شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!
منطقة الحظر الجوي فوق أوكرانيا... ماذا تقول لنا التجارب التاريخية؟

منطقة الحظر الجوي فوق أوكرانيا... ماذا تقول لنا التجارب التاريخية؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

الخميس 17 مارس 202203:21 م

مع اشتداد الخناق العسكري الروسي حول العاصمة الأوكرانية كييف، يتصاعد الجدل بين العسكريين والمحللين السياسين الأمريكيين والأوروبيين حول إمكانية فرض منطقة حظر جوي فوق أوكرانيا، من أجل منع الغارات الجوية الروسية على القوات العسكرية الأوكرانية والمدنيين في المنطقة. سيشمل إنشاء مثل هذه المنطقة مزيجاً من عمليات جمع المعلومات الاستخبارية اليومية، والمسح الاستخباراتي الدوري لمسرح العمليات، والدوريات الجوية على مدار الساعة بأعداد كبيرة من الطائرات والطيارين، والأهم من ذلك، التهديد بمنع الطائرات المعادية من دخول المجال الجوي الأوكراني.

تاريخياً، يمكن ملاحظة بعض التجارب الناجحة في هذا النوع من الإجراءات العسكرية، إذ تم تطبيق هذا السيناريو من قبل الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي في العراق بعد حرب الخليج، وفي البوسنة في منتصف تسعينيات القرن الماضي، وفي ليبيا خلال الحرب في عام 2011، ولكن مع فارق مهم جداً وهو أنها في تلك الحالات لم تكن تنطوي على فرض منطقة حظر على قوة عظمى، بل كانت عبارةً عن استعراض قوة لدعم حلفاء محليين على الأرض في مواجهة قوى جوية متهالكة.

تعكس فكرة إنشاء منطقة حظر طيران دافعاً إنسانياً لتخفيف معاناة الأوكرانيين و"القيام بشيء ما" في مواجهة العدوان الروسي. لكن القيام بذلك من شأنه أن يخاطر بالوقوع في مأساة أسوأ بكثير. ينطبق هذا حتى على فكرة منطقة حظر طيران محدودة، ويتم نقاشها من بعض الخبراء والمسؤولين السابقين، وهي فكرة قد تبدو معقولةً ولكنها في الواقع متهورة للغاية.

تعكس فكرة إنشاء منطقة حظر طيران دافعاً إنسانياً لتخفيف معاناة الأوكرانيين و"القيام بشيء ما" في مواجهة العدوان الروسي. لكن القيام بذلك من شأنه أن يخاطر بالوقوع في مأساة أسوأ بكثير

تهدف فكرة منطقة الحظر الجوي المحدودة في المقام الأول إلى حماية الممرات التي يمكن للمدنيين الهروب من خلالها، وجعلهم في مأمن من الضربات الجوية الروسية. لكن في الأسبوعين الأولين من الحرب، على الأقل، لم تكن العمليات الجوية الروسية هي المشكلة الرئيسية. تسببت المدفعية والصواريخ التي تم إطلاقها من الأرض بأضرار أكثر بكثير من سلاح الجو الروسي، ولن يكون لمنطقة حظر الطيران تأثير يُذكر على مثل هذه الهجمات.

وفي حال لم يقبل الروس بالفكرة، فسيتعيّن على الناتو أن يقرر ما إذا كان سيطبقها، مما يعني الاستعداد لإسقاط الطائرات الروسية، وسيكون ذلك بمثابة بدء حرب بين الناتو وروسيا، ويعني ذلك قيام أول حرب مباشرة بين القوى الكبرى منذ عام 1945.

تشارك الولايات المتحدة وحلفاؤها بالفعل في القتال ضد القوات الروسية، ولكن بشكل غير مباشر، من خلال توفير الأسلحة والإمدادات لأوكرانيا. ومع ذلك، تظل هذه المشاركة دون عتبة التصعيد التي تم تحديدها ضمنياً من خلال التجارب السابقة. على سبيل المثال، زوّد الاتحاد السوفياتي السابق الكوريين الشماليين والصينيين، بالأسلحة في حربهم ضد الأمريكيين في كوريا في الخمسينيات، وزوّدوا الشيوعيين الفييتناميين بالأسلحة مرةً أخرى ضد الأمريكيين في الستينيات. من جانبها، زوّدت الولايات المتحدة المجاهدين الأفغان بصواريخ سترينغر المضادة للطائرات والتي لعبت دوراً كبيراً في هزيمة الاتحاد السوفياتي في أفغانستان في الثمانينيات. في هذه الحالات، غضب الروس والأمريكيون من الخسائر التي تكبّدوها من هذه الإمدادات العسكرية، لكنهم امتنعوا عن الانتقام بالقوة ضد المورّدين الرئيسيين، خشية أن تتحول الحروب الصغيرة إلى حروب كبيرة.

صحيح أن الطيارين الأمريكيين والسوفيات اشتبكوا مع بعضهم البعض مباشرةً في بعض المعارك الجوية خلال الحرب الكورية، لكن كلا الجانبين أبقيا هذا الأمر سراً للغاية لسنوات عديدة بعد ذلك، وعلى وجه التحديد لكبح الضغوط السياسية لتوسيع الحرب. في عالم اليوم حيث الاتصالات المتطورة تقنياً ووفرة المعلومات الاستخبارية، لا توجد طريقة يمكن أن تظل فيها المعارك الجوية فوق أوكرانيا سرّيةً.

تضاف إلى ذلك حالة الانقسام التي يمكن أن تنشأ بين الحلفاء الغربيين حول الفكرة أو التراجع عنها في حال تعنّت الجانب الروسي وتعاظم تهديداته لدول الحلف المحاذية لأوكرانيا، والتي من المفترض أن تقلع من قواعدها طائرات الحلف لتنفيذ مهامها. ستعطي انطباعاً سلبياً وستزداد الشكوك حول ما إذا كان التحالف سيفي بوعده التأسيسي بالدفاع الجماعي، لا سيما عندما يتعلق الأمر بالأعضاء الأضعف والأحدث، مثل دول البلطيق الضعيفة نسبياً.

إن المأساة الأوكرانية الحالية هي نتيجة لخطئين فادحين ارتكبهما حلف شمال الأطلسي، الأول يتمثل في إعلان الحلف عام 2008، عن أن أوكرانيا وجورجيا ستنضمان إليه يوماً ما.

إن الرغبة في مساعدة أوكرانيا يمكن إدراجها تحت بند النوايا الحسنة. لكن الشيء الوحيد الأسوأ من مشاهدة الهزيمة البطيئة للبلاد، هو الوعد بتدخل عسكري مباشر لا يمكن تحقيقه

والثاني، هو عدم الإسراع في إجراءات انضمام البلدين إلى الحلف، وتالياً إرساء الضمانة الرادعة لحلف الناتو على الفور. خلقت فترة الغموض هذه حافزاً وفرصةً لروسيا لشن حرب وقائية بالنظر إلى رؤية بوتين لتوسّع الناتو شرقاً على أنه تهديد لروسيا.

إن الدخول المتأخر إلى الحرب بصورة مباشرة من خلال فرض منطقة حظر جوي، سيؤدي الى كارثة أكبر وإلى تفاقم المأساة. كما أنه توجد طرق للدعم من دون الانخراط المباشر في الحرب، تتمثّل في تقديم الإغاثة للاجئين المدنيين والأسلحة والذخيرة والغذاء والدعم اللوجستي للجيش الأوكراني.

إن الرغبة في مساعدة أوكرانيا يمكن إدراجها تحت بند النوايا الحسنة. لكن الشيء الوحيد الأسوأ من مشاهدة الهزيمة البطيئة للبلاد، هو الوعد بتدخل عسكري مباشر لا يمكن تحقيقه. والأسوأ من ذلك، تحويل الحرب الباردة الجديدة إلى حرب ساخنة، يمكن أن تؤدي إلى دمار واسع النطاق في كل أنحاء العالم يجعل الدمار الذي خلّفته الحرب الحالية في أوكرانيا يبدو غير مهم.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard