"آخر مرة أراه فيها كانت من شرفة المنزل وهو يصعد برفقة عدد من زملائه في الدراسة إلى السيارة، ولم يعد منذ ذلك الحين". هذه هي الجملة التي تُباشر بها حياة العلمي، الأم المكلومة جراء اختفاء ابنها منذ يوم الأربعاء 14 آذار/ مارس 2007، أي ما يُناهز خمس عشرة سنة من البحث المُتواصل، لفك خيوط اختفاء الشاب التهامي البناني، المولود سنة 1989، وكان حينها في صف البكالوريا (سنة أولى).
مرت سنوات طِوال على اختفاء التهامي البناني، قبل أن يعاد فتح ملف اختفائه الذي يحمل الكثير من الخيوط المُتشابكة وعلامات الظل بضغط من الرأي العام بعد أن انتشرت قصته في شبكات التواصل الاجتماعي... فهل ستُكشف الحقيقة؟
عاد إلى الواجهة بعد 15 سنةً
عادت قضية التهامي البناني إلى الواجهة، بعد أن انطلقت أحداثها سنة 2007، في مدينة المحمدية، وأُطلِقت حملة رقمية واسعة على منصات التواصل الاجتماعي من خلال وسم (العدالة للتهامي البناني) #justicepourthamibennani، للمطالبة بتحقيق العدالة في هذه القضية التي تُعدّ من بين أشهر قضايا الاختفاء في المغرب وأغربها من ناحية التفاصيل الملموسة، متداولةً عدداً من الشهادات والمقاطع والروايات التي امتزج فيها التأليف مع الواقع، خاصةً بعد أن دخل على الخط عدد من صُناع المحتوى محاولين بدورهم ركوب موجة الاختفاء، والحصول على مشاهدات إضافية بتحليلهم لما رُصد من أقوال وأحداث.
"أنا أم الشاب المختفي التهامي البناني، المختفي في ظروف غامضة منذ سنة 2007، وحتى الساعة لم تُفكّ خيوطها". كفاح أم مغربية للكشف عن أسباب اختفاء ابنها
وتفاعل عدد من مشاهير الفن والرياضة والإعلام، وكذلك رواد مواقع التواصل الاجتماعي من مختلف الفئات المجتمعية مع وسم التضامن مع التهامي، مُطالبين بكشف الغبار عن الحقيقة قبل شهر نيسان/ أبريل من السنة الجارية، إذ إن القانون المغربي حدّد في المادة 5 من القانون رقم 22.01 (المسطرة الجنائية)، "أجل التقادم في الدعوة العمومية، في جناية القتل في 15 سنةً ميلاديةً، تنطلق من يوم ارتكاب الجناية"، مما يعني أن الحملة انطلقت وما تزال هناك ثلاثة أشهر فقط لإحقاق العدالة أو إغلاق الملف.
وفي السياق ذاته، شارك فرانك كابريو، القاضي الأمريكي الشهير في مواقع التواصل الاجتماعي، والمعروف بلقب "القاضي الرحيم"، تدوينةً تفاعل فيها مع وسم "العدالة التهامي البناني"، ويقول فيها: "لقد وصلتني رسائلكم وتعليقاتكم للتو، وما حدث لهذا الشاب المغربي الجميل سأفعل ما في وسعي للمساعدة، وأنتم أيضاً لديكم دور مهم. انشروا لكل العالم... لولاكم ما علمت بهذا الحدث المؤسف".
اختفاء أم قتل عمد؟
"أنا أم الشاب المختفي التهامي البناني، المختفي في ظروف غامضة منذ سنة 2007، وحتى الساعة لم تُفكّ خيوطها. في تلك السنة غادر التهامي المنزل نحو الثانوية عند الساعة الثامنة صباحاً، وقال لي حينها: لن آتي لتناول الغداء في المنزل، لكنني حين عدت من العمل بعد الزوال أتى عند الساعة الواحدة والنصف باحثاً عن الأكل، فأكل سريعاً من دون أن يضع حقيبته عن ظهره". تعود بنا أم الشاب المفقود 15 سنةً إلى الوراء ساردةً تفاصيل يوم 14 آذار/ مارس 2007، الذي ظل عالقاً في ذاكرتها، بكل ما فيه من ألم رافقها لسنوات.
تضيف حياة العلمي، أم التهامي البناني، في عدد من الإطلالات الإعلامية: "خرج التهامي حينها من المنزل، فظلت أخته تبكي على هاتفها الذي أخذه معه، فلما قلت لأخيه الأصغر اتبعه وأحضر الهاتف، شاهدته من شرفة المنزل يصعد السيارة مع أصدقائه، وحين لم يعد ليلاً، أيقظت أخاه الأصغر فقال لي إنه كان قد شاهده صدفةً عند الساعة الخامسة مع أصدقائه أنفسهم الذين رافقوه في السيارة، ومنذ ذلك الحين لم يعد".
وتتابع رواية القصة قائلةً: "في صباح ذلك اليوم، أخذت إذن غياب من عملي، وذهبت إلى الثانوية التي يدرس فيها التهامي، وأخبرت الحارس العام بغيابه عن المنزل، فقال لي هو وأصدقاؤه جميعهم لم يحضروا الحصص الدراسية، بمعنى أنه حين خرج في اليوم السابق عند الساعة الثامنة صباحاً، لم يذهب للدراسة، طِوال اليوم. حين عدت في اليوم التالي إلى الثانوية، عرفت بأن عدداً من أصدقائه حضروا للدراسة، لكني لم أقابلهم، وقال لي زوجي في ذلك اليوم إن بعض أصدقائه أتوا للسؤال عنه في المنزل، ثم بعد أن مضت 24 ساعةً على الاختفاء، تمت مباشرة الإجراءات القانونية من أجل البحث عن المفقود، وبعدها بأيام عرفت من شخص يعمل في إحدى شركات الاتصال المغربية، أن آخر اتصال قام به ابني المختفي كان مع شخص من مواليد سنة 1953، وفعلاً ذهبت إلى ذلك الرجل فعرفت منه أن ابنه كان هو المتحدث الأخير مع التهامي، لكنه لم يعطِني أي تفاصيل أخرى عن مكان وجود ابنه، وبالصدفة عرفت مكان الابن وذهبت إليه عند الساعة العاشرة ليلاً، وطلبت منه معرفة تفاصيل اختفاء ابني فقال لي إن فلاناً هو الذي يعرف القصة بأكملها، والشخص الثاني تم اعتقاله بعد مرور 12 سنةً على الحادث، لأنه كان ينكر كل شيء منسوب إليه سابقاً".
أين الجثة؟
بعد سنوات من البحث والتحقيق في شأن الشاب المفقود، تحول الملف من بحث عن مختفٍ إلى جريمة قتل عمد مع سبق الإصرار والترصد مع إخفاء معالم الجريمة، وعاد الملف إلى واجهة النقاش الإعلامي، يوم 15 أيلول/ سبتمبر 2019، مباشرةً بعد انطلاق محاكمة ثلاثة من أصدقائه وزملائه في الدراسة، الذين تابعهم قاضي التحقيق المكلف في الغرفة الخامسة في محكمة الاستئناف في الدار البيضاء، بشبهة التورط في هذه الجريمة التي استغرقت سنواتٍ من البحث والتحقيق.
المشتبه فيهم الموجودون حالياً رهن الاعتقال الاحتياطي، تمت مواجهتهم بنتائج الخبرة التقنية على الهواتف المحمولة (الهاتف الذي أخده من أخته كان نقطة تحول في البحث)، وبتقنية التموضع الجغرافي، وهو الشيء الذي جعلهم يقولون إن رحلة السيارة في 2007، كانت لشراء كمية كبيرة من مخدر "إكستازي" من مدينة الدار البيضاء، وقد استهلكوها بشكل مفرط، "مما تسبب بظهور أعراض هستيرية على الضحية التهامي بناني، ومن أجل انتظار استفاقته آنذاك رافقوه في جولة ليلية نحو منطقة سيدي رحال، غير أنه فارق الحياة، مما دفعهم للتخلص من جثته بالقرب من الغابة المطلة على شاطئ "واد مرزك"، ثم عادوا إلى مدينة المحمدية”، وهو الشيء الذي يؤكده المتهمون الثلاثة في محاضر تصريحاتهم، بعد سنوات من محاولات التهرب من شبهة التورط في القضية.
بعد نحو 15 سنة من الصمت طفت قضية اختفاء الشاب التهامي البناني إلى السطح بفضل إصرار والدته على الكشف عن حقيقة اختفائه الغريب
في مقابل كل هذه المعطيات، يؤكد المحامي حسن حسون، وهو عضو الدفاع عن المتهمين المتابَعين في حالة اعتقال في قضية اختفاء التهامي بناني، أن الحقيقة هي أن "التهامي، حسب اعترافات المتهمين في المحاضر المنجزة، حصلت له هستيريا نتيجة الإفراط في تناول الأقراص المهلوسة، ثم ارتفعت درجة حرارته، وفي تلك اللحظة قرر أحد المشتبه فيهم وهو قاصر، الترجل من السيارة، بينما قرر صديقاه الآخران البقاء برفقته، خوفاً عليه من التعرض للتوبيخ من قبل عائلته، مفضّلين استمرار التجول بالسيارة إلى حين استعادته وعيه، وهذه هي فترة مصادفته لأخيه عند الساعة الخامسة من ذلك اليوم. وحين لم يعد إلى وعيه، انتقل المشتبه فيهم إلى منطقة عين الدياب في الدار البيضاء إلى حين استعادة الضحية وعيه والعودة إلى المحمدية، قبل أن يُصدموا وهم في نواحي منطقة طماريس (ضواحي الدار البيضاء)، بأن التهامي لم يعد يتحرك، ما جعلهم يتخلصون منه".
أما عن سؤال "أين الجثة؟"، فإن المحامي يحمّل المسؤولية للسلطات في ذلك الوقت، والتي قد تكون قد عثرت عليها لكنها لم تبلّغ عنها في حينه، كما لم تدفن الجثة وفق معلومات صريحة ما يسهّل عملية العثور عليها في حال تطلّب الأمر ذلك.
غير أن أم التهامي التي أُطلق عليها لقب "الأم الحديدية"، إذ ظلت صامدةً لسنوات طويلة، لم تكلّ يوماً ولم تملّ من البحث عن تفاصيل خيط يقودها نحو حقيقة اختفاء ابنها، ولا تزال متشبثةً بأن ابنها مفقود وينبغي العثور عليه، أو على الأقل الحصول على الجثة بناءً على الدليل العلمي والخبرة الطبية، وتقول: "لا يمكن الجزم بموته في غياب الجثة لمدة أربع عشرة سنةً، وحالياً أبحث عن الحقيقة المبنية على الإثبات". فهل ستكون هناك تفاصيل جديدة تكشف أسرار اختفاء التهامي؟
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...