شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!

"أنا امرأة لا إنجابية ولست ناقصةً"

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الجمعة 8 أبريل 202205:22 م

اختارت فرح أبي مرشد (33 عاماً)، وتقيم في بلدة بيصور في قضاء عاليه، أن تكون امرأةً "لا إنجابيةً"، منذ ثماني سنوات، وخيارها هذا ليس شخصياً بحتاً، بل دفعتها إليه الكثير من العوامل، ولكنها راضية وهذا ما يهمها. من وجهة نظرها، الإنجاب وتربية طفل مشروع متكامل يجب التفكير فيه مليّاً، في حين أن في مجتمعنا مفهوم الإنجاب "عبثي"، ويأتي تلقائياً في رزمة واحدة مع الزواج.

تُعدّد فرح الأسباب التي دفعتها إلى اتخاذ قرار عدم الإنجاب. تقول: "المساحات الآمنة اللازمة لتربية الطفل في نظري مفقودة في لبنان، والحوادث الأمنية كثيرة في البلد ولا أريد لطفلي أن يتحوّل إلى ضحية، فضلاً عن الوضع الاقتصادي الذي يشغل بالي"، وتُضيف: "مستلزمات الطفل ليست حفاضات وحليباً فحسب، بل هناك متطلبات أخرى كتعليمه وأسلوب تربيته وصحته النفسية وغيرها من أمور أصبحت مكلفةً بشكل كبير في لبنان".

غير مجبورة الخاطر

الحديث في الآونة الأخيرة عن المرأة اللا إنجابية، صار أكثر تداولاً والحق في عدم الرغبة في الإنجاب أصبح أمراً تصرّح عنه النساء بشكل أكبر وتدافع عنه

"صعب على المجتمع أن يفهم أن قرار عدم الإنجاب قرار يتعلق بحرية جسدي لا علاقة للناس به. الخضرجي بجانب منزلي سألني إذا "مخبّيتله شي (إذا كانت حاملاً)، واللحام أيضاً". تسمع فرح هذه التعليقات كثيراً، في الدائرتين الصغيرة والكبيرة، كما تسمع أيضاً من يسأل إذا كانت تعاني من مشكلات صحية تمنعها من الحمل، من خلال ما تصفه بربط "جاهل" بين مرض السكري المصابة به والعقم، فينصحونها بزيارة طبيب لإجراء تلقيح، وتكرار دعوة "الله يطعمك جبرة الخاطر"، فقط لأنها ليست أمّاً. هناك من نصحها بالتخلي عن كلبتها، وإنجاب طفل عوضاً عنها.

تذكر فرح حادثةً حصلت معها في أثناء تقديم واجب العزاء في بلدتها بيصور: "فجأةً، أمسكتني امرأة من بطني بالقوّة وسألتني إن كنت حاملاً، شعرت بأن ما قامت به اعتداء على جسدي وحرية قراري، وردة فعلي كانت قاسيةً".

حسب فرح، دائماً ما يُنظر إلى المرأة غير المنجبة وكأنها ناقصة، وهي التي تحاول أن تعوّض عن مشاعر الأمومة بأي طريقة: "مشاعري تجاه الأطفال واندفاعي نحوهم، دائماً ما يرونه تعويضاً عن نقص في مشاعر الأمومة، لكن الأمر ليس كذلك. عدم رغبتي في الإنجاب لا تعني أنني لا أحب الأطفال ولديّ نقص. على العكس تماماً، كل ما في الأمر أنني لا أرغب في الأمومة".

لن يفرضوه عليّ

"لست مجبرةً على أن أكون أماً لأنني أنثى فحسب، وقرار عدم الإنجاب أقتنع به أكثر يوماً بعد يوم، وشريكي يوافقني الرأي. ببساطة لا أرغب في ذلك"، تقول رهف (27 عاماً)، لرصيف22.

خيار رهف في عدم الإنجاب خارج عن القوالب المجتمعية التي تحصر المرأة في الدور الرعائي، وضرورة الإنجاب بعد الزواج. هي لن تنجب طفلاً من أجل التماشي مع هذه القوانين المجتمعية فحسب: "لم نخطط كثيراً أنا وشريكي لزواجنا. خيار المساكنة لم يكن متاحاً أمامنا نظراً لضغوطات مجتمعية، لذا عقدنا زواجاً دينياً إرضاءً لمحيطنا، لكن لن يحدث هذا الأمر في الإنجاب، زوجي يخاف من الالتزامات طويلة الأمد مثلاً، وأنا أيضاً، لذلك نحن متفقان على هذا القرار".

كُثر ينصحون رهف بترك حيواناتها، لتُنجب طفلاً. تروي: "أم زوجي تعتقد بأنني سأحمل عندما أنهي دراستي الجامعية وأتخرج، وهو أمر محسوم بالنسبة إليها. بنظرها أنا أحرمها من حفيد العائلة"

أسباب عديدة تذكرها رهف تقف وراء عدم رغبتها في أن تكون أماً، وعدم استعدادها لتربية طفل والتركيز على حياتها المهنية، فضلاً عن الظروف الاستثنائية التي يمر بها لبنان، تقول: "في منزلي أربّي قططاً وكلباً ولدي التزامات كبيرة تجاههم، ولكن فكرة إنجاب طفل وتربيته ترعبني. لست مستعدةً أبداً لتحمّلها".

كُثر ينصحون رهف بترك حيواناتها، لتُنجب طفلاً. تروي: "أم زوجي تعتقد بأنني سأحمل عندما أنهي دراستي الجامعية وأتخرج، وهو أمر محسوم بالنسبة إليها. بنظرها أنا أحرمها من حفيد العائلة".

"أمومة قسرية"

الحديث في الآونة الأخيرة عن المرأة اللا إنجابية، صار أكثر تداولاً والحق في عدم الرغبة في الإنجاب أصبح أمراً تصرّح عنه النساء بشكل أكبر وتدافع عنه رغم الضغوطات والوصمة الاجتماعية.

وحسب الناشطة النسوية، عليا عواضة، فإن "الأمر لا يتعلّق بالأزمة الاقتصادية في لبنان، ولا بأي ظروف آنية نمر بها حول العالم، بل يتعلق بتقدم الخطاب النسوي الذي يدعم حق النساء في اتخاذ القرارات المتعلقة بأجسادهن، ودعم المرأة حول العالم لهذا الخطاب".

برأيها، "النظام الأبوي يحصر دور المرأة بالرعاية وتربية الأطفال، ومن هذا المنطلق ينظر إلى كل امرأة لا إنجابية على أنها امرأة ناقصة بغض النظر عن رغبة النساء في الإنجاب من عدمها، ويعمل المجتمع على نبذها"، وتشير إلى أن "هناك الكثير من النساء اللواتي أُرغمن على الإنجاب وهنا نتحدث عن "الأمومة القسرية"، حتى أن هناك نساءً قد قررن إنجاب طفل واحد فقط، لكنهن أُرغمن على إنجاب أكثر من طفل نظراً لرغبة الشريك مثلاً في عائلة كبيرة".

النظام الأبوي يحصر دور المرأة بالرعاية وتربية الأطفال، ومن هذا المنطلق ينظر إلى كل امرأة لا إنجابية على أنها ناقصة

تقول عواضة: "هناك نساء مثلاً قد يتخلّين عن أطفالهن فور الولادة، نظراً إلى عدم رغبتهن في الإنجاب، هذا عدا عن رفض بعض النساء المؤسسة الزوجية كاملةً خوفاً من ارتباطها بفكرة الإنجاب تلقائياً، والضغط الذي قد يتعرضن له في حال عدم رغبتهن في الإنجاب".

وتضيف: "ما كل امرأة لديها مشاعر أمومة بالفطرة، وهذه الأقوال هي إسقاطات من النظام الأبوي لحصر دور المرأة في الإنجاب، بغض النظر عن الأدوار الاجتماعية الأخرى، وتربية الفتيات في مجتمعاتنا ترسّخ في عقولهن أنهن عندما يكبرن سيتزوجن وسينجبن الأطفال ويصبحن أمهات وهذه هي الحياة المثالية التي يجب أن يسعين خلفها".

"لا تكوني وحيدةً"

"دائماً ما يُخيفونني من أن أبقى وحيدةً عندما أكبر، قائلين إن أولادك سيكونون سنداً لك، ولكنني لا أنظر إلى الموضوع بهذه الطريقة، وأعلم أني لن أندم على قراري بعدم الإنجاب".

هذا ما تسمعه هبة (36 عاماً)، لأنها لا تريد أن تكون أمّاً، فضلاً عن الظن بأن لديها مشكلات صحية تمنعها من الحمل وتخجل من البوح بها، مستبعدين فكرة عدم رغبتها في الإنجاب، بالإضافة إلى ربط تعلّقها بأولاد أخواتها بأنه نابع من نقص أو رغبتها في الإحساس بالأمومة".

تقول: "مشاعر الأمومة لا تُخلق بالفطرة مع الأنثى، وتعلّقي بأولاد أخواتي نابع من محبتي وعاطفتي تجاههم، ولي دور أساسي في حياتهم ولكن لا علاقة له بنقص أو برغبة في التعويض، فأنا بملء إرادتي أخترت ألّا أكون أمّاً".

مشاعر الأمومة لا تُخلق بالفطرة مع الأنثى، وتعلّقي بأولاد أخواتي نابع من محبتي وعاطفتي تجاههم، ولي دور أساسي في حياتهم ولكن لا علاقة له بنقص أو برغبة في التعويض، فأنا بملء إرادتي أخترت ألّا أكون أمّاً

تزوجت هبة قبل ثماني سنوات في لبنان، وكانت قد اتخذت قراراً بأن تكون "لا إنجابيةً" بدايةً، ولفترة مؤقتة إلى حين استقرار حياتها الزوجية، إلا أن ما هو مؤقت تحوّل إلى قرار دائم: "قررت أن أكون امرأةً لا إنجابيةً طوال حياتي، ولا أرغب في الأمومة. في البداية زوجي لم يكن على اقتناع كامل بالفكرة، ربما بسبب الضغوط الاجتماعية، ولكنه مع الوقت اقتنع بها".

هي على قناعة تامة بأنه من حقها اتخاذ هذا القرار، بغض النظر عن الظروف المحيطة من أوضاع اقتصادية وأمنية، فـ"هذا القرار شخصي ويتعلق بجسدي وسأستمر في الدفاع عنه بالرغم من كل الضغوط".

تقول الباحثة الاجتماعية ليلى شمس الدين، إن "هناك عوامل اجتماعيةً عديدةً تقف وراء قرار النساء بعدم الإنجاب، أولها عدّ الأمومة مسؤوليةً كبيرةً هن غير جاهزات لها، أو حتى غير راغبات في حملها، عدا عن الخوف من الأمراض الوراثية وأيضاً الحياة الزوجية غير المستقرة التي قد تدفع بعضهن إلى اتخاذ هذا القرار".

تضيف: "تربية المرأة في المجتمعات العربية تركت أثرها على النساء، ومن هنا يمكن ملاحظة أن بعضهن ينجبن بقرار غير نابع من الذات، بل فقط لأنه لم يُتَح لهن خيار آخر، ولم يستطعن الرفض، وهذا ما يُسمّى ‘الأمومة القسرية’".

أمّا عن الضغوط التي تتعرض لها النساء اللا إنجابيات، فترى شمس الدين أن حصر دور المرأة "بالرعاية والإنجاب لا يزال مستمراً ومربوطاً بعادات وتقاليد مجتمعية منذ زمن، لذلك ينظر المجتمع إلى المرأة اللا إنجابية على أنها امرأة تتنصل من دورها الأساسي، وقرارها طائش وغير واعٍ، متناسين كيان المرأة ووجودها". 


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel
Website by WhiteBeard