شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ضمّ/ ي صوتك إلينا!
لماذا يدعم قطاع هائل من الروس الحرب على أوكرانيا؟

لماذا يدعم قطاع هائل من الروس الحرب على أوكرانيا؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

الثلاثاء 29 مارس 202211:33 ص

يقول مواطن روسي شاب باغتته الحرب في بولندا، فتطوع هناك لمساعدة اللاجئين الأوكرانيين: "لا أعرف ما حدث لرفاقي المواطنين. لا أفهم كيف يمكن تبرير قتل الناس بأي شكل من الأشكال. لا يمكنني استيعاب أنّه يمكن للناس دعم ما يحصل. عندما أرى هؤلاء المؤيدين. لا أعتقد أنهم يفهمون تماماً ما الذي يدعمونه".

لم يحصل أي شيء مماثل خلال حرب جورجيا (2008)، أو ضم القرم ومعارك دونباس (2014). الصدمة التي أحدثها الهجوم الروسي في نفوس بعض المواطنين لا مثيل لها، وانعكست في عدد من الاستقالات من وسائل الإعلام الرسمية وهجرات جماعية من روسيا بحثاً عن مكان أفضل، واحتجاجات متفرقة في المدن الروسية بالرغم من خطر السجن 15 عاماً.

استطلاعات الرأي وإن كانت غير دقيقة (بسبب خوف الناس من التعبير عن الرأي المعارض للحرب)، تبيّن أن ثلثي الشعب الروسي يدعم "العملية العسكرية".

ولكن في المنحى الآخر، وبالرغم من هول مشاهد الخراب والدمار والقتل، وبالرغم من قساوة فكرة قيام بلد بغزو بلد آخر، فإن قطاعاً كبيراً من المواطنين في روسيا يرحّب بالأمر. استطلاعات الرأي وإن كانت غير دقيقة (بسبب خوف الناس من التعبير عن الرأي المعارض للحرب)، تبيّن أن ثلثي الشعب الروسي يدعم "العملية العسكرية". الحفل الذي جرى مؤخراً في ملعب "لوجنيكي" في موسكو، وحشد نحو 60 ألف شخص، وعدد كبير من الفنانين الروس الذين أعربوا عن دعمهم للجيش والرئيس الروسيين، بينما تتعرض مدن أوكرانية للحصار والدمار والموت، ما هو إلا دليل على وجود هذه التوجهات بشكل كبير في البلاد.

ولكن لماذا يدعم قطاع هائل من الروس أعمالاً عدائيةً، تبدو للعالم بأجمعه تقريباً، عدواناً وانتهاكاً سافرين لسيادة دولة أخرى وحرباً لم تشهدها أوروبا منذ 1945؟ قد يبدو الجواب بسيطاً، ولكنه واقعي: لقد تمكن التلفزيون الرسمي في روسيا، وهو التلفزيون الوحيد المتاح مجاناً، من رسم صورة العالم كما يراه الكرملين. صورة تظهر أن الغرب المتوحش، بقيادة الناتو والولايات المتّحدة، يريد تارةً الفناء لروسيا، وتارةً السيطرة على ثرواتها، وأحياناً تقسيمها، ومؤخراً قتل شعبها بالسلاح البيولوجي الذي تصنعه حكومات الدول المعادية لروسيا.

إن الإعلام الرسمي لا ينفك يردد أن الخطر يداهم الوطن، وأن الجميع ما عدا القلة الصالحة، يريدون عالماً من دون روسيا. وهناك "الطابور الخامس" الذي تحركه الاستخبارات المركزية الأمريكية والذي لا ينفكّ يعترض على قرارات الحكومة، أي يعترض على القرارات الوطنية. لأن الخلط بين الوطن والسلطة في روسيا يبلغ حدوده القصوى، ما يعني أن أي انتقاد للقرارات الحكومية يعادل الخيانة.

لقد تمكن التلفزيون الرسمي في روسيا، وهو التلفزيون الوحيد المتاح مجاناً، من رسم صورة العالم كما يراه الكرملين. صورة تظهر أن الغرب المتوحش، بقيادة الناتو والولايات المتّحدة، يريد تارةً الفناء لروسيا

للأسف هناك جزء هائل من الناس، وخصوصاً في الأرياف والمدن البعيدة، يمتص هذه الدعاية بشكل فوري، وبسبب الحياة الصعبة لدى الكثير من الروس، فإنهم يحنّون إلى الزمن السوفياتي لأنهم مقتنعون بأنّه كان مكاناً أفضل للعيش، وأتت واشنطن و"عميلها غورباتشيوف" وهدماه. لا... لا شيء يدعو للضحك، لأن هذه الأفكار تتكرر يومياً على الإعلام الروسي، وتتكرر معها الإشارة إلى البطولات السوفياتية في الحرب العالمية الثانية وفي القضاء على النازية، حتى يبدو للمراقب الخارجي أن المجتمع الروسي يعيش في زمان وواقع مختلفين، رسمهما له الإعلام بشكل ناجح جداً.

من هم الاستثناء؟

الاستثناء في هذه القاعدة هم الأبناء، أي جيل الشباب، الذين يطّلعون على الحقائق من مصادر مختلفة، وتحديداً من الإنترنت، ويعرفون أن ما يجري في روسيا وأوكرانيا ليس ما تصوره شاشات التلفزة الرسمية في بيوت الناس. هذا الجيل اليوم يعاني من خلافات عميقة مع أهله والكثير منهم إما يضطرون إلى قطع العلاقات، أو عدم مناقشة الوضع السياسي/ العسكري. بعض الأمثلة تدل على عمق تأثير البروباغندا في عقول الناس في روسيا؛ أم تقول لابنها يوم إعلان بدء العمليات العسكرية: "أخيراً سنتخلص من سلاح الدمار الشامل الذي يمتلكونه في أوكرانيا. هؤلاء الفاشيون سينالون ما يستحقون"، وحين ينشر الأبناء شيئاً داعماً لأوكرانيا ترى الأهل كاتبين إليهم: "من المؤسف أنّه لدينا خائن في العائلة"، وتنتهي الأمور بمقاطعة فيسبوكية، أو حتى نهائية على صعيد العلاقات.

ودعونا هنا نفهم الأمور: الإنترنت متاح في روسيا، وبالرغم من الرقابة الصارمة والتي منذ بداية الحرب حجبت العشرات من المواقع، فإن الباحث عن أجوبة يستطيع أن يجدها عبر إتاحة المجال لنفسه لقراءة المصادر الأوكرانية والغربية ومشاهدتها وسماعها، ولكن الرغبة هذه تراود القلة، والقلّة الأخرى متأكدة من أن الإنترنت يزيّف الحقائق لأن هذا هو الخطاب السائد عند "المصدر الموثوق الوحيد"، ألا وهو التلفاز.

الاستثناء في هذه القاعدة هم الأبناء، الذين يطّلعون على الحقائق من مصادر مختلفة، وتحديداً من الإنترنت، ويعرفون أن ما يجري في روسيا وأوكرانيا ليس ما تصوره شاشات التلفزة الرسمية في بيوت الناس. هذا الجيل اليوم يعاني من خلافات عميقة مع أهله والكثير منهم إما يضطرون إلى قطع العلاقات

أعتقد أنّ الرأي العام الذي نراه في روسيا اليوم، هو نتيجة عمليّة فعالة وناجحة جداً من السلطات الروسية على مدار 20 عاماً للسيطرة على الخطاب الإعلامي الموجه إلى الروس، هذا من ناحية. لكن من الناحية الأخرى، هو أيضاً الخطاب الذي يلقى آذاناً صاغيةً لدى العامة، وهو الخطاب الذي يستسيغ المواطن الروسي العادي سماعه. لأن روسيا على شاشات التلفزة دائماً منتصرة، ومع الحق، ودائماً هي الفريسة التي يريد الآخرون الانقضاض عليها.

للأسف الشعوب لا تستفيق من هكذا سبات إلا إثر هزائم كبرى تهز واقعهم، وتفكك عالمهم وتعيدهم إلى الواقع المرير، وليس مستبعداً أن يكون الرئيس فلاديمير بوتين قد ساهم بقراره في استعجال هذا الأمر.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard
Popup Image