعة" لكاتبه وحيد حامد، الشهير بمعاداته للإسلام السياسي والفساد،  في أعمال مثل "الإرهاب والكباب"، "طيور الظلام"، و"دم الغزال"، وغيرها.

قرر حامد أن يسلك طريقاً أقرب إلى الموضوعية، فطرح نموذج "البطل الضد" ممثلاً في حسن البنا، مؤسس ومرشد جماعة الإخوان الأول مع مطلع الثلاثينيات من القرن الماضي، نجت شخصيته من فخ التنميط، وأحادية التكوين على الشاشة، إذ عرضت بجوانبها الإنسانية المتباينة، وتعامل معها باعتبارها شخصية درامية ذات نهاية مأساوية، وكأنها تحت ميكرسكوب متأمل، يرصد المتغيرات والانفعالات التي عاشتها الشخصية دون تقبيح أو تجميل.

يعتبر نجيب محفوظ أن الكتابة عن الأحداث المعاصرة تحمل ظلماً ما، إذ يحتاج الإنسان إلى فترة يتأمل فيها المواقف والدوافع، حتى لا يقع تحت تأثير اللحظة ومجرياتها، وربما هذا هو السبب في خروج شخصية البنا بهذا التكوين الإنساني، وليس الطرح الملحمي المفرط.

إليزابيث الثانية إنسانة لها سلبياتها وإيجابياتها، وكينيدي منكسر مُنكَّس الرأس، وهتلر ديكتاتور مثير للسخرية والشفقة، بينما عبد الناصر والسادات والسيسي يشبهون الملائكة جميعاً

رغم الشهرة التي حققها مسلسل "الاختيار" في جزئه الثالث، مستنداً على نجاح الجزئين الأول والثاني، ورونق ووجاهة فكرة العمل المعتمد على شخصيات معاصرة، بل وحاضرة في حياة المواطن المصري، مثل الرئيس عبد الفتاح السيسي، المشير طنطاوي وأذرع جماعة الإخوان والسلفية، لكنها تشكل سلاحاً ذا حدين، إذ ربما تكون المرة الأولى في تاريخ الدراما المصرية يُجسّد فيها رئيس ضمن أحداث عمل درامي وهو مازال حاضراً في المشهد السياسي.

وأسوة بالسابقات الدرامية والسينمائية المصرية التي تناولت الزعماء الراحلين، لم يختلف مسلسل "الاختيار" في تناول شخصياته، لاسيما شخصية الرئيس الحالي التي أداها ياسر جلال.

جسد ياسر جلال شخصية الرئيس عبد الفتاح السيسي كما اعتاد أن يراها مصريون على شاشات التلفزيون في خطاباته، إذ حافظ على الصورة المعتادة للرئيس، وما يميزه من نبرة صوت هادئة، وأداء حركي مدروس، لكنه اقتفر إلى التعبير عن عمق الشخصية، وبعدها الإنساني الانفعالي، فكان التركيز على الأحداث التاريخية أكثر من الشخصيات وأبعادها النفسية ودوافعها أحياناً، ويعود ذلك إلى طبيعة الشخصيات التي قدمها السيناريست هاني سرحان، ذات البعد الأحادي، ما جعل دراما الضباط باهتة، ومقحمة في بعض الأحيان على الصراع المتصاعد بين وزارة الدفاع ومكتب الإرشاد.

في عام 1986 عُرض فيلم "البريء" إخراج عاطف الطيب وتأليف وحيد حامد، الذي أهداه صناع مسلسل الاختيار هذا الجزء لروحه، عاني الفيلم بعد التصوير من رفض الرقابة للنهاية، التي تعبر عن غضب أحمد سبع الليل، ورفضه للظلم، ونفَّس عن ذلك بقتل العقيد توفيق شركس مأمور السجن، وجميع المدافعين عنه، وجلس هادئاً يعزف على نايه الحزين.

استشاطت الرقابة لهذا المشهد، الذي رآه البعض محرضاً، حيث إن دائماً هناك خطوطاً حمراء حتى في الدراما.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image