تستعد غالبية الأسر المصرية لاستقبال شهر رمضان بشراء الشنط الرمضانية وما يُعرف بـ"كارتونة رمضان"، التي تلقى رواجاً كبيراً لاحتوائها على أهم المواد الغذائية التي يحتاجها كل منزل. لذا يشتريها الكثيرون للاستخدام الشخصي أو للتبرع بها للفقراء على هدي تقاليد راسخة في المجتمع، لها جذور دينية تتصل بالإكثار من الخير في شهر رمضان.
هذا العام يأتي رمضان تحت وطأة ظروف اقتصادية أكثر تراجعاً من السنوات الماضية، إذ تشهد الأسواق قفزات واسعة في الأسعار، بدأت منذ عام 2016، في ظل ثبات الرواتب والأجور، خاصة في القطاع غير الحكومي الذي يعمل فيه 70% من المصريين. وبرغم أن الجمعيات التي تقدم المساعدات الغذائية والإنسانية تشكو تراجع التبرعات كل عام، توقعت أن تنخفض التبرعات هذا عام بشكل غير مسبوق في ظل تزايد عجز أسر الطبقة الوسطى على الوفاء باحتياجاتها، وهي الأسر التي تساهم عادة بالنصيب الأكبر من التبرعات.
شنطة أو كارتونة رمضان، يشتريها الكثيرون للاستخدام الشخصي أو للتبرع بها للفقراء على هدي تقاليد راسخة في المجتمع، لها جذور دينية تتصل بالإكثار من الخير في شهر رمضان
كثيراً ما تتبارى المحال في تقديم عروض بأسعار مخفضة للمستهلكين الراغبين في شراء "شنط أو كراتين رمضان"، التي تختلف أسعارها حسب حجمها والسلع التي تضمها وأنواعها وجودتها. وتحتوي الحقيبة (الشنطة) أو الكارتونة عادة على زجاجة من الزيت وعبوتين من السكر والأرز والمعكرونة. وأحياناً تضيف بعض المحال إلى هذه المحتويات برطماناً من معجون الطماطم (الصلصة) وعلبة من المسلى النباتي أو كيساً من الفول أو التمر.
وتبدأ أسعار كارتونة رمضان ذات الحجم الصغير في معظم سلاسل السوبرماركت المشهورة، من 80 جنيهاً، ولا تحتوي على أكثر من ثلاثة أكياس معكرونة، وكيلو أرز، وكيلو سكر، وزجاجة زيت 700 ملي، وظرف سمن 350 غراماً، وبلح جاف 500 غرام، عبوة شاي 40 غراماً، بينما تستبدل بعض المتاجر البلح بالصلصة والملح.
أما الحجم الأكبر من فتبدأ أسعاره من 100 جنيه وتصل إلى 200 جنيه، ويحتوي على نفس مكونات شنطة رمضان الصغيرة مع إضافة كيلو آخر من الأرز وكيلو ثانٍ من السكر الأبيض ونصف كيلو من فول التدميس أو بعض البقول مثل العدس الأصفر واللوبياء. وقد تحتوي في أفضل الظروف على علبة جبن أبيض أو القليل من الياميش الذي لا يتعدى لفة قمر الدين وربع كيلو زبيباً.
تراوح أسعار كارتونة رمضان في المجمعات الاستهلاكية التابعة لوزارة التموين المصرية، وفقاً لما أعلنه الدكتور علي المصيلحي، وزير التموين والتجارة الداخلية، بين 52 و 95 و123 جنيهاً للكارتونة الواحدة. وتحتوي كل فئة من هذه الكارتونة على السلع الأساسية من الزيت السكر الأرز والمعكرونة والشاي والصلصة، وهذه السلع مرشحة للزيادة حسب فئتها وتكلفتها.
وتحتوي كارتونة رمضان التموينية البالغ سعرها 95 جنيهاً، على كيلو أرز وكيلو بلح ولتر زيت وعبوة صلصة، بالإضافة إلى فول 400 غرام، ومعكرونة 400 غرام، وسمنة 700 غرام. أما كارتونة رمضان التموينية البالغ سعرها 125 جنيهاً فتحتوي على كيلو سكر، وكيلو بلح، وعبوة صلصة، وكيلو أرز، ولتر زيت، وفول 400 غرام، ومكرونة 400 غرام، وعبوة سمنة 700 غرام و400 غرام من العدس. .
اعتادت ضحى السيد، أن توزع "شنط رمضان" كل سنة من مالها الخاص قبل أسبوعين من بدء الشهر الكريم. في العام الحالي، وجدت أن الوضع الاقتصادي وارتفاع الأسعار تسببا في زيادة أعداد المحتاجين المستحقين للصدقات وعمل الخير
وتراوح أسعار "شنط رمضان" التي طرحتها شركة مجمعات الأهرام الاستهلاكية، منذ شهر مارس حتى شهر رمضان بين 80 و 110 جنيهات، وتحتوي الشنطة الصغيرة التي تبلغ قيمتها ثمانين جنيهاً على كيلو سكر ولتر زيت طعام خليط، و2 كيلو أرز أبيض مصري وعبوة سمن صناعي 800 غرام وعبوة صلصة 300 غرام وكيسين من المعكرونة زنتهما 350 غراماً وكيلو بلح (شعبي) جاف.
أما الشنطة الكبيرة التي سعرها 110 جنيهات، فتحتوي على كيلو سكر ولتر زيت طعام خليط وكيلوغرامين من الأرز الأبيض وعبوتي فول وكيس عدس 500 غرام وعبوة سمن صناعي 800 غرام وعبوة صلصة 300 غرام وكيسي معكرونة 700 غرام وعبوتي شاي، وكيلو بلح (فاخر) جاف.
فجوة كبيرة في الأسعار
بمقارنة سريعة لأسعار كارتونة رمضان عام 2020، ونظيرتها عام 2015، قبيل قرار تعويم الجنيه، يظهر ازدياد أسعار السلع الغذائية الأساسية نحو ثلاثة أضعاف؛ إذ كانت أسعار كارتونة رمضان ذات الحجم الصغير عام 2015 تبدأ من 25 جنيهاً ولا تتجاوز 30 جنيهاً، وتحتوي على لتر زيت وكيلو سكر وكيلو أو إثنين من الأرز و3 أكياس معكرونة وبرطمان صلصة وكيلو سمن وعلبة شاي، بينما الفئات الأعلى سعراً لكارتونة رمضان 2015 فكانت تبدأ من 39 جنيهاً ولا تتجاوز 48، وكانت تضم إضافة إلى السلع السابقة، كيلوغراماً من البلح ونصف كيلو من فول التدميس.
بالعودة إلى أسعار السلع الغذائية الأساسية داخل المجمعات الاستهلاكية التابعة لوزارة التموين قبيل شهر رمضان عام 2015، تتضح الفجوة الكبيرة في الأسعار، إذ بلغت أسعار المواد الغذائية الأساسية ثلاث أضعاف في أقل من 7 سنوات
بالعودة إلى أسعار السلع الغذائية الأساسية داخل المجمعات الاستهلاكية التابعة لوزارة التموين قبيل شهر رمضان عام 2015، تتضح الفجوة الكبيرة في الأسعار، إذ كان يراوح سعر لتر زيت عباد الشمس النقي بين 10 و13 جنيهاً (يبلغ الآن 34 جنيهاً)، أما زيت الذرة فلم يتجاوز سعره أكثر من 15 جنيهاً للتر (يبلغ الآن 36 جنيهاً)، بينما سعر كيلو الأزر بلغ 4 جنيهات للكيلو من الدرجة الأولى وثلاث جنيهات لليكلو من الدرجة الثانية (يراوح الآن بين 12 و 15 جنيهاً)، وكان يباع السكر في المنافذ التموينية والمجمعات الاستهلاكية بسعر 3.90 جنيه (يبلغ الآن 12.5 جنيه)، وسعر عبوة الشاي 200 غرام 75 قرشاً فقط (يبلغ الآن 8 جنيهات).
نقص الدخل لا يمنع التكافل
اعتادت ضحى السيد، وهي مُدرسة لغة إنجليزية في إحدى الجامعات الخاصة، أن توزع "شنط رمضان" كل سنة من مالها الخاص قبل أسبوعين من بدء الشهر الكريم، على حراس العقارات وعمال النظافة في الشوارع وبعض الكناسين، باعتبار أن أبناء هذه المهن هم الأقل دخلاً في مصر.
في العام الحالي، وجدت ضحى ووالدتها أن الوضع الاقتصادي المتردي وارتفاع الأسعار تسببا في زيادة أعداد المحتاجين والمستحقين للصدقات وعمل الخير، فقررتا توسيع نطاق توزيع شنط رمضان مع الاستعانة بمساهمات الأهل والأصدقاء والجيران الراغبين في التبرع والمشاركة. إلا أن الظروف الاقتصادية نفسها حالت دون مشاركة بعض هؤلاء.
تشكر ضحى الظروف التي جعلتها تشتري الشنط باكراً قبل القرارات الاقتصادية الأخيرة. لكنها لاحظت ارتفاعاً واضحاً في الأسعار وقتذاك. تقول إن المحتويات التي كانت تكلفها 150 جنيهاً، تجاوزت هذه المرة 200 جنيه. هذا قبل قفزة الأسعار الأخيرة. وانتهى الأمر إلى تكوين شنطة تحتوي على زجاجة زيت، كيسي سكر، كيسي معكرونة، كيسي أرز، كيسي فاصوليا بيضاء، مؤكدة حرصها وحرص والدتها على شراء الأصناف الجيدة ذات العلامة التجارية المعروفة، وتفادي الوقوع فريسة لاستغلال بعض التجار الجشعين.
كذلك اعتادت نهى قدري، التي تتطوع وأعضاء أحد نوادي القاهرة الكبرى، أن تشارك في شراء وتوزيع شنط رمضان على بعض الفقراء والمستحقين. حالياً اضطر أعضاء النادي إلى زيادة مبالغ المساهمات التي يدفعونها عادة لهذا النشاط الخيري كل عام. وهم وزعوا 347 شنطة على عمال النادي ورجال الأمن وغيرهم من المحتاجين، لافتة إلى أن الكثير من أطفال الأعضاء شاركوا في تعبئة الشنط وتوزيعها لتعليمهم معنى المشاركة والأعمال الخيرية.
وتؤكد نهى أن تكلفة شنطة رمضان هذا العام أعلى مما كانت عليه العام الماضي، وهو ما دفعها للبحث عن العروض التي تقدمها الهايبرات وسلاسل السوبر ماركت الكبيرة، لافتة إلى أن تكلفة الشنطة الواحدة بلغت 100 جنيه، وهي تضم المواد الغذائية الأساسية وتحتوي على 2 كيلو أرز، 2 كيلو سكر، كيلو معكرونة، علبة صلصة، نصف كيلو لوبيا، علبة شاي، زجاجة زيت. مشيرةً إلى أنها لم تتمكن من إضافة سلعتي البلح وقمر الدين إلى الشنط الرمضانية، رغم أنها اشترتها قبل ارتفاع الأسعار المفاجئ الذي حدث بالتزامن مع الحرب وهبوط الجنيه.
"أوانٍ مستطرقة"
تتوقع الدكتورة سعاد الديب، رئيسة الاتحاد النوعي لجمعيات حماية المستهلك، أن تتراجع الأسعار بعد أيام من بداية شهر رمضان الذي يشهد عادة زيادة في الأسعار تترافق مع زيادة الاستهلاك مقابل الثبات في العرض. وتعلق أن زيادة الأسعار مثال على تطبيق نظرية الأواني المستطرقة، أي أن زيادة سعر أي سلعة يؤثر على غيره في ظل غياب معدلات أو تسعيرة واضحة للسلع وانعدام الرقابة على الأسواق من خلال غياب تفعيل القوانين التي تحمي المستهلك وتضمن استقراراً نسبياً في السوق. وطالبت بتفعيل قانون تشجيع المنافسة ومنع الممارسات الاحتكارية لتحديد أسعار السلع الأساسية لمدة ثلاثة أشهر.
وتعتقد الديب أنه لا يوجد سبب محدد لـ"تضاعف" أسعار كارتونة رمضان والمواد الغذائية بين عامي 2015 و2020. وتقول: "الجشع والرغبة في الثراء السريع من الأسباب الكامنة وراء ارتفاع الأسعار، فضلاً عن زيادة التضخم وتعويم الجنيه"، مشيرة إلى أن الدولة مسؤولة عن المراقبة. كذلك يجب أن تكون هناك مسؤولية مجتمعية لدى القطاع الخاص. وعلى المستهلك ألاّ يشتري أي سلعة ثمنها مبالغ فيه، وما يفوق احتياجاته.
ارتفاع جديد للأسعار
ويعتقد الدكتور إيهاب الدسوقي، أستاذ الاقتصاد بأكاديمية السادات للعلوم الإدارية، أن مصر بصدد موجة جديدة من ارتفاع الأسعار خلال شهر رمضان، بسبب زيادة الطلب، متوقعاً ارتفاعاً أكبر في معدلات التضخم وحدوث هبوط جديد لسعر الجنيه، لأنه، بحسب رأيه، مُقدر حالياً بقيمة أعلى من قيمته الحقيقية.
ويرى أن أسعار السلع والمواد الغذائية ارتفعت بسبب الاعتماد على الاستيراد بنسبة تصل 70% من الاحتياجات الاستهلاكية، مؤكداً أنه كان من المفترض أن يستغرق ارتفاع أسعار السلع بعد الهبوط الأخير للجنيه بعض الوقت، "لا أن يحدث في اليوم نفسه كما فعل بعض التجار مع سلع مستوردة قبل فترة ومخزنة، لكن القانون يبيح حرية تحديد الأسعار ولا يتصدى إلّا لحالات احتكار السلع. وتبقى مشكلة ضعف المنافسة. علماً أن التجار يتفقون فيما بينهم دوماً على رفع الأسعار".
ويُرجع أستاذ الاقتصاد ارتفاع أسعار المواد الغذائية والسلع منذ عام 2015 إلى ارتفاع معدلات التضخم سنوياً، لأن مصر دولة غير منتجة تعتمد على الاستيراد، بالإضافة إلى تعويم الجنيه في 2016.
لا مجال لفرض تسعيرة موحدة
على جانب آخر، يؤكد وائل شهبون، المستشار الإعلامي للاتحاد العام للغرف التجارية، توفر السلع الرمضانية والمواد الغذائية في الأسواق، ووجود حملات يومية لمراقبة السوق، ومنع تخزين السلع، ولكن هناك بعض التجار الضعيفي النفوس يخالفون ميثاق الشرف التجاري حول هامش الربح لتحقيق مكاسب شخصية.
ويعزو شهبون تفاوت الأسعار منذ بدء الحرب الأوكرانية، مروراً بارتفاع الدولار أمام الجنيه، إلى أن سلاسل المحال والهايبرات الكبرى تشتري خطوط انتاج بالكامل وتالياً تحصل على أسعار أقل وتخفيضات تصل إلى 15%، وهي لديها سيارات نقل خاصة فلا تزيد تكلفة النقل عن 6%. وعليه تبيع "كارتونة رمضان" وغيرها من المواد الغذائية والسلع بأسعار أقل مما تبيعه المتاجر الصغيرة التي تدفع من 10% إلى 12% بدل نقل، بجانب اختلاف مكان المتجر، والظروف المحيطة به كالمستوى الاقتصادي للسكان ووجوده في حي شعبي أو في حي راقٍ، أو في حي ناءٍ.
ولا يُحمّل المستشار الإعلامي لاتحاد الغرف التجارية تعويم الجنيه مسؤولية تضاعف الأسعار، لافتاً إلى أن الوضع الاقتصادي قبل التعويم كان قد "دخل في منطقة غامقة" بسبب عودة السوق السوداء للدولار وعجز الدولة عن استيراد السلع الأساسية. ونفى إمكانية فرض الحكومة التسعيرة الموحدة، نظراً لتوقيع مصر على اتفاقية التجارة الحرة، التي تمنح آليات السوق الحر التحكم في الأسعار.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...