قبل أيام قليلة، خرج نائب رئيس الوزراء اللبناني، سعادة الشامي، بتصريحٍ لافت، معلناً فيه إفلاس كل الركائز المالية في لبنان: "الدولة والمصرف المركزي ومختلف المصارف". حديث أتى خلال حوار تلفزيوني على قناة الجديد. والإعلان بحدّ ذاته كان مفاجئاً في الشكل، لا في المضمون، لأن البلاد تشهد إفلاساً ظاهرياً، لم تعترف به أي جهة رسمية بعد.
بعد ساعات عدة، ردّ حاكم مصرف لبنان رياض سلامة ببيان جاء فيه أن "ما يتم تداوله حول إفلاس المصرف المركزي غير صحيح"، مشيراً إلى أن "مصرف لبنان لا يزال يمارس دوره الموكل إليه بموجب المادة 70 من قانون النقد والتسليف"، وتنص المادة على أن "البنك مكلّف بالحفاظ على سلامة العملة اللبنانية والحفاظ على الاستقرار الاقتصادي"، ما دفع الشامي إلى التراجع عن كلامه، قائلاً إنه "تمّت تجزئته".
يعيش اللبنانيون والمقيمون في لبنان فصولاً ماليةً مترديةً، بدأت عملياً في صيف 2019. وتعني خطوة "إعلان الإفلاس"، مجرد محطة أقرب إلى تسليم قيادة لبنان المالية إلى المجتمع الدولي، خصوصاً إذا لم ينجح في اعتماد الإصلاحات المطلوبة منه، ولا الخروج من المأزق المالي المتفاقم.
خرج نائب رئيس الوزراء اللبناني، بتصريحٍ لافت، معلناً فيه إفلاس كل الركائز المالية في لبنان: "الدولة والمصرف المركزي ومختلف المصارف"
تقول الرئيسة التنفيذية لمؤسسة juriscale، سابين الكك، إن "افلاس الدولة لا يعني شيئاً غير حالة العجز المالي والفعلي"، مشيرةً إلى أن مصطلح "إفلاس الدولة" لا يحمل مفاعيل أكبر من هذا الحجم. وتُذكّر بأن الحالة الوحيدة التي يُمكن الحديث فيها عن توقف الدولة عن الدفع، هي التوقف عن دفع الديون السيادية، وهو ما يترتب عليه عدم القدرة على الاستحصال على ديون جديدة، وعدم دفع الفوائد الناجمة عن الديون، والتفاوض مع الدائنين لإعادة جدولة الديون، وإجراء مفاوضات مع صندوق النقد الدولي، والقيام بعملية اقتطاع "هيركات" ودائع "اليوروبوندز" وديونها.
مصطلح "إعلان الإفلاس" لم يكن جديداً، وتعثّر العملة المحلية لم يكن جديداً أيضاً، ففي تسعينيات القرن الماضي، عانت الليرة اللبنانية من انخفاض حاد بلغ آنذاك أكثر من ثلثي قيمتها مقابل الدولار. هذا الأمر دفع بالحكومة اللبنانية في عام 1992، إلى إعادة الاستقرار إلى العملة الوطنية من خلال تثبيت سعر صرف الليرة مقابل الدولار، وهو ما أدّى إلى تحسّن سعر صرف الليرة تدريجياً ليصل عام 1997 إلى 1،507.5 ليرات مقابل الدولار، وثباته لأكثر من عقدين.
عوامل أساسية
تثبيت سعر الصرف هذا، كان سبباً في ما وصلت إليه البلاد اليوم، مع إجراء هندسات مالية ساهمت في إخراج شركات من أوضاعها الاقتصادية المتدهورة، على حساب المودعين في المصارف اللبنانية. في المقابل، لم يستفِد لبنان من الهبات والقروض الدولية، منذ مرحلة ما بعد الحرب الأهلية اللبنانية (1975 ـ 1990)، بل هُدرت الأموال واستشرى الفساد، فضلاً عن زيادة العديد البشري في القطاع العام.
خلال 30 عاماً، لم يتم وضع خطط من أجل تنظيم بنى تحتية فعلية، تسمح باستقطاب الاستثمارات الخارجية، لا في قطاعات الكهرباء والمواصلات والاتصالات والمياه، ولا في القطاعات البشرية والتقنية والبيروقراطية المفترض أن تهيّئ مناخاً ملائماً لأي استثمار، مع العلم أن أحد المصادر الرئيسية للدولار في لبنان، كان تحويلات ملايين اللبنانيين الذي سافروا للعمل في الخارج، وحتى في الأزمة المالية العالمية عام 2008 واصل المغتربون اللبنانيون تحويل الأموال إلى البلاد، وهو ما يُردده اقتصاديون كثر في معرض تفنيدهم للأزمة.
ومع أن الخطاب الرسمي للدولة اللبنانية في العقد الأخير، تمحور حول "عبء اللجوء السوري وكلفته على لبنان"، بعد اندلاع الثورة في سوريا، إلا أنه عملياً كان بمثابة "شمّاعة" أخفى خلفها جميع المسؤولين والأحزاب والتيارات، كل أخطائهم وممارساتهم. وكان واضحاً أن الأزمة ستنفجر في مكان ما.
في صيف عام 2019، بدأت القطاعات المالية تستشعر تعثراً مالياً في الدولة، في موازاة بحث الحكومة حينها عن ضرائب جديدة لإخفاء الخسائر الآتية
في صيف عام 2019، بدأت القطاعات المالية تستشعر تعثراً مالياً في الدولة، في موازاة بحث الحكومة حينها عن ضرائب جديدة لإخفاء الخسائر الآتية. وبؤشر تطبيق القيود على سحب الأموال من المصارف تدريجياً، بالعملة اللبنانية والعملات الأجنبية في أيلول/ سبتمبر 2019. وبعد أسابيع قليلة على بدء تنفيذ القيود، ارتأت الحكومة أن تفرض ضرائب إضافيةً، من دون تحديد مسار إصلاحي يُمكن البناء عليه لإنقاذ البلاد.
انتفاضة 17 تشرين
اندلعت انتفاضة 17 تشرين الأول/ أكتوبر 2019، على خلفية رفض المواطنين الضرائب الجديدة، وعمّت الاحتجاجات مختلف الأراضي اللبنانية، في أكبر تحرّك اجتماعي في تاريخ لبنان، وبدأ سعر صرف الدولار بالتدهور. في المقابل، بوشرت عملية سحب الأموال من المصارف اللبنانية وتحويلها إلى الخارج، سواء عبر سياسيين أو رجال أعمال أو المصارف نفسها. بدأت الأموال تشحّ تدريجياً، قبل الكشف عن تراجع الاحتياطي النقدي في المصرف المركزي، والذي تمظهر في الامتناع عن دفع الديون السيادية، أي اليوروبوندز في آذار/ مارس 2020.
خلال هذه المرحلة، لم يجرِ طرح خطط إنقاذية بالمعنى الفعلي، بل أوقفت الدولة كل المسارات الإصلاحية والقضائية والسياسية، مستندةً إلى مبدأ "الدعم" الذي يمنحه المصرف المركزي للمواد النفطية والطبية والقمح. مع ذلك، سعت الدولة إلى تنويع الدعم، وتوزيعه على قطاعات أخرى، فلم يكن غريباً أن "الدعم" طاول الكاجو والقهوة وبعض البضائع المصنّفة في خانة "الكماليات"، وهي خطوة ناقصة بالمفهوم الاقتصادي البحت، وغير سليمة بالمنطق المجرّد.
سمح تنويع "الدعم" باستنزاف المزيد من مدّخرات المودعين في المصارف اللبنانية، مروراً بتحوّل القيود على السحب إلى مسارين. المسار الأول تحديد مبالغ سحب العملة اللبنانية شهرياً، ثم تحويل الدولار والليرة إلى "لولار"، أي أنه حين يرغب أي كان في سحب مئة دولار من حسابه، فلن يسحبها بالعملة الأمريكية، بل بالعملة اللبنانية وفق سعر صرف بدأ على أساس 1،500 ليرة للدولار، ثم 3،900 ليرة للدولار، وصولاً إلى 8،000 ليرة للدولار الواحد.
لاحقاً، اعتمد مصرف لبنان منصة "صيرفة" بحجة "ضبط السوق السوداء". فشلت المنصة في المرحلة الأولى، بالتوازي مع تدهور سعر صرف الدولار في السوق السوداء، الذي انتقل من 1،507 ليرات للدولار في أيلول/ سبتبمر 2019، إلى نحو 35 ألف ليرة في أواخر العام الماضي. وبعد انكماش اقتصادي سريع بلغ الدين الحكومي ما يعادل 495% من الناتج المحلي الإجمالي في 2021، وفق بعض التقديرات، وهو ما يفوق بكثير المستويات التي عرقلت بعض الدول الأوروبية قبل نحو عشر سنوات.
دفع هذا الأمر إلى ارتفاع الأسعار بشكل هائل في البلاد، وتدهور المستوى المعيشي للبنانيين، وصولاً إلى إعلان الأمم المتحدة أن 80% من اللبنانيين تحت خط الفقر. وخلال العامين ونيّف من الأزمة اللبنانية التي صنّفها البنك الدولي على أنها "من بين أشدّ عشر أزمات، وربما من بين الثلاث الأسوأ منذ منتصف القرن التاسع عشر". في حزيران/ يونيو 2021، تفشّى فيروس كورونا في العالم، معرقلاً عمل سلسلة التوريد، ومساهماً في ركود اقتصاديات دول عدة.
قال سلامة في أواخر العام الماضي إنه "بحاجة إلى 13 أو 14 مليار دولار لإعادة تفعيل الوضع الاقتصادي"
بطبيعة الحال، لا يُمكن لأي طرف المساهمة في إنقاذ لبنان، في زمن إعادة ترتيب الأولويات بسبب الوباء، في ظلّ تراجع الناتج الإجمالي المحلي إلى ما يقدَّر بنحو 20.5 مليار دولار في 2021، من نحو 55 مليار دولار في 2018، وهو نوع من الانكماش الذي عادةً ما يصاحب الحروب على حد وصف البنك الدولي.
وفقدت الليرة اللبنانية أكثر من 90% من قيمتها، مما رفع تكلفة كل شيء في الدولة المعتمدة أساساً على الواردات وقوّض القوة الشرائية للعملة، وبلغ راتب الجندي اللبناني الشهري الذي كان يعادل في يوم من الأيام 900 دولار، ما يوازي الآن 50 دولاراً.
وتفاقم الموقف مع إعلان اليونيسف أن أكثر من نصف الأسر لديها على الأقل طفل واحد لا يحصل على إحدى وجبات اليوم، في أيلول/ سبتمبر الماضي، مقارنةً مع ما يزيد عن الثلث فحسب في إبريل/نيسان 2021. وتكبّد النظام المالي اللبناني خسائر فادحةً، بما يشمل نحو 44 مليار دولار في المصرف المركزي تتعلق بإخفاق الجهود الرامية لدعم العملة، وذلك وفقاً لبيانات حكومية في 2020. وهذا المعدل هو تقريباً مثل حجم الناتج الاقتصادي، والخسائر الإجمالية التي تشمل تقليص القيمة الإسمية المتوقعة للدين السيادي والتي تفوق ذلك أيضاً.
وشُلّ عمل المصارف اللبنانية مع منع المودعين من حساباتهم الدولارية، كما تطبّق عمليات السحب بالعملة المحلية أسعار صرف تمحو 80% من قيمتها. ويهاجر اللبنانيون في موجة خروج جماعي هي الأكبر منذ الحرب الأهلية، ولا يفكر كثيرون منهم في العودة هذه المرة إذ بدأوا ببناء حياتهم من الصفر. كما أن الأطباء من بين من يغادرون، وقالت منظمة الصحة العالمية إن أغلب المستشفيات تعمل بنصف طاقتها مع هجرة نحو 40% من الأطباء، وأغلبهم متخصصون، أو عملهم بدوام جزئي في الخارج.
"مناورات" خجولة
حاولت السلطات اللبنانية الإيحاء بالعمل على إنقاذ الوضع، لكنها غرقت في خلافات سياسية عقيمة، لم توحّدها انتفاضة شعبية ولا انفجار مرفأ بيروت في 4 آب/ أغسطس 2020، الذي أودى بحياة أكثر من 220 شخصاً وجرح سبعة آلاف آخرين.
لم تعمل السلطة اللبنانية منذ بدء الأزمة على ابتداع حلول حتى لو مرحلية، بل أدت سياساتها إلى فقدان المزيد من الودائع التي تؤخذ من المودعين الصغار فيما "إعلان الإفلاس" يبدو بعيداً وهو بكُل الأحوال لن يُغيّر شيئاً من واقع الحال
والمرفأ تحديداً هو بوابة لبنان البحرية الأساسية إلى العالم، وتتمركز فيه أكبر إهراءات القمح في الشرق الأوسط. وأدى تعطّل المرفأ والإهراءات إلى زيادة الضغط الاقتصادي على المواطنين، قبل أن يقرر سلامة في الصيف الماضي، رفع الدعم عن قطاعات عدة، بما فيها بعض المشتقات النفطية والطبية، كاشفاً عن عجز مالي كبير، بعد المساس بودائع اللبنانيين في المصارف. حتى أنه تحدث في مقابلة مع وكالة "فرانس برس" في أواخر العام الماضي، عن أن الودائع المتبقية لا تتعدّى الـ12 مليار دولار، بالرغم من قوله إنه "بحاجة إلى 13 أو 14 مليار دولار لإعادة تفعيل الوضع الاقتصادي".
في 24 شباط/ فبراير الماضي، باشر الجيش الروسي غزو أوكرانيا، ضارباً الانتعاش الاقتصادي العالمي بعد تراجع وباء كورونا. أثّر الهجوم على واردات القمح اللبنانية من موسكو وكييف، فضلاً عن ارتفاع الأسعار مجدداً. في المقابل، عجزت السلطات عن تأمين بدائل عن القمح الروسي والأوكراني، وكما فشلت في معالجة الأزمة الاقتصادية قبل وقوعها وخلالها، فإنها تفشل في التعامل مع الأوضاع المستجدّة.
الآن، بات الحديث يتمحور جدّياً حول إمكانية تسييل الاحتياطي اللبناني من الذهب، البالغ حجمه 286 طناً، والذي يُمكن أن يؤمَّن، وفق أسعار السوق الحالية، ما بين 15 و17 مليار دولار. وهذا النوع من البحث، صار عميقاً في دوائر الدولة، لأن السلطات غير قادرة على تطبيق الإصلاحات التي يطلبها صندوق النقد الدولي، من أجل تمويلها مجدداً والعمل على إعادة نهضة الاقتصاد.
ومع أن السلطات تتحدث عن أن "الشروط قاسية"، إلا أن الأمر لا يتعلق بالشروط، لأن من أهم ما يطلبه صندوق النقد من إصلاحات، متعلق بوضع الكهرباء في لبنان، وهو القطاع الذي كبّد المواطنين أكثر من 40 مليار دولار من الخسائر على مدى 30 عاماً، من دون أن تتجاوز ساعات التغذية اليومية ساعةً واحدةً فقط من أصل 24. في المقابل، نشأت طبقة من "أصحاب المولّدات الخاصة"، ساهمت في منع تطوير القطاع الكهربائي، لارتباط العديد من عناصرها بأحزاب وتيارات سياسية، معرقلةً أي إصلاح محتمل في هذا المرفق.
اليوم وبعد عامين ونيّف، لا تزال الحلول بعيدةً عشية الانتخابات النيابية المقررة في 15 أيار/ مايو المقبل. ولا يرغب أي من أطراف الصراع في تمرير أي إصلاح من صندوق النقد الدولي، قبل إجراء الانتخابات، على قاعدة أن طرفاً لا يرغب في خسارة أصوات انتخابية، في حال وافق على شروط صعبة من الصندوق. مع ذلك، لا يعني هذا أن الدولة قادرة على الاستمرار، وأن الإفلاس الذي تحدث عنه الشامي هو أمر واقع، ولا يحتاج إلى بيان رسمي، بل يتلمّسه اللبنانيون يومياً.
الآن، بات الحديث يتمحور جدّياً حول إمكانية تسييل الاحتياطي اللبناني من الذهب، البالغ حجمه 286 طناً، والذي يُمكن أن يؤمَّن، ما بين 15 و17 مليار دولار
يرى الخبير المالي مايك عازار، في تصريح لوكالة "فرانس برس"، أن التباين السياسي قد يشكل "مؤشراً عما قد تؤول إليه الأمور لاحقاً"، بعدما أطاحت تباينات مماثلة بمفاوضات أجرتها الحكومة السابقة مع الصندوق. ويضيف: "إذا تم التوصل إلى اتفاق (مع الصندوق)، ستبقى هناك تحديات كبرى، إذ يتعين على مجلس الوزراء والبرلمان المصادقة" على البرنامج. وينبغي كذلك "تمرير تشريعات مسبقة وإصلاحات، ووضعها قيد التنفيذ قبل أن يطلب صندوق النقد الدولي من مجلس الإدارة الموافقة على حزمة التمويل"، محذّراً من أنه في غياب "إرادة سياسية"، قد يبقى الاتفاق "حبراً على ورق".
من جهتها، ترى الكك أن أزمة الديون السيادية هي أزمة ديون بالعملة الأجنبية للدولة، لأن دين الدول عادةً يكون بالعملة الأجنبية. وحين تتخلّف الدولة عن الدفع، تكون قد أعلنت رسمياً أنها لا تملك احتياطياً بالعملات الأجنبية، من أجل سداد ديونها. وتشير إلى أن "هذا الأمر أعلنه لبنان في آذار/ مارس 2020، لجهة عدم القدرة على دفع سندات اليوروبوندز. وفي القوانين الدولية، حين تتخلّف عن دفع اليوروبوندز، ليس لشروط قاهرة أو لأسباب تقنية، تستحق كل السندات مع كل الفوائد". وهذه هي الحال منذ آذار/ مارس 2020.
تُذكّر الكك بأن "صندوق النقد الدولي يعلم أن لبنان متخلف عن سداد الديون السيادية، ولم يعد مؤهلاً للاستدانة من مصادر أخرى، وتالياً أصبح الصندوق هو المُقرض الأخير في جميع الحالات. وهنا لا يمدّ الصندوق الدولة المعنية بالأموال، ما لم تُجرِ إصلاحات يفرضها. والإصلاحات تستهدف إعادة القرض، ولا يريد الصندوق الوقوع في فخ الديون المتعثرة، ما يجعله غير قادر على استردادها. وهنا يثق الدائنون، حملة سندات اليوروبوندز، بصندوق النقد الدولي والبنك الدولي، خصوصاً في حال إجراء إصلاحات في الدولة المتعثرة، ما يدفعهم إلى الاتفاق على إعادة جدولة ديون اليوروبوندز، وتحديد تواريخ جديدة للاستحقاق، فضلاً عن حسم جزء من الفوائد أو حسم جزء من الرأسمال الحقيقي للسند".
تنازل عن الحصانة
تقول الكك لرصيف22: "حتى حالة التوقف عن دفع الديون السيادية لا تُخضِع الدولة لأحكام القانون الدولي، بل تخضع للاتفاقية التي وقعها لبنان عبر وزارة المال، وتحديداً الاتفاق مع شركة "لازار" لتحديد الخسائر. وفي حال عدم تطبيق الدولة لهذه الاتفاقيات، تُحاكَم أمام محاكم نيويورك الأمريكية، بصفتها دولةً من دون سيادة إلى حد كبير".
وتسمح اتفاقية الأمم المتحدة الخاصة بالحصانات القضائية، التي أُقرّت في عام 2004، وانضم إليها لبنان في عام 2008 بموجب المادة السابعة، للدول بالتنازل عن سيادتها القضائية تدريجياً على سبع مراحل، ولبنان، حسب الكك، وصل إلى أقصى هذه المراحل للتنازل عن حصانته القضائية.
على سبيل المثال، تُشير الكك إلى أن "روسيا لم تتنازل عن سيادتها حين أصدرت سندات اليوروبوندز، وتالياً إن لم تصل الدولة اللبنانية إلى اتفاق مع صندوق النقد، فقد نصبح أمام نزاع قضائي، مثل الأرجنتين وفنزويلا".
ولكن ماذا عن إفلاس مصرف لبنان؟ تقول الكك إن "للمصرف شخصيةً قانونيةً مختلفةً عن الشخصية القانونية للدولة. مصرف لبنان، بموجب قانون النقد والتسليف، لديه صفتان: صفة عامة، يدير بموجبها المرفق المالي العام، لذلك يملك صلاحيات عديدةً بموجبها، وصفة تجارية، لكونه يتاجر بالأسهم والعملات. وهنا الإشكالية القانونية، إذ يتحدث البعض عن القدرة على إعلان إفلاس مصرف لبنان، بصفته التجارية، مع أن القانون استثناه من الإدراج في السجل التجاري، إلا أنه لم يستثنِه من الخضوع لقاعدة الإفلاس".
تتردد السلطة السياسية في لبنان من إعلان الإفلاس لأن ذلك سيفتح الباب حُكماً أمام ذهابها نحو صندوق النقد الذي سيكون لديه شروطاً قاسية لا تُناسب المستفيدين الذين ساهموا بالوصول إلى هذا الدرك
والإفلاس في القانون اللبناني، حسب الخبيرة الاقتصادية، لا يُطبَّق إلا على التجار. لكن البعض الآخر، يرى أن تطبيق مبدأ الإفلاس على المصرف المركزي، وإن كان في حالة العجز المالي، يعني تعارضه مع مبدأ "استمرارية المرفق العام". تنوّه الكك إلى أنه قبل سنوات قليلة، طلب "فرنسبنك" تطبيق مبدأ الإفلاس على "تلفزيون لبنان"، لكن الطلب رُفض من محكمة البداية ثم من محكمة الاستئناف، لأن تلفزيون لبنان مرفق عام تتوجب استمراريته.
بدوره، يرى خبير المخاطر المصرفية في لبنان، محمد فحيلي، في حديثٍ إلى موقع "سكاي نيوز عربية" أواخر الشهر الماضي، أن "البعض في القطاع المصرفي يعيش وكأن لدينا ودائع مصرفيةً بقيمة 170 مليار دولار والإنتاج المحلي في لبنان بين 55 و60 مليار دولار. هذا لم يعد صحيحاً، وحالياً نعاني في لبنان من انكماش اقتصادي حاد إلى درجة أن الودائع هبطت إلى حدود عشرة مليارات دولار أو أقل، والناتج القومي تدنّى إلى ما دون الـ20 مليار دولار سنوياً، بالإضافة إلى أن ميزان المدفوعات صار سلبياً، والاستيراد تدنّى من 22 مليار دولار إلى سبعة مليارات دولار فقط، وذلك يشير إلى أن حاجة لبنان إلى السيولة التي تحافظ على العجلة الاقتصادية التي كانت تسير في الطريق الصحيح، قد تلاشت".
يُشير الخبير الاقتصادي الأردني، سامر الرجوب، إلى أن حل مشكلة الإفلاس في لبنان هو بإعلان الإفلاس، والاتجاه نحو صندوق النقد الدولي والحصول على قرض مالي ضخم جداً كما فعلت دول عدة سابقاً من ضمنها اليونان. ويضيف في تصريحات صحافية، يوم الإثنين الماضي، أنه بموجب هذا الاقتراض سيكون هناك برنامج اقتصادي قاسٍ ترتفع فيه قيمة الضرائب وترتفع فيه قيمة الفائدة، وسيكون على شكل إدارة خارجية مؤقتة للشؤون الاقتصادية للبنان.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
علامي وحدي -
منذ 3 ساعات??
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 23 ساعةرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون